حديث الجمعة113: غيبة الإمام المهدي المنتظر(الحلقة الثالثة) من سيرة الشهيد السيد محمد باقر الصدر(الحلقة الثالثة)
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وأفضل الصلوات على سيد الأنبياء محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عناوين الحديث:
* غيبة الإمام المهدي المنتظر(الحلقة الثالثة)
* من سيرة الشهيد السيد محمد باقر الصدر(الحلقة الثالثة)
غيبة الإمام المهدي المنتظر(الحلقة الثالثة):
تناولنا في الحلقة السابقة نبذة موجزة عن “النواب الأربعة” الذين مارسوا دور النيابة الخاصة في مرحلة الغيبة الصغرى، وقد أكدنا في حديثنا عن هؤلاء النواب الأربعة على ثلاثة نقاط مهمة شكلت برهانا واضحا على صدقهم:
النقطة الأولى: المكانة المتميزة لهؤلاء النواب الأربعة عند الأئمة من أهل البيت عليهم السلام وقد أكد ذلك ما صدر عن الأئمة من ثناء وإطراء وتوثيق لهؤلاء النواب.
النقطة الثانية: السيرة الذاتية للنواب الأربعة والتي عبرت عن مستويات عالية من النزاهة والطهر والعدالة والاستقامة والتقوى والورع.
النقطة الثالثة” إذعان وانقياد أجلاء و عظماء الشيعة من فقاء وعلماء ومثقفين ووجهاء في مرحلة الغيبة الصغرى لهؤلاء النواب الأربعة.
هكذا تم تحصين هذا الموقع الخطير في مواجهة كل الاختراقات، وكل الادعاء الكاذبة، لقد حدثت محاولات للاختراق، و وجد”أدعياء نيابة” كذبة حاولوا بدوافع مشبوهة أن يخدعوا الناس، إلا أن الضوابط التي وضعها الأئمة لحماية هذا الموقع، إضافة إلى وعي القاعدة المنتمية إلى مدرسة أهل الأئمة، كذلك السلوك المنحرف لدى هؤلاء الأدعياء كل ذلك كان له الدور الكبير في إفشال محاولات الاختراق وفي افتضاح “أدعياء النيابة الكاذبة”.
ومن الواضح – من خلال قراءة السيرة الذاتية لأدعياء النيابة – أنهم يتورطون دائما في طرح أفكار ومفاهيم تتنافى – صراحة – مع مسلمات مدرسة الأئمة من أهل البيت عليهم السلام، وكثيرا ما يقودهم الجموح المنحرف إلى التناقض الفاضح مع أساسيات الإسلام.
إن قراءة تاريخية لتلك الادعاءات الكاذبة والتي تمثلت في أشخاص أو في حركات تبرهن على هذه الحقيقة، فكل تلك الادعاءات انتهت إلى الانحراف التام عن الإسلام، وسقطت في أحضان الإلحاد والزندقة، ولقد حاول بعض الكتاب المدلسين أن يتخذ من ظاهرة “أدعياء النيابة” دليلا على بطلان “فكرة النيابة” فمادامت هذه الفكرة قد أصبحت ملاذا لكل العابثين والمنحرفين فهذا دليل واضح على أنها فكرة باطلة زائغة، بل أن فكرة الإمام المهدي فكرة باطلة لوجود “أدعياء مهدوية” ما أسخف هذا اللون من الاستدلال، هل أن “الحقائق الدينية والإنسانية ” تنقلب إلى “أباطيل” لمجرد وجود “أدعياء كذبة” و ” حملة شعارات زائفة” حاولوا أن يعبثوا بتلك الحقائق الدينية والإنسانية؟!!
هل أن حقيقية ” الربوبية والألوهية ” تصبح حقيقة زائفة لمجرد وجود “أدعياء الألوهية و أدعياء ربوبية كذبة”؟!!
وفق هذا الاستدلال الأهوج لهؤلاء الكتاب المفلسين يكون الأمر كذلك…
وهل أن حقيقة “النبوات والرسالات” تصبح حقيقية باطلة لمجرد وجود “أدعياء بنبوة و أدعياء رسالة كذبة”؟!!
وفق هذا الاستدلال الأهوج لهؤلاء الكتاب المفلسين يكون الأمر كذلك…
وهل أن حقيقة “الإمامة ” تصبح حقيقة باطلة لمجرد وجود “أدعياء إمامة كذبة”؟!! وفق هذا الاستدلال الأهوج لهؤلاء الكتاب المفلسين يكون الأمر كذلك.
وهل أن الحقائق الإنسانية الكبرى: العدل الحرية ، الشرف ، الفضيلة، العزة، الكرامة، الخير، الصلاح، لإنصاف – إلى آخرة قائمة هذه الحقائق – هل تصبح “أباطيل” لمجرد “أدعياء كذبة” تاجروا بهذه القيم الإنسانية؟!!! وفق هذا الاستدلال الأهوج لهؤلاء الكتاب المفلسين يكون الأمر كذلك.
إن وجود “أدعياء نيابة كذبة” لا يعني أن فكرة النيابة فكرة باطلة، ولا يعني أن قضية الإمام المهدي قضية باطلة، لقد ذكر لنا التاريخ ” محمدا بن نصير النميري واحدا ممن ادعوا “النيابة” كذبا وزورا، وقد أجمعت المصادر الرجالية على انحراف فكريا وروحيا وسلوكيا، وبلغ به الأمر أن ادعى “النبوة” وكان يقول بالتناسخ، وحسب ما جاء في بعض المصادر فإن أتباعه قوم إباحية تركوا العبادات والشرعيات، واستحلوا المنهيات و المحرمات، و النميري من الغلاة المعروفين والذين صدر اللعن عليهم من قبل الأئمة عليهم السلام، قال العلامة الحلي في الخلاصة أن النميري لعنه الإمام الهادي عليه السلام، فهل من الإنصاف أن يقارن “النواب الأربعة” المتميزين بأعلى درجات الوثاقة والعدالة، والطهر والنقاء والبصيرة والإيمان بأمثال هؤلاء الأدعياء المنحرفين كالنميري والشريعي والشلرفاني كما فعل القفاري وأحمد الكاتب وأمثالها ممن حاولوا إرباك الصورة، وتشويش الرؤية، وخلط الأوراق، مما يتنافى مع نزاهة البحث وموضوعيته، كما حاول ا – عن قصد – أن يتعاملوا مع ” الحالات الدخيلة” في سياق التعامل مع “الحالات الأصيلة”، إن هؤلاء الكتاب يهدفون إلى التشكيك في قضية الإمام المهدي وإثارة الشبهات حولها، مما جعلهم يمارسون هذا الخلط المتعمد، إلا أن كل محاولات التشكيك والتشويش والتشويه قد سقطت، فهذه القضية تملك من الأدلة والبراهين والإثباتات القوية ما يعطيها القدرة على مواجهة كل الإشكالات الإثارات والشبهات.
قراءة في سيرة الشهيد السيد محمد باقر الصدر(الحلقة الثالثة):
الشهيد الصدر يتحدى كل المساومات:
لقد دأب أعداء الإسلام وأعداء الدعوة إلى الله أن يضعوا في طريق الدعاة والعاملين العقبات من اجل أن يجمدوا حركة الرسالة وحركة الدعوة، ومن أساليب التصدي والمواجهة التي مارسها أعداء الإسلام وأعداء الدعوة ولازالوا يمارسونها”أسلوب الإغراء والمساومة”، الإغراء : تقديم عروض مغرية من أجل أن يتنازل العاملين والدعاة على الله عن مواقفهم وأهدافهم ومبادئهم، المساومة: تنازلات متبادلة.
مارس المشركون في بداية الدعوة هذا الأسلوب مع رسول الله صلى الله عليه واله:
• اجتمعوا إليه مرة فقالوا: يا محمد شتمت الآلة، وسفهت الأحلام، وفرقت الجماعة، فإن طلبت مالا أعطيناك، أو الشرف سودناك، فقال صلى الله عليه وآله:”ليس شيء من ذلك بل يبعثني الله إليكم رسولا”.
• وقال صلى الله عليه واله مرة مقابل اغراءاتم: ” والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن اترك هذا الأمر ما تركته حتى يضره الله أو اهلك دونه”.
• وأما مساوماتهم لرسول الله صلى الله عليه واله فقد قالوا له: نعبد إلهك سنة، وتعبد ألهتنا سنة” فكان الجواب:”” قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ “
وما أكثر ما مارس الطغاة هذا الأسلوب شراء الذمم والضمائر، وما أكثر من باعوا دينهم وقيمهم ومبادئهم من اجل حفنة من المال، ومن منصب، ومن عروض زائفة ما هي إلا متاع أيام، أذكر لكم شاهدا من التاريخ، وهناك شواهد وشواهد في واقعنا المعاصر:
الشاهد من التاريخ:
حدثتنا كتب التاريخ عن عبد الله البراز الميشابوري أنه قال: دخلت على حميد بن قحطبة (احد عملاء البلاط العباسي) في شهر رمضان وقت الظهر ، فسلمت عليه وجلست،ثم أحضرت المائدة، فأمسكت ولم آكل ، فقال لي : مالك لا تأكل ؟
فقلت أيها الأمير هذا شهر رمضان ، ولست بمريض ولا بي علّة توجب الإفطار ، ولعلّ الأمير له عذر في ذلك أو علّة توجب الإفطار ، فقال : ما بي علّة توجب الإفطار وإنّي لصحيح البدن ، ثم دمعت عيناه وبكى .
فقلت له بعدما فرغ من طعامه : ما يبكيك أيّها الأمير ؟
فقال : أسمع قصتي…
في ليلة من الليالي طلبني هارون الرشيد، فلمّا دخلت عليه رأيت بين يديه شمعة تتقد وسيفاً أخضر مسلولاً وبين يديه خادم واقف ، فلما قمت بين يديه رفع رأسه إليَّ فقال : كيف طاعتك لأمير المؤمنين ؟ فقلت : بالنفس والمال ، فأطرق ثم أذن لي في الانصراف .
فلم ألبث في منزلي حتى عاد الرسول إليَّ وقال : أجب أمير المؤمنين ، فصرت بين يديه فرفع رأسه إليَّ فقال : كيف طاعتك لأمير المؤمنين ؟
فقلت : بالنفس والمال والأهل ـ فتبسم ضاحكاً ، ثم أذن لي في الانصــراف .
فلما دخلت منزلي ،لم ألبث أن عاد الرسول إليَّ فقال : أجب أمير المؤمنين فحضرت بين يديه ، فرفع رأسه إليَّ فقال : كيف طاعتك لأمير المؤمنين ، فقلت : بالنفس والمال والأهل والولد والدين فضحك ، ثم قال لي : خذ هذا السيف وامتثل ما يامِّرك به هذا الخادم .
قال : فتناول الخادم السيف وناولنيه وجاء بي إلى بيت بابه مغلق ففتحه فإذا به بئر في وسطه ، وثلاثة بيوت أبوابها مغلقة ، ففتح باب بيت منها فإذا فيه عشرون نفسا، شيوخ وكهول وشبّان مقيَّدون ، فقال لي : إنَّ أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء ، وكانوا كلهم علويّة من ولد علي وفاطمة (ع) فجعل يخرج إليَّ واحداً بعد واحد فأضرب عنقه حتى أتيت على آخرهم ، ثم رمى بأجسادهم ورؤوسهم في تلك البئر .
ثم فتح باب بيت آخر فإذا فيه أيضاً عشرون نفسا من العلويّة من ولد علي وفاطمة (ع) مقيدون ، فقال لي : إن أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء ، فجعل يخرج إليَّ واحداً بعد واحد فأضرب عنقه ويرمي به في تلك البئر ، حتى أتيت على آخرهم ، ثم فتح باب البيت الثالـث فإذا فيه مثلهم عشرون نفساً من ولد علي وفاطمة (ع) ، مقيدون عليهم فقال لي : إن أمير المؤمنين يأمرك أن تقتل هؤلاء أيضاً فجعل يخرج إليَّ واحداً بعد واحد فأضرب عنقه فيرمي به في تلك البئر ، حتى أتيت على تسعة عشر نفساً منهم ، وبقي شيخ منهم عليه شعر فقال لي : تبّاً لك يا مشؤوم أي عذر لك يوم القيامة إذا قدمت على جدنا رسول اللـه (ص) وقد قتلت من أولاده ستين نفساً ، قد ولدهم عليّ وفاطمة (ع) ، فارتعشت يدي وارتعدت فرائصي فنظر إليَّ الخادم مغضباً وزبرني ، فأتيت على ذلك الشيخ أيضاً فقتلته ورمى به في تلك البئر ، فإذا كان فعلي هذا وقد قتلت ستين نفساً من ولد رسول اللـه (ص) فما ينفعني صومي وصلاتي وأنا لا أشك أني مخلد في النار .
هكذا يتحول عملاء الحكام والسلاطين إلى مجرمين، حينما تنمسخ في داخلهم الضمائر وحينما يبيعون دينهم بأثمان بخسه.
وما أكثر المتاجرين بدينهم وبضمائرهم بمنصب هنا أو موقع هناك، وكم باع الكثيرون مبادئهم وأهدافهم ومواقفهم من أجل مال أو وظيفة أو سلطة، هكذا تصنع الإغراءات والمساومات.
وفي المقابل يوجد أصحاب المواقف المبدئية، الدين تحدوا كل المغريات، وتحدوا كل المساومات، وصمدوا صمود الأبطال وصمود الأحرار.
ولنا في صمود الشهيد السيد محمد باقر الصدر وفي عنفوانه وشموخه أكبر شاهد في هذا العصر فقد تحدى بكل صلابة وكبرياء مساومات النظام الحاكم في العراق وكل إغراءاته وكل بطشه وعنفه وتهديداته، كيف حاول نظام الطاغية صدام أن يمارس “المساومات” مع الشهيد السيد محمد باقر الصدر؟
وكيف رفض شهيدنا السيد –وبكل إباء وعزة – تلك المساومات؟
مما دفع النظام الغاشم إلى الإقدام على ارتكاب الجريمة الشنعاء في قتل الشهد الصدر وأخته العلوية بنت الهدى.
كيف تم ذلك؟
هذا ما سوف نتناوله –بإذن الله تعالى-في اللقاء القادم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين