حديث الجمعة104:الجمهور العاشورائي(2) – أمة لا تثأر لمقدساتها أمة بلا كرامة – أحكام تساهم في التصعيد.
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد والله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه بعض كلمات :
• الجمهور العاشورائي(2).
• أمة لا تثأر لمقدساتها أمة بلا كرامة.
• أحكام تساهم في التصعيد.
الجمهور العاشورائي:
أكدنا في الحديث السابق على قيمة الوعي بأهداف عاشوراء في إنتاج الجمهور العاشورائي ومتى ما غاب هذا الوعي كان الإنتماء إلى عاشوراء فاقدا لعنصر من أهم عناصر تكوينه، وتشكّله، مما يحدث خلا واضحا في الإنتساب إلى عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام.
نتابع الحديث حول مكونات هذا التشكل العاشورائي وهنا نتناول العنصر الثاني من عناصر هذا التشكل … وهذا العنصر هو:
((الإنصهار الوجداني والعاطفي مع أهداف عاشوراء)).
إذا كان الوعي بهذا الأهداف يشكل عنصرا هاما جدا في تكون ((الجيل العاشورائي)( فإن ((الإنصهار الوجداني والعاطفي)) مع أهداف عاشوراء هو الأخر عنصر هام جدا في تكوين ((الجمهور العاشورائي))، فالإرتباط الفكري والثقافي والعلمي المجرد من العاطفة والمشاعر والأحاسيس الوجدانية هو إرتباط جاف وجامد وفاتر.
لماذا نجد بعض المثقفين والمفكرين يعيشون الخمول والركود والفتور…؟ فرغم ما يملكون من وعي ثقافي وعلمي بمفاهيم الإسلام إلا أنهم لا يملكون الحرارة في العمل من اجل الإسلام والدفاع عن مبادئه وقيمة.
ما هو السبب في ذلك؟
كون هؤلاء ارتبطوا بالأهداف فكريا وثقافيا وعلميا، إلا أنهم لم يعيشوا العشق والذوبان والانصهار الوجداني والعاطفي مع هذه الأهداف.
لا يمكن أن نتحمس للأفكار والمبادئ والأهداف إذا لم تدخل في العمق من قلوبنا ومشاعرنا وعواطفنا، وبقيت مفاهيم في الذهن.
صحيح أن العواطف والمشاعر والأحاسيس التي لا تملك الوعي والبصيرة هي عواطف عمياء، ومشاعر تائه، وأحاسيس جوفاء.
يجب أن نغذي العواطف والمشاعر والأحاسيس بجرعات كافية من الوعي والبصيرة حتى لا تنفلت، وتتنصل، وحتى لا تنحرف، وحتى لا تنهزم.
وفي المقابل يجب أن نغذي الأفكار والمفاهيم بجرعات كافية من العواطف الإيمانية والمشاعر الوجدانية حتى لا تتكلس هذه الأفكار والمفاهيم، وحتى لا تتجمد، وحتى لا تصاب بالشلل والعطل والفتور.
فالتعاطي مع عاشوراء الإمام الحسين(ع) يجب أن يعيش هذا “التزاوج” بين الفكر والعاطفة.
فالجمهور العاشورائي جمهور يمتلك درجة عالية من الوعي والبصيرة بأهداف عاشوراء، كما يمتلك درجة عالية من الإنصهار العاطفي والوجداني مع أهداف عاشوراء، وحينما نتحدث عن الإنصهار العاطفي والوجداني مع أهداف عاشوراء لا نعني فقط الانفعال بالمأساة رغم أن هذا الانفعال مهم جدا، ولا يصح أبدا أن نقلل من أهميته، لأن الانفعال بمأساة عاشوراء هو الذي أعطى لعاشوراء هذا الزخم الكبير من المشاعر والأحاسيس، وهو الذي أعطى لعاشوراء هذه الحرارة والفوران.
إننا نصر أن تبقى عاطفة الانفعال بالمأساة الحسينية في أعلى درجاتها، وهذا ما أكده الأئمة من أهل البيت عليهم السلام حينما دعوا بقوة إلى “البكاء” من اجل الإمام الحسين(ع) ، وإلى “التفاعل مع مأساة عاشوراء”،
هذا الانفعال العاطفي مع “مأساة الإمام الحسين(ع)” أمر مطلوب جدا ، وضروري لتشكل الإنتماء إلى عاشوراء، إلا أن الإنصهار الوجداني والعاطفي يجب أن لا يقف عند هذا الحد وهذا المستوى، إنه يعني درجة عالية من ((العشق للأهداف الحسينية))، هذا العشق هو الذي يدفع في اتجاه التضحية والشهادة من أجل الأهداف والمبادئ ، الكثيرون يعيشون درجة عالية من الانفعال بمأساة الإمام الحسين(ع)، إلا أنهم لا يملكون أدنى درجات الاستعداد للتضحية من أجل أهداف الإمام الحسين(ع)، لماذا لا يملكون هذا الاستعداد للتضحية من اجل أهداف الإمام الحسين(ع)؟
الجواب كونهم لا يملكون درجة عالية من العشق لهذه الأهداف، فالعاطفة الحسينية يجب أن تتحرك في مسارين:
المسار الأول:
التأثر والانفعال بمأساة الإمام الحسين(ع) بما يفرضه ذلك من أشكال متعددة للتعبير عن هذه التأثر والانفعال … بشرط أن تكون هذه الأشكال من التعبير منسجمة كل الانسجام مع أهداف، ومبادئ، وقيم عاشوراء ، وبشرط أن لا تسئ إلى سمعة القضية الحسينية، وإلى سمعة هذا الموسم العاشورائي.
فليس كل شكل من أشكال التعبير يصلح أن يكون أداة تخدم أهداف عاشوراء ، وتخدم أهداف الإمام الحسين(ع)، بل ربما جاءت بعض الأشكال التعبيرية متناقضة كل التناقض مع الأهداف….
المسار الثاني:
الذوبان والعشق في تلك الأهداف الحسينية، هذه العاطفة هي التعبير الصادق عن ((الولاء لأهداف عاشوراء)).
العاطفة في” مسارها الأول” غير قادرة أن تحرك في اتجاه “الدفاع عن الأهداف الحسينية”، وفي اتجاه “التضحية من أجل هذه الأهداف”.
لماذا نجد بعض الذين ينفعلون بمأساة الإمام الحسين(ع)، وفي أعلى درجات الانفعال … نجدهم يتناقضون كل التناقض مع أهداف وقيم ،ومبادئ، الإمام الحسين(ع)؟
هؤلاء توافروا على العاطفة الحسينية في “مسارها الأول”… إلا أنهم لا يتوافرون عليها في “مسارها الثاني”.
أيها الأحبة :
إن الجمهور العاشورائي يمتلك درجة عالية جدا من العشق لأهداف الإمام الحسين(ع) ، وليس كل من أدعى “العشق للإمام الحسين(ع)”، ولأهداف الإمام الحسين(ع) هو صادق في هذا الإدعاء.
العشق الحقيقي هو الذي يخلق فينا روح التفاني من أجل الأهداف…
أي عاشق هذا الذي لا يتفان ى من أجل الأهداف التي يعشقها؟
أي عاشق هذا الذي لا يدافع عن القيم التي يعشقها؟
أي عاشق هذا الذي لا يعطي دمه من أجل المبادئ التي يعشقها؟
أنصار الإمام الحسين(ع) الذين قدموا أرواحهم رخيصة على مذبح كربلاء هم العشاق الحقيقيون للإمام الحسين(ع) ولأهداف الإمام الحسين(ع).
إننا نكرر دائما ((يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيما))، فهل نحن صادقون فيما نقول؟
التاريخ شهد عشاقا حقيقيين للإمام الحسين (ع) ولأهداف الإمام الحسين(ع)…
لا أريد أن أتناول هنا عنصر التضحية والشهادة من أجل أهداف عاشوراء فهذا م سوف أتعرض له في حديث قادم إن شاء الله تعالى ، ما أعنيه في حديثي هنا أن العاطفة الحسينية الصادقة هي التي تعبير عن عشق حقيقي لأهداف الإمام الحسين(ع)، ولأهداف عاشوراء ، ومن خلال هذه العاطفة في انفعالها بمأساة عاشوراء ، وفي عشقها للأهداف عاشوراء يتشكل “العنصر الثاني” من عناصر الجمهور العاشورائي. نتابع الحديث في الأسبوع القادم عن بقية العناصر.
الأمة التي لا تثأر لمقدساتها أمة بلا كرامة:
لا زالت تفاعلات الإساءة إلى مقام النبي الأعظم (ص) تتحرك في أوساط المسلمين وبأساليب متعددة..
أن تعبر الأمة عن رفضها واستنكارها وشجبها لأي شكل من أشكال المسّ بالمقدسات والرموز الدينية أمر يؤكد أن الأمة تحتفظ بعزتها وكرامتها وغيرتها…
وحينما لا تثأر الأمة لمقدساتها ورموزها فهذا يعني أنها أمة بلا كرامة ولا عزة… وكيف تكون الأمة قادة أن تثأر لمقدساتها ورموزها ومبادئها وقيمها؟
تكون قادرة على ذلك حينما تتوفر على درجة كافية من التعبئة الإيمانية والروحية والفكرية والسياسية والجهادية.
أغلب الأنظمة الحاكمة في بلداننا العربية والإسلامية لا تريد لشعوبها أن تملك درجة عالية من تلك التعبئة….
لماذا لا تريد الأنظمة أن تتصاعد مستويات التعبئة الإيمانية والروحية والفكرية والسياسية والجهادية عند شعوبها؟
لان الأنظمة الحاكمة تخشى دائما من عنفوان الشعوب ، كون هذا العنفوان يعطي للشعوب القدرة والصلابة والإرادة والجراءة والشجاعة في مواجهة سياسيات الظلم والقهر والاستبداد والعبث بالحقوق والحريات والكرامات …
ولا أن الأنظمة الحاكمة تخشى دائما من صحوة الشعوب ، كون هذه الصحوة تعطي للشعوب الوعي والبصيرة والفهم والإرادة في محاسبة سياسات الأنظمة ، ومفاسد الحكومات…
نعم… الأنظمة العادلة والتي تحترم إرادة شعوبها ، هي التي تفكر في النهوض بتلك الشعوب إيمانيا، وروحيا، وأخلاقيا، وثقافيا، واجتماعيا، واقتصاديا، وسياسيا، وجهاديا….
وحينما نتحدث عن النهوض لا نتحدث عن شعارات تحاول أن تخدع الجماهير، وتحاول أن تضلل الجماهير، وتحاول أن تخذل الجماهير….
النهوضات الحقيقية هي مشروعات صادقة وجادة وهادفة ، وليست مشروعات للاستهلاك الإعلامي ، وللاستهلاك السياسي كما هو طابع الكثير من مشروعات الأنظمة الحاكمة في بلداننا العربية والإسلامية …
ما علاقة هذا الحديث بموضوع الإساءة لمقام النبي الأعظم (ع)؟
لقد كان لهذا الإساءة السافرة من قبل صحف غربية تداعيات كبيرة في أوساط المسلمين، وحدثت استفسارات غاضبة على مستوى البيانات والخطابات والمسيرات والإعتصامات والاحتجاجات والاستنكارات وعلى مستوى المقاطعة للمنتجات..
لاشك أن هذا كله يعبر عن غيرة صادقة في الدفاع عن نبي الإسلام (ص) وفي الدفاع عن المقدسات.
والسؤال المطروح هنا:
هل أن هذه الاستفسارات تعبر عن حالة متأصلة في الأمة ، أم أنها استنفارات طارئة ومؤقتة…؟
ماذا نعني بالاستفسارات المتأصلة في الأمة؟
إنها الاستفسارات التي تعبر عن استجابة حقيقية لمكونات إيمانية روحية وأخلاقية وثقافية في داخل الأمة …
أما الاستنفارات الطارئة فهي انفعالات سطحية لا تنطلق من عمق إيماني وروحي وثقافي …
من هنا فإن الكثير من أنظمة الحكم لا تريد للشعوب أن تعيش استنفارات حقيقية ، ولا تريد للجماهير أن تعيش غضبا متأصلا…
لان هذه الأنظمة تخاف أن تتحول هذه الاستنفارات إلى استفسارات في مواجهة الأنظمة ، وتخاف أن يتحول هذا الغضب إلى غضب ضد سياسيات الحكم.
فمن مصلحة هذه الأنظمة أن تبقى الاستنفارات مؤقتة، وأن يبقى الغضب طارئا…
ولذلك لا تعمل الأنظمة الحاكمة على تحصين الشعوب إيمانيا وروحيا وأخلاقيا ، وعلى تعبئة الجماهير ثقافيا وسياسيا وجهاديا…
وإذا كانت سياسة الكثير من أنظمة الحكم تتحرك في هذا الاتجاه من مصادرة الغضب الحقيقي عند الشعوب، فإن بعض قوى الساحة هي الأخرى قد تتحرك في هذه الاتجاه حينما تعتمد لغة الخطابات المرتجلة غير المدروسة ، وحينما تعتمد لغة الاستنفارات العاجلة…
فكما أن الجماهير قد تخدر عواطفها ، ويتجمد غضبها ، وتعطل استنفاراتها الحقيقة …
فإنها قد تسرق عواطفها ، ويميع غضبها ، وتسيب واستنفاراتها الحقيقة … إن مسؤولية القوى الواعية والمخلصة في الأمة أن تتصدى لمشروعات الهيمنة على حماس الجماهير في خط التخدير والتجميد والتعطيل أو خط التميع والتسيب والانفلات.
و إذا أردنا أن نستعين بمثال من موسم عاشوراء… ففي هذا الموسم يتحرك الحماس العاشورائي…هناك أنظمة حاكمة تريد لهذا الحماس أن ينتهي، و أن يتجمد، و أن يتعطل… و في المقابل هناك من يريد لهذا الحماس العاشورائي أن ينفلت، و أن يتسبب و أن يتميع…
و الموقف الصائب أن نحافظ على هذا الحماس في أعلى درجاته، و أن تعبئه بجرعات كبيرة من الوعي و البصيرة…
فالحماس العاشورائي الواعي هو الذي يحرك أهداف عاشوراء، و هو الذي يواجه حالات المصادرة، و حالات التحريف….
و هكذا الحماس حول قضايا الساحة، فالجماهير مطالبة أن تملك درجات كبيرة من هذا الحماس، و إلا ماتت هذه القضايا في حس الجماهير و في وجدانها، كما أن الجماهير مطالبة أن تملك مستويات عالية من الوعي بهذا الحماس و إلا انحرفت مساراته، و انفلتت أهدافه…
أحكام تساهم في التصعيد:
الأحكام الصادرة في حق معتقلي المطار، أحكام تساهم في التصعيد و توتير الأوضاع، و تأزيم الأجواء…
خاصة أن هؤلاء المواطنين لم يمارسوا أي شكل من أشكال العنف و التخريب، و قد برأتهم المحكمة من تهمة إتلاف الأموال العامة التي أسندها إليهم الإدعاء… التهمة الوحيدة الموجهة إليهم هي تهمة “التجمهر المحظور”..
السؤال المطروح: لماذا تجمهر هؤلاء المواطنون؟
من الواضح أن هذا التجمهر الذي شارك فيه أعداد كبيرة من المواطنين ليس بهدف الإخلال بالأمن العام كان التجمهر احتجاجا على حدث لسماحة الشيخ محمد سند، و مادامت المسألة مع سماحته قد عولجت من خلال اللقاء و الحوار و التفاهم، فيفترض أن تعالج كل تداعياتها من خلال الحوار و التفاهم كذلك، و ليس من خلال أروقة المحاكم و ليس من خلال صدور أحكام بالسجن..
إن هذا الأسلوب من المعالجات سوف يدفع في اتجاه التصعيد و التأزيم و التوتير، سوف يدفع في اتجاه الكثير من الاحتقانات و التعقيدات و التشنجات و هذا ما لا نريده لهذا البلد…كفى البلد أزمات صعبة لازالت تشكل الكثير من الإرباكات و الاضطرابات…
لسنا مع التصعيد الذي يؤدي إلى الإرباك و الاضطراب، جاء هذا التصعيد من قبل السلطة أو من قبل الشارع، و التصعيد الصادر من السلطة هو الأكثر سوءا و خطرا على أوضاع البلد و أمنه و استقرارا.
إننا ندعو للتعاطي مع الأمور بحكمة و روّية و عقل، بعيدا عن لغة الاستفزاز و التصعيد ة الانتقام…
إننا ندعو للحوار الجاد الهادف…
إننا ندعو إلى حلحة الأزمات و الإشكالات…
كما نطالب الحكومة بإطلاق سراج المحكومين بشكل عاجل..
و آخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين