شعارات حرية المرأة وصيحات تقنين الأحوال الشخصية
حينما نصر – وهذا مثال آخر – على رفض اخضاع أحكام الأحوال الشخصية إلى هيمنة المؤسسة الوضعية، فذلك لأن في هذا الاخضاع تفريطا بقضية الانتماء إلى “الشريعة” مادامت المؤسسة الوضعية غير محكومة بضوابط تحمي التشريع، وتحصن الأحكام.
مازال موقفنا في هذا الرفض قائما، إذ الإشكالات مازالت قائمة، وما طرح أخيرا من وضع قانون موحد للأحوال الشخصية يتضمن الأحكام العامة المتفق عليها، وتترك الخصوصيات المذهبية إلى المحاكم الخاصة بكل مذهب، لا نعتقد أن هذا الطرح يعالج المشكلة، كما أنه لا يلبي طموحات الداعين إلى التقنين عبر المؤسسة الوضعية… لقد طرحنا صيغة “المدونة الفقهية لأحكام الأحوال الشخصية” والخاضعة لإمضاء “المرجعية الدينية”، هذه الصيغة تحقق أهداف التقنين وتوفر الضابط لحماية التشريع ولو توافرنا على مادة دستورية غير قابلة للتغيير والتعديل تنص على حصانة التشريع ومن خلال “الضابطة المذكورة” لكان لنا حديث آخر.
الهدف من إثارة هذا المثال هو تأكيد أن الانتماء الإسلامي يفرض أن يكون الإسلام هو المنطلق الفكري والثقافي والتشريعي في كل قضايانا المتحركة في الساحة حتى يحمي واقعنا من كل التناقضات. ولخطورة هذه المسألة أطرح مزيدا من الأمثلة… لنأخذ هذا المثال من واقع المرأة المسلمة، كون المرأة تنتمي إلى الإسلام فإنه يفرض عليها أن تشكل كل قناعاتها الفكرية والاجتماعية والسياسية من خلال “الإسلام” نفسه. أما أن يكون الانتماء النظري إلى الإسلام، ثم تتشكل القناعات والرؤى والمفاهيم بعيدا كل البعد عن “ثوابت الإسلام ومسلماته” فهذا تناف صريح مع مكونات الانتماء.
قد يقال: إن الكثير من النساء يعتقدن أن تلك القناعات لا تتناقض مع الإسلام. الحديث عن التناقض مع الإسلام وعدمه في حاجة إلى توافر إمكانات علمية وثقافية قادرة على الفهم والتشخيص، وكثيرا ما اختلطت الرؤى والمفاهيم وخصوصا في هذا العصر. المطلوب من المرأة المسلمة أن تتثقف إسلاميا بدرجة كافية، وأن تنفتح على مفاهيم الدين بطريقة واعية وبصيرة، لتكون قادرة على أن تؤصل انتماءها الإيماني، وتؤكد هويتها الإسلامية في زحمة الانتماءات والهويات الأخرى.
وكلما ضعفت الثقافة الإسلامية، وانخفض مستوى الوعي الديني كان ذلك سببا كبيرا في ضياع الهوية والانتماء.
إننا لا نطالب المرأة بأن تتبنى كل الأعراف والتقاليد السائدة في المجتمع والمحسوبة على الدين، ففيها الكثير مما يعد دخيلا على الدين، وفيها ما تشكل نتيجة غياب وعي بالدين، ونتيجة فهم مغلوط للدين.
إننا نطالب المرأة المسلمة بأن تشكل وعيها الديني ورؤاها الثقافية والاجتماعية والسياسية من خلال القراءة البصيرة للدين، ومن خلال المصادر الأصيلة في فهم الدين، وليس من خلال القراءة الساذجة أو المصادر الدخيلة.
والحذر كل الحذر من المفاهيم المحرفة، فالمشروع المناهض للإسلام يحاول أن يجهض الإسلام من داخله من خلال الترويج لأفكار ومفاهيم دينية مزورة يدفع بها في الواقع الثقافي والاجتماعي والسياسي، ولاشك أن الساحة النسائية من أكثر الساحات استهدافا. ولعلكم قرأتم وسمعتم عن آخر صيحات هذا العصر في المطالبة بحقوق المرأة…
قبل أشهر قامت ناشطة أميركية مسلمة وهي أمينة ودود – استاذة الدراسات الإسلامية في جامعة فرجينيا كومونولت الأميركية – بإمامة الرجال في صلاة جمعة مختلطة في مبنى ملحق بإحدى الكنائس في نيويورك…
وتأتي هذه الخطوة في سياق الدعوة إلى حرية المرأة المسلمة، والمطالبة بحقها في المساواة مع الرجل في جميع التكاليف الدينية، كحق المرأة في الإمامة، وعدم ضرورة أن يصلي النساء في صفوف خلفية وراء الرجال باعتبار أن هذا الأمر ناتج عن عادات وتقاليد بالية.
وفي خبر آخر أوردته صحيفة “لوس أنجليس تايمز” أن امرأة مسلمة أميركية تدعى اسراء نعماني قامت باقتحام أحد مصليات الجمعة في لوس أنجليس وأصرت على الصلاة في وسط الرجال، لتؤكد حق المرأة في مساواة الرجل!
هكذا تتحرك صيحات المطالبة بحقوق المرأة ناسفة كل الثوابت والمسلمات الفقهية، الأمر الذي يجب أن يضعنا على حذر وبصيرة بكل ما يطرح من شعارات ودعوات تطالب بحقوق المرأة.
إننا مع هذه المطالبة إذا كانت لا تتنافى مع أحكام الشريعة، وإذا كانت لا تتناقض مع ثوابت الدين، وإذا كانت لا تصادر معنى الهوية والانتماء.
البعد الثاني: الالتزام العاطفي “استقامة العاطفة”: “أن نلتزم بالإسلام عمليا في كل عواطفنا” فانتماؤنا العقيدي إلى الإسلام كما يصنع كل أفكارنا ورؤانا وتصوراتنا فهو أيضا يصنع كل عواطفنا. فلا يجوز أن نسمح لعواطفنا أن تكن محكومة لمحركات تتناقض مع الإسلام.
إذا كان انتمائي العقيدي يفرض علي أن “أغضب لله تعالى” و”أرضى لله تعالى” فلا يجوز أن أترك لعاطفة “الغضب والرضا” أن تتحرك من خلال مؤثرات متناقضة مع “رضى الله وغضبه”…