تفجيرات لندن والإرهاب العالمي
أثارت تفجيرات لندن استياء واستنكار العالم، وهذا موقف طبيعي جدا تجاه ظاهرة العنف والإرهاب والتطرف. أن تطول التفجيرات أبرياء ومدنيين أمر مرفوض ويجب أن يدان لأنه يستهدف الإنسان والإنسانية ويستهدف الأمن والسلام والاستقرار في مجتمعات الإنسان، وهذا ما ترفضه الأديان والأعراف الإنسانية، والقوانين الدولية.
وهنا لابد من بعض كلمات تعقيبا على هذه الحوادث وما أنتجته من ردود فعل، وتصريحات وتداعيات.
فلا تكاد تحدث عملية إرهاب هنا أو هناك إلا وتسارعت التصريحات تتهم الإسلام والمسلمين، وهنا نتساءل: لماذا الإصرار على هذا الاتهام؟
إن مجرد انتساب جماعة إرهاب إلى هذا الدين أو ذاك الدين، لا يبرر الاتهام، فالإرهاب لا دين له، ولا يوجد دين نظيف يسمح بالاعتداء على الأبرياء، والعبث بالأرواح، ونشر الدمار في الأرض.
نعم، قد تنحرف بعض الانتماءات إلى الأديان، وقد تحرف بعض الصياغات، فتتشكل أفكار منحرفة أو محرفة تغذي حالات العنف والتطرف والإرهاب، وتشوه نقاوة وطهارة الأديان. فاليهودية في شكلها المزور قد تعبأت بأسوأ الأفكار والرؤى والمفاهيم التي أصبحت مصدرا للعنف والتطرف والإرهاب، وما يحدث على أرض فلسطين أكبر شاهد وبرهان.
والخوارج في تاريخ المسلمين نموذج للتحريف الديني الذي أنتج أشكالا من العنف والتطرف، كانت هذه الجماعة تحمل شعار “لا حكم إلا لله” إلا أنه كان شعارا كاذبا، ولذلك عبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب “ع” عن شعارهم هذا بأنه “كلمة حق يراد بها باطل” فليس كل من حمل شعار الحق كان محقا، فكم عبث هؤلاء بالأرواح والدماء تحت شعار “الجهاد”.
وعصرنا الحاضر يشهد الكثير من أعمال العنف والإرهاب والتطرف، وربما تمارس تحت شعارات الدين والجهاد، إلا أن الدين والجهاد منها براء… فهل ما يحدث في العراق من قتل وذبح واغتيال واختطاف واغتصاب وتدمير وعبث وإفساد يعتبر جهادا ودينا وإسلاما؟
ما يؤسفنا أنه كلما حدثت عملية إرهاب هنا أو هناك انطلقت الاتهامات الموجهة إلى الإسلام والمسلمين، ومن الواضح أن ما يمارس من اعتداء على الأبرياء الآمنين والمدنيين، وما يمارس من استهداف للمؤسسات ودور العبادة وبنى المجتمع لا علاقة له أبدا بالإسلام، ومجانب كل المجانبة لقيم الدين. فلا يجوز أن توظف عمليات لندن في التشهير بالإسلام والإساءة إلى سمعة المسلمين.
لقد حدثت تفجيرات لندن فاهتز العالم غضبا وتنديدا واستنكارا، واجتمع مجلس الأمن وأعلن شجبه الشديد لهذه الأعمال والاعتداءات.
هذا الأمر لا يزعجنا أبدا، وليس مستنكرا على ضمير العالم أن يهتز أسى وألما وغضبا واستنكارا، ولكن ما يبعث على التساؤل والانزعاج أن يظل ضمير العالم نائما تجاه ما يحدث في العراق وفي فلسطين وفي مجتمعات المسلمين، وكأن الدماء العربية والإسلامية لا قيمة لها، ورخيصة كل الرخص، بينما الدماء البريطانية والدماء الأميركية وكل الدماء الغربية هي دماء غالية كل الغلاء فتستحق أن ينتفض لها ضمير العالم، وضمير مجلس الأمن، أما دماؤنا فلا تستحق أي خفقة في الضمير العالمي ولا تستحق أي كلمة يقولها مجلس الأمن.
إن الإرهاب عمل شائن لا يمكن أن يبرر بأي حال من الأحوال، ولكن دعونا نتساءل عن مكونات ومنتجات الإرهاب، ولن يستطيع العالم مكافحة الإرهاب مادامت مكوناته ومنتجاته تتحرك، ومادامت الأجواء الملائمة لأعمال الإرهاب قائمة وموجودة. أليس من مكونات الإرهاب ومنتجاته عنف الأنظمة الحاكمة، وظلم الأنظمة الحاكمة، وتمييز الأنظمة الحاكمة؟
أكرر إننا لا نريد أن نبرر للإرهاب فهو سلوك ممقوت لا يقبل التبرير أبدا، إلا أن هذا السلوك له تربة ومناخ، فإذا وجدت هذه التربة وهذا المناخ كانت الأجواء ملائمة لحركة الإرهاب وحركة الإرهابيين… وبمقدار ما ينتشر العدل السياسي والإصلاح السياسي فإن ذلك يغلق الأجواء أمام الإرهاب والإرهابيين.
قد يكون نمط الثقافة المتطرفة، ونمط التربية المتطرفة من العوامل المهمة في إنتاج التطرف والعنف والإرهاب، إلا أن ما تمارسه الأنظمة المتسلطة من ظلم وقهر وعنف ضد الشعوب له أكبر الأثر في تغذية الإرهاب والتطرف.
ويجب ألا تختلط الرؤية والأوراق، فيتحول الإرهاب إلى مقاومة مشروعة، وتتحول المقاومة المشروعة إلى إرهاب. فالفارق واضح كل الوضوح، فالمقاومة المشروعة نظيفة الأهداف والمنطلقات، ونظيفة الوسائل والأدوات، وليس كذلك الإرهاب، فهذا الأخير يعتمد العبث بالأرواح، وهتك الأعراض، ونشر الدمار، وتخريب المؤسسات وإشاعة الرعب، وزعزعة الاستقرار، وإنتاج الفوضى، وإرباك الأمن، فأين هذا من مقاومة نظيفة تهدف إلى تحرير الإنسان، والدفاع عن الأوطان، وإنقاذ الشعوب من الظلم والقهر والاستعباد.
إن قوى التحريف وأنظمة السياسة تتعمد أن تشوش الرؤية، وأن تربك الفهم، وأن تخلط بين العناوين، وأن تداخل بين الشعارات.
وعلى كل حال فإن احتقانات الأوضاع السياسية ومصادرات الحقوق والحريات، تشكل أسبابا لولادة المعارضات والمقاومات المشروعة، وفي الوقت نفسه فإنها توفر أجواء ملائمة لنمو ظاهرة العنف والتطرف والإرهاب، فإذا كانت الأنظمة الحاكمة صادقة في مواجهة هذه الظاهرة المرعبة فيجب عليها أن تصحح الأوضاع وأن تعالج كل الأزمات، وأن تنهي كل الاحتقانات