تدنيس القرآن في قاعدة غوانتنامو على يد الأمريكان
نشرت مجلة “نيوزويك” تقريرا يتحدث عن قيام محققين أميركيين في قاعدة غوانتنامو بتدنيس قدسية القرآن الكريم، بوضعه في مراحيض المعتقل الذي يحتجز فيه متهمون بالانتماء إلى القاعدة.
إن هذا العمل الشائن جدا فيه إساءة صارخة لكتاب الله، ولكل الكتب المقدسة، وإساءة صارخة للإسلام ولكل المسلمين.
ليس مستكثرا على هؤلاء الحاقدين أن يمارسوا هذا الأسلوب الطائش، وهذا العمل الأرعن في المس بقدسية القرآن الكريم، ويبدو أن هذا الانتهاك لم يكن الأول، فبعد افتضاح الأمر، بدأت التقارير تتحدث عن ممارسات متشابهة صدرت عن الجنود الأميركيين في القاعدة نفسها، وتعود هذه الممارسات المسيئة للمصحف الشريف إلى أكثر من سنة.
وكشف ثلاثة سجناء بريطانيين أطلق سراحهم من سجن غوانتنامو في بيان مشترك: ان حراس السجن كانوا يدوسون على نسخ من القرآن الكريم، وقاموا برمي نسخا من المصحف في أوعية كانت تستخدم كمراحيض من قبل السجناء.
وأوضح البريطانيون الثلاثة أن مسألة تدنيس المصحف دفعت السجناء يومها الى اعلان الاضراب عن الطعام.
هذه فضائح الجنود الأميركان، وجرائمهم، وبالأمس القريب كانت فضيحتهم وجريمتهم في سجون العراق.
ومازال بعضنا يؤمن بأن أميركا هي الراعي الأكبر للديمقراطية والإصلاح السياسي في شرقنا العربي والإسلامي، ومازال بعضنا ينتظر الخلاص على أيدي الأميركان الذين أعطوا كل الدعم والتأييد للوجود الصهيوني المزروع في قلب وطننا العربي والإسلامي.
دنس الأميركان قرآننا العظيم، وانتهكوا حرمة مصحفنا الشريف، وأساءوا إلى مشاعر مليار ونصف مليار من المسلمين… فماذا كان رد الفعل؟ ماذا كان موقف الأنظمة والحكومات؟
لم يصدر شيء يتناسب مع حجم الجريمة النكراء، كانت بعض كلمات هنا أو هناك، إلا أنها لا تعبر عن الموقف المطلوب في مواجهة هذا الاعتداء السافر وهذا الانتهاك الأرعن.
ويبدو أن الارتهان السياسي للقرار الأميركي لا يسمح لهذه الأنظمة والحكومات أن توصل إلى الإدارة الأميركية كلمة جريئة، فضلا عن أن تتخذ موقفا جريئا، حتى لو كان الأمر يتعلق بالمقدسات والمقدرات.
أما إعلامنا الرسمي وغير الرسمي فهو الآخر لم تجتذب اهتماماته بدرجة كافية هذه المسألة بينما يجتذبه أتفه القضايا، قد تفرض أخبار الطرب والغناء نفسها على هذا الإعلام وفي مساحات كبيرة منه، بينما لا يفرض تدنيس القرآن الكريم على إعلامنا بعض اهتمام وبعض كلمات، وبعض عناوين ولو في المواقع المغمورة.
ماذا عن موقف العلماء والخطباء والدعاة والمبلغين؟ ماذا عن موقف الهيئات الإسلامية والمراكز الدينية والمؤسسات والجمعيات؟ ماذا عن موقف النخب والمثقفين؟ ماذا عن موقف القوى والفعاليات؟
صدرت بعض بيانات واحتجاجات واستنكارات، إلا أنها مازالت دون المستوى المطلوب، ثم ماذا بعد الخطابات والكلمات؟
لقد أتخمنا السمع الأميركي والسمع الصهيوني بهذه الخطابات والكلمات، وبهذه البيانات والاستنكارات، حتى أصيب هذا السمع بالصمم والانغلاق، أما الشارع العربي والإسلامي فماذا كان موقفه؟
لقد حدثت ردود فعل شعبية في بعض بلداننا الإسلامية، إلا أن غالبية شوارعنا بقيت صامتة، من المؤسف أن هذه الشوارع قد تنفجر غضبا لقضايا لا ترتقي إلى حجم هذه القضية… إننا لا نريد أن نتهم شارعنا بأنه لا يحمل الغيرة على مقدساته ومقدراته الدينية، فقد برهن هذا الشارع على أنه يحمل كل الغيرة وكل الحماس لقضاياه الدينية، إلا أن هذا الصمت كان نتيجة تعتيم إعلامي، ونتيجة غياب موقف واضح من علماء الأمة، من الرموز السياسية، ومن القوى الاجتماعية.
وعلى كل حال، فإذا كان تدنيس الأميركان للمصحف الشريف يعبر عن انتهاك خطير لقدسية القرآن، فإن المشروع الأميركي المسوق إلى بلداننا العربية والإسلامية، والمحتضن من قبل أنظمة الحكم والسياسة في الكثير من هذه البلدان، هذا المشروع الهادف إلى تغيير هوية الأمة، والعبث بقيمها ومصادرة انتمائها واستلاب دينها وإقصاء إسلامها… إنه الانتهاك الأكبر لكتاب الله، فالمطلوب أن تتحرك غيرة المسلمين في الدفاع عن حرمة القرآن العظيم، وفي الدفاع عن حرمة أحكامه ومبادئه وقيمه وتشريعاته، ويوم تموت “الغيرة الإيمانية” في داخلنا نفقد معنى “الانتماء” ومعنى “الدفاع” عن المبادئ والقيم والحرمات والمقدسات.
إن الذين يعملون من أجل أن تموت في داخل الأمة “غيرة الإيمان” و”حمية الدين” إنما يعملون من أجل مصادرة “الانتماء” ومصادرة “الهوية”، ثم ان الغيرة دفاعا عن الدين وقيمه ومقدساته وأحكامه ومبادئه وتشريعاته ليست انفعالا عاطفيا خاويا، ولكنها “الرؤية البصيرة” التي تجذرت في العقل والوعي، وملأت القلب والوجدان وصاغت العواطف والمشاعر، وحركت السلوك والممارسات.