حديث الجمعة 87: في ذكرى الإمام الحسن العسكري (عليه السَّلام) – الأمريكان يدنسون القرآن – التعليق على بيان المجلس الأعلى للشئون الإسلامية
حديث الجمعة 87 | 10 ربيع الثاني 1426 هـ | 19 مايو 2005 م | المكان: مسجد الإمام الصادق (ع) | القفول - البحرين
مرت قبل أيام – في الثامن من شهر ربيع الثاني – ذكرى ولادة الامام الحسن العسكري “ع” الامام الحادي عشر من أئمة أهل البيت “ع”. .. ماذا يعني اللقاء مع هذه المناسبات الاسلامية؟
اللقاء مع هذه المناسبات له صيغتان:
الصيغة الأولى: الصيغة العاطفية المجردة: وهنا يتجمد اللقاء في مجموعة عواطف ومشاعر وأحاسيس نفسية تعبر عن “الحب والولاء”… لا إشكال أن العواطف الإيمانية والعواطف الولائية لها قيمتها الكبيرة جدا فهي تمثل حالات الانصهار والذوبان مع الدين ورموزه وقادته… ومن دون هذا الانصهار والذوبان الإيماني والولائي تتحول العلاقة مع الدين ورموزه وقادته الى علاقة فاترة راكدة فاقدة للنبض والوهج والحرارة.
إن علاقتنا مع الدين ومبادئه وقيمه ورموزه وقادته يجب ان تكون علاقة تحمل نبضا وحرارة وانصهارا وذوبانا ما يعطي لهذه العلاقة حركيتها وفاعليتها ونشاطها.
من أخطر ما تصاب به الأمة أن تتبلد عواطفها الايمانية، وان تتجمد مشاعرها الدينية، وأن يخمد حسها العقيدي.
وهذا ما تحاول ان تكرسه في واقعنا القوى المناهضة للاسلام والمعادية للدين… وعندما تموت أو تنخفض في داخل الأمة عواطف الايمان، ومشاعر الدين، وحس العقيدة تكون الأمة مهيأة للوقوع في أسر الهيمنة المعادية، وأن تكون الأمة مهيأة للتغريب والمصادرة والاستلاب.
فحذار حذار من ثقافة التخدير التي تحاول أن تجفف في داخلنا عواطف الولاء للدين، وقيمه، ورموزه وقادته.
لاحظوا ما يطرح في وسائل الاعلام لتكتشفوا كم هي المؤامرة خطيرة على أجيال هذه الأمة، وعلى دين هذه الأمة وهويتها، وأصالتها، وأخلاقها.
من أجل مواجهة ثقافة التخدير والتجفيف والتجميد، نحتاج الى استنفار كبير لعواطف الحب والولاء والانتماء الى الدين وقيمه ورموزه، ونحتاج الى استنهاض روح العقيدة في داخل أجيالنا.
وعلى رغم القيمة الكبيرة لهذه العواطف الايمانية والولائية والدينية، فانها لا تحقق أهدافها اذا لم تتحول الى حركة فاعلة في حياة الأمة واذا لم تتحول الى عمل وسلوك وممارسة.
فاللقاء العاطفي المجرد مع المناسبات الدينية يعطل الكثير من عطاءات هذه الذكريات، وهي عطاءات غنية وكبيرة.
الصيغة الثانية: الصيغة الفاعلة… وهنا يتشكل اللقاء مع المناسبات الدينية من مجموعة عناصر ومكونات:
1- المكون العاطفي: وهو ما تحدثنا عنه من ضرورة وجود التواصل المملوء بالنبض والوهج والحرارة والانصهار والذوبان.
2- المكون الفكري: ونعني به الوعي بمضامين الذكرى ودلالاتها، وأهدافها، ومعطياتها وبطريقة التعاطي والاحتفاء والإحياء لهذه المناسبات الاسلامية.
ان غياب هذا الوعي يحول احتفالاتنا الى ممارسات استهلاكية فاقدة للعطاء أو قليلة العطاء، وربما قادها ذلك الى الانحراف والابتعاد عن الأهداف.
3- المكون العملي: وهو أهم المكونات وأصعبها وأخطرها، ونعني به أن تتحول الذكرى الى حضور فاعل في واقعنا الروحي والثقافي والأخلاقي والاجتماعي والسياسي.
اذا كانت هذه الاحتفالات تعبر عن “ولائنا وحبنا” للدين وقيمه ورموزه فإن هذا التعبير يجب أن يتجسد سلوكا والتزاما وأخلاقا في كل واقعنا لنكون صادقين في هذا الولاء والحب والانتماء.
قال الله تعالى في كتابه المجيد: “قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم” “آل عمران:31”.
فالتعبير الصادق عن الحب هو “الاتباع” والا كان حبا كاذبا، فبمقدار ما يتأكد “الاتباع” والالتزام يكون الحب أكثر صدقا، وأقوى تعبيرا.
قال أمير المؤمنين “ع”: “من أحبنا فليعمل بعملنا، ويستعن بالورع فإنه أفضل ما يستعان به في الدنيا والآخرة”.
الورع ضبط النفس أمام الهوى والشهوة واغراءات الشيطان.
قال الإمام محمد الباقر “ع” لجابر الجعفي: “يا جابر: أيكتفي من انتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت؟
فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه… وما كانوا يعرفون يا جابر:
– الا بالتواضع والتخشع.
– وكثرة ذكر الله والصوم والصلاة.
– والتعهد للجيران من الفقراء، وأهل المسكنة والغارمين والأيتام.
– وصدق الحديث.
– وتلاوة القرآن.
– وكف الألسن عن الناس الا من خير…”.
“إلى أن قال”
“ما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحد من حجة.
– من كان لله مطيعا فهو لنا ولي.
– ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو.
– ولا تنال ولايتنا الا بالورع والعمل…”
وهذه بعض كلمات للإمام جعفر بن محمد الصادق “ع”:
– “ليس من شيعتنا من وافقنا بلسانه وخالفنا في أعمالنا وآثارنا، ولكن شيعتنا من وافقنا بلسانه وقلبه، واتبع آثارنا وعمل بأعمالنا، أولئك شيعتنا”.
– “إنما شيعة علي من عف بطنه وفرجه، واشتد جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه، فاذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر”.
– وقال في وصيته لخيثمه:
“أبلغ موالينا السلام، وأوصهم بتقوى الله والعمل الصالح، وان يعود صحيحهم مريضهم وليعد غنيهم على فقيرهم، وأن يشهد حيهم جنازة ميتهم، وأن يتلاقوا في بيوتهم، وان يتفاضوا علم الدين، فإن ذلك حياة لأمرنا، رحم الله عبدا أحيا أمرنا.
وأعلمهم – يا خيثمه – انه لا يغني عنهم من الله شيئا الا العمل الصالح، فإن ولايتنا لا تنال الا بالورع، وان أشد الناس عذابا يوم القيامة من وصف عدلا ثم خالفه الى غيره”.
– وقال “ع” في وصيته لعبدالله بن جندب:
“يا ابن جندب: بلغ معاشر شيعتنا وقل لهم: لا تذهبن بكم المذاهب، فوالله لا تنال ولايتنا الا بالورع، والاجتهاد في الدين، ومواساة الإخوان في الله، وليس من شيعتنا من يظلم الناس…”.
وقال “ع” يذكر بعض صفات أصحابه:
– “إنما أصحابي من اشتد ورعه، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، هؤلاء أصحابي”.
– “ليس منا ولا كرامة من كان في مصر فيه مئة ألف أو يزيدون، وكان في ذلك المصر أحد أورع منه”.
– “إنا لا نعد الرجل مؤمنا حتى يكون لجميع أمورنا متبعا مريدا، ألا وان من اتباع أمرنا وإرادته الورع، فتزينوا به يرحمكم الله”.
“2” تدنيس القرآن في قاعدة غوانتنامو:
نشرت مجلة “نيوزويك” تقريرا يتحدث عن قيام محققين أميركيين في قاعدة غوانتنامو بتدنيس قدسية القرآن الكريم، بوضعه في مراحيض المعتقل الذي يحتجز فيه متهمون بالانتماء إلى القاعدة.
إن هذا العمل الشائن جدا فيه إساءة صارخة لكتاب الله، ولكل الكتب المقدسة، وإساءة صارخة للإسلام ولكل المسلمين.
ليس مستكثرا على هؤلاء الحاقدين أن يمارسوا هذا الأسلوب الطائش، وهذا العمل الأرعن في المس بقدسية القرآن الكريم، ويبدو أن هذا الانتهاك لم يكن الأول، فبعد افتضاح الأمر، بدأت التقارير تتحدث عن ممارسات متشابهة صدرت عن الجنود الأميركيين في القاعدة نفسها، وتعود هذه الممارسات المسيئة للمصحف الشريف إلى أكثر من سنة.
وكشف ثلاثة سجناء بريطانيين أطلق سراحهم من سجن غوانتنامو في بيان مشترك: ان حراس السجن كانوا يدوسون على نسخ من القرآن الكريم، وقاموا برمي نسخا من المصحف في أوعية كانت تستخدم كمراحيض من قبل السجناء.
وأوضح البريطانيون الثلاثة أن مسألة تدنيس المصحف دفعت السجناء يومها الى اعلان الاضراب عن الطعام.
هذه فضائح الجنود الأميركان، وجرائمهم، وبالأمس القريب كانت فضيحتهم وجريمتهم في سجون العراق.
ومازال بعضنا يؤمن بأن أميركا هي الراعي الأكبر للديمقراطية والإصلاح السياسي في شرقنا العربي والإسلامي، ومازال بعضنا ينتظر الخلاص على أيدي الأميركان الذين أعطوا كل الدعم والتأييد للوجود الصهيوني المزروع في قلب وطننا العربي والإسلامي.
دنس الأميركان قرآننا العظيم، وانتهكوا حرمة مصحفنا الشريف، وأساءوا إلى مشاعر مليار ونصف مليار من المسلمين… فماذا كان رد الفعل؟ ماذا كان موقف الأنظمة والحكومات؟
لم يصدر شيء يتناسب مع حجم الجريمة النكراء، كانت بعض كلمات هنا أو هناك، إلا أنها لا تعبر عن الموقف المطلوب في مواجهة هذا الاعتداء السافر وهذا الانتهاك الأرعن.
ويبدو أن الارتهان السياسي للقرار الأميركي لا يسمح لهذه الأنظمة والحكومات أن توصل إلى الإدارة الأميركية كلمة جريئة، فضلا عن أن تتخذ موقفا جريئا، حتى لو كان الأمر يتعلق بالمقدسات والمقدرات.
أما إعلامنا الرسمي وغير الرسمي فهو الآخر لم تجتذب اهتماماته بدرجة كافية هذه المسألة بينما يجتذبه أتفه القضايا، قد تفرض أخبار الطرب والغناء نفسها على هذا الإعلام وفي مساحات كبيرة منه، بينما لا يفرض تدنيس القرآن الكريم على إعلامنا بعض اهتمام وبعض كلمات، وبعض عناوين ولو في المواقع المغمورة.
ماذا عن موقف العلماء والخطباء والدعاة والمبلغين؟ ماذا عن موقف الهيئات الإسلامية والمراكز الدينية والمؤسسات والجمعيات؟ ماذا عن موقف النخب والمثقفين؟ ماذا عن موقف القوى والفعاليات؟
صدرت بعض بيانات واحتجاجات واستنكارات، إلا أنها مازالت دون المستوى المطلوب، ثم ماذا بعد الخطابات والكلمات؟
لقد أتخمنا السمع الأميركي والسمع الصهيوني بهذه الخطابات والكلمات، وبهذه البيانات والاستنكارات، حتى أصيب هذا السمع بالصمم والانغلاق، أما الشارع العربي والإسلامي فماذا كان موقفه؟
لقد حدثت ردود فعل شعبية في بعض بلداننا الإسلامية، إلا أن غالبية شوارعنا بقيت صامتة، من المؤسف أن هذه الشوارع قد تنفجر غضبا لقضايا لا ترتقي إلى حجم هذه القضية… إننا لا نريد أن نتهم شارعنا بأنه لا يحمل الغيرة على مقدساته ومقدراته الدينية، فقد برهن هذا الشارع على أنه يحمل كل الغيرة وكل الحماس لقضاياه الدينية، إلا أن هذا الصمت كان نتيجة تعتيم إعلامي، ونتيجة غياب موقف واضح من علماء الأمة، من الرموز السياسية، ومن القوى الاجتماعية.
وعلى كل حال، فإذا كان تدنيس الأميركان للمصحف الشريف يعبر عن انتهاك خطير لقدسية القرآن، فإن المشروع الأميركي المسوق إلى بلداننا العربية والإسلامية، والمحتضن من قبل أنظمة الحكم والسياسة في الكثير من هذه البلدان، هذا المشروع الهادف إلى تغيير هوية الأمة، والعبث بقيمها ومصادرة انتمائها واستلاب دينها وإقصاء إسلامها… إنه الانتهاك الأكبر لكتاب الله، فالمطلوب أن تتحرك غيرة المسلمين في الدفاع عن حرمة القرآن العظيم، وفي الدفاع عن حرمة أحكامه ومبادئه وقيمه وتشريعاته، ويوم تموت “الغيرة الإيمانية” في داخلنا نفقد معنى “الانتماء” ومعنى “الدفاع” عن المبادئ والقيم والحرمات والمقدسات.
إن الذين يعملون من أجل أن تموت في داخل الأمة “غيرة الإيمان” و”حمية الدين” إنما يعملون من أجل مصادرة “الانتماء” ومصادرة “الهوية”، ثم ان الغيرة دفاعا عن الدين وقيمه ومقدساته وأحكامه ومبادئه وتشريعاته ليست انفعالا عاطفيا خاويا، ولكنها “الرؤية البصيرة” التي تجذرت في العقل والوعي، وملأت القلب والوجدان وصاغت العواطف والمشاعر، وحركت السلوك والممارسات.
“3” بيان المجلس الأعلى للشئون الإسلامية:
طالعتنا الصحافة المحلية ببيان صادر عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية يتعلق بقضية الفتاوى الفقهية المتحركة في الساحة، وأكد هذا البيان ضرورة التنسيق والتشاور مع المجلس الأعلى قبل إصدار الفتاوى، باعتباره – أي المجلس – الجهة المختصة بهذا الشأن.
وتعقيبا على هذا البيان، نقول:
أولا: لاشك أن الفتاوى تملك درجة كبيرة جدا من الأهمية والخطورة، كونها تحدد الوظيفة العملية لحركة الإنسان المسلم في شتى مجالات الحياة، فالشريعة مسئولة أن توجه الإنسان والحياة وفق أحكام الله تعالى الصالحة لكل زمان ومكان.
ثانيا: إن شأن الفتاوى من اختصاص “الفقهاء والمجتهدين” وفق الشروط المحددة في الكتب الفقهية، ولا يحق لمن لا يملكون مؤهل الفقاهة والاجتهاد أن يتصدوا لهذا الأمر إلا على نحو “نقل الفتوى” مع ضرورة التوافر شرطين أساسيين:
– درجة مقبولة من الفهم الفقهي.
– درجة مقبولة من الوثاقة والأمانة في نقل الفتوى.
ثالثا: إننا نستغرب كل الاستغراب أن يعتبر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية نفسه “مرجعية للأحكام الفقهية” ويعتبر نفسه “جهة الاختصاص في شأن الفتاوى”، الأمر الذي يفرض – بحسب البيان – ضرورة التشاور والتنسيق معه قبل إصدار الفتاوى.
إننا نرفض هذا كل الرفض، فلكل مذهب من المذاهب “مرجعياته الفقهية”، ولا يحق للمجلس الأعلى ولا لأي جهة رسمية أن تتدخل في هذا الشأن.
نتمنى ألا تقحم ساحتنا في تجاذبات جديدة لها مردوداتها الخطيرة… وأستغفر الله لي ولكم…. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.