الإمام علي الرضا (ع)حديث الجمعةشهر صفر

حديث الجمعة 80: خِصال كَمال العقلِ عِندَ الإنسان المُسلِم (1) – وقفة مع بيان جمعية الأصالة الإسلامية – يوم الشهيد – الرقص على جثث الضحايا

حديث الجمعة 80 | 13 صفر 1426 هـ | 24 مارس 2005 م | المكان: مسجد الإمام الصادق (ع) | القفول - البحرين

هذه بعض كلمات لإمامنا علي بن موسى الرضا “ع” يتحدث من خلالها عن مجموعة خصال تشكل كمال العقل عند الإنسان المسلم.
الإمام – هنا – يضعنا أمام تعريف عملي متحرك للعقل، فليس العقل أن يمتلك المرء مخزونا كبيرا من المعلومات والأفكار والمفاهيم إذا لم يتحول هذ المخزون إلى ممارسة عملية تعبر عن صدقية العقل، فالقيمة الحقيقية للعقل الايماني أن يعطي هذا العقل لصاحبه واقعا تتجسد من خلاله المضامين والقيم المتحركة.
قال “ع”: “لا يتم عقل امرئ مسلم حتى تكون فيه عشر خصال…”.
فتمام عقل الإنسان المسلم أن يتوافر على هذه الخصال العشر التي ذكرها الإمام الرضا “ع”.

 خصلتان

“الخير منه مأمول والشر منه مأمون”.
من الصفات التي تميز العقل عند الإنسان المسلم أن يكون دائما مصدر خير وعطاء تنجذب إليه القلوب، وتنشد إليه النفوس، فهو كالنبع العذب يسقي الظمآ، ويبهج الأرواح، ويزرع الخصب في الأرض، وكالشجرة الطيبة “تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها”. “52: إبراهيم”.
“الخير” عنوان كبير تتسع له كل الصفات الطيبة والأفكار الطيبة والمشاعر الطيبة، والممارسات الطيبة، ويتحول كل ذلك عند الإنسان المسلم إلى طاعة، إلى عبادة إلى صدقة.
قال رسول الله “ص”: “تبسمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال صدقة، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك صدقة”.
وقال “ص”: “إن على كل مسلم في كل يوم صدقة، قيل: من يطيق ذلك؟ قال “ص”: إماطتك الأذى عن الطريق صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة، وردك السلام صدقة”.
وقال “ص”: “أفضل الصدقة صدقة اللسان تحقن به الدماء، وتدفع به الكريهة، وتجر المنفعة إلى أخيك المسلم”.
وإذا كان المرء المسلم مصدر خير دائم فلن يجد الشر إليه سبيلا، لذلك فالناس منه في أمان واطمئنان لا يصلهم منه إلا الخير. هذه بعض روايات تؤكد القيمة الكبيرة لفعل الخير في معناه الواسع الكبير، وتحذر من فعل الشر والإساءة وإيذاء الناس.
عن رسول الله “ص” قال: “خصلتان ليس فوقهما من البر شيء: الإيمان بالله، والنفع لعباد الله… وخصلتان ليس فوقهما من الشر شيء: الشرك بالله، والضر لعباد الله”.
وعن الإمام علي “ع” قال: “افعلوا الخير ولا تحقروا منه شيئا، فإن صغيره كبير، وقليله كثير”.
وعنه “ع” قال: “جمع الخير كله في ثلاث خصال: النظر والسكوت والكلام؛ فكل نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو، وكل سكوت ليس فيه فكر فهو غفلة، وكل كلام ليس فيه ذكر فهو لغو، فطوبى لمن كان نظره عبرا، وسكوته فكرا، وكلامه ذكرا…”.
وعنه “ع” قال: “ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك وعملك وأن يعظم حلمك، وأن تباهي الناس بعبادة ربك، فإن أحسنت حمدت الله، وإن أسأت استغفرت الله…”.
وعن رسول الله “ص” قال: “خيركم من أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام”.
وأما الروايات التي تحذر من فعل الشر، والإساءة وإيذاء الناس فهذه طائفة منها:
عن رسول الله “ص” قال: “شر الناس من باع آخرته بدنياه، وشر من ذلك من باع آخرته بدنيا غيره…”.
وعن الإمام علي “ع” قال: “شر الناس من يظلم الناس”. وقال “ع”: “شر الناس من يغش الناس”. وقال “ع”: “شر الناس من لا يبالي أن يراه الناس مسيئا”.
وفي الحديث: “أكثر الناس شرا العلماء إذا فسدوا”.
وعن رسول الله “ص” قال: “من آذى مؤمنا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فهو ملعون في التوراة والانجيل والزبور والفرقان”.
وعنه “ص” قال: “المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه”. وعنه “ص” قال: “ألا أنبئكم بالمؤمن، من ائتمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم، ألا أنبئكم بالمسلم، من سلم المسلمون من لسانه ويده”.
وعن الإمام الصادق “ع” قال: “إن الله تبارك وتعالى يقول: “من أهان لي وليا فقد أرصد لمحاربتي وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي”.
وعنه “ع” قال: “قال الله عز وجل: ليأذن بحرب مني من أذل عبدي المؤمن، وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن”.

الإيمان وتربية الذات

“يستكثر قليل الخير من غيره، ويستقل كثير الخير من نفسه”.
هذا الإنسان المسلم يفرض عليه عقله أن يثمن عطاء الآخرين مهما كان قليلا، وأن يستقل عطاءه للآخرين مهما كان كبيرا. إنها تربية الإيمان تصوغ النفس حتى لا تنزع إلى العجب والغرور والتعالي والكبرياء، ولا تستهين بأفعال الآخرين ما دامت تهدف إلى الخير… كما أنها تربية الإيمان تدرب الإنسان على “نقد الذات” وتعود الإنسان على “النزاهة والموضوعية والإنصاف”، مشكلتنا أننا تعودنا أن ننقد الآخر، ولم نتعود أن ننقد أنفسنا.
تعودنا أن ننقد الآخر الذي نختلف معه دينيا، مذهبيا، ثقافيا، وسياسيا، إلا أننا لا نملك الجرأة في أن ننقد أنفسنا، أن ننقد ذاتنا، أن ننقد ممارساتنا. مفارقات كبيرة في حياة الكثيرين فيما هو “نقد الآخر” و”نقد الذات”.
1- الإفراط في نقد الآخر والتفريط في نقد الذات: يتجاوز البعض كل المعايير والموازين والقيم والضوابط وهو يمارس نقده للآخرين… وأما في محاسبة نفسه، وفي نقد ذاته فمتهاون كل التهاون، ومقصر كل التقصير، ومفرط كل التفريط، هكذا التناقض في سلوك الكثيرين.
2- القسوة والشدة في نقد الآخر، واللين والاسترخاء في نقد الذات: حينما تغيب الموضوعية والنزاهة عند الإنسان يختل التوازن النفسي والسلوكي عنده فيعنف ويقسو عندما يحاسب غيره، بينما يلين ويسترخي وهو يقف أمام نفسه وأمام ذاته.
3- بصير بعيوب الآخرين، أعمى عن عيوب نفسه: كم من الناس يفتح عينيه بقوة يرصد عيوب الناس، يفتش عن أخطاء الآخرين، يلاحق كل الخفايا عند غيره، وأما مع عيوبه، مع أخطائه، مع خفايا نفسه وذاته فهو أعمى، مغلق العينين، على بصره غشاوة. هل حاول أحدنا أن يفتح عينيه على واقعه أكثر مما يفتح عينيه على واقع الآخرين؟
ليس معنى هذا أن الإنسان ليس مسئولا عن أن يحاسب كل الواقع حوله، أن يرصد هذا الواقع، ولكنه مسئول قبل ذلك عن أن يحاسب واقعه الخاص، أن يرصد ذاته، أن يلاحق أخطاءه وعيوبه وتجاوزاته.
4- سوء الظن بما يصدر عن الآخرين، وحسن الظن بكل ما يصدر عن الذات: ربما أصاب الإنسان في حسن ظنه أو في سوء ظنه، ولكن ما أكثر ما يخطئ، ثم لماذا يدفعه سوء الظن في كثير من الأحيان إلى اتهام الآخرين، بينما لم يفكر ولو لمرة واحدة أن يتهم سلوكه، إنه بذلك يظلم الآخرين ويظلم نفسه، فما أحوجنا إلى أن ننصف الآخرين وننصف أنفسنا حتى لا نتمادى في الإثم والمعصية ونكون من الخاسرين.
وهنا نطرح هذا السؤال: كيف نمارس النقد لأنفسنا؟
نجيب عن هذا السؤال، ونتابع بقية الخصال التي ذكرها الإمام الرضا “ع” في حديث قادم إن شاء الله تعالى… وأنتقل إلى عنوان آخر.

وقفة مع بيان جمعية الأصالة الإسلامية

يؤسفنا أن نضطر إلى جدال من هذا النمط مع جمعية إسلامية يفترض أن نتكامل معها في الحفاظ على الإسلام المهدد في هذا العصر، وفي الدفاع عن قيم الدين في هذا الزمن الذي استشرى فيه الفساد، وطغى الانحراف، وتكالبت قوى الضلال والتغريب لتحاصر الصحوة الإسلامية المباركة، وتحرك الاستكبار العالمي لفرض هيمنته السياسية والاقتصادية والثقافية على كل واقعنا وليتلاعب بكل مقدراتنا… وذلك مصداقا لحديث نبينا الأعظم “ص”: “يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، قالوا: أمن قلة فينا يومئذ، قال “ص”: لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، يجعل الوهن في قلوبكم وينزع من قلوب أعدائكم من حبكم الحياة وكراهيتكم الموت…”، فإن هذا ينذر بفتنة عمياء – وقى الله هذا البلد شرها -.
إن خطاب التحريض المذهبي أحد أهم الأسباب لانتشار ظاهرة العنف والارهاب وسفك الدماء البريئة، هذه الظاهرة التي باتت تقلق كل مجتمعاتنا، وتبعث الرعب في كل النفوس والقلوب.
فحذار حذار من استخدام هذا الخطاب حتى لا نقتل روح الوئام والصفاء والحب والتقارب في وطن الحب والتقارب.
ثانيا: إن مذهبنا الذي تغذى بتعاليم الأئمة من أهل البيت “ع” يرفض كل الرفض أسلوب السب والقذف والإساءة إلى أمهات المؤمنين والصحب الكرام، هكذا أدبنا وعلمنا أئمتنا الأطهار عليهم أفضل الصلوات والتحيات.
وإذا انطلقت كلمة هنا أو كلمة هناك غير مسئولة فلا يصح أن نضخمها وأن ننفخ فيها وأن نوظفها بغرض “التحريض المذهبي” المدمر في الوقت الذي يمارس علماء الطائفة – انطلاقا من الغيرة على مصلحة هذا الوطن – دورهم المخلص في الترشيد والتصدي لكل ما يثير الفتنة، ويهدد وحدة الصف، ويربك الأمن والاستقرار لا يرجون بذلك إلا ثواب الله، فلنحذر جميعا النفخ في نار الفتنة، ولنحذر جميعا لغة التحريض المذهبي والطائفي حتى لا تتحرك الأحقاد والعداوات والصراعات، فحن أحوج ما نكون إلى لغة التقارب والتوحد والالتئام ونبذ كل أشكال التنابذ والتصادم والخلاف.
ثالثا: يكرر البيان لغة الاتهام “بالخروج على روح الانتماء والمواطنة”، إنها لغة مقيتة تسيء إلى معنى الانتماء والمواطنة، إذ تدفع باتجاه القطيعة مع الأرض والوطن، فإننا لا نجد في رفع مجموعة صور ما يبرر هذا الاتهام، ولا ما يبرر هذا الاستنفار الذي يبعث على الريبة… ونتمنى ألا نضطر إلى مقابلة الريبة بالريبة والشك بالشك فنتهم دوافع هذه الضجة بأن وراءها محركات مستوردة من خارج الحدود.
ونكرر القول اننا لا نرفض النقد والمحاسبة، ولكننا نرفض لغة الاتهام والإساءة ولغة التخوين والتحريض.
رابعا: إن إثارة قضية مجالس العزاء في الوحدات السكنية التي توزعها الدولة أمر في غاية الغرابة والاستهجان، فمتى كان الإنسان ممنوعا من أن يمارس مراسم أحزانه وأفراحه في بيته الذي يخصه مادام لا يتجاوز على حقوق الآخرين؟
وإذا كان البيان يشير إلى مجالس العزاء في مدينة حمد، فإن لذلك مبررات واضحة بعد أن فشلت كل الجهود لدى أبناء الطائفة الشيعية القاطنة في هذه المدينة في الحصول على قطعة أرض يقيمون عليها موقعا لعزاء الإمام الحسين “ع”، والحديث – هنا – يحمل الكثير من الشجون والكثير من الآلام، وأترك هذا إلى وقت آخر، ونأمل ألا نضطر إلى فتح الملفات.

أسبوع الشهيد

الشهيد هو القلب النابض في حركة الأمة، ودمه الشريان المتدفق في مسيرة الحياة، فمسئولية الأمة أن تعطي للشهيد حضوره في وعي الأجيال، وفي وجدان الأجيال، وفي حركة الأجيال، لتكون هذه الأجيال وفية كل الوفاء لدم الشهيد وعطاء الشهيد.
إن أسبوع الشهيد أحد أساليب الوفاء للشهداء، وهو ظاهرة حضارية سليمة، بشرط أن يكون الأداء حضاريا يبتعد عن كل أشكال الإرباك والتأثير على الأمن والاستقرار.
وقد عودنا جمهور الشهداء أن يكون على درجة كبيرة من أخلاقية التعاطي، وعلى درجة كبيرة من حضارية الممارسة والتعبير.
كما نتمنى أن يكون خطاب الذكرى خطابا واعيا بصيرا قادرا على توظيف “أسبوع الشهيد” في خدمة الأهداف الكبرى لهذا الوطن، وفي حماية وحدته وأمنه واستقراره، وألا يتحول الاحتفاء بذكرى الشهيد إلى انفعالات تضيع من خلالها معطيات هذه المناسبة، وتفقد قيمتها في تأصيل المعاني الكبيرة لحركة الشهادة، فالشهادة تأصيل لا استئصال.

الرقص على أشلاء الضحايا

في العراق تتناثر أشلاء الضحايا، وفي الأردن يرقص المنتشون بثمالة الارهاب والجريمة على تلك الأشلاء المتناثرة فوق رمال الحلة الجريحة، وفي العراق المنكوب تسفك الدماء الطاهرة، وتزهق الأرواح البريئة، وفي الأردن ترتفع زغاريد الأفراح تغني للسفاكين والقتلة والارهابيين.
في العراق يذبح أطفال في عمر الزهور، وفي الأردن تنثر الورود ابتهاجا وفرحا بذبح الطفولة البريئة.
في العراق تمزق القنابل الحارقة أجساد النساء والشيوخ، وفي الأردن تتعانق الرقاب وتتصافح الأيدي بالتهاني والتبريكات.
في العراق إرهاب وعنف وموت ودمار وآلام وأحزان، وفي الأردن رقص وأفراح وأعراس.
كيف نفهم هذا التباين في المشهدين؟
ولماذا هذا الرقص على أشلاء الضحايا؟
إنه الضمير حينما يموت، وإنه الوجدان حينما يتلوث، وإنه الهوى حينما يعبث بكل القيم، وإنه العمى حينما يطبع على البصيرة، وانه الشيطان حينما يزين للإنسان الكفر والفسوق والعصيان.
ويبقى السؤال… لماذا هذا الصمت؟

الموضوع الأول من المحاضرة – استمع

الموضوع الثاني من المحاضرة – استمع

Show More

Related Articles

Back to top button