حديث الجمعة 65:العطلة الصيفية ضرورة للطلاب والطالبات
حديث الجمعة 65 | 28 ربيع الثاني 1425 ه | 17 يونيو 2004 م | المكان: مسجد الإمام الصادق (ع) | القفول - البحرين
أمامي مجموعة عناوين قد لا يتسع لها حديث واحد وهذه العناوين هي:
• العطلة الصيفية ضرورة للطلاب والطالبات.
• السفر الصيفي من منظور إسلامي.
• برامج العطلة الصيفية: الرؤية والموقف.
العنوان الأول: العطلة الصيفية ضرورة للطلاب والطالبات:
العطلة الصيفية على الأبواب
وهذه العطلة تشكل ضرورة للطلاب والطالبات بسبب ما ينتجه عامٌ دراسيٌ متواصلٌ من عناءاتٍ وضغوطات، والتي تمثل في:
(1) الإرهاقات الذهنية:
فطبيعة الدراسة الجادة تفرض بذل جهد ذهنيّ كبير من أجل استيعاب المادة الدراسية، ومن أجل الاحتفاظ بها في الذاكرة، ثم إنَّ فترة الامتحانات بما تستنفده من جهود مضاعفة في المذاكرة والمراجعة والحفظ تضيف إرهاقات ذهنية قاسية، طبعاً ليس الحديث عن الطلبة الكسالى العاطلين الفاشلين الذين لا يبذلون جهداً ذهنياً أو طاقة فكرية في الدراسة والتحصيل، الحديث عن الطلاب الجادين الذين يحترمون أنفسهم ويحترمون مسؤولياتهم، ويحترمون وطنهم، فهؤلاء لاشك يبذلون الكثير الكثير من الجهد الذهني والعناء الفكري لكي يحققوا مستوياتٍ متقدمةٍ في الدراسة ليكونوا مؤهلين علمياً وثقافياً وأدبياً لأداء مسؤولياتهم الكبيرة في خدمة أمتهم وفي خدمة أوطانهم، وفي حماية المسيرة الإيمانية والحضارية والأخلاقية لشعوبهم.
إنّه من المآسي الكبيرة في واقعنا الدراسي أن تخرج مدارسنا طلاباً فاشلين وطالباتٍ فاشلاتٍ وأن تخرّج طلاباً وطالبات متخلفين علمياً وثقافياً وأدبياً، أو بدرجاتٍ هابطةٍ جداً، وربما كان نجاحهم بأساليب غير مشروعة، وقد يكون لبعض الأساتذة أو المربين أو المناهج دورٌ في هذا الإنتاج الفاشل والمتخلف، والذي ستكون له مردوداته الخطيرة جداً على واقع مجتمعاتنا وواقع مسيرتنا العلمية والثقافية والأدبية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
(2) الإرهاقات النفسية:
لا شك أنّ العام الدراسي بالنسبة للطلاب الجادين، والطالبات الجادات، يخلق الكثير من الإرهاقات والعناءات النفسية، فالهمّ الدراسي الحقيقي يفرض مجموعة مشاعر ضاغطةٍ على النفس، من هذه المشاعر:
أ. الرغبة الكبيرة في النجاح والتفوق بما تخلقه هذه الرغبةُ من استنفادٍ نفسي دائم يجعل الطالب والطالبة في أقصى درجات التوثب والاستعداد.
ب. الخوف والقلق من المشاعر التي قد تلازم بعض الطلاب والطالبات وخاصة في فترة الامتحانات، فإحتمالات الرسوب، واحتمالات التأخر في المستوى، واحتمالات المفاجئة غير المتوقعة، كل ذلك يساهم في خلق وضعٍ نفسي قلق خائف مرتبك.
ج. المعاناة الصعبة نتيجة المراجعة المكثفة والسهر الطويل، ومن الظواهر الخاطئة في حياة الطلاب والطالبات أن البعض يعيش إهمالاً واضحاً في الدراسة والمراجعة والمطالعة طيلة السنة إلا أنه يستنفر قواه واهتماماته الدراسية في فترة قصيرة جداً قبيل الامتحانات مما يفرض عليه أن يبذل جهوداً مضاعفة مكثفة، ولهذا نتائجه الخطيرة على الحالة النفسية، وربما وصل الأمر بالطالب أو الطالبة إلى أزماتٍ واضطرابات وتوترات صعبة جداً، فالأسلوب الأمثل أن يعتمد الطالب وأن تعتمد الطالبة برنامجاً منتظماً دائماً للمراجعة والدراسة بحيث يستوعب مساحة السنة الدراسية مما يخفّف ضغوطات الفترة الامتحانية، ويقلّل من ضرورة الاستنفار المفاجىء بما يحمله هذا الاستنفار الضاغط على الذهن وعلى النفس، وعلى الوقت من مردودات صعبة لها تأثيراتها السلبية الكبيرة، في حين يوّفر البرنامج المنتظم أجواء مريحة هادئة في فترة الامتحانات.
أن مسؤولية المشرفين والمدرسين وأولياء الأمور أن يخلقوا وعي المراجعة والمطالعة والدراسة عند الطالب والطالبة من خلال البرمجة الموّجهة، والتوظيف الهادف للوقت، والطريقة الصحيحة لاستذكار واستيعاب واختزان المعلومات الدراسية، لتبقى جزءاً من المكوّنات الذهنية الطلابية، وليست مجرد معلومات تفرضها الحاجة لدخول الامتحانات، وتنتهي في الدقائق الأولى بعد الخروج من قاعات الامتحان.
(3) الإرهاقات البدنية:
إن التزامات الدراسة المتواصلة، وأتعاب المراجعة، والسهر، والمعاناة، كل ذلك له انعكاساته على أوضاع البدن، خاصة إذا كان الطلاب والطالبات لا يملكون برنامجاً ينظم طريقة التعاطي مع أجواء الدراسة، وينظم الأوقات بشكل متوازن، ويحافظ على القدرات الذهنية والنفسية والبدنية، ومع كل هذا فإن عاماً دراسياً حافلاً بالجد والاجتهاد له ارهاقاته البدنية الواضحة.
(4) تعطيل الكثير من الاهتمامات الأخرى:
في الغالب يكون الطلاب والطالبات محكومين لضغوطات الدراسة الأمر الذي يؤدي إلى تعطيل الكثير من الاهتمامات الأخرى، وكلما كان هؤلاء أكثر جدية واهتماماً بشؤون الدراسة كانوا أكثر إنفصالاً عن تلك الاهتمامات.
إنّنا في الوقت الذي نؤكد على ضرورة أن تستوعب الدراسة القدر الأكبر من اهتمامات الطالب والطالبة من أجل إنتاج المؤهلات والكفاءات المبينة بناء علمياً محكماً ومتقناً، لا نجد مبرراً لإهمال اهتمامات أخرى أساسية، فإذا كانت ضرورات الدراسة تفرض على الطالب أو الطالبة أن يعطي الكثير من جهده ووقته لمقررات الدراسة النظامية، فإن هناك ضرورات أخرى تصب في بناء شخصية الطالب والطالبة يجب أن لا تكون غائبة كما هي المكوّنات الإيمانية والروحية والثقافية والاجتماعية والسياسية والتي لا تتوفر بدرجات كافيه في مؤسسات التعليم الرسمية، وكما هي الاهتمامات والمسؤوليات التي تفرضها انتماءات الطالب والطالبة الدينية والوطنية، فلا يصح أن تبرر انشغالات الدراسة حالة الانفصال والابتعاد عن تلك الضرورات والاهتمامات والمسؤوليات، إن جيلاً طلابياً يتربى مفصولاً عن مكوّناته الإيمانية والروحية وعن مسؤولياته وقضاياه سوف يكون جيلاً فاشلاً مهما كانت مستوياته العلمية والدراسية.
إن خلاصة ما يريد أن يصل إليه الحديث من خلال النقاط الأربع السابقة إن عاماً دراسياً يمتد إلى تسعة أشهر لا شك له إرهاقاته الذهنية والنفسية والبدنية، وله ضغوطاته على اهتمامات الطلاب والطالبات، الأمر الذي يفرض ضرورة العطلة الصيفية من أجل أن تحقق مجموعة أهداف:
أولاً: لكي يتخفف الطلاب والطالبات من الارهاقات الذهنية التي أنتجتها سنةٌ دراسيةٌ متواصلة، وهذا لا يعني أن تكون العطلة الدراسية فترة لتعطيل الذهن وتجميد فاعليته، وإنما تحريره من ضغوطات الدراسة وارهاقاتها لينطلق في آفاق جديدة تعطيه حيوية ونشاطاً واستعداداً لعام دراسي جديد.
ثانياً: ولكي يتخفف الطلاب والطالبات من الارهاقات النفسية الحاصلة من عناءات الدراسة وما تفرزه من تأثيرات علىالنشاط والحيوية، فالعطلة فرصة للترويح والاستجمام النفسي مما يساعد على تنشيط الروح وإنطلاقتها.
• قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (السرور يبسط النفس ويثير النشاط).
• وجاء في عدة أحاديث التأكيد على ضرورة أن يكون للمؤمن ساعة للترفيه النفسي المباح.
ثالثاً: ولكي يتخفف الطلاب والطالبات من الارهاقات البدنية التي فرضتها أتعاب الدراسة، فدور العطلة الصيفية هو إعطاء البدن فرصة للراحة والاستجمام وحتى يستعيد حيويته ونشاطه.
• قال أمير المومنين (عليه السلام): (لكل عضو من البدن استراحة).
رابعاً: ولكي يتوفر الطلاب والطالبات على فرصةٍ تمكنهم من تحريك الكثير من الارهاقات التي تعطلت في زحمة الانشغالات الدراسية وإن كان هذا التعطيل غير مبرر كما أسلفنا.
العنوان الثاني: السفر الصيفي من منظور إسلامي:
تتجه الكثير من الأسر إلى السفر في العطلة الصيفية مصطحبة معها الأولاد والبنات، وهنا أود أن ألقي نظرة علىالسفر من خلال المنظور الفقهي الإسلامي:
يقسم الفقهاء السفر إلى عدة أقسام، من هذه الأقسام: السفر المحرّم (أو سفر المعصية):
ومن أمثلة هذا السفر:
أ. أن يكون الهدف من السفر ارتكاب عمل محرم (أو ممارسة المعصية):
– السفر من أجل ممارسة الدعارة وارتكاب بعض الموبقات.
– السفر من أجل ممارسة التجارة المحرمة كبيع وشراء الخمر.
– السفر من أجل الإعانة على الظلم.
ب. أن يكون الهدف من السفر ترك الواجب كالفرار من الجهاد أو من دين مستحق مطالب له مع قدرته على دفعه في خصوص الحضر.
ج. أن يكون نفس السفر حراماً.
– كمن حلف أن لا يسافر في يوم معين فخالف وسافر.
هنا سؤال:
إذا نهى أحد الأبوين الولد عن السفر فهل يعد سفر الولد في هذه الحالة سفراً محرماً؟
يذهب بعض الفقهاء إلى حرمة هذا السفر إذا كان النهي الصادر عن أحد الأبوين انطلاقاً من الشفقة والخوف على الولد، أما إذا كان النهي ينطلق من دوافع المصلحة الخاصة بالأبوين ولم يكن الولد ملزماً شرعاً برعايتها، فسفره لا يكون محرماً، إلا إذا استلزم هذا السفر إيذاءً أو عقوقاً للأبوين وإذا تحقق عنوان السفر المحرم ترتب عليه أثران شرعيان:
الأثر التكليفي: وهو كون السفر معصية يعاقب عليها الإنسان من قبل الله تعالى.
الأثر الوضعي: عدم الترخيص للمسافر بالإفطار في شهر رمضان، وبالتقصير في الصلاة.
(2) السفر الواجب:
ومن أمثلة هذا السفر:
أ- سفر الحج الواجب أو العمرة الواجبة:
ب- السفر الواجب بعهد أو نذر أو يمين إذا كان لغرض مشوع.
ج- السفر من أجل جهاد واجب.
د- السفر من أجل إنقاذ مؤمن.
هـ – السفر الذي يفرضه ضرورة العلاج الملزمة.
و- السفر من أجل أي عمل واجب شرعاً لا يتأدى إلا بالسفر.
(3) السفر المستحب:
– السفر من أجل الحج المستحب أو العمرة المستحبة.
– السفر من أجل زيارة العتبات المقدسة.
– السفر من أجل زيارة أخ مؤمن أو عيادته أو قضاء حاجتهز
(4) السفر المباح:
كل سفر لا تنطبق عليه العناوين الثلاثة فهو سفر مباح، والإباحة هنا بمعنى تساوي طرفي الفعل والترك في نظر الشارع الإسلامي وليس بمعنى (الجواز) الذي ينطبق على الواجب والمستحب أيضاً.
ما حكم السفر من أجل الترفيه والاستجمام؟
الإسلام يسمح للإنسان المسلم أن يرفه عن نفسه من خلال الوسائل المشروعة للترفيه، بل ويشجع على ذلك، فالترفيه جزء من المنهج التربوي الإسلامي.
– ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: (ينبغي للمسلم العاقل أن يكون له:
– ساعة يفضى بها إلى عمله فيما بينه وبين الله عز وجل.
– وساعة يلاقي إخوانه الذين يفاوضهم ويفاوضونه في أمر أخرته.
– وساعة يخلي بين نفسه ولذاتها في غير محرم فإنها عون على تلك الساعتين)
– وروي عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال:
(واجتهدوا أن يكون زمانكم أربع ساعات:
– ساعة لله لمناجاته.
– وساعة لأمر المعاش.
– وساعة لمعاشرة الأخوان الثقاة والذين يعرفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن.
– وساعة تخلون فيها للذاتكم وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث الساعات.
– وفي وصية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام):
يا علي لا ينبغي للرجل العاقل أن يكون ظاعنا (أي مسافراً) إلا في ثلاث: مرمة لمعاش، أو تزود لمعاد أو لذةٍ في غير محرمِ.
نستفيد من هذه النصوص أن الإسلام يدفع باتجاه ممارسة الترفيه والإستجمام ضمن الضوابط الشرعية، وبالمقدار الذي لايؤدي إلى التفريط بالمسؤوليات الأخرى، فالسفر الاستجمامي أمر مشروع إسلامياً مادام لا يستلزم ممارسات محرمة.
نظرة حول السفر لزيارة العتبات المقدسة:
إعتادت الكثير من الأسر المؤمنة أن تستثمر فرصة العطلة الصيفية في زيارة (المراقد المطهرة) وهذا عمل مشروع ومبارك يحظى من خلاله الإنسان بالأجر العظيم كما أكدت ذلك النصوص والروايات الثابتة، فالسفر إلى زيارة العتبات المقدسة من أفضل القربات إلى الله تعالى.
وهذا السفر المبارك له عطاءاته الإيمانية والروحية الكبيرة، وله دلالاته الهامة جداً.
ولنا حول رحلات العتبات المقدسة بعض الملاحظات:
1- غياب برامج التوعية والتثقيف والتوجيه الروحي والأخلاقي والاجتماعي، فالكثير من هذه الرحلات خالية من البرامج الهادفة التي توظف هذه الأجواء توظيفاً حقيقياً، وتستثمرها استثماراً جاداً وفاعلاً، يتعبأ الزائرون من خلالها روحياً وإيمانياً وأخلاقياً.
2- هيمنة دوافع المصلحة والربح لدى بعض القائمين على شؤون هذه الحملات مما يؤثر على الاهتمامات الرسالية، والتوجهات الروحية، فتبتعد هذه السفرات الربانية عن أهدافها الكبيرة، وتضيع الكثير من معطياتها في زحمة الدوافع المصلحية، والأغراض المادية البحتة.
3- وجود ظواهر سلبية ومخالفات شرعية:
ومن أمثلة ذلك:
أ- الإختلاط غير الخاضع للضوابط الشرعية، وهذه الظاهرة تتفشى في أجواء هذه السفرات، وقد لا يكون بدوافع المخالفات الشرعية، بقدر ما هو التساهل والإهمال والاسترسال العفوي في العلاقات.
ب- عدم الالتزام الدقيق بالستر الشرعي لدى بعض الزائرات، وهذا واضح وملحوظ لمن تواجد في أجواء هذه الرحلات.
ج- الانزلاق في ممارسات غير مشروعة من قبل بعض الشباب والشابات، مما يؤسف له أن البعض يحاول أن يتخذ من هذه السفرات الدينية غطاء لانفلاتات سلوكية تسيء إلى سمعة هذه الأجواء الإيمانية.
كيف نواجه هذه الظواهر السيئة؟
أولاً: مسؤولية العلماء والمبلغين في خلق وعي إيماني وروحي وفقهي عند الناس في داخل البلد وقبل موسم السفر الصيفي، ومن الضروري أن تعد برامج مكثفة لإعداد الزائرين وتهيئتهم ليكونوا بمستوى أهداف هذه السفرات الربانية.
ثانياً: مسؤولية أولياء الأمور في تحمل التوجيه والرعاية لأبنائهم وبناتهم إذا كانوا بصحتهم في هذه السفرات، أو وضعهم بأيدي أمينة تراقب أوضاعهم، ومما يؤلم أن الكثير من الشابات يتحررن من كل الضوابط والرقابات في هذه الرحلات بإشارة واضحة من أولياء الأمور الذين سمحوا لهن السفر المنفرد تسامحاً وتساهلاً وغفلةً أو إعتماداً على حسن الظن، أو إكتفاءً بتوصية خجولة لا تغني ولا تسمن.
ثالثاً مسئولية أصحاب الحملات:
وتتركز هذه المسؤولية في الأبعاد التالية:
1- وضع ضوابط وشروط مشددة للالتحاق بالحملات وخاصة فيما يتصل بالالتزام والحفاظ على الضوابط الشرعية والأخلاقية، وإن كان هذا التشدد لا ينسجم مع أصحاب الدوافع المادية والمصلحية أما أولئك الذين تحكمهم أهداف الدين, فهم على إستعداد أن يضحوا بأرباح زائلة من أجل عطاء رباني أكبر.
2- إعتماد رقابة وإشراف جادين من أجل حماية أجواء هذه السفرات من كل ألوان العبث والإنفلات، والخروج على ضوابط الشريعة.
3- إعتماد برامج هادفة:
من أهم عوامل نجاح هذه الرحلات إعتماد برامج هادفة توفر لها القدرة في أن تمارس دورها الفاعل في البناء والتوجيه والتربية، وحتى لا تتحول إلى مجرد سفرات إستهلاكية بليدة، أو إلى سفرات منحرفة عن أهدافها الربانية.
وهنا تتأكد الضرورة لوجود علماء ومرشدين في صحبة الحملات للإرتقاء بمستوى التوجيه والرعاية والأداء.
وكلما كانت البرامج أكثر نضجاً ووعياً وشمولاً، أعطت لهذه الرحلات الفرصة الأكبر لتحقيق أهدافها الكبيرة على كل المستويات.
ويجب أن تنتظم في هذه البرامج مجموعة مفردات:
– التوعية الفكرية والثقافية.
– التوعية الفقهية.
– التوعية الروحية.
– التوعية الأخلاقية.
– التوعية التاريخية.
– التوعية الإجتماعية.
– التوعية الرسالية.
– وتوعيات أخرى مهمة.
وفي سياق البرامج التوعوية للزائرين والزائرات لابد من وضع تصور ناضج عن (المضمون الحقيقي للزيارة) في دلالاتها وأهدافها وآدابها.
وما لم يتوفر الزائرون والزائرات على هذا الفهم الناضج لن تتمكن هذه العبادة الربانية من أداء وظيفتها، وتحقيق أهدافها، وحتى يتشكل هذا الفهم الواعي لمضمون الزيارة في ذهنية الزائرين والزائرات يجب:
أولاً:
إلتزام بآداب الزيارة
– الطهارة والنظافة.
– التأدب والوقار.
– الحفاظ على قداسة المراقد المطهرة.
ثانياً: التعاطي الجاد والهادف مع الزيارة:
وهذا يفرض:
– حضور القلب والتوجه الصادق أثناء الزيارة (الإخلاص)
– الإنفتاح الروحي والنفسي بمعنى أن تكون الزيارة تعبيراً عن حالة العشق والإنصهار والذوبان وحرارة اللقاء.
– الوعي بمضامين الزيارة، بما تحمله هذه المضامين من دلالات إيمانية وعقائدية وروحية وأخلاقية وتربوية وثقافية واجتماعية وسياسية فقيمة الزيارة بمقدار ما يملك الإنسان الزائر من وعي بأفكارها ومضامينها وأهدافها، وأما القراءة الصماء لفقرات الزيارة والتي لا تستوعب المعاني والدلالات فهي قراءة فارغة جامدة لا تمنح الزائر حضوراً حقيقياً بين يدي صاحب المرقد المطهر.
ثالثاً: التأسي والإقتداء والتمثّل: القيمة الحقيقية للزيارة بمقدار ما تجعل الزائر يعيش التأسي والإقتداء والتمثّل العملي:
– حينما تكون زائراً للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) فكن متمثلاً له في حياتك.
– وحينما تكون زائراً لأمير المؤمنين، للإمام الحسين، للإمام الرضا، للسيدة زينب، أو لأي مرقد مطهر فكن متمثلاً لمن تزور أخلاقاً وطهراً واستقامة وجهاداً، وبذلاً، وتضحية.
فالزيارة المقبولة عند الله تعالى هي التي تتحول إلى قوة فاعلة في حياة الإنسان الزائر تصوغ فكره وقلبه وروحه وأخلاقه وسلوكه، وبمقدار ما تتجسد عطاءات الزيارة في حياة الزائرين تتحدد قيمة الزيارة ويتحدد مستوى الزائرين عند الله تعالى.
الحديث له تتمة إن شاء الله.