حديث الجمعة 60: التَّقْوى مِن خِلالِ نُصوص القُرآن (2) – الحِوار السّياسي بين الهدفية والاستهلاك
حديث الجمعة 60 | 23 ربيع الأول 1425 ه | 13 مايو 2004 م | المكان: مسجد الإمام الصادق (ع) | القفول - البحرين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يتناول الحديث عنوانين:
*نص آخر من نصوص القرآن يتحدث عن التقوى.
* الحِوار السّياسي بين الهدفية والاستهلاك.
نبدأ بالعنوان الأول: نص آخر من نصوص القرآن يتحدّث عن التقوى:
قوله تعالى في سورة المائدة الآية 27: (إنّما يتقبّل الله من المتقين)
وفي سياق فهم هذا النص نعرض إلى مسألتين:
المسألة الأولى: التقوى أساس القبول:
الأعمال التي لا تصدر عن تقوى أعمال غير مقبولة عند الله تعالى، فمهما كان العمل كبيراً كبيراً عند الناس فهو لايحمل قيمة عند الله سبحانه إذا كان لا يعبّر عن تقوى الله، (إنَّ العبد لينشر له من الثناء ما بين المشرق والمغرب ولا يساوي عند الله جناح بعوضة).
* (من كان ظاهره أكبر من باطنه خف ميزانه يوم الحساب).
القلوب لا تملك تقوى الله، ولا تملك خوف الله، قلوبٌ لا تصدر عنها أعمال تحظى بعطاء الله وبثواب الله، أليس مسجد ضِرار مسجداً، غير أنّه أسّس على غير تقوى الله، ولذلك أمر الله سبحانه نبيّه (صلى الله عليه وآله) ألاَّ يقوم فيه، وأن يقوم في المسجد الأول – مسجد قباء – الذي أسس على التقوى من أول يوم والذي يضم رجالاً يحبون أن يتطهروا، وقد بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى مسجد ضِرار مَنْ هدمه وأزال وجوده لأنّه يشكّل خطراً على الإسلام والمسلمين.
* (والذين اتخذوا مسجداً ضِراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين، وإرصاداً لِمن حارب الله ورسوله من قبل) فما أكثر الوسائل في هذا العصر التي يتخذها أعداء الدين في شكل أنشطة ظاهرها للإسلام وباطنها للكبد ضد الإسلام ومن أجل تشويه الإسلام وما أكثر من يرفع لافتات الدين وهو يعمل ضد الدين وقيم الدين، هذا موضوع لا أريد أن أدخل فيه الآن ما يهمنا في الحديث التأكيد أنّ المعيار الذي وضعه الله تعالى لتقويم الأعمال هو (التقوى) ونحاول استعراض بعض المصاديق:
1. الأعمال العبادية التي لا تحمل تقوى الله أعمال مرفوضة عند الله تعالى.
ومتى تكون الأعمال العبادية فاقدة لتقوى الله؟ وذلك في حالتين:
الحالة الأولى: إذا لم تصدر الأعمال العبادية عن تقوى ، كما هو شأن (الأعمال الريائية)، فهذه عبادات مرفوضة عند الله تعالى.
* (فويلٌ للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يُراءُون ويمنعون الماعون)
* (يُراءُون الناسَ ولا يَذكُرُون الله إلاَ قليلاً)
* في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: (إنّ المرائي ينادى عليه يوم القيامة: يا فاجر يا غادر يا مرائي ضلّ عملك وحبط أجرك فخذ أجرك ممن كنت تعمل له)
* وفي حديث آخر عنه (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: (تصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة وزكاة وصيام وحج وعمرة وخلقٍ حسن، وصمتٍ، وذكر الله تعالى وتشيعّه ملائكة السموات حتى لا يقطع الحجب كلّها إلى الله فيقفون به بين يديه، ويشهدون له بالعمل الصالح المخلصِ لله، – قال – فيقول الله تعالى لهم: أنتم الحفظة على عمل عبدي وأنا الرقيبُ على نفسِهِ، إنّه لم يردني بهذا العملِ وأراد به غيري فعليه لعنتي، فتقول الملائكةُ كلهمُّ عليه لعنتُكَ ولعنتُنا، وتقول السماواتُ كلَّها عليه لعنة الله ولعنتُنا، وتلعنه السماواتُ السبعُ ومن فيهن)
الحالة الثانية: إذا لم تصنع الأعمال العبادية عند الإنسان تقوى الله، فهي عبادات مرفوضة عند الله تعالى أيضاً.
أ. فلا قيمة لصلاة لا تصنع التقوى:
* (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلاَّ بعداً)
ب. ولا قيمة لصيام لا يصنع التقوى:
* (كم من صائم ليس له من صيامه إلاَّ الظمأ)
ج. ولا قيمة لحج لا يصنع التقوى:
* (إنَّ الله لا يعبأ بمن قصد هذا البيت ما لم يرجع بثلاث: ورع يعصمه عن محارم الله، وخلق يعيش به مع الناس، وحلم يدفع به جهل الجاهلين)
د. ولا قيمة لتلاوة لا تصنع التقوى:
* (ربِّ قارىء للقرآن والقرآن يلعنه)
* (من قرأ القرآن ولم يعمل به حشره الله يوم القيامة أعمى)
* (ما آمن بالقرآن من استحل محارمه)
2. والأعمال الفكرية والثقافية التي لا تحمل تقوى الله أعمال لا تحظى بثواب الله تعالى.
– أن يؤلف إنسان كتاباً علمياً ، فكرياً، ثقافياً، تربوياً.
– أن يكتب بحثاً.
– أن يلقي خطاباً، محاضرةً.
3. الأعمال الاجتماعية التي لا تحمل تقوى الله تعالى أعمال لا تحظى بثواب الله.
– أن يمارس خدمة اجتماعية.
– أن يزور إنساناً.
– التواصل والتقاطع لغير الله تعالى.
4. الأعمال التبليغية التي لا تحمل تقوى الله أعمال لا تحظى بثواب الله: (الدعوة إلى الله، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، النشاطات والفعّاليات)
5. الأعمال السياسية التي لا تحمل تقوى الله أعمال لا تحظى بثواب الله.
– في منظور الإسلام يمكن أن يتحول العمل السياسي إلى عمل يتقرب به الإنسان إلى الله تعالى إذا صدر عن تقوى الله وبدافع القربة إلى الله تعالى (الخطاب السَّياسي، الممارسة السياسية، الولاء والعداء السياسي، القبول والرفض السّياسي)
– لنا متابعة مع حديث التقوى إن شاء الله في لقاء قادم.
العنوان الثاني: الحِوار السّياسي بين الهدفية والاستهلاك:
الحوار السياسي أحد ضرورات المرحلة، وبمقدار ما يكون هناك حوار جاد تتحرك الأوضاع السياسية في خطّها السليم، ومتى غاب الحوار أوجد ذلك أزمات وإرباكات في المسار السياسي، الذين يهربون من الحوار يعقّدون هذا المسار، ويفتحون الأجواء للأزمات السياسية، فالسلطة حينما ترفض الحوار تؤسس لإنتاج الأزمات والاحتقانات السياسية، وقوى السَّاحة حينما ترفض الحوار فيما بينها أو مع السلطة فإنّها تؤسس كذلك لتحريك الأزمات والتعقيدات والإرباكات إنَّ السلطة مدعوة أن تمارس الحوار، وقوى الساحة الفاعلة مدعوة أن تمارس الحِوار في داخلها ومع السلطة.
الحِوار السّياسي بين الهدفية والاستهلاك:
الحِوار السّياسي له مساران:
– مسار الهدفية السّياسية الجادة.
– مسار الاستهلاك السياسي.
وبمقدار ما تتشكّل هدفية الحوار الجادة يكون الحِراك السياسي في خير، ومتى فقد الحوار هدفيته وجديته أصبح واحداً من أدوات الاستهلاك السياسي، وواحداً من أدوات الاسترخاء السياسي، بين الهدفية والاستهلاك مساحةً كبيرةً جداً الهدفية في خطها الصحيح تعطي للحوار دوره الفاعل في صوغ الواقع السياسي المتوازن، وأمّا الاستهلاك السياسي فهو وسيلةُ تخديرٍ وإلهاءٍ وعبثٍ بالوقتِ والجهدِ، ومصادرة للأهداف.
فإلى أين تتحرك حِواراتنا السياسية؟
وهل هي حوارات جادة هادفة؟
أم هي حوارات استهلاكية فاشلة؟
في الساحة قوى سياسية، وفي الساحة رموز سياسية، وفي الساحة سلطة سياسية، فهل تعيش هذه المفاصل حوارات سياسية؟
ما هو مستوى هذه الحوارات؟
هل يوجد قدرٌ كافٍ من الحوارات؟
ما هي قيمة هذه الحوارات؟
أسئلة كثيرة تبحث عن إجابات صريحة وواضحة لا نستطيع أن نّدعي وجود حواراتٍ بقدرٍ كاف، الواقع بكلِّ تحدياته وأزماتهِ في حاجة إلى درجة أعلى من الحِوارات، ما يتحرك في الساحة من حوارات سياسية بطيئة ومحددة لا يتناسب مع مستوى ضروراتِ المرحلة، ومع مستوى تحديات المرحلة.
المطلوب من السلطة، ومن قوى الساحة، تحريكُ الحِوار السياسي بدرجة أكبر ليكون هذا الحوارُ قادراً على حماية المسار السياسي، وقادراً على تصحيح الأوضاع السياسية، وقادراً على إحتواء الأزمات السياسية.
هذا على مستوى (كم) الحوار، أمّا على مستوى (قيمة الحوار) فلا زالت (إنتاجية) الحوار منخفضة، ولازالت (إنتاجية) الحوار متلكئة ومتعثرة، وقضايا هذا الوطن وأزمات المرحلة تنتظر حواراتٍ أكثر إنتاجية وأكثر جدية وأكثر فاعلية، وإذا لم تتوفر حواراتنا السياسية على هذا المستوى من الإنتاجية والجدية والفاعلية فإنها تتحول إلى حوارات استهلاكية عقيمة، وحوارات عقيمة، ولا أشك أنّ جميع أطراف الحوار السياسي لا يريدون لهذا الحوار أن يتحول استهلاكاً سياسياً، وأن يتحول لهواً سياسياً، وأن يتحول استرخاءً سياسياً، فالحوار إذا أصبح استهلاكاً ولهواً واسترخاء فهو حوارٌ ضار ولا ينتج إلاّ إحباطاً ولا ينتج إلاَّ يأساً، ولا ينتج إلاّ رفضاً، ولا ينتج إلاَّ تعقيداً وتأزماً وتوتراً، فيجب التفكير الجاد المشترك للعمل من أجل تحريك الحوار الهادف المنتج بما يتناسب وحاجات المرحلة الراهنة، وبما يتناسب مع تطلعات الجماهير إلى معطيات الحوار.
* كيف نعطي للحوار السياسي هدفيته وصِدقيتهُ وفاعليتهُ؟
سؤال هام جداً، وبمقدار ما تكون المعالجة حقيقية لهذا السؤال، يكون للحوار حضوره في الساحة السّياسية، وتكون ثقة الأمة بهذا الحوار، كل الحوارات السياسية إذا لم تتحول واقعاً متحركاً على الساحة لا يمكن أن تملك ثقة الأمة، وفي المقابل على الأمة أن تساهم في إعطاء الحوار السياسي فاعليته وحركيته وأن لا تمارس دور الإجهاض لهذا الحوار.
يفترض في الحوار السياسي لكي يكون حواراً منتجاً أن يتوفر على مجموعة شروط:
الشرط الأول: الاتفاق على مرجعية للحوار السياسي:
إذا لم يتم الاتفاق على مرجعية للحوار السياسي أصبح هذا الحوار تائهاً، والحوار الذي لا يملك مرجعيةً حوار استهلاكي فاشل، وحينما تتباين مرجعيات الحوار السياسي فإنه يتحول إلى تجاذبات، وخلافاتٍ، وصراعات، ويتحول إلى حالات من الإلغاء والتنافي والافتراق والتباعد. ما هي مرجعية الحوار السياسي؟
هناك (ثوابت) يمكن أن تكون مرجعية للحوار السياسي، وهذه الثوابت على نحوين:
– ثوابت دينية.
– ثوابت وطنية.
فمسؤولية الحوار السياسي أن لا يتجاوز (الثوابت الدينية) كونها تشكلّ الهوية الإيمانية لهذا الوطن، وكونها تشكلّ الضمير والوجدان لأبناء هذا الوطن، فالحوار السياسي الذي يصادر الهوية الإيمانية والدينية لهذا الوطن، ويصادر الضمير والوجدان لأبناء هذا الوطن هو حوار مرفوض رفضاً قاطعاً، كذلك مسؤولية الحوار السياسي أن يعتمد (الثوابت الوطنية) التي تشكلّ القناعات المشتركة لأبناء هذا الوطن وتشكل المكوّنات الأساسية لكيان هذا الوطن، فمهما كانت مساحات الاختلاف السياسي فإنَّ الثوابت الدينية والوطنية قادرة على إحتواء كل الاختلافات والتباينات، وقادرة على إنتاج رؤى سياسية موحدة أو متقاربة تساهم في إنجاح أيّ مشروع للإصلاح والتغيير.
الشرط الثاني: وضوح الهدف في الحوار السياسي:
لكي يكون الحوار السياسي جاداً ومنتجاً لابد أن يكون هدف الحوار واضحاً، فلو كان الهدف غائماً وضبابياً فسوف يتيه الحوار، وسوف ترتبك مسارات الحوار، كذلك إذا كان هدف الحوار متبايناً بين أطراف الحوار، فإنَّ كلَّ طرف سوف يحاول أن يحرك الحوار في إتجاه هدفه، مما يجعله حواراً عقيماً قد يقال: إنَّ طبيعة اختلاف الرؤى والقناعات السياسية بين أطراف الحوار تنتج أهدافاً متعددة، فالقناعات المتضادة تشكلّ أهدافاً متضادة.
فكيف نطالبُ الحوار السياسي أن يتفق على هدف واحد؟
هناك نوعان من الأهداف:
أ. الهدف المركزي وهذا الهدف لا يختلف فيه أطراف الحوار السياسي.
ب. أهداف غير مركزية، وهذه أقرب أن تكون (آليات) للوصول إلى الهدف المركزي.
أوضح الفكرة من خلال المثال التالي:
إنَّ جميع أطراف الحوار السياسي في ساحتنا البحرانية (السلطة، الجمعيات، الرموز) تتفق على هدف سياسي مركزي واحد وهو (ضرورة وجود حياة سياسية راقية وعادلة) وهذا يفرض (ضرورة وجود صيغة سياسية قادرة أن تحقق الحياة السياسية الراقية العادلة)
لا أعتقد أن هناك أيّ اختلاف حول هذا الهدف المركزي، نعم هناك اختلاف حول (آليات) الوصول إلى هذا الهدف المركزي، قد ترى السلطة أنّ (دستور 2002) هو الأقدر على إنتاج هذا الهدف المركزي، وترى قوى سياسية في الساحة أن (دستور 73) هو الأقدر والأفضل، وربّما يرى فريق ثالث الحاجة إلى (دستور) أكفأ من الدستورين، هنا يأتي دور الحوار السياسي الجاد الهادف ليعالج هذا الاختلاف، وإذا صدقت النوايا فسوف يصل الحوار السياسي إلى نتائج مقبولة عند الجميع، المهم أن نتحاور وأن تكون النوايا صادقة من أجل الوصول إلى الأهداف الحقيقية التي توفرّ لهذا الشعب حياته السياسية السليمة وتوفرّ له كلّ حقوقه المشروعة.
أن التداعيات الصعبة التي أنتجها الاختلاف حول (التعديلات الدستورية) كانت بسبب غياب الحوار السياسي الجاد، فإذا تحرك هذا الحوار فسوف يمكن معالجة كل الإشكاليات، والتخفيف من كلِّ التداعيات.
الشرط الثالث: الموضوعية في الحوار السياسي:
لا يكون الحوار موضوعياً إذا كان حواراً من أجل الحوار، ولا يكون الحوار موضوعياً إذا كان حواراً من أجل أن يؤكد كل طرف ذاته، ولا يكون الحوار موضوعياً إذا كان حواراً من أجل الانتصار على الآخر ولو كان هذا الانتصار على حساب الحقيقة. الحوار الموضوعي هو الحوار الباحث عن (الحق) وعن (الحقيقة).
الحوار الموضوعي هو الحوار الذي ينتصر لهذا الحق ولهذه الحقيقة، لا أن ينتصر لهذا الطرف أو ذاك الطرف، الحوار الموضوعي هو الحوار الذي لا يعيش الاستغراق في القضايا الصغيرة، والعناوين الصغيرة، والأهداف الصغيرة على حساب القضايا الكبيرة والعناوين الكبيرة والأهداف الكبيرة، الحوار الموضوعي هو الحوار الذي يتحرر من كل المؤثرات الضاغطة التي تصادر هدف الحوار، قد تضغط على حواراتنا السياسية مؤثرات لا شعورية تجعل الحوار مسجوناً لنزعات وأهواء وأغراض ذاتية، وقد تضغط على حواراتنا السياسية مؤثرات اجتماعية تحاول أن تفرض على الحوار مساراً معيناً يبتعد به عن أهدافه، ربّما تخلق السلطة أجواء معينة لتضغط على الحوار السياسي كي يتحرك هذا الحوار في الإتجاه الذي تريده السلطة، وربّما تحاول القوى السياسية أن تخلق أجواء شعبية لتضغط على الحوار في اتجاه الأهداف التي تريدها هذه القوى.
لا مانع من خلق الأجواء النظيفة التي تعتمد الأساليب النظيفة والقيم النظيفة وإن خدمت هذه الأجواء هذا الطرف السياسي أو ذاك الطرف السياسي مادامت أجواء غير مزوّرة ولم تصنع بأدوات وأساليب مزورة وكاذبة.
الشرط الرابع: لغة الحوار السياسي:
يفترض في لغة الحوار السياسي:
أولاً: أن تكون لغةً تحمل المحبة والصفاء والشفافية والانفتاح والمرونة والهدوء، وهكذا تعطي الكلمة للحوار انسيابيته وفاعليته وحركيته، وقدرته على إحتواء حالات التباعد والاختلاف. ثانياً: أن تكون لغةً تحمل الصدق والنظافة:
إنَّ لغة الحوار إذا كانت غير صادقة وغير نظيفة فإنّها لا تملك القدرة أن تقترب بالحوار إلى أهدافه، ولا تملك القدرة أن تقارب بين القلوب، إنّها تنتج مزيداً من التشنجات والتوترات والصراعات، فيجب أن يبتعد الحوار السياسي عن لغة الكذب والسب والتشهير ولغة الاتهام والتخوين والإساءة، وقد أكّد القرآن في منهج الحوار على اعتماد اللغة النظيفة حتى مع الآخر في العقيدة والدين.
* (ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عدواً بغير علم)
* (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن)
* (وجادلهم بالتي هي أحسن)
ثالثاً: أن تكون لغةً تحمل الصراحة والوضوح:
إنّ المجاملات المفرطة مضرة جداً بصدقية الحوار، وبهدفية الحوار، فلابد من المصارحة والمكاشفة والوضوح بالقدر الذي يحمي الحقيقة من أن تموت في زحمة المجاملات، وإذا كانت الصراحة تشكلّ ضرورة للحوار السياسي فإنّه يجب أن تكون صراحة عاقلة مملوءة بالحب والصفاء، وإلاّ أنتجت مزيداً من الحساسيات والتشنجات.
رابعاً: أن تكون لغة لا تلغي الآخر.
الاعتراف بالآخر شريكاً في الحوار السياسي أحد ضرورات الحوار، قد لا أؤمن بالفكر الآخر، وقد أعتقد بخطأه، إلاّ أن منهج الحوار يفرض أن أعترف به طرفاً في الحوار، وأن أجمّد قناعتي عند إنطلاقة الحوار.
* (وإنّا أو إيّاكم لعلى هدى أو في ضلال مبين).
لم يكن رسول الله (صلى الله عليه وآله) شاكاً فيما عنده وهو الذي جاء بالصدق وصدق به لكنه المنهج الواعي القادر على أن يجتذب الآخر إلى دائرة الحوار.
خامساً: أن تكون لغةً تؤكد على نقاط الاتفاق أولاً، ليقف الحوار على أرض مشتركة، ثم ينطلق ليعالج مساحات الاختلاف، حواراتنا تحاول دائماً أن تبدأ بحرق الأرض المشتركة، وأن تبدأ بنسف القواسم، هذا المنهج خاطىء جداً لا يساهم في إعطاء الحوار قدرته على انتاج التقارب والتفاهم السياسي، هذه بعض مكوّنات الحوار السياسي.
نسأل الله تعالى أن يسدد الخطى في طريق الهدى والخير والصلاح.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين