شعار الأسرة الواحدة في حاجة إلى تفعيل حقيقي
أنطلق مشروع الإصلاح السّياسي فتحنا القلوب بكل ثقة وصدق، ونسينا تاريخاً من العناء، وأعطينا الكلمة التي باركت المشروع، و وقفت مع الإصلاح، وكان الأمل الكبير يملأنا، وكان المستقبل الواعد يجذّر أقدامنا على الأرض لنواصل السير مع المشروع، ومع شعارات المشروع، ورغم كلّ التعثرات كنا نقول: لازال الوقت مبكراً، والتجربة في حاجة إلى زمن، وإلى صبر وإلى تعاون، أنتظرنا الزمن، صبرنا، تعاونا، سدّدنا وكنا صادقين مع أنفسنا، واستمر الزمن، وتلاحقت العثرات، وحدثت أزمات وأزمات، وصعوبات، وانطلقت صيحات تطالب بإعادة المراجعة في التعاطي مع المشروع، وبقينا نقول الكلمة تلو الكلمة: أنّ خيار الحوار لازال قائماً، ويجب السعي لإنجاح هذا الخيار في مواجهة كل الأزمات وفي مواجهة كل الصعوبات، هذا خطابنا ولازال.
إلاّ أنا – وبكل أسف – لا نجد مؤشراً حقيقياً في الإتجاه نحو تفعيل جاد لهذا الخيار، إنّ الحوار الصادق هو القادر على أن يعالج الكثير من أزمات المرحلة، والكثير من صعوبات المرحلة يجب الإعتراف بوجود أزمات وربّما مآزق، إنّ إنكار ذلك لا يصبُّ في مصلحة هذا البلد ولا في مصلحة المشروع السّياسي، يخطىء الخطاب الإعلامي، والخطاب الصحافي الذي يحاول دائماً أن يتجاهل الأزمات الحقيقة، إنَّ هذا الإصرار على تجاهل الأزمات سوف يؤدي إلى تراكمات صعبة جداً، قد تكون نتيجتها إهتزاز خطير لكلِّ مكوّنات المرحلة، وهذا مالا يريده أحد من المخلصين لهذا البلد ولمصالح هذا البلد وأمنه واستقراره.
إنَّ التصريحات المتشدّدة التي تصدر عن هذا المسؤول أو ذاك لا تعالج المشكلة وربّما عقدّت الأمر، وربّما شنجّت الموقف، إنّنا في حاجة إلى تصريحات تحمل روح الشفافية والمرونة والإنفتاح، تصريحات تدعو إلى الحوار السّياسي على كافة الأصعدة والمستويات، تصريحات لا تصادر حق الناس في التعبير عن همومِهم، الآمِهم، مشاكلِهم، مطالبِهم، ربّما يكون خلاف حول الآليات فمن خلال الحوار الهادف تعالج الأمور، أكرر أنَّ مصلحة المشروع الاعتراف الصريح بوجود أزمات، مشاكل، تحديات، صعوبات، ومن مصلحة المشروع أن يكون هناك حوا بين السلطة وكافة القوى والشخصيات الدينية والسّياسية لمعالجة شؤون الساحة وأزمات المرحلة، لا أريد من خلال هذا الحديث أن أفتح الملفات السّاخنة، فهي ملفات واضحة ومعروفة، وتحتاج إلى معالجات ومعالجات، المسألة الدستورية، مسألة التجنيس، مسألة البطالة، مسألة الفساد، مسائل أخرى كثيرة في حاجة إلى معالجة، وإلى لقاءات وإلى حوارت، ما يهمني في هذا الحديث أن أتناول أحد الشعارات الهامة التي تزامنت مع ولادة المشروع السّياسي الراهن.
هذا الشعار هو (شعار الأسرة الواحدة) إنّه شعار جميل، وشعار مبارك، أنفتحت له كلّ القلوب، وباركته كل الألسن.
والسؤال الكبير الذّي نطرحه هنا – وقد قطع المشروع السّياسي هذا الزمن من عمره: ما هي مصداقية شعار الأسرة الواحدة في الواقع العملي؟
من الجور على هذا الشعار أن لا نعترف له بأيّ مصداقية، فالمرحلة شهدت انعطافات وانفتاحات وتغيّرات نثمّنها ونقدّرها، ولكننا لا يسعنا في الوقت نفسه إلاّ أن نقول وبكل صراحة أنَّ هذا الشعار لم يتحرك على الأرض بما يتناسب وانعطافات المرحلة، لازال شعاراً غائباً عن التطبيق الحقيقي، لازال شعاراً يبحث عن إدارة جريئة تحوله إلى واقع متجسّد.
من المسؤول عن تعطيل هذا الشعار؟
لا نريد أن ندخل في جدول حول تجاذب الاتهامات ولكن الأمر الذي لا نشك فيه أن هناك في السلطة من مارس ولازال يمارس دور تعطيل هذا الشعار ، لا زال في أجهزة الدول من تحكمه نزعات الطائفية المذهبية البغيضة، فمالم يتم محاسبة هذه العناصر المأسوره للحس الطائفي، فسوف يبقى شغار الأسرة الواحدة شعاراً الاستهلاك السياسي فقط ومالم يتم تطير مؤسسسات الدولة من بعض قوى المذهبية الضيقة فسوف يبقآ الشعار وهماً لا حقيقة له.
إن تفعيل الشعار في حاجة إلى جهد كبير، وفي حاجة إلى ادارة جرئية، وفي حاجة إلى صياغة مدروسة، قد يحاول البعض أن يشكك في صحة ما ندعيه، وربما أعتبر كلا منا يحمل مبالغة لا مبرر لها، فالشعار يتحرك بشكل جاد وحقيقي ولا أثر كبير للحس الطائفي في مؤسسات الدولة، واذا وجدت بعض التصرفات الخاطئة فهي لا تعبّر عن سياسة السلطة ولا تعبّر عن توجهات الدولة، تعقيباً على هذا الكلام أقول: أولاً: لا يصح لي أن أتهم سياسة الدولة بالتوجه الطائفي، ولم يصدر مني ما يشير إلى هذا الاتهام.
ثانياً: أنّ وجود مسؤول في هذا الموقع أو ذلك يتصرف بمزاجية مذهبية لا يعني أنّ هذا التصرّف يمثل سياسة الدولة وتوجهات السلطة.
ثالثاً: يجب محاسبة أيّ مسؤول يمارس عملاً يكرّس الطائفية المذهبية، ويعمق روح العداء بين أبناء الشعب الواحد.
رابعاً: كيف نفهم هذه الممارسات وهي مارسات تعبّر عن نفس طائفي.
وكم هو بغيض لي أن أتحدث بلغة الطائفة أو لغة المذهب في هذه المرحلة التي يجب أن يحكمنا فيها خطاب الشعب الواحد، والمطالب الواحدة، والهدف الواحد إنَّ خطاب الطائفية والمذهبية خطاب مرفوض في هذه المرحلة، وخطاب ضار بكلِّ منجزات التجربة، نني إنطلاقاً من الحرص على ضرورة حماية مشروع الإصلاح، ومن الرغبة في تصحيح مساراته وترشيد تطبيقاته، أطرح هذه التساؤلات المفتوحة والتي لا أشك أنها تصل سمع المسؤولين:
1. لماذا نجد بعض التوظيفات الرسمية يطغى على اختياراتها الانتفاء المذهبي وليس الكفاءات والمؤهلات؟.
2. لقد طرحنا أثناء إقامة معرض الكتاب الدولي الأخير سؤالاً عن سبب منع بعض الكتب الشيعية، ولم نسمع رداً مقنعاً.
3. لقد انتشرت في الآونة الأخيرة كتب وكتيبات ومنشورات وأشرطة تحمل طابعاً مذهبياً حاداً ضد الشيعة مما ينذر بفتنة طائفية عمياء.
ما هو موقف الجهات الرسمية من هذا الطاهرة؟
وهل أنّ هناك مبادراتٍ جادة لإيقاف هذه المارسات؟
4. في إعطاء الإجازات لبناء المساجد هناك ظاهرة – نرجو أن لا تكون مقصودة – تحمل تمييزاً مذهبياً.
– في منطقة تسمى البحيرة يوجد عدد كبير من الأسر الشيعية ومنذ سنين طويلة وهم يطالبون بمسجد لأداء العبادة ولكن دون جدوى، ما هو السبب؟
– في مدينة حمد أكثر من أربعين ألف مواطن شيعي، مساجدهم لا تتجاوز الخمسة أو الستة، وهم في حاجة إلى عدد أكبر وقد بحت أصواتهم في المطالبة ولا مجيب، فمن هو المسؤول عن هذه التعقيدات؟ وفي المقابل – وليس هذا استكثاراً على أخواننا السنة فنحن يفرحنا أن تكثر مساجد المسلمين سنة وشيعة – هناك ما يقرب من خمسة عشر ألف مواطن سني ومساجدهم تقرب من الثلاثين مسجداً، أننا نأمل أن يأت اليوم الذي تصبح المساجد مشتركة يصلي فيها المسلمون جميعاً سنة وشيعة حتى لا نضطر إلى مطالبات خاصة لهذا المذهب أو ذاك، وحتى تذوب كلَّ الحساسيات المذهبية الضارة بوحدة هذا الشعب.
– وفي مدينة حمد نفسها يطالب المواطنون الشيعة – وعددهم بهذه الكثافة – بمكان لإقامة حسينية واحدة وحتى الآن لم ينفذ طلبهم، فمن المسؤول عن ذلك؟
5. لماذا هذا الإصرار على عدم الاستجابة لطلب جمعية التوعية الإسلامية في إصدار مجلة فكرية ثقافية، وقد مضى على هذا الطلب زمن طويل؟
6. لماذا تحاصر بعض مشروعات الجمعيات الدينية المنتسبة إلى هذا المذهب، وهي مشروعات ذات طابع ثقافي اجتماعي إنساني وليست ذات طابع سياسي في حين تسهل مشاريع الجمعيات الأخرى؟
هذه التساؤلات وغيرها كثير ليس الهدف من طرحها إثارة الروح الطائفية، ولا تحرك الحس المذهبي ولا استنهاض الشارع، إنّنا ضد أيّ إثارات تضر بالوحدة الوطنية، وضد أي ممارسات تربك أوضاع الاستقرار، وضد كلِّ التصرفات التي تسيء إلى الأمن والهدوء، وتسيء إلى التلاحم الاجتماعي بين أبناء هذا الشعب الواحد، ولكنها تساؤلات أصبحت تشكلّ هماً وقلقاً في داخلنا وفي مشاعرنا ونحن نعيش على أرض هذا الوطن الحبيب الذي نحمل له كلِّ الإخلاص منذ أن تنسم أباؤنا وأجدادنا هواءه، ومنذ أن امتزج عرقهم ودموعهم ودماؤهم بتربته ، ونحن أبناء هذا التاريخ، والحاضر يحمل ألف شاهد وشاهد.
هذه رسالة حب مفتوحة، تعبّر عن نبض صادق لهذه الأرض، وتعبّر عن دعوة مخلصة إلى تعاون هادف جاد من أجل خدمة هذا الوطن ومن أجل الحفاظ على كلِّ مصالحة، ونحن لا نشك أنّ المواقع العليا في السّلطة يقلقها جداً أن تألم طائفة كبيرة من أبناء هذا الشعب حينما تجد نفسها ضحية مارسات غير مسؤولة صادرة عن هذا الموظف الكبير أو ذاك، ونحن لا نشك أنَّ المواقع العليا في السلطة يهمها جداً أن ينجح مشروع الإصلاح السّياسي، وهذا ما نحمل همه جميعاً، فيجب أن يتخلص واقعنا من كلِّ المعوّقات، وبيد السلطة القدرة كلّ القدرة أن تخلصّ الواقع من كلِّ المعوّقات، وبيد السلطة أن تفتح قلبها لكلّ النداءات المخلصة، ولكلّ الحوارات الصادقة، سدّد الله كلّ الخطي في طريق الخير والصلاح.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين