حديث الجمعة 53: مدرسة الدُّعاء عِند الإمام السَّجاد (عليه السَّلام) – منع عدد من الكتب الشيعية في معرض الكتاب – إغتيال الشيخ أحمد ياسين
حديث الجمعة 53 | 4 صفر 1425 ه | 25 مارس 2004 م | المكان: مسجد الإمام الصادق (ع) | القفول - البحرين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمامنا مجموعة عناوين ..
العنوان الأول: متابعة الحديث في ذكرى الإمام السجاد عليه السلام..
في هذا اللقاء ننفتح على مدرسة الدعاء عنده(عليه السلام) أدعيته عليه السلام عرض شامل للإسلام في عقائده وأخلاقه وجميع مكوّناته، أدعيته ثقافية وتربيه، وبناء روحي وفكري وإجتماعي وسياسي، أدعيته (عليه السلام) صياغة للإنسان والحياة في ظل منهج اللّه تعالى فما أحوجنا أن تنفتح على هذه المدرسة الربانية
وهنا نعيش معه في بعض كلماته الخاشعة الضارعة، حينما ينقطع في جوف الليل، يذوب آهاتٍ في لقاء العشق مع اللّه سبحانه، لقاء الشوق والخوف والرجاء.. يبكي ويبكي ويبكي ولسانه يردد «مالي لا أبكي».
إذا كان إمامنا السجاد يبكي من خشية اللّه، فمالنا – ونحن العصاة – لانبكي؟
«فالبكاء من خشية اللّه مفتاح رحمة اللّه»
«والبكاء من خشية اللّه ينير القلب»
« والبكاء من خشية اللّه يطفئ بحاراً من غضب الله ….»
« وما من قطرة أحب إلى اللّه عز وجل من قطرتين ، قطرة دم في سبيل اللّه، وقطرة دمعةٍ في سواد الليل لا يريد بها عبد إلاّ اللّه عز وجل»
و« كلّ عينٍ باكية يوم القيامة غير ثلاث: عين سهرت في سبيل اللّه، وعين فاضت من خشية اللّه، وعين غضت عن محارم اللّه»
و« إنَّ بين الجنة والنار عقبة لا يجوزها إلاّ البكاءون من خشية اللّه»
قال إمامنا السجاد في تضرعه الخاشع: «ومالي لا أبكي ولا أدري ما يكون مصيري» إنّه الإمام المعصوم الواثق كل الوثوق بمصيره والمطمئن كلّ الإطمئنان إلى رضوان ومغفرته، إلاّ أنّه أدب المثول بين يدي الربّ العظيم،
إنّه الدرس الذّي يعلّمنا كيف نتحدث مع الله تعالى، ثمّ إن الإمام لا يتحدث – هنا مع الله بصفة الإمام المعصوم، إنه الإنسان بما هو إنسان.
نعم هو يخاطب ربّه بلسانٍ كلّه تذلل وخضوع واعتراف « مالي لا أبكي ولا أدري إلى مايكون مصيري»
فما أسوء حالنا ونحن الغارقون في الغفلة والهوى، والساردون في اللعب والضحك، وقد يكون المصير إلى نارٍ وعذاب وسعير.
يوم يأتي النداء {خُذُوه فَغُلُوه ثم الجحيم صَلُّوه ثمّ في سِلْسَلة ذَرّعُها سبعون ذِرَاعاً فاسلكوه}
فحذارِ حذارِ أيتّها النفس .. فالطريق طويل وطويل.. والمصير إمّا إلى جنة ونعيم وإمّا إلى نارٍ وجحيم…
يواصل إمامنا السجاد تضرعاتهِ الباكية:
«فمالي لا أبكي أبكي لخروج نفسي»
ما أصعبها وأشدها من لحظة..
إنها لحظة النزع والحتضار «إذا بلغت الروح الحلقوم» { وجاءت سكوة الموت بالحق، ذلك ماكنت منه تحيد}.. سكرات الموت وما أدراك ما سكرات الموت.. كربٌ وهول وشدة، دَوّعٌ وفزع ورعب، أشد من نشر بالمناشير، وقرض بالمقاريض، ورضخ بالحجارة، وتدوير قطب الأرحية في الأصداق.
هكذا تكون سكرات الموت بالنسبة للكافرين والظالمين والفاسقين والمتمردين على الواحد القهّر.
دخل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على عليّ عليه السلام عائداً له وكان يشتكي وجعاً شديداً في عينه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله.« ياعلي أحدثك بحديث ينسيك وجعك، ياعلي إن ملك الموت إذا نزل لقبض روح الكافر نزل ومعه سفود من نار فنزع روحه فتصيح جهنم.
فاستوى علىٌّ جالساً وقال: يارسول الله أعد علىّ الحديث، فقد والله أنساني وجعي – وأعاده صلى الله عليه وآله، فقال عليّ عليه السلام: يارسول الله هل يصيب ذلك أحداً من أمتك؟
قال صلى الله عليه واله: نعم حاكم جائر وأكل مال اليتيم ظلماً، وشاهد زور»
وأما المؤمن الصادق في إمانه فالموت عنده «:كأطيب ريح يشمّه فيتنفس لطيبه فيقع التعب والألم كلّه عنه» هكذا جاء في حديث الإمام الصادق عليه السّلام.
وسئل الإمام الحسن بن عليّ عليه السلام عن الموت فقال:
«أعظم سرور يرد على المومنين إذا نقلوا عن دار النكد إلى النعيم الأبد، وأعـظم ثبور يرد على الكافرين إذا نقلوا عن جنتهم إلى نارٍ لا تبيد ولا تنفذ.»
أيهّا المؤمن لكي تخفف وتهّون عليك سكرات الموت، فأكثر من: صلة الرحم وبر الوالدين، وقضاء حوائج الإخوان، وأعلم أن التقوى هي الزاد الكبير يعنك عند النزع والإحتضار
نتابع الدعاء مع الإمام السجاد
قال عليه السلام: « أبكي لظلمة قبري، أبكي لضيق لحدي، أبكي لسؤال منكر ونكير إيّاي.»
إنها محطة من محطات سفر الأخرة. إنّها محطة البرزخ، { ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} في هذه الحطة أهوال وشدائد:
(1) في هذه المحطة يواجه الإنسان ظلمة القبر ووحشه، فمن دنيا واسعة إلى حفرة ضيقة، ومن بيوت فادهة إلى قبور موحشة، ومن حياة منعمة إلى أجداث مظلمة فهل معتبر؟
جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يقول القبر للميت حين يوضع فيه: ويحك يا أبن آدم ما غرّك بي، آلم تعلم أنيّ بيت الفتنه وبيت الظلمة وبيت الوحدة وبيت الدود، فأغرك بي إذا كنت تمرّ بي فدّادا « الفدّاد الذي يقدم رجلاً ويؤخر أخرى»
وفي حديث للإمام الصادق عليه السلام: « إن للقبر كلاًماً في كلّ يوم يقول: أنا بيت الغربة، أنا بيت الوحشة، أنا بيت الدود، أنا القبر، أنا روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران»
أيّها المؤمن لكي تخفف عن نفسك وحشه القبر وظلمته:
فأقرأ سورة (يس) عند نومك.
• ولا تنس عيادة المرضى.
• وأدخل السرور على قلوب المؤمنين.
• وأكثر من الصلاة على محمد وآل محمد.
روي عن النبي صلّى الله عليه وآله أنه قال: « أكثروا من الصلاة عليّ فإن الصلاة عليّ نور في القبر، ونور على الصراط ونور في الجنة.
ثمّ أعلم أيها المؤمن أنّ التقوى هي الزاد الكبير الذي يخفف عنك وحشة القبر وظلمته.
(2) وفي هذه المحظة يواجه الإنسان مساءلة منكر ونكير، ففي الأحاديث الواردة عن الرسول صلىّ الله عليه وآله وعن الأئمة من أهل بيته عليهم السلام أن الميت إذا وضع في قبره جاءه الملكان منكر ونكير فيسألانه عن ربّه وعن نبيه وعن أئمته وعن دينه وعن كتابه وعن قبلته. فإن كان مؤمناً ثابت الإيمان أجاب بلا تردد، فيقول له الملكان: نم هانئاً ويفسح له في قبره ويفتح له باب إلى الجنة ويرى مقعده فيها، وإن كان كافراً أو منافقاً أو شاكاً أرتبك في الجواب، فيخلي الملكان بينه وبين الشيطان، وفتح له باب إلى النار ويرى مقعده فيها، وينفع لمساءلة القبر:
– التلقين، وإحياء ليلة القدر، وصيام شعبان، وخير ما ينفعك أيهّا المؤمن التقوى فهي زادك الكبير لكل أهول البرزخ.
3 وفي هذه الحطة يواجه الإنسان ضغطة القبر وعذاب القبر.
سئل الإمام الصادق عليه السلام: أيفلت من ضغطة القبر أحد؟
قال: «نعوذ باللّه منها ما أقل من يفلت من ضغطة القبر»
والقبر كما في الروايات إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر الينران.
والأمور التي توجب ضغطة القبر وعذاب القبر:
التهاون بالصلاة ، التهاون بالطهارة ، سوء الخلق مع الزوجة ، التقصير في قضاء حوائج الإخوان، الغيبة والنميمة وسائر المعاصي والذنوب.
أيها المؤمن: لكي تخفف عن نفسك ضغطة القبر وعذاب القبر:
محافظ على صلاة الليل، وداوم على قراءة { الهاكم التكاثر}، عند النوم، وأعلم أن التقوى هي دارك الأكبر في قبرك وفي حشرك.
ويسخر الإمام السجاد في دعائه: «أبكي لخرجي من قبري عُرياناً ذليلاً حاملاً ثقلي على ظـهري أنظر مرة عن يميني وأخرى عن شمالي، إذا الخلائق في شأن غير شأني لكل أمرئ منهم يومئذ شأن يغنيه، وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غَبَرة ترهقها قَتَرةَ وذلة.»
لحظة الخروج من القبور من أصعب اللحظات، {يوم يخرجون من الأجداث سراعاً كأنهم إلى نُصُبٍ يوفضون، خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي يوعدون}
وفي الحديث:
أشد ساعات على ابن آدم ثلاث:
الساعة التي يعاين فيها ملك الموت، والساعة التي يقوم فيها من قبره، والساعة التي يقف فيها بين يدي اللّه تبارك وتعالى».
وجاء في بعض الروايات تصوير لبعض حالات الخروج من القبور: فالذين يمنعون حق اللّه تعالى يخرجون من قبورهم مشدودة أيديهم إلى أعناقهم، والذين يأكلون الربا لا يقومون الآّ كما يقوم الذين يتخبط الشيطان من المس والذين يتهاونون بصلاتهم إذا خرجوا من قبورهم أوكل الله بهم ملائكة يسبحونهم على وجهوهم والخلائق ينظرون اليهم، والذين يمنعون تقديم العون لأخوانهم المؤمنين وهم قادرون على ذلك، أقامهم الله مسودةً وجوههم، ويقال هؤلاء الذين خانوا الله ورسوله ثم يؤمر بهم إلى النار، والمعادون لأهل البيت عليهم السلام يخرجون من قبورهم وفي أعناقهم أطواق من النار، وأمّا الذين يعيشون الحب الصادق لأهل البيت عليهم السلام فيزفون إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها،{ يوم نحشره المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً}، فالتقوى التقوى أيهّا المؤمنون، فموعد المتقين الجنة بما فيها من نعيم دائم، «مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماءٍ أسن، وأنهارً من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمرٍ لذة للشاربين، وأنهارَ من عسل مصفى ، ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرةً من ربّهم، كمن هو خالد في النار وسقوا ماءً حميماً فقطع أمعاءهم»
العنوان الثاني: سؤال نتوجه به إلى وزارة الإعلام.
إننا في الوقت الذي نثمّن التظاهرة الثقافية التي تشهدها البحرين من خلال معارض الكتاب، نتساءل: لماذا هذا الإصرار على منع عدد من الكتب الشيعية؟
ونحن في هذا التساؤل لا ننطلق من حسّن مذهبي، معن وإنّما نعبّر عن حق المواطن في أن يمارس إنتماءه المذهبي بكلّ حرية دون أن يصادر فكره أو ثقافته.
إنّ منع الكتب التي تمثل هذا المذهب أو ذاك هو مصادره لحرية التعاطي الفكري والثقافي وهذا يتنافى مع الشعار المطروح في هذه المرحلة، أم أن هذا الشعار يطرح للاستهلاك والتسويق الإعلامي؟
قالو: إننا لم نمنع كتاباً إلاّ وفق الضوابط الدينية والأخلاقية ووفي الثوابت الوطنية، أننا لا نرفض تطبيق هذه الضوابط بل نصر على تطبيقها والإلتزام بها، ولكن هل أن منع عدد من الكتب الشيعية كان خاضعاً لهذه الضوابط؟ أم هو النفس الطائفي البغيض؟
قولو لنا ما هي هذه الكتب الشيعية التي تتنافى مع الضوابط الدينية والأخلاقية والوطنية ؟
أنا أعلم بأسماء بعض الكتب التي منعت وهي كتب تتسم بالموضوعية والعلمية واللغة البعيدة كل البعد عن الإثارات المذهبية، فلماذا تمنع هذه الكتب.
ما حدثنْا به أصحاب دور النشر من منعت بعض كتبهم الشيعية أن المنع كان جزافياً وبدون إطلاع على مضمون الكتاب، كان العنوان واحده كاف لاتخاذ قرار الحجز والمنع، يكفي أن يحمل الكتاب أسم فاطمة الزهراء أو الإمام المهدي أو «شيعة وتشيع»، يكون في قائمة المنوعات.
أنا لا أتحدث بهذا الكلام من أجل أن استشير العاطفة الشيعية، إننا نريد لهذه العاطفة أن لا تنفعل أن تتعامل مع القضايا بعقلانية أن تتحرق وفق مصالح هذا الوطن، ولكننا نهدف من هذا الكلام أن يكون رسالة صريخة إلى المسؤولين، إن هذا التصرف له مردوداته الخطيرة، ونتائجة السلبية الكبيرة، وكم تمنينا أن نسمع صوتاً جرئياً في صحافتنا يشجب هذا اللون من السوك الطائفي المدمّر، وكم تمنينا أن يقول فرسان الشجب والعنتريات الوطنية في صحافتنا كلمةً واحدة تدين هذا النمط من الممارسة المذهبية.
يؤسفنا أن ننجر إلى هذه المطالبات الخاصة، إلاّ أنّ حرصناعلى حماية الأجواء من كل التوترات المذهبية يفرض علينا أن نتكلم بهذا الحديث وأن نحذر من سياسية التمييز التي لا زالت تشكل قلقاً كبيراً لدى أبناء هذا الشعب الواحد بكل إنتماءاته ومذاهبة.
إننا نطالب أجهزة التنفيذ أن يترجموا الشعارات إلى واقع، وأن يحولّوا الكلمات إلى أفعال، إذا كانوا صادقين في حماية مشروع الإصلاح، وإذا كانوا صادقين في إنجاح التجربة السياسية.
العنوان الثالث: جريمة نكراء..
بكلّ أسف وحزن وألم تلقى العالم نبأ إغتيال مؤسس الحركة الإسلامية حماس الشيخ أحمد ياسين.. هذا الإغتيال الجبان الذي أضاف إلى ملف الجريمة الصهيوني جريمة نكراء آدانتها كل القيم الدينية والإنسانية وكلّ الأعراف والقوانين الدولية، ولكن متى كان الإجرام الصهيوني الحاقد يعترف بقيم دينية أو أنسانية أو دولية.
لقد عبّر هذا الكيان بكل صلافة عن إستشهاده بالقيم والأعراف والقونين.
لقد أدانت قوى الخير في العالم جرمية الإغتيال التي طالت رمزاً إسلامياً وقيادياً كبيراً، وتحرك الغضب في شارعنا العربي والإسلامي، وعبّر المسؤولون في دولنا عن إستيائهم، وأستنفرت وسائل إعلامنا في الشجب والاستنكار.
ولكن ماذا بعد هذا؟
ما هو الرد الحقيقي على غطرسة شارون، هذه الغطرسة المدعومة من قبل المشروع الأمريكي؟
وهل سنبقى أمة تجيد الندب والبكاء فقط حينما يسقط لنا شهيد هنا أو شهيد هناك؟ وكم أستطفنا أن نوظف دماء الشهداء؟ وكم استطفنا أن نؤسس مشروعنا المناهض للمشروع الأمريكي الصهيوني؟
وهل نحن في مستوى التحدي الصعب الذي يواجه أمتنا الإسلامية؟ وماذا قدّمنا للمقاومة المجاهده على أرض فلسطين، هذه المقاومة التي تشكل الرد الحقيقي على الغطرسة الصهيونية؟
وما هو موفقنا من مشروعات الهيمنة السياسية والثقاية التي باتت تحدد أمتنا وتحدد شعوبنا؟
وما هو موقنا من برامج الفساد والتغريب والعلمنة والتي هي جزء من حركة الاتسلاب الحضاري؟ هذه أسئلة وغيرها يجب أن نطرهما على أنفسنا عند كل منعطف صعب.
إن إغتيال الشيخ أحمد ياسين واحد من هذه المنعطفات التي تفترض أن تستشير وعي الأمة وأن تؤصل حركة الانتماء عند الزمة، أن إغتيال هذه الرموز الكبيرة لن يكسر إدارة الأمة، بل يزيدها صموادً واصراراً وعزماً وقوة.
إن دماء الشهداء هي الوقود الذي يعطي للأمة بقاءها وحضورها وقدرتها على مواجته كل التحديات الصعبة.
تغمد الله شهداءنا الأبرار بالرحمة والرضوان
وأخر دعونا أن الحمد له رب العالمين.