في ذكرى إستشهاد السيد محمد باقر الصدر
ونحن نقترب من ذكرى استشهاد السيد محمد باقر الصدر (رضوان الله عليه) لا بد لنا من كلمة:
لا يجوز أن يغيب عن ذاكرة الأجيال هذا الإنسان العظيم الذي أعطى كلّ حياته، وكل وجوده وأعطى كل قطرة من دمه من أجل الإسلام، ومن أجل أن تبقى لهذه الأمة أصالتها، ودينها، وقيمها، وأن يبقى لهذه الأمة عنفوانها وشموخها وصمودها وإرادتها.
تتزامن ذكرى الشهيد الصدر هذه السنة مع أحداث دامية في العراق، عراق الشهيد الصدر، تمر الذكرى والقوى الصليبية الحاقدة تدمر العراق وشعب العراق، أمريكا بغطرستها وجنونها تقتل أطفال العراق، ونساء العراق وشباب العراق، وأبناء العراق الطائرات والدبابات والمدرعات والصواريخ والقذائف تحرق وتدمر وتقصف وتزرع الرعب والخوف، والعالم كله آذان صماء، الدول، الهيئات الدولية، منظمة الأمم، مجالس الأمن، الأنظمة العربية والإسلامية، الأحزاب، المؤسسات، صمت كامل أمام الغطرسة الأمريكية، صمت كامل ودماء الشعوب تنزف في العراق، هل حقاً أن أمريكا جاءت إلى العراق من أجل أن تنقذ شعب العراق، وأن تحرر إرادة الشعب العراقي، وأن تؤسس لديمقراطية عصرية في العراق، هذه أوهام زائفة، ودعاوى كاذبة، ما يحدث في العراق في ظل الهيمنة الأمريكية شيئ آخر، مصادرة للحريات، عبث لكلّ الأوضاع، إرهاب وعنف ودماء.
الفوضى المجنونة في كل مكان، لا صرامة مع العابثين والمخربين والمفسدين، لقد دمرّ طاغية العراق صدّام كلّ شيء في العراق وجاءت أمريكا لتواصل مشوار الدمار جاءت أمريكا لتفرض مشروعها في الهيمنة والسيطرة هذا هو هدف المشروع الأمريكي في كل المنطقة وليس في العراق فقط، نعم تمر ذكرى الشهيد الصدر والعراق يئن من جراحاته النازفة، وشعب العراق يعيش إمتحاناً قاسياً صعباً، نسأل الله تعالى بحق دم الشهيد الصدر وبحق دم العلوية الطاهرة بنت الهدى وبحق كلّ الدماء المسفوكة ظلماً على أرض العراق، أن يخلص هذا الشعب، وأن ينقذ هذا الشعب، وأن يحمي مقدرات العراق، ومقدسات العراق، وحاضر العراق ومستقبل العراق.
وما أحوج شعبنا في العراق إلى مزيد من التلاحم ونبذ الخلافات والصراعات، وإلى التمسك بقيم الإسلام وأخلاق الدين، وإلى الالتفاف حول المرجعية الدينية والقيادات النظيفة، وإلى التشاور وتداول الأمور بوعي وبصيرة وحكمة، وإلى الحذر من كلّ الدسائس والمؤامرات والفتن الطائفية والمذهبية، وبهذه المناسبة ونحن نعيش ذكرى الشهيد الصدر أود أن أطرح هذا المشروع، وكلّ أملي أن يتجاوب جميع المؤمنين مع هذا المشروع، وإنه جزء من الدين الذي في أعناقنا جميعاً للشهيد الصدر رضوان الله عليه.
إنكم تعلمون أيهّا المؤمنون أنّ قبر الشهيد الصدر بقى مخفياً ومجهولاً ومنسياً تاريخاً طويلاً، فمنذ أن وقعت الجريمة النكراء في إعدام السيد الصدر على يد مجرم العراق صدام حسين، جاء جلاوزته بالجثمان الطاهر إلى النجف الأشرف، وحسب ما جاء في كتاب (شهيد الأمة وشاهدها) للشيخ محمد رضا النعماني أنه «في مساء التاسع من نيسان 0891م، وفي حدود الساعة التاسعة أو العاشرة مساءً قطعت السلطة التيار الكهربائي عن مدينة النجف الأشرف، وفي ظلام الليل الدامس تسللت مجموعة من قوات الأمن إلى دار المرحوم الحجة السيد محمد صادق الصدر (رحمه الله)، وطلبوا منه الحضور معهم إلى بناية محافظة النجف، وكان بانتظاره هناك المجرم مدير أمن النجف فقال له: هذه جنازة الصدر وأخته قد تم إعدامهما وطلب منه أن يذهب معهم لدفنهما فقال المرحوم السيد محمد صادق الصدر: لابد لي من تغسيلهما.
فقال له مدير الأمن قد تم تغسيلهما وتكفينهما، فقال: لابد من الصلاة عليهما، فقال مدير الأمن: نعم صلِ عليهما وبعد أن انتهى من الصلاة قال له مدير الأمن: هل تحب أن تراهما؟ فقال: نعم فأمر الجلاوزة بفتح التابوت، فشاهد السيد الصدر (رضوان الله عليه) مضرجاً بدمائه وآثار التعذيب على كلّ مكان من وجهه، وكذلك كان حال الشهيدة بنت الهدى (رحمهما الله) ثم قال له: لك أن تخبر عن إعدام السيد الصدر، ولكن إياك أن تخبر عن إعدام بنت الهدى، إن جزاءك سيكون الإعدام».
ولما حانت وفاة المرحوم السيد محمد صادق الصدر (رحمه الله) أخبر عن شهادة بنت الهدى. وقد دفن السيد الصدر في مقبرة وادي السلام في النجف الأشرف وإلى جانبه أخته الطاهرة بنت الهدى في مكان أعرفه على نحو الإجمال.
هذا نص ماذكره النعماني في كتابه وهو آخر من بقى مع الشهيد الصدر في فترة الحصار.
المساهمة في مشروع بناء ضريح الشهيد الصدر:
وهكذا دفن الشهيد الصدر في مقبرة الغري في حالة من التعتيم والخفاء والإرهاب، وبقي مكان القبر مجهولاً إلا عند قلة قليلة من الناس لا تجرأ أن تتحدث بذلك، وكان أحد المؤمنين ممن شارك في دفن الشهيد الصدر قد قام بخطوة جريئة جداً فبعد الدفن مباشرة جاء في الخفاء ونقل الجثمان إلى مكان آخر خوفاً عليه من عبث البعثيين.
وهذا الإنسان هو الذي أخبر بمكان القبر بعد سقوط النظام وقد تم نقل الجثمان مرة ثانية إلى حيث الموضع الحالي في أطراف مقبرة السلام في الاتجاه المؤدي إلى كربلاء، وآن الوقت أن يكون للشهيد الصدر قبره المعروف وضريحه المشهور، بما يتناسب ومكانة هذا الإنسان العظيم، وهذا العالم الكبير، وهذا الرباني المقدّس، وإذا كان لا بد أن يكون للشهيد الصدر قبره وضريحه ومقامه المتميز، فليس من حق شخص واحد أو جماعة معينة أو أبناء العراق فقط أن يكون لهم شرف المساهمة في تشييد هذا المقام المبارك، وهذا الضريح المشرف، إن من حق الأمة كل الأمة في كل مكان أن يكون لها شرف المساهمة وثواب المساهمة في بناء قبر الشهيد الصدر، وفي تشييد ضريح الشهيد الصدر ومقام الشهيد الصدر، فأنتم أيها المؤمنون مدعوون جميعاً رجالاً ونساءً شباباً وشابات، كباراً وصغاراً أن تساهموا في هذا المشروع، كل حسب إمكاناته وقدراته،وكما قلت لكم أن بإمكان تاجر واحد، أو عدد محدود من التجار أن يقوم بهذا المشروع ولهم الشرف الكبير في ذلك إلا أن الشهيد الصدر كان لكل الأمة، ومن حق كل الأمة أن تساهم في بناء وتشييد مقامه وقبره المعظم، فالشرف كلّ الشرف لمن يحظى بهذه المساهمة وهذه المشاركة والثواب المذخور عند الله سبحانه كبير وكبير.
سوف يحدّد لاحقاً الطريق لجمع المساهمات والمشاركات وفّق الله الجميع لهذا الشرف العظيم ولهذا الثواب الكبير.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.