القضاء في البلد بحاجة إلى معالجة
وهذا لا يعني أننّا لا ندعو إلى تحسين أوضاع القضاء بما يحمي حقوق الناس رجالاً ونساءً وبما يحمي الأسرة في مواجهة كلّ أشكال العبث والتلاعب والفوضى، ولكن هذا لا يتم من خلال أي عمل يساهم في تمكين (الهيمنة الرسمية) من الأحكام الشرعية، نحن لا نمانع أن يكون هناك إشراف رسمي في الشؤون الإدارية والنظامية البحتة لا في شؤون الأحكام والشرع، في ساحة القضاء مسائل لابد من معالجتها (هيكلة القضاء، شروط القضاء، تعيين القضاة) فإذا أُريد تصحيح أوضاع القضاء فيجب أن تعالج هذه المسائل، ويجب أن تحرر من كلّ الاعتبارات السّياسية ومن كلّ المحسوبيات والولاءات فالقضية ليست غياب قانون أو غياب أحكام شرعية، أو تعدد الآراء الفقهية، أو غموض الرؤى والتصورات فيما هي القضايا والمشاكل، القضية: القاضي، مؤهلات القاضي، تعيين القاضي، إذا تمت معالجة هذه المسائل فلسنا في حاجة إلى كلِّ هذا الضجيج في الدعوة إلى تقنين الأحكام تقنيناً مدنياً.
ويجب أن ترتفع كفاءات المحامين ليتمكنوا من التعاطي مع المصادر الفقهية، فما يثار من عدم وضوح الأحكام عند من يتصدون للدفاع أمام القضاء الشرعي فراجع إلى انخفاض مستوى الكفاءة الفقهيــة عند هــؤلاء، فالمشــكلة ليست في الأحكام الفقهية نفسها وإنمّا في مستوى الإعداد والبناء في كليات القانــون.
آمل أن لا تضيقوا بهذا النمط من الأحاديث التي تلامس قضايا الدين والشريعة وقضايا القيم الروحية، ربمّا ينزعج البعض بهذا اللون من الخطاب وهذا اللون من الحديث، إنّ الذين تزعجهم هذه المعالجات يمكن أن نصنفهم إلى صنفين:
الصنف الأول: أصحاب الاتجاه العلمــاني الذين يـرون في حديث الدين والقيم الروحية ترف لا مبرر له في هذا العصر، فيجب أن يتوقف هذا الخطاب.
الصنف الثاني: بعض الناس الذين اختلطت عليهم الأمور، فأصبحوا يرددون مقولات خاطئة، من هذه المقولات إنَّ المرحلة المعاصرة في حاجة إلى خطاب السياسة لا إلى خطاب الدين والروحانيات.
إنّ المرحلة المعاصرة في حاجة إلى خطاب يعالج هموم الناس المعيشية، أزمة البطالة، قضايا اقتصادية واجتماعية وسياسية كثيرة هي ضمن قائمة الأولويات.
ما قيمة أن نحدّث الناس عن الصلاة، والصيام، والحج وهم يعانون أشد الأزمات السياسية، ما قيمة أن نحدّث الناس عن القيم والأخلاق والفضيلة وهم يعانون أشد الأزمات المعيشية.
وقد انعكس هذا الفهم على مستوى التعاطي مع المواقع الدينية (المساجد والحسينيات) ومع الفعّاليات الدينية (المحاضرات والندوات).