الإمام جعفر الصادق (ع)من وحي الذكريات

في ذكرى الإمام الصادق (عليه السلام) موقفنا من الدعوة إلى التقارب والتآلف


في ذكرى الإمام الصادق (عليه السلام)
موقفنا من الدعوة إلى التقارب والتآلف


الحمد لله ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على خير الخلق سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين…
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


أتناول في حديث الليلة موضوعين
الموضوع الأول: في ذكرى الإمام الصادق (عليه السلام)…
هذه المناسبات الإسلامية الأصيلة محطاتٌ نقفُ عندها لنحاسب من خلال منظورها كلَّ واقعنا، لنحاسب واقعنا الروحي، وواقعنا الأخلاقي، وواقعنا الثقافي وواقعنا الاجتماعي وواقعنا السياسي.. قد يتساءل البعض:
٭ ما علاقة هذه المناسبات التاريخية بكل هذا الواقع في امتداداته الحاضرة؟
٭ وما علاقة هذه المناسبات الدينية بالواقع الثقافي والاجتماعي والسياسي؟
حينما نفهم هذه المناسبات فهماً واعياً أصيلاً سنجد لها كل العلاقة بهذا الواقع وبكل مساراته الثقافية والاجتماعية والسياسية.


نعم من خلال الفهم الخاطئ والمغلوط تبدو الصلة مقطوعة بين هذه المناسبات وحركة الواقع المعاصر.
المناسبات التي ترتبط بالمكوّنات الأصيلة في الإسلام، والمناسبات ترتبط بالشخصيات التي جسّدت حركة الرسالة، كما هي شخصية الرسول الأعظم (صلى اللّه عليه وآله) وكما هي شخصيات المعصومين من أهل البيت (عليهم السلام) هذه المناسبات ليست أحداثاً في التاريخ وليست أوراقاً في ملفات التراث، إنها الرسالة نفسها في حركتها المتجددة، وفي امتدادها الأصيل، وفي مكوّناتها الدائمة.


أترانا حينما نتحدث عن الإمام الصادق (عليه السلام)، نتحدث عن مجرد تاريخ ونتحدث عن تراث، المسألة ليست كذلك، إننا نفهم الإمام الصادق (عليه السلام) ونفهم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) التعبير الأصيل لحركة الرسالة، هذه الحركة التي تشكل التاريخ والحاضــر والمســتقبل، يمكن أن يكون الآخــرون غير المعصــومين تاريخــاً وتراثاً قــد نرتبط به وقد ننفصل عنه، بمقدار ما يكون ارتباطه أو انفصاله بحركة الرسالة.
أما المعصومون فهم حركة الرسالة نفسها، فالأمة في كل مفاصل تاريخها مطالبة أن ترتبط بهذه الحركة.


وفي ضوء هذه الرؤية التي فرضتها أدلةٌ صريحةٌ واضحةٌ من الكتاب والسنة نجد أنفسنا ملزمين أن نعطي للأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) حضورهم الدائم في كل مساراتنا الروحية والعقيدية والفقهية والأخلاقية والثقافية والاجتماعية والسياسية.
وهذا لا يعني أن نعادي المدارس الأخرى التي تفهم الإسلام وفق رؤية أخرى.
على العكس من ذلك، فإن تعاليم وتوجيهات الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) أكدّت على إتباع هذه المدرسة أن يعيشوا الانفتاح والتواصل والتقارب مع أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى، وحذّرت وصايا الأئمة (عليهم السلام) من الخلافات والصراعات والعداوات التي تفتّت وحدة الأمة وتمزّق صفوف المسلمين، وتضعف المواقف، وتشتت القوى، وتبعثر الطاقات.


فما أحوجنا في هذه المرحلة والتي نواجه فيها مخططات الاستكبار ومؤامرات أعداء الإسلام، وتحديات القوى المناوئة للدين، ونواجه أخطر المشروعات التي تستهدف قيمنا وأخلاقنا وثقافتنا وكل وجودنا وهويتنا وأصالتنا.


ما أحوجنا في هذه المرحلة أن نستحضر – ونحن نعيش ذكرى الإمام الصادق (عليه السلام) – تعاليم ووصايا هذا الإمام العظيم التي أعطت لعنوان الوحدة الإسلامية قيمة كبيرة جداً، وأعطت للتقارب والتلاحم أهمية واضحة.
قد نختلف في بعض تفاصيل العقيدة وفي بعض مسائل الفقه، وفي بعض رؤى التاريخ، إلا أن ذلك لا يبرر أن نتحول إلى قوى متحاربة، وقوى متعادية، وقوى متكافرة ما دام العنوان الكبير يجمع كل المنتمين إلى الإسلام.
 نؤكد موقفنا في الدعوة إلى التقارب والتآلف:


وبهذه المناسبة نؤكد موقفنا في الدعوة إلى التقارب والتآلف، ونؤكد رفضنا لتلك الصيحات النشاز التي تزرع الفرقى والخلاف بين المسلمين، وتكرّس روح العداوة والبغضاء في داخل الصف المسلم فنحن ضد الطائفية وضد المذهبية وضد التمييز بين أبناء الشعب الواحد.


وهنا نعبر عن قلقنا الشديد لبعض الممارسات التي تتحرك في ساحتنا وتحمل نفساً طائفياً بغيضاً وتستثير حساسيات مذهبية لها تداعياتها الخطيرة على وحدة هذا الشعب وتلاحمه، وتتمثل هذه الممارسات في كتب وكراسات توزّع هنا وهناك تشتم وتكفّر، وفي كلمات ومقالات تنشر في الصحف تمس رموزاً وكيانات دينية، وفي إعتداءات مؤسفة على بعض المساجد والمقامات الروحية، وفي دعوات تطلق في أروقة البرلمان تعبّر عن روح مذهبية ضيقة، كلّ هذه الممارسات تسيء إلى مشروع الوحدة والتقارب في هذه المرحلة.


وإذا كانت البحرين تحتفل هذه الأيام باليوم الوطني، فنتمنى أن تكون هذه المناسبة فرصةً جيدة لإنهاء كل أشكال التمييز الطائفي والمذهبي في هذا البلد ولإيقاف كلّ الممارسات التي تحرك الحساسيات المذهبية وتوقظ الفتنة ليعيش الجميع أخوة في الإيمان وأخوة في الوطن.


وإذا كان خطاب السلطة السياسية في هذه المناسبة يحمل شعار الانفتاح على كل تطلعات وهموم أبناء هذا الشعب بلا تمييز ولا تفرقة.
فإننا نطالب أن نجد ترجمة واضحة وجريئة لهذا الشعار، فلازال الكثيرون من أبناء هذا الوطن يعانون مرارة التمييز في هذه الدائرة أو تلك، وفي هذا الموقع أو ذاك، وفي ظل بعض الممارسات غير المسؤولة.


إن النية الصادقة متى توفرّت فهي كفيلة أن تعطي للشعار مصداقيته، وتعطي للخطاب السياسي حركته، وتعطي للطموح واقعيته، وإذا كان لنا أن نقيّم خطاب المناسبة ففيه الكثير مما يلامس آمال المواطنين فنتمنى بكل صدق وشفافية أن يجد المواطنون آمالهم قد تحققت، وإلاّ فسوف تتكرّس الصدمات والإحباطات في نفوسهم.
وإلاّ فسوف يشكّكون في مصداقية الخطاب، وفي واقعيته، وهذا ما لا نتمنى أن يكون.
إننا ندعو أن يكون اليوم الوطني مناسبة لإعادة قراءة المشروع السياسي، على أن تكون هذه القراءة جريئة وصادقة ومخلصة.
فلا تنفع المشروع السياسي لغةُ الإطراء والمدح والثناء والمجاملات، فكثيراً ما تكون هذه اللغة مضرةً جداً بالمشروع حينما يغيب النقد الهادف البناء، وحينما تغيب اللغة الجريئة في محاسبة مسيرة المشروع السياسي، وحينما تغيب الصراحة مع الحاكم والسلطة.
إن الذين يقولون الكلمة الصريحة الناصحة الصادقة وربما الناقدة القاسية من أجل التصحيح والبناء وتقويم المسيرة، هؤلاء أكثر إخلاصاً لمشروع الإصلاح من الذين يصفقون فقط، ومن الذين لا يتقنون إلا لغة المديح والإطراء فقط.
إننا يجب أن نبارك المنجزات والمكاسب والعطاءات وأن نثمّن الخطوات الجادة والهادفة، ولكننا ندعو إلى النقد والمحاسبة والتقويم لحماية المنجزات والمكاسب، وترشيد الخطوات، هكذا نفهم التعاطي مع المناسبات الدينية والمناسبات الوطنية.
ولا نفهم التعاطي مجرد ضجيج تضيع في أجوائه الكلمةُ الهادفةُ البصيرة، وتضيعُ في زحمته لغة النقد والمحاسبة، وتتكرّس من خلاله الصيغة الفارغة للاحتفال

Show More

Related Articles

Back to top button