حديث الجمعة 43: فِي ذِكرى الإمام الصَّادق (عَليه السَّلام) – إعتقال طاغية العصر صدام حسين
حديث الجمعة 43 | 24 شوال 1424 هـ | 18 ديسمبر 2003 م | المكان: مسجد الإمام الصادق (ع) | القفول - البحرين
في ذكرى الإمام الصادق (عليه السلام)
موقفنا من الدعوة إلى التقارب والتآلف
الحمد لله ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على خير الخلق سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين…
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أتناول في حديث الليلة موضوعين:
الموضوع الأول: في ذكرى الإمام الصادق (عليه السلام)…
هذه المناسبات الإسلامية الأصيلة محطاتٌ نقفُ عندها لنحاسب من خلال منظورها كلَّ واقعنا، لنحاسب واقعنا الروحي، وواقعنا الأخلاقي، وواقعنا الثقافي وواقعنا الاجتماعي وواقعنا السياسي.. قد يتساءل البعض:
٭ ما علاقة هذه المناسبات التاريخية بكل هذا الواقع في امتداداته الحاضرة؟
٭ وما علاقة هذه المناسبات الدينية بالواقع الثقافي والاجتماعي والسياسي؟
حينما نفهم هذه المناسبات فهماً واعياً أصيلاً سنجد لها كل العلاقة بهذا الواقع وبكل مساراته الثقافية والاجتماعية والسياسية.
نعم من خلال الفهم الخاطئ والمغلوط تبدو الصلة مقطوعة بين هذه المناسبات وحركة الواقع المعاصر.
المناسبات التي ترتبط بالمكوّنات الأصيلة في الإسلام، والمناسبات ترتبط بالشخصيات التي جسّدت حركة الرسالة، كما هي شخصية الرسول الأعظم (صلى اللّه عليه وآله) وكما هي شخصيات المعصومين من أهل البيت (عليهم السلام) هذه المناسبات ليست أحداثاً في التاريخ وليست أوراقاً في ملفات التراث، إنها الرسالة نفسها في حركتها المتجددة، وفي امتدادها الأصيل، وفي مكوّناتها الدائمة.
أترانا حينما نتحدث عن الإمام الصادق (عليه السلام)، نتحدث عن مجرد تاريخ ونتحدث عن تراث، المسألة ليست كذلك، إننا نفهم الإمام الصادق (عليه السلام) ونفهم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) التعبير الأصيل لحركة الرسالة، هذه الحركة التي تشكل التاريخ والحاضــر والمســتقبل، يمكن أن يكون الآخــرون غير المعصــومين تاريخــاً وتراثاً قــد نرتبط به وقد ننفصل عنه، بمقدار ما يكون ارتباطه أو انفصاله بحركة الرسالة.
أما المعصومون فهم حركة الرسالة نفسها، فالأمة في كل مفاصل تاريخها مطالبة أن ترتبط بهذه الحركة.
وفي ضوء هذه الرؤية التي فرضتها أدلةٌ صريحةٌ واضحةٌ من الكتاب والسنة نجد أنفسنا ملزمين أن نعطي للأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) حضورهم الدائم في كل مساراتنا الروحية والعقيدية والفقهية والأخلاقية والثقافية والاجتماعية والسياسية.
وهذا لا يعني أن نعادي المدارس الأخرى التي تفهم الإسلام وفق رؤية أخرى.
على العكس من ذلك، فإن تعاليم وتوجيهات الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) أكدّت على إتباع هذه المدرسة أن يعيشوا الانفتاح والتواصل والتقارب مع أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى، وحذّرت وصايا الأئمة (عليهم السلام) من الخلافات والصراعات والعداوات التي تفتّت وحدة الأمة وتمزّق صفوف المسلمين، وتضعف المواقف، وتشتت القوى، وتبعثر الطاقات.
فما أحوجنا في هذه المرحلة والتي نواجه فيها مخططات الاستكبار ومؤامرات أعداء الإسلام، وتحديات القوى المناوئة للدين، ونواجه أخطر المشروعات التي تستهدف قيمنا وأخلاقنا وثقافتنا وكل وجودنا وهويتنا وأصالتنا.
ما أحوجنا في هذه المرحلة أن نستحضر – ونحن نعيش ذكرى الإمام الصادق (عليه السلام) – تعاليم ووصايا هذا الإمام العظيم التي أعطت لعنوان الوحدة الإسلامية قيمة كبيرة جداً، وأعطت للتقارب والتلاحم أهمية واضحة.
قد نختلف في بعض تفاصيل العقيدة وفي بعض مسائل الفقه، وفي بعض رؤى التاريخ، إلا أن ذلك لا يبرر أن نتحول إلى قوى متحاربة، وقوى متعادية، وقوى متكافرة ما دام العنوان الكبير يجمع كل المنتمين إلى الإسلام.
نؤكد موقفنا في الدعوة إلى التقارب والتآلف:
وبهذه المناسبة نؤكد موقفنا في الدعوة إلى التقارب والتآلف، ونؤكد رفضنا لتلك الصيحات النشاز التي تزرع الفرقى والخلاف بين المسلمين، وتكرّس روح العداوة والبغضاء في داخل الصف المسلم فنحن ضد الطائفية وضد المذهبية وضد التمييز بين أبناء الشعب الواحد.
وهنا نعبر عن قلقنا الشديد لبعض الممارسات التي تتحرك في ساحتنا وتحمل نفساً طائفياً بغيضاً وتستثير حساسيات مذهبية لها تداعياتها الخطيرة على وحدة هذا الشعب وتلاحمه، وتتمثل هذه الممارسات في كتب وكراسات توزّع هنا وهناك تشتم وتكفّر، وفي كلمات ومقالات تنشر في الصحف تمس رموزاً وكيانات دينية، وفي إعتداءات مؤسفة على بعض المساجد والمقامات الروحية، وفي دعوات تطلق في أروقة البرلمان تعبّر عن روح مذهبية ضيقة، كلّ هذه الممارسات تسيء إلى مشروع الوحدة والتقارب في هذه المرحلة.
وإذا كانت البحرين تحتفل هذه الأيام باليوم الوطني، فنتمنى أن تكون هذه المناسبة فرصةً جيدة لإنهاء كل أشكال التمييز الطائفي والمذهبي في هذا البلد ولإيقاف كلّ الممارسات التي تحرك الحساسيات المذهبية وتوقظ الفتنة ليعيش الجميع أخوة في الإيمان وأخوة في الوطن.
وإذا كان خطاب السلطة السياسية في هذه المناسبة يحمل شعار الانفتاح على كل تطلعات وهموم أبناء هذا الشعب بلا تمييز ولا تفرقة.
فإننا نطالب أن نجد ترجمة واضحة وجريئة لهذا الشعار، فلازال الكثيرون من أبناء هذا الوطن يعانون مرارة التمييز في هذه الدائرة أو تلك، وفي هذا الموقع أو ذاك، وفي ظل بعض الممارسات غير المسؤولة.
إن النية الصادقة متى توفرّت فهي كفيلة أن تعطي للشعار مصداقيته، وتعطي للخطاب السياسي حركته، وتعطي للطموح واقعيته، وإذا كان لنا أن نقيّم خطاب المناسبة ففيه الكثير مما يلامس آمال المواطنين فنتمنى بكل صدق وشفافية أن يجد المواطنون آمالهم قد تحققت، وإلاّ فسوف تتكرّس الصدمات والإحباطات في نفوسهم.
وإلاّ فسوف يشكّكون في مصداقية الخطاب، وفي واقعيته، وهذا ما لا نتمنى أن يكون.
إننا ندعو أن يكون اليوم الوطني مناسبة لإعادة قراءة المشروع السياسي، على أن تكون هذه القراءة جريئة وصادقة ومخلصة.
فلا تنفع المشروع السياسي لغةُ الإطراء والمدح والثناء والمجاملات، فكثيراً ما تكون هذه اللغة مضرةً جداً بالمشروع حينما يغيب النقد الهادف البناء، وحينما تغيب اللغة الجريئة في محاسبة مسيرة المشروع السياسي، وحينما تغيب الصراحة مع الحاكم والسلطة.
إن الذين يقولون الكلمة الصريحة الناصحة الصادقة وربما الناقدة القاسية من أجل التصحيح والبناء وتقويم المسيرة، هؤلاء أكثر إخلاصاً لمشروع الإصلاح من الذين يصفقون فقط، ومن الذين لا يتقنون إلا لغة المديح والإطراء فقط.
إننا يجب أن نبارك المنجزات والمكاسب والعطاءات وأن نثمّن الخطوات الجادة والهادفة، ولكننا ندعو إلى النقد والمحاسبة والتقويم لحماية المنجزات والمكاسب، وترشيد الخطوات، هكذا نفهم التعاطي مع المناسبات الدينية والمناسبات الوطنية.
ولا نفهم التعاطي مجرد ضجيج تضيع في أجوائه الكلمةُ الهادفةُ البصيرة، وتضيعُ في زحمته لغة النقد والمحاسبة، وتتكرّس من خلاله الصيغة الفارغة للاحتفال.
الموضوع الثاني: حديث السـاعــة…
حديث الساعة الذي يفرض نفسه، إعتقال طاغية العصر صدّام حسين.
هكذا سنة اللّه.. ولا تبديل لسنة اللّه.
٭ «إنَّ فرعون علا في الأرض، وجعل أهلها شيعاً، يستضعف طائفةً منهم، يذبِّحُ أبناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين».
٭ «وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمتُ لكم من إلهٍ غيري».
٭ «فكذّب وعصى ثم أدبر يسعى فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى».
هكذا كان فرعون…
وماذا كانت عاقبته، وما هي نهايته في الدنيا قبل الآخرة؟
يحدّثنا القرآن عن هذه العاقبة وعن هذه النهاية:
٭ «فأخذه اللّه نكال الآخرة والأولى إن في ذلك لعبرةً لمن يخشى».
٭ «فأخذناهُ وجنودهُ فنبذناهم في اليمِّ فانظر كيف كان عاقبةُ الظالمين».
٭ «وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، فصبَّ عليهم ربّك سوط عذاب، إن ربّك لبالمرصاد».
وهكذا تكون عاقبةُ الطغاة والفراعنة والمتجبرين، والمتسلطين على البلاد والعباد بالقهر والجور والاستبداد.
وماذا عن صدّامٍ طاغية هذا العصر؟
٭ صدامٍ المسؤول عن قتل ثلاثة ملايين إنسان من أبناء العراق، وعن إعاقة مليونين وعن تهجير وتشريد خمسة ملايين.
٭ صدامٍ المسؤول عن المقابر الجماعية التي كان يدفن فيها الناس الأبرياء وهم أحياء.
٭ صدامٍ المسؤول عن أحواض (التيزاب) التي يلقي فيها البشر لتذوب أجسادهم كما يذوب الملح في الماء.
٭ صدامٍ المسؤول عن جرائم الإبادة البشرية وعن الأسلحة الكيميائية التي استخدمها ضد القرى والمدن.
٭ صدامٍ المسؤول عن الزنزانات الرهيبة وعن السجون المرعبة وعن القتل والإعدامات.
٭ صدامٍ المسؤول عن هتك الحرمات، والعبث بالأعراض، وسفك الدماء، وذبح الأطفال والشيوخ والنساء.
٭ صدامٍ المسؤول عن خراب العراق، ودمار العراق، وعذاب العراق، وجوع العراق، وفقر العراق، ومعاناة العراق، وفساد العراق.
٭ صدامٍ المسؤول عن حروبٍ وفتنٍ وصراعاتٍ كان لها أخطرُ وأسوأ النتائج والعواقب على أمن كلِّ المنطقة واستقرارها.
٭ صدامٍ المسؤول عن… وعن.. وعن..، والقائمة طويلةٌ وطويلةٌ، والملفاتٌ كثيرةٌ وكثيرةٌ..
هذا هو الطاغية صدّام.
الذي علا واستكبر في الأرض، وتفرعن وتجبّر، ودمر وقهر، وأرهب وأرعب، وعبث وأفسد.. وقال: «ما علمت لكم من إلهٍ غيري»، وقال: «أنا ربُّكم الأعلى».
وماذا كانت عاقبته؟!
وماذا كانت نهايته؟!
٭ العاقبة والنهايةُ أصبح كالفأر المذعور يختبئ في الجحورِ المظلمة الضيقة، تاركاً عشرات القصور الفارهة الفاخرة.
٭ العاقبة والنهايةُ إنه استسلم استسلام الجبان الخائر الذليل.
٭ العاقبة والنهايةُ خزيٌ وعار ولعنة التاريخ.
٭ العاقبة والنهايةُ هذه الصورُ المهينة المشينة واللقطات الذليلة.
كنا نتمنى أن تكون هذه النهاية على يد الشعب العراقي نفسه، وعلى يد المستضعفين والمقهورين الذين سامهم صدامٌ الويل والقهر والعذاب، والموت والفناء.
كنا نتمنى ذلك، ولكن الانتقام جاء على يد الذين صنعوا صداماً، وأعطوه كل إمكانات البقاء، ووضعوا بين يديه أسلحة الدمار، جاء الانتقام على يد الأمريكان أنفسهم.
وفي هذا درسٌ كبير وكبير لكلِّ الذين يرتمون في أحضان قوى الاستكبار، لكلّ الذين يرتمون في أحضان الشيطان الأكبر أمريكا، أمريكا التي لم تفكر ولن تفكر إلا في مصالحها، فليتعظ الحكام والساسة في وطننا العربي والإسلامي، فالمصير هو المصير، والنهاية هي النهاية.
ومما يؤسفنا أن نسمع أصواتاً تنطلق هنا وهناك تعتبر صدّاماً رمزاً وطنياً، ورمزاً قومياً، ورمزاً إسلامياً، وتعتبر اعتقال صدّامٍ بالشكل الذي أظهره الإعلام الأمريكي إذلالاً لكل الأمة ولكل العرب، ولكل المسلمين.
أقول من المؤسف جداً أن يعتبر صدّامٌ رمزاً وطنياً وقومياً وإسلامياً، صدّام الذي جسد كل معاني الظلم والاستبداد والديكتاتورية والطغيان، صدّام الذي جسد كل معاني الخسة والحقارة والعبث بالقيم والأخلاق، صدّام الذي قتل العلماء والمفكرين والمثقفين وكل الأحرار والشرفاء، صدّام الذي أنتج كل هذا الدمار في العراق وأنتج كل هذا البؤس والحرمان والمعاناة لأبناء العراق و صدّام – في نظر هؤلاء – رمز قومي ورمز وطني ورمز إسلامي، وقد تداعى عدد من المحامين العرب للدفاع عن هذا الرمز الكبير ولهؤلاء أقول: مبروك لكم غيرتكم في الدفاع عن ديكتاتور العراق وجزار العراق وطاغية العراق وكان الأحرى أن تتداعوا للدفاع عن الشعب العراقي المظلوم.
لا ندري ما هي المعايير التي يعتمدها هؤلاء المبهورون بهذا الرمز الموهوم؟!
لا غرابة أليس في هذه الأمة من يعتبر (يزيد بن معاوية) رمزاً من رموز التاريخ، يزيد الذي ارتكب كل الجرائم والموبقات، يزيد الـذي قـتل الحسـين سبط رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله)، يزيد الذي هدم الكعبة، يزيد الذي استباح مدينــة الرســول الأعظــم (صلى اللّه عليه وآله)، يــزيد الذي هدم الكعبة، هذا – في نظر البعض – أحد رموز هذه الأمة الذي يجب أن تفتخر به الأجيال، هذا هو المسخ الثقافي لوعـي الأجيل.
من هنا لا نجد أيّ غرابةٍ أن ترتفع أصوات تبكي صدّاماً البطل القومي والرمز الوطني، بهذا اللون من الثقافة يمسخ وعي الأجيال، وإذا كان في إعتقال صدّام بهذه الصورة إذلال لهذه الأمة فهذا صحيح لأن صدّاماً في كل حياته يشكل وصمة عارٍ وصغار وإذلال لهذه الأمة، فهو بهذا الاستسلام المخزي قد أمعن في إذلال الأمة وأساء إلى سمعتها، ونحن هنا لا نفخر بما أقدم عليه الأمريكان فهم لم يقدموا على هذا العمل من أجل عيون الشعب العراقي ولا من أجل خلاص الشعب العراقي وهم الذين مكنوا صدّاماً من كل هذا الظلم في العراق، فما أكثر ما تفرض مصالحهم أن ينهوا العملاء.
إننا نتضرع إلى اللّه تعالى أن يخلّص شعبنا في العراق من هذا الاحتلال كما خلّصهم من نظام البطش والإرهاب وكما خلّصهم من رمز الطغيان صدّام.
وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربِّ العالمين.