حديث الجمعةشهر شوالمحاضرات في الحجملف شهر رمضان

حديث الجمعة 42: مَوسمُ الصِّيامِ والحَجِّ دورةٌ روحيَّهٌ مُكثَّفة – عوده الى قضية الأحوال الشخصية

حديث الجمعة 42 | 17 شوال 1424 ه | 11 ديسمبر 2003 م | المكان: مسجد الإمام الصادق (ع) | القفول - البحرين

الوقفة الأولى: بين موسمين من مواسم اللّه تعالى…

عشنا من خلال شهر الصيام موسماً من مواسم اللّه ونستقبل من خلال شهر الحج موسماً آخر من مواسم اللّه، وبين الموسمين الربانيين تشابه كبير:
1- موسم الصيام دورة روحية مكثفة، وموسم الحج دورة روحية مكثـــّـفة، وفي كلتا الدورتين نتعبأ إيمانياً وروحياً بأقصى درجات التعبئة وبأعلى درجات الشحن.

الدورتان غنيتان بروافد التعبئة الإيمانية، وبروافد الشحن الروحي.
وأهم هذه الروافد: الصلاة، الدعاء، الذكر، التلاوة، الصيام، الطواف، السعي، الوقوف بعرفات، الدروس الروحية، الأجواء الربانية.. إلى آخر الروافد والمحطات.

2- شهر الصيام موسم ثقافي كبير، وشهر الحج موسم ثقافي كبير، في كلا الموسمين نتزود بثقافة الإيمان، وفكر العقيدة من خلال المحاضرات والبرامج والدروس والخطب والكلمات، فالموسمان حافلان بالعطاء الفكري والثقافي، بكل تنوعاته وألوانه الفقهية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية.

3- شهر رمضان موسم الدعوة والتبليغ، والفعاليات والنشاطات الرسالية، وكذلك شهر الحج، فالموسمان فرصة كبيرة لتفعيل الطاقات والقدرات والكفاءات في خدمة الإسلام والدين والقيم والعقيدة.

4- شهر رمضان شهر الضيافة الربانية، وشهر الحج شهر الضيافة الربانية، فالصائمون ضيوف اللّه كما جاء في خطبة النبي (صلى اللّه عليه وآله): «هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة اللّه وجعلتم فيه من أهل كرامة اللّه» وكذلك الحجاج هم «ضيوف الرحمن» جاء في الحديث: «الحاج والمعتمر وفد اللّه إن سألوه أعطاهم وإذا دعوه أجابهم…».

والضيافة الربانية في شهر رمضان وفي شهر الحج لها شروطها ومؤهلاتها والتي من أهمها:
أ- طهارة القلب والروح.
ب- الإخلاص وصدق النية.
ج- التوبة والإقلاع عن المعاصي والذنوب والمحرمات.
د- أداء الحقوق (حقوق اللّه وحقوق الناس).
هـ- تصفية الخلافات والعداوات.
و- الاشتغال بالطاعات والصالحات.
5- في الصيام مجموعة محظورات وممنوعات (تسمى المفطرات) تقوّي في داخلنا إرادة الإيمان والتقوى والالتزام وإرادة التحدي والمواجهة، وفي الحج مجموعة محظورات وممنوعات (تسمى محرمــات الإحــرام) تقــوي في داخلنا إرادة الإيمان والتقوى والالتزام وإرادة التحدي والمواجهة.
٭ إذا صمت فأنوي بصومك كف النفس عن الشهوات وقطع الهمة عن خطوات الشيطان.
٭ إذا صمت فليصم سمعك وبصرك عن الحرام.
٭ فحين نزلت الميقات نويت أنك خلعت ثياب المعصية ولبست ثوب الطاعة؟
٭ وحين تجردّت من مخيط الثياب نويت أنك تجردّت من الرياء والنفاق والدخول في الشبهات؟
٭ وحين اغتسلت نويت أنك اغتسلت من الخطايا والذنوب؟
٭ وحين تنظفــت نويــت أنــك تنظفــت بنور التــوبة الخالصــة للّـه؟
٭ وحين أحرمت نويت أنك حرّمت على نفسك كلَّ محرّم حرمه اللّه تعالى؟
6- الصائم الحقيقي يولد ولادة جديدة والحاج الحقيقي يولد ولادة جديدة.
جاء في الحديث:
«يا جابر هذا شهر رمضان من صام نهاره وقام ورداً من ليله وكف لسانه وعف بطنه وفرجه خرج من الذنوب كخروجه من الشهر..».
قال جابر: ما أحسن هذا الحديث..
فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله: «وما أشد هذه الشروط».
وجاء في حديث آخر:
«من صام شهر رمضان وختمه بصدق وغدا إلى المصلى بغسل رجع مغفوراً له».
وجاء في حديث ثالث:
«يصدر الحجاج على ثلاثة أصناف: صنف يعتق من النار، وصنف يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وصنف يحفظ في أهله وماله وذلك أدنى ما يرجع به الحجاج».
7- للصائمين عيد يفرحون فيه، وهو (عيد الفطر)، وللحجاج عيد يفرحون فيه وهو (عيد الأضحى).
الصائمون يفرحون في عيد الفطر لأداء فريضة الصيام، ولقبول الأعمال، وللانتصار على الشيطان.
٭ إنمّا هو عيد لمن قبل اللّه صيامه وشكر قيامه.
٭ ليس العيد لمن لبس الجديد، العيد لمن خاف الوعيد.
٭كلَّ يوم لا يعصى اللّه فيه فهو عيد.
والحجاج يفرحون في يوم الأضحى لأنهم قطعوا أهم الأشواط في رحلة الحج المباركة، وقيل لهم انصرفوا فقد غفر اللّه لكم..
8- شهر رمضان يعمّق علاقتنا بالقرآن، ففي هذا الشهر نزل القرآن.
٭ «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن».
٭ «إنا أنزلناه في ليلة القدر».
٭ «إنا أنزلناه في ليلة مباركة».
ولذلك جاءت الروايات تؤكد استحباب قراءة القرآن والإكثار من تلاوته في شهر رمضان.
٭ شهر رمضان ربيع القرآن.
٭ من قرأ فيه آية فله أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور.
وكذلك أيام الحج ومواقع الحج تعمّق علاقتنا بالقرآن، فإذا كان شهر رمضان يذكّرنا بزمان نزول القرآن فإن مواطن الحج تذكّرنا بمواقع نزول القرآن، فغار حراء، وربوع مكة المكرمة وأجواء المدينة المنورة، وكلّ مسارات الحركة في تلك الديار، إنها جميعاً تذكرنا بمهابط الوحي ومواطن نزول القرآن.
ولذلك جاءت الروايات تؤكد استحباب ختم القرآن في مكة، وختم القرآن في المدينة.
9- بعد كلّ موسم صيام يجب أن نقف وقفة نقد ومحاسبة لنتعرف من خلالها على مستوى التعاطي مع هذا الموسم.
وكذلك بعد كلِّ موسم حجٍ يجب أن نقف وقفة نقد ومحــاســبة لنتعــرف من خلالها على مستوى التعاطي مع هذا الموسم.
وهكذا يجب أن نقف وقفة نقد ومحاسبة بعد كلِّ صلاة، وبعد كلِّ دعاء، وبعد كلِّ تلاوة، وبعد كلِّ طاعة، هذه الوقفة تفتح عقولنا على العبادة، وعلى فهم العبادة، وعلى عطاءات العبادة، فقيمة العبادة بمقدار ما تصنع التقوى في حياتنا، وبمقدار ما تصوغ الاستقامة في سلوكنا، وبمقدار ما تقربنا إلى اللّه تعالى.
٭ (من لم تنهيه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من اللّه إلا بعدا).
٭ (كم صائم ليس له من صيامه إلا الظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا العناء).
٭ (من أطاع اللّه فقد ذكر اللّه وإن قلت صلاته وصيامه وتلاوته، ومن عصى اللّه فقد نسى اللّه وان كثرت صلاته وصيامه وتلاوته).
٭ (من قرأ القرآن ولم يعمل به حشره اللّه يوم القيامة أعمى).
٭ (إن اللّه لا يعبأ بمن قصد هذا البيت ما لم يرجع بثلاث: ورع يعصمه عن محارم اللّه، وخلق يعيش به مع الناس، وحلم يداري به جهل الجاهل).

الوقفة الثانية: عودة إلى قضية الأحوال الشــخصية

لمــاذا هـــذه العـــودة؟
لازال هناك إصرار لدى عدد من النوّاب على طرح القضية على المجلس، ولازال هناك إصرار لدى بعض القوى والفعاليات على إثارة الموضوع وتحريكه في الصحافة والمنتديات، الأمر الذي يفرض علينا إنطلاقاً من مسؤوليتنا الشرعية أن نؤكد موقفنا في رفض أي تدخل من قبل البرلمان في شؤون الأحوال الشخصية، ونأمل أن لا نضطر إلى تصعيد الموقف في التصدّي والمواجهة، ويجب على أعضاء البرلمان أن يحسبوا النتائج بدقة، وأن يحترموا إرادة أبناء هذا الشعب المسلم الذي لن يسمح لأيّ مؤسسة وضعية أن تتدخل في أحواله الشخصية المحسومة من الناحية الشرعية، وأن العريضة الشعبية التي وقعها عشرات الآلاف من أبناء هذا البلد لهي تعبير واضح عن إرادة الجماهير المؤمنة في هذا البلد، وإذا كانت العريضة قد تحركت لمدة محدودة واستطاعت أن تحتضن هذا العدد الكبير من التوقيعات، فإنها إذا اقتضت الضرورة سوف تتحرك مرة أخرى، وسوف يعبر الناس عن موقفهم المبدئي في هذه القضية.

العلماء وقضايا المرأة:
لقد قلنا ولازلنا نقول: إننا مع قضايا المرأة العادلة حسب ما قررته شريعة اللّه تعالى، لا حسب ما تفرضه أهواء الإنسان وقوانين الأرض القاصرة.
إننا مع حقوق المرأة، ومع حقوق الرجل، ومع حقوق الإنسان، وضد كلّ ألوان الظلم والجور والاعتداء والمصادرة، وضد كلّ ألوان الفوضى والعبث والفساد والتمييز.
إن تحويل الأحوال الشخصية من مظلة الشريعة إلى مظلة المؤسسة الوضعية جناية كبيرة لها مردوداتها الخطيرة جداً، ولن يشفع لدعاة التحويل مقولاتٌ يرددونها ويحاولون من خلالها أن يطمئنوا الناس بأن التقنين لن يتجاوز أحكام الشريعة، مادام دين الدولة الرسمي هو الإسلام، ومادام الدستور ينص أن الشريعة مصدر رئيسي للتشريع.
هذا الكلام لا يملك مصداقية، فلا رسمية الإسلام كدين للدولة، ولا مصدرية الشريعة وفق الصيغة المدونة في الدستور كل ذلك لا يحمي التشريع المدني من تجاوز أحكام الشريعة الإسلامية، وواقع القوانين في بلدان المسلمين أكبر شاهد على ذلك.

أسلمة القوانين المدنية:
ومما يؤسف له أن تغيّب هذه الرؤية عند بعض الأخوة ممن لا نشك في إخلاصهم للدين وقيم الدين، وللفقه وأحكام الشريعة، حينما يتصورون إن استصدار قوانين مدنية من قبل المؤسسة الوضعية تنظم أحكام الأحوال الشخصية هو انتصار للشريعة إنطلاقاً من الهدف الكبير الذي يسعى إليه الإسلاميون هو «أسلمة القوانين المدنية»، قد يبدو هذا الكلام صحيحاً وقد يبدو هذا المنطق صائباً، ولكننا لو تأملنا في عمق المسألة سوف نجد أننا الخاسرون يوم طوّعنا شريعة اللّه تعالى لمؤسسات مدنية لا تملك صلاحية أن تعطي رأياً في أحكام اللّه، ولا تملك حصانة في أن تتجاوز أحكام الشريعة، وقد ناقشنا هذه المسألة بإسهاب في خطب ومحاضرات سابقة.
إننا ندعو بلاشك إلى أسلمة كل القوانين وفي كل المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية والإعلامية والسياسية إنه مشروع الإنسان المسلم في أسلمة الواقع بكل مكوّناته، ومن الواضح أن حياة الإنسان المسلم في هذا العصر، وفي داخل مجتمعات المسلمين يمكن أن نصنفها إلى مجموعة مساحات:
1- مساحة العبادات:
هذه المساحة لم تتجرأ أنظمة الحكم في مجتمعات المسلمين أن تتدخل فيها، وبقي الإنسان المسلم يمارس عباداته وفق إنتمائه الفقهي المذهبي.
2- مساحة الأحوال الشخصية (الزواج، الطلاق، النفقة، الحضانة، الوصايا، المواريث) وتسمى هذه المساحة أحياناً بأحكام الأسرة.
هذه المساحة بقيت في بعض مجتمعات المسلمين خارج دائرة الهيمنة الرسمية لأنظمة الحكم وتركت لتوجيهات الفقه والشريعة… ولكنها في بعض بلدان المسلمين تمَّ اخضاعها للمؤسسة الوضعية وإن بقيت محكومة في الغالب لتوجيه الشريعة إلا أن ذلك لم يمنع المشرع المدني أحياناً من العبث والتغيير والتلاعب بأحكام الشريعة وهناك أمثلة كثيرة على ذلك.
3- بقية المساحات في حياة الإنسان المسلم، وهذه تمت الهيمنة عليها من قبل المؤسسات الوضعية، وأخضعت في الغالب لقوانين مخالفة للشريعة الإسلامية.

وفي ضوء هذا التصنيف، فإن الدعوة إلى أسلمة القوانين تعني محاولة إرجاع المساحات المغصوبة إلى مظلة الشريعة الإسلامية، وليس التفريط بالمساحة المتبقية في حماية الشريعة وتسليمها إلى هيمنة المؤسسة الوضعية.
فليتق اللّه في دينهم أولئك الذين يصرّون على إعطاء المؤسسة الوضعية حق التدخل في شؤون الأحوال الشخصية.
ولا حديث لنا مع دعاة العلمنة، فمن الطبيعي أن يكون موقفهم هو إقصاء الشريعة الإسلامية، وتجميد دور الدين في صياغة حركة الحياة والإنسان.
«ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين».

وقفة أخيرة: ذكـرى اليوم الوطنـي

تستقبل البحرين هذه الأيام يومها الوطني، وإننا بهذه المناسبة نتمنى لهذا البلد الطيب مزيداً من الخير والرخاء والأمن والاستقرار، ونتمنى له مزيداً من العودة إلى الأصالة والدين والقيم والفضيلة، فالاحتفال باليوم الوطني أن يؤكد شعبنا المسلم انتماءه الإيماني، وارتباطه العقيدي، وهويته الروحية واصراره على إلتزامه الديني، هذه هي معاني الوطنية في مساراتها الأصيلة، وإلا فنحن لا نفهم الاحتفال بهذا اليوم لهواً وطرباً وعبثاً بالأخلاق، وتسيباً روحياً، وأقواساً وزينات وبهرجات فارغة، لا نريد لأجوائنا أن تتحول في هذه المناسبات إلى حالات من الانفلات والتحلل والفوضى الأخلاقية.. وحالات من التنكر للدين والقيم والفضيلة..
نسأل اللّه تعالى أن يحمي هذا البلد من عبث العابثين ومن فساد المفسدين، ومن طيش الطائشين..

وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربَّ العالمين.

Show More

Related Articles

Back to top button