حديث الجمعةشهر جمادى الأولى

حديث الجمعة 41 : الزهـراء وشـعارات المـرأة فـي هـذا العصــر -قانون الصحافة

الحمد لله ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على سيد الأنبياء والمرسلين  محمد وآله الهداة الميامين.


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يتناول لقاؤنا أكثر من موضوع:  
الموضوع الأول:الزهراء وشعارات المرأة في هذا العصر


لازلنا نعيش موسم الصدّيقة الزهراء صلوات اللّه عليها، ورغم أن قضية الزهراء تصطبغ بالمأساة وإذا كانت مسؤوليتنا تفرض أن نحافظ على هذه الصبغة في قضية الزهراء، فإنه لا يجوز أن نغفل الأبعاد الكبيرة في حياة أعظم إمرأة في تاريخ النساء، فمن الضروري جداً أن نفهم كيف نوظّف موسم الزهراء (عليها السلام) توظيفاً واعياً ينفتح بنا وبكل واقعنا وبكل أجيالنا على دنيا العطاء الإيماني والروحي والثقافي والاجتماعي والسياسي في حياة الزهراء (عليها السلام).
من المؤسف جداً أن مجالس الزهراء في هذا الموسم لا ترقى – في أغلبها – إلى مستوى التوظيف الحقيقي لهذه الشخصية العظيمة التي تمثل النموذج الأكمل في تاريخ المرأة وتمثل في حياتها أحد مكوّنات الوعي والأصالة لهذه الأمة.


إن استثمار موسم الزهراء (عليها السلام) ضرورة تفرضها الحاجـة الكبيرة في هـذا العصر لصياغة واقع المرأة وفق المنظور الإسلامي ومن خلال الأطروحة الإيمانية.


وهذا الاستثمار يحتاج إلى:
أ- درجة عالية من الوعي في فهم الزهراء (عليها السلام)، وبمقدار ما يرتقي خطابنا في هذا الوعي والفهم نكون أقدر علـى الاستفادة من هذا الموسم، وكلّما انخفض مستوى وعينا في فهم الزهراء كان الاستثمار ضعيفاً وبليداً ومتخلفاً.


ب – كما يحتاج الاستثمار لهذا الموسم الزهرائي إلى درجة عالية من وعي الواقع المعاصر وضروراته وحاجاته، وخاصة فيما يتصل بشأن المرأة وقضايا المرأة وأوضاع المرأة، وإن غياب هذا الوعي يعطي لموسم الزهراء غياباً عن الحضور في حركة هذا الواقع المعاصر للمرأة.


شعارات المزايدة بقضايا المرأة:
إن قضية المرأة في هذا العصر تعيش «شعارات المزايدة»، هذه الشعارات البغيضة الممقوتة، فأنتم تسمعون من خلال بعض اللافتات والعناوين الكثير من هذه «المزايدات الإعلامية» فما أكثر الذين يتاجرون بالشعارات من أجل أهداف ثقافية أو اجتماعية أو سياسية وغالباً ما تكون هذه الأهداف مرفوضة في أوساطنا الإسلامية.


تتحرك في هذه الأيام من خلال الصحافة، ومن خلال المنتديات والمؤتمرات شعارات الدفاع عن حقوق المرأة، وهذا العنوان عنوان مشروع ولا يمكن لأحد أن يصادر هذا الاتجاه مادامت المرأة في هذا العصر تفقد الكثير من حقوقها، المسألة ليست مسألة الشعار والعنوان، المسألة كم هي مصداقية هذا الشعار وهذا العنوان، المسألة ما هو الفهم المطروح لهذه الحقوق، وهل ينسجم هذا الفهم مع رؤية الإسلام ومع قيم الدين؟!


إننا نصّرُ على رفع شعار المطالبة بحقوق المرأة، وشعار الدفاع عن قضايا المرأة، ولكننا نرفض كلَّ الرفض أن يكون هذا الشعار خارج رؤية الإسلام والدين، كون المرأة على هذه الأرض تنتمي إلى الإسلام وتحمل هوية الدين، فالمشروعات التي تتبنى قضايا المرأة في هذه الساحة يجب أن تستمد مكوّناتها من الإسلام ورؤية الدين وإلا فهي مشروعات مرفوضة ودخيلة على هذه التربة.


ربمّا يقول هؤلاء الناشطون أو الناشطات في الدفاع عن قضايا المرأة في البحرين إننا ننطلق من مسؤوليتنا الوطنية، ومن خلال ما أقرته وثيقة حقوق الإنسان، وفي ضوء ما جاء في دستورنا وميثاقنا من ثوابت تؤكد المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات.. ونقول لهؤلاء:
وإن كنا نحترم هذه العناوين والمنطلقات، إلا أن هذا الاحترام مرهون بمدى الانسجام والتلاؤم مع مقررات الدين والشريعة، فلا يصح لنا – كمنتمين للدين والإسلام – أن نحــترم أيَّ عنــوان وأيَّ منطــلق إذا كـــان هذا العنـــوان أو هــذا المنطلق يتنافى مع ثوابــت الشــريعة وقيــم الديــن ومبــادئ الإســلام.
لذلك فنحن حينما نطرح قضايا المرأة وحينما ندافع عن حقوق المرأة فإن خطابنا ينطلق:
أ- من نصوص القرآن.
ب – ومن أحاديث السنة النبوية.
ج- ومن روايات الأئمة المعصومين.
د- ومن مسلمات الفقه الإسلامي.
هـ- ومن مسؤوليتنا الشرعية وواجبنا الديني.
فالفارق كبير بين الخطاب الديني والخطاب الآخر، الخطاب الديني يتحدث بلغة النصوص القرآنية، ولغة الأحاديث والروايات الثابتة، ولغة الفقه، ولغة المسؤولية الشرعية، ولغة العبادة والطاعة للّه تعالى.. والآخرون يتحدثون بلغة أخرى.


ولاشك أن اللغة الأولى أقدر على صياغة «الوجدان الأخلاقي» وهذا الوجدان هو الأساس في الالتزام والتطبيق والممارسة..
إنطلاقاً من هذه الرؤية فإننا نؤكّد على ضرورة الانفتاح على «حياة الزهراء» من أجل التوفر على مشروع حضاري أصيل يهدف إلى صياغة واقع المرأة في كل مكوّناته المعاصرة صياغة ربانية قادرة على أن تمنح المرأة الكرامة والعزة والحياة الفاضلة، وإلاّ فستبقى المرأة تلهث وتلهث وراء سراب كاذب، وشعارات خادعة.


الموضوع الثاني: تعديلات قانون الصحافة:


جريدة الوسط في عددها (113) الصادر يوم الاثنين 41 جمادى الأولى 4241هـ المصادف 41 يوليو 3002، الصفحة 31، وتحت عنوان «تعديلات قانون الصحافة».. نشرت خبراً – إن صح – فهو خطير وخطير جداً، ومن العجب كل العجب أن مرَّ هذا الخبر دون أن يستفز مشاعر المسلمين في هذا البلد، ودون أن يحرّك عواطف الناس وإن خبراً على هذا المستوى حريٌّ به أن يحدث صدىً كبيراً جداً، بل وأن يفجر غضباً شعبياً لا حدود له، ويبدو أن الناس لم يقرأوا هذا الخبر، أو أن البعض قرأه قراءة عاجلة.. وجزى اللّه شيخنا الشيخ عيسى قاسم حفظه اللّه تعالى الذي نبّهنا في خطبة الجمعة الماضية إلى هذا الخبر ودلالاته الخطيرة، مما فرض علينا أن نتابع الحديــث حول هذا الموضــوع ليكون أبناء هذا الشعب المسلم على بصيرة ووعي في ما يخطط له من مشروعات تدمّر هويته الإسلامية وتصادر إنتماءه الديني، وتعبث بمقدساته وقيمه، بل بأقدس مقدساته وقيمه.
من خلال هذه المقدمة أردت أن أضعكم أمام خطورة هذا الموضوع، وأردت أن أفتح عقولكم وقلوبكم للتعاطي مع الموضوع بحجم ما يحمله من خطورة.
وإذا كانت غيرة هذا الشعب قد استثارتها قضايا وقضايا في هذا البلد، تستحق أن تحرك الغيرة.
وإذا كان غضب هذا الشعب قد تفجر في قضايا وقضايا تستحق أن تفجر الغضب.
فإن قضيتـنــا – فيمـا هو موضــوع الخــبر الذي جاء في جريدة الوســط – تســتحق مـن الغــيرة ما هو أكبر، ومن الغضب ما هو أقوى.
٭ ماذا يقول الخبر وهو يتحدث عن «تعديلات قانون الصحافة»؟
ينص القانون الأصلي غير المعدل على عقوبة الحبس في الحالات التالية:


الحالة الأولى: التعرض لدين الدولة الرسمي في مقوماته وأركانه بالإساءة والنقد.


الحالة الثانية: التعرض للملك بالنقد أو إلقاء المسؤولية عليه عن أيّ عمل من أعمال الحكومة.


الحالة الثالثة: التحريض على جناة القتل أو النهب أو الحرق أو جرائم مخلة بأمن الدولة إذا لم تترتب على هذا التحريض أي نتيجة.


الحالة الرابعة: التحريض على قلب نظام الحكم أو تغييره.
ماذا يقول مشروع القانون المعدّل؟
وفق الخبر المذكور في جريدة الوسط أن مجلس الوزراء وافق على مشروع قانون معدل بشأن تنظيم الصحافة والطباعة والنشر، ومن المنتظر أن ترفع الحكومة مشروع القانون المعدل إلى مجلس الشورى والنواب بعد عودتهما من الإجازة الصيفية.
وما يعنينا في هذا التعديل ما يتصل بعقوبة الحبس فيما يخص الحالات الأربعة السابقة.


٭ فعلى ماذا ينص القانون المعدل؟
ينص على ما يلي:
يعاقب بالحبس كلَّ من نشر ما من شأنه:
أ- التعرض لشخص عاهل البلاد بالنقد، تلميحاً أو تصريحاً بالكلمة أو بالصورة.
ب- التحريض على قلب نظام الحكم أو تغييره.
واكتفى القانون المعدل بهاتين الحالتين، وألغى الحالتين الأولى والثالثة – حسب النص الأصلي – وإن كانت الفقرة (ب) في القانون المعدل تغطي الحاجة عن الحالة الثالثة في بعض مفرداتها.
وهكذا يتركز الإلغاء على (الحالة الأولى) في القانون الأصلي وهي (التعرض لدين الدولة الرسمي في مقوماته وأركانه بالإساءة والنشر) وبناء على هذا التعديل فلا عقوبــة لمن يتعرض للإسلام بالإساءة والنقد، ولا عقوبة لمن يتعرض لمقومات الإسلام بالإساءة والنقد، ولا عقوبة لمن يتعرض إلى أركان الإسلام بالإساءة والنقد.
فلتأخذ الأقلام في الصحافة وفي وسائل الإعلام كلَّ الحرية في الإساءة للإسلام والدين والقرآن!!!!
٭ فما هي مقومات الإسلام؟
من مقوماته الأساسية: التوحيد، النبوة، اليوم الآخر..
٭ وما هي أركان الإسلام؟
ومن أركان الإسلام الأساسية: الصلاة، الزكاة، الصيام، الحج، ضرورات الدين..
فمشروع القانون المعدل لا يعاقب من يتعرض للذات الإلهية، للتوحيد، لصفات اللّه تعالى، لكتاب اللّه بالإساءة والنقد.
ومشروع القانون المعدّل لا يعاقب من يتعرض لشخصية الرسول (صلى اللّه عليه وآله)، للنبوة، للسنة المطهرة، لعقيدة اليوم الآخر بالإساءة والنقد.
ومشروع القانون المعدل لا يعاقب من يسيء إلى الصلاة والزكاة والصوم والحج وكلَّ ضرورات الدين..
ولكن القانون – في مشروعه المعدّل – يعاقب فقط:
– من يتعرض بالإساءة والنقد شخص عاهل البلاد.
– ومن يحرّض على قلب نظام الحكم أو تغييره.
ولا ندري كيف جاز لمجلس الوزراء أن يوافق على هذا المشروع – إن صح ما ورد في الوسط – ونحن على ثقة تامة أن عاهل البلاد نفسه لا يمكن أن يوافق أن تكون ذاته مصونة، والإسلام في كل مقوّماته وأركانه لا يملك ذاتاً مصونة، إننا نطالب مجلس الوزراء أن يعيد النظر في هذا المشروع، وإن كنا لا نحتمل لمجلس النواب ولمجلس الشورى أن يوافقا على هذا التعديل الذي يشكل انتهاكاً لحرمة الإسلام.
كما لا نتوقع من عاهل البلاد حفظه اللّه أن يسمح بمشروع يؤسس لحالة العبث بمقومات الإسلام وأركانه.
وعلى كلِّ الأحوال فإن شعبنا المسلم في البحرين سوف يتصدّى بقوة لهذا المشروع الخطير ولن يتهاون أبداً مع هذا اللون من المشروعات والقوانين، إنطلاقاً من مسؤوليته الشرعية، وتعبيراً عن غيرته الدينية، ودفاعاً عن قيمه الإسلامية، وهكذا أثبت وسوف يثبت أنه مع إسلامه، ودينه، وقرآنه، وقيمه وأخلاقه.
وإذا كانت لقمة العيش، وشبرٌ من الأرض، وقضية هنا وقضية هناك إذا كان هذا قادراً أن يدفع بشعبنا إلى واجهة التصدي والرفض، فهل ترى أن مسألة تمس الإسلام في مقوماته وأركانه غير قادرة أن تدفع بهذا الشعب إلى التصدي والمواجهة.


أيهّا المؤمنون…
قضايا الساحة تحتاج إلى وعي وبصيرة:


يجب أن نفتح عقولنا بوعي وبصيرة في متابعة ما يتحرك في هذه الساحة، وفي ملاحقة ما يخطط ضد الإسلام وقيم الدين وأحكام الشريعة، وتحت عناوين متعددة قد تكون واضحة الأهداف والغايات والمنطلقات، وقد تكون مستورة الأهداف والغايات والمنطلقات، وبمقدار ما يملك هذا الشعب المسلم، وهذه الجماهير المؤمنة من وعي وبصيرة، ومن صدق وإخلاص للإسلام وقيم الدين، ومن قوة وثبات وعزيمة وإرادة، فإن المخططات الخطيرة، التي تتحرك علناً أو خفاء سوف تفشل بإذن اللّه تعالى، أمّا إذا غاب الوعي عند جماهيرنا، ومات الإخلاص، وضعفت الإرادة فسوف يكون إسلامنا وديننا وقيمنا وشريعتنا ضحية هذه المخططات والمؤامرات والمشروعات.
اللهـم نجنـا مــن القــوم الظالمــين، اللهــم انصــرنا على القوم المفســدين.. اللهــم أفـرغ علينا صبراً وتوفنـا مســلمين.



 

Show More

Related Articles

Back to top button