ححديث الجمعة 38: الصَّحوة الإِسلاميَّة والْقُوَى المُضادَّة – كيف نستثمر العطلة الصيفية ؟
حديث الجمعة 38 | 11 ربيع الثاني 1424 ه | 12 يونيو 2003 م | المكان: مسجد الإمام الصادق (ع) | القفول - البحرين
الحمد للّه ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السَّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.
أتناول في هذا اللقاء أكثر من عنوان:
العنوان الأول: الصحوة الإسلامية والقُوى المضادة.
وهنا أحاول أن أجيب عن سؤالين:
السؤال الأول: ما المقصود بالصحوة الإسلامية ؟
مرّ زمن طويل لا يسمح للدين أن يتحرك خارج المسجد، ليس مسموحاً للدين أن يكون له حضور ثقافي، فالثقافة يجب أن تكون من صنع الفكر الليبرالي والفكر العلماني، والمثقفون يجب أن يكونوا نتاج هذا الفكر.
وليس مسموحاً للدين أن يكون له حضور سياسي، فالسياسة يجب أن تكون ليبراليةً علمانية لادينية، وليس مسموحاً للدين أن يكون له حضور إجتماعي، إقتصادي، تربوي، إعلامي، هذه مساحات كلها محرمة على الدين وعلى الدينيين.
وهكذا فرض على الدين غياباً وهجوعاً وسباتاً، وفرض على الدين إنعزالاً وإنحساراً وإقصاءً.
وأخيراً بدأت الصحوة الإسلامية.
فأخذ الدين يفرض حضوره في حركة الثقافة والمثقفين، وفي حركة السياسة والسياسيين، وفي حركة الواقع الإجتماعي والإقتصادي والتربوي والإعلامي.
وأخيراً خرج الدين من المسجد ليتحرك في كلِّ الساحات، وأخذت طلائع الوعي الديني الحركي تتشكل في كلِّ المواقع، وفي كل الساحات، فلم تعد الثقافة، والسياسة، والاقتصاد حكراً على العلمانيين والليبراليين واللادينيين.
وهنا يجب أن نسجل للثورة الإسلامية في إيران أثرها الكبير جداً في إعطاء الصحوة الإسلامية دفعاً قوياً، وإمتداداً واسعاً، وحضوراً لافتاً، وعمقاً وتجذراً وتأصيلاً.
وقد استطاعت الثورة الإسلامية في إيران أن تسقط الكثير من المقولات المغلوطة عن الدين، ولعلّ من أشهر هـذه المـقــولات، المقـولة التـي أطلقـها الشيوعيون «الدين أفـيـون الشعــوب»، فـلم يعــد الـدين مخــدراً للشعوب – والحديث هنا عن الدين الإسلامي – بل إستطاع هذا الدين أن يصنع أعظم ثورة شعبية في هذا العصر، وبقيادة عالمٍ رباني، عاشقٍ للّه تعالى، متهجدٍ عابدٍ زاهدٍ، مازاده الإنتصار الذي هزَّ الدنيا إلاّ تواضعاً.
السؤال الثاني: ما هي القوى المضادة للصحوة الإسلامية ؟
ينتظم في هذا الصف كلَّ الذين يرفضون أن يكون للإسلام حضور ثقافي وسياسي وإجتماعي وتربوي وإعلامي.
ويمكن أن نضع ضمن هذه المنظومة مجموعة قوى خارجية وداخلية:
• قوى الكفر العالمي وقوى الإستكبار العالمي.
• قوى السلطة والحكم.
• قوى العلمنة والتغريب.
• قوى الجهل والتخلف.
(1) قُوى الكفر العالمي وقوى الإستكبار العالمي، وعلى رأس هذه القوى «الإدارة الأمريكية» و«الكيان الصهيوني الغاصب».
إنَّ المشروع الأمريكي في هذا العصر يستهدف تصفية الحالة الإسلامية الواعية تحت مختلف الذرائع والمبررات والعناوين، وخطابات الساسة الأمريكيين صريحة كلّ الصراحة في استهداف الهوية الثقافية لهذه الأمة، واستهداف مكوّناتِ الوعي الديني لجماهير هذه الأمةِ، واستهدافِ كلِّ الروافدِ التي تغذّي روح الأصالةِ والإنتماءِ والحركةِ لدى شعوب هذه الأمة، وما هذه الهيمنة الأمريكية على أرضِ العراقِ وشعبِ العراق وثقافةِ العراق، ومقدراتِ العراقِ إلاَّ بداية لهذا المشروع الكبير الذي بدت خارطته واضحة جليّة، وما هذه التصريحات الصادرة عن الأمريكيين في ضرورة إعادة صياغة المناهج الدينية في البلدان العربية والإسلامية إلاَّ مؤشرات واضحة لتلك الأهداف الخطيرة…
(2) قوى السلطة والحكم في بلدان المسلمين:
إنَّ أغلب أنظمة السلطة والحكم في بلدان العرب والمسلمين تعتبر الصحوة الإسلامية حالةً تشكّل خطراً مضاداً أو على الأقل تمثّل قلقاً لأنظمة الحكم، كون هــذه الصحوة لا تعترف بالكثـير من مكوّناتِ الواقع السّياسي ولا تعترف بالكثير من القوانين المفروضة على مجتمعات المسلمين بما تحمله من مخالفاتٍ صريحـة لأحكام الإسلام.
وبالتالي فإن أغلب الأنظمة الحاكمة ترى في الصحوة الإسلامية ما يربك طموحاتها وأهدافها ويعيق الكثير من خططِها ومشروعاتها والتي تعتبرها الصحوة الإسلامية منافيةً لأحكام الشريعة، ولذلك إتخذت هذه الأنظمة خيارها في محاصرة الصحوة الإسلامية معتمدة شتى الوسائل والأساليب، ويدخل في هذا السياق:
• محاولات السيطرة على المؤسسات الدينية : المساجد،المآتم، المدارس، الحوزات، المكتبات.
• محاولات الهيمنة على المشروعات والفعّاليات الإسلامية من خلال مجالس أو إدارات أو هيئات رسمية.
• محاولات الهيمنة على الخطاب الديني من خلال تنسيب الأئمة والخطباء والدعاة والمبلّغين إلى الكادر الوظيفي الرسمي.
وفي هذا الاتجاه تتحرك مشروعات التقنين الوضعي لأحكام الشريعة.
(3) قوى العلمنة والتغريب في مجتمعات المسلمين:
تشكلّت منذ زمن طويل في مجتمعاتنا وجودات طارئة علمانية وليبرالية تتبنّى ايديولوجيات رافضة للصيغة الدينية، وهذه الوجودات – ممثلةً في أحزاب وجمعيات ومؤسسات، ونخب ثقافية وسياسية – تعتبر الصحوة الإسلامية حالة مضادة للمشروع العلماني والليبرالي وهذا يفرض عليها أنَّ تتصدّى لهذه الصحوة بكلِّ الوسائل الميسورة لديها.
وقد مارست القوى العلمانية والليبرالية حربها المعلنة تارةً وغير المعلنة أخرى في مواجهة الصحوة الإسلامية، ورموز الصحوة الإسلامية، وبعض هؤلاء من الغارقين في العلمانية المتطرفة لا يتحفظون من إطلاقِ الكلماتِ السيئةِ جداً، فقد تقرأ لأحدهم – ومن خلال طُرفهِ البذيئة – مساً مكشوفاً بالمرجعيات الدينية (تجدون ذلك في أعمدة صحف محلية) وإننــّا نحذر الصحافة أن تفسح المجال لهذا العبث الهابط، ولهذه الكلمات التي تهدف التشهير بالدين ورموز الدين، وتهدف الإساءة إلى رجال الإسلام.
وإذا كان في المقالات التي تسيء إلى المشروع الإصلاحي، وإلى التجربة الديمقراطية – حسب تعبير وزير الإعلام – ما يوجب التحذير والتعنيف والتلويح بالعقوبات، فإنَّ المس بالدين ورموز الدين وبأساليب فجة وساقطة يمثل تجاوزاً صريحاً لوظيفة الصحافة ويسيء إلى مشروع الإصلاح والوحدة الوطنية ويهدد التجربة بالخطر.
فلماذا لا نسمع صوتاً رسمياً يحذر من هذه التجاوزات، ثم إنَّ خطابنا إلى هؤلاء العلمانيين المتطرفين، أن لا يلجأونا إلى حربٍ ثقافية وسياسية وإجتماعية سيكونون الخاسرين فيها؟
وكأنَّي أسمع من يقول – ومن داخل الصف الإسلامي – إنَّ هذا النمط من الخطاب يضر بمسؤوليات المرحلة، وبضرورات التحالف الوطني…
لقد قلناها مراراً أنَّ مصلحة الإسلام فوق كلِّ الإعتبارات، وإنَّ الدفاع عن الدين وقيمه ورموزه الأصلية على رأس الأولويات.
وإذا كان هؤلاء يرون أنَّ من حقهم أن يطرحوا رؤاهم الثقافية والسّياسية – وإن كانت منافية للدين – فلماذا لا يحق لنا إنطلاقاً من قناعاتنا الإسلامية أن نناقش هذه الرؤى وأن نرفض هذه الرؤى؟
ولماذا لا يحق لنا أن نقول للناس : أنّ العلمانية إتجاه خاطئ ومرفوض، وإنَّ الليبرالية مسار مغلوط، وإنّ الماركسية نظرية فاشلة، وأنّ الرأسمالية منهج فاسد، وأنَّ كل الخيارات الثقافية والسّياسية – ما عدا خيار الإسلام والدين – هي خيارات مدمرّة.
ومهما أعطينا من قيمة للتحالفات السّياسية والتي تشكلّ ضرورة في هذه المرحلة من أجل حماية أهدافٍ مشتركة، وقضايا مصيرية، شريطة أن ترتكز على أسس سليمة وصحيحة ومقبولة وفق معاييرنا الشرعية، فإنَّ هذا لا يبرر لنا أن نجمّد مسؤوليتنا في صياغة وعي الأجيال، وفي تحصين ثقافة الأجيال ضد الإختراقات الفكرية والايديولوجية والسّياسية، خاصة وأنَّ ساحتنا أصبحت مفتوحةً لكلّ المخاضات الثقافية والسّياسية، مما يفرض علينا أن نكون بمستوى تحديات المرحلة.
(4) قوى الجهل والتخلف:
وآخر القوى التي تحاصر الصحوة الإسلامية، قوى الجهل والتخلف في داخل الأمة، فهذه القوى تشكلّ معوّقات للصحوة الإسلامية، فالذين يعيشون التخلف في فهم الدين كثيراً ما يتحولون إلى عناصر إرباك داخلي، وعناصر إجهاض وتشويش وتخدير، وعناصر مشاغلات في داخل الصف، ولهذا جاء الحديث «قصم ظهري إثنان عالم متهتك وجاهل متنسك».
العنوان الثاني: كيف نستثمر العطلة الصيفية ؟
العطلة الصيفية على الأبواب، وأبناؤنا وبناتنا ينتظرون هذه العطلة وهم يحملون في أذهانهم الكثير من التساؤلات والكثير من الخواطر.
ما هو برنامجهم في هذه العطلة ؟”
كيف سيواجهون الفراغ في هذه العطلة ؟
هل الأفضل أن يتخذوا من العطلة الصيفية فرصة للراحة والاستجمام فقط بعد عام دراسي مرهق؟
أم يجب أن يستثمروا العطلة إستثماراً هادفاً حتى لا تمضي أشهر من أعمارهم بلا إستثمار ؟
وماذا لو قرر الأهل السفر، فهل يمكن توظيف هذا السفر توظيفاً هادفاً واعياً؟
ثمَّ ما هي البرامج التي يختارونها والبرامج كثيرة في الساحة ؟
وما هي مسؤولية الأسر والآباء والأمهات في مثل هذه الأجواء ؟
وما هي مسؤولية العلماء والمبلغين والخطباء والدعاة والعاملين الإسلاميين ؟
هذه تساؤلات كثيرة وكثيرة.
والحديث عنها لا يتسع له هذا الوقت المحدود، ولكنني أؤكد هنا على مجموعة أمور:
(1) إنَّ مسؤولية الأسر والآباء والأمهات مسؤولية خطيرة جداً في الفترة الصيفية،
أ- فالأبناء والبنات يعيشون الفراغ فهم يملكون فا’ئضاً من الوقت..
ب- وهم يملكون فائضاً من الطاقات.
ج- والساحة معبئة بأجواء العبث والفسق واللهو المحرم..
فاذا فقد الأبناء والبنات الرعاية والتوجيه والرقابة من قبل الأسر والآباء والأمهات، ولم يتوفر لهؤلاء الأبناء والبنات الأجواء الهادفة النظيفة فسوف تجتثهم الأجواء الملوثة.
هنا يأتي دور الآباء والأمهـات وهنا تأتي مسؤوليتهم الكبيرة.
وإنَّ أيّ تقصير من قبل أولياء الأمور سوف يعرضهم إلى عقوبة اللّه تعالى وغضبه.
جاء في الحديث : «ويل لأبناء آخر الزمان من آبائهم قالوا : من آبائهم المشركين؟ قال : من آبائهم المسلمين، لا يعلِّمونهم شيئاً من الفرائض وإذا تعلّم أبناؤهم منعوهم، ورضوا منهم بعرض يسير من الدنيا فأنا منهم بريء وهم مني براء».
(2) إنَّ مسؤولية الموجهين من علماء وخطباء ودعاة ومبلغين وأساتذة وعاملين مسؤولية خطيرة جداً.
أ- فيجب أن يمارسوا دورهم في التوجيه والإرشاد والتثقيف، والرعاية الروحية والأخلاقية والاجتماعية من أجل حماية هذا الجيل.
ب- يجب أن يعطوا من وقتهم الكثير في التصدّي لمشروعات الفساد الأخلاقي التي يرّوج لها في أجواء الصيف.
ج- التوفر على برامج صيفية هادفة وواعية وقادرة على إجتذاب الأبناء والبنات، فيجب على القائمين على البرامج الصيفية أن يعملـوا على تطويرهـــا وتنويعهــا والاســتفادة من أحدث الطـــرق، حتى يتمكنوا من خلق أجواء محببة لأولادنا وبناتنا، وقادرة على إستقطابهم.
(3) أمّا خطابنــا إلى الطــلاب والطالبــات من أبنائنا وبناتنا فإننا نؤكد:
أولاً: الحذر كلّ الحذر من خطط الشيطان الصيفية، فالشيطان يرمي بثقله في هذه العطلة الصيفية، من خلال برامـج فـاسقة يسّـوق لها إعـلامياً، وتهيىء لها كل المغريات، فلا تخسروا – أيهّا الأبنــاء وأيتهـا البنــات – دينكم من أجل لذة شيطانية عابرة، وشهوة قصيرة لا تدوم ويعقبها غضب اللّه تعالى.
ثانياً: بادروا أيهّا الأحبة – أيهّا الأبناء وأيتهّا البنات – إلى الالتحاق بالدورات الصيفية الدينية التي يشرف عليها العلماء والشباب المؤمن الملتزم، والعاملات المخلصات، فهذه الدورات المباركة تحمي دينكم وأخلاقكم، وتربي أرواحكم وتهذّب سلوككم، وتقربكم إلى اللّه سبحانه وتبعدكم عن الشيطان، فلا تتباطؤوا ولا تتكاسلوا ولا تتثاقلوا، فأنتم أبناء الإسلام وبنات الإسلام، وأبناء الدين، وبنات الدين، فإرادتكم الإيمانية قوية، وعزيمتكم الربانية صلبة، فالأمل كبير وكبير فيكم أن تكونوا بمستوى هذا الظن وبمستوى هذه الثقة.
ثالثا: أيهّا الأبناء وأيتها البنات قد تجدون من رفقاء السوء، وأصدقاء الشر من يثبطكم عن الالتحاق بالدورات الصيفية الدينية، ويغريكم بالإنفلات وإضاعة الوقت في اللهو والعبث، أو يغريكم بالالتحاق بدورات تهدف إلى تمييعكم روحياً وأخلاقياً وسلوكياً، فكونوا الأقوياء في دينكم ولا تخضعوا لكلمات هؤلاء الأشرار، ولا تستجيبوا لإغراءاتهم فهم لا يريدون بكم خيراً،
وأيّ خير في الابتعاد عن أجواء الإيمان والهدى والصلاح، والذوبان في أجواء الفساد والضلال والانحراف.
بارك اللّه فيكم وسدد خطاكم وأصلح دينكم، حديثنا عن إستثمار العطلة الصيفية له تتمة نتابعها – إن شاء اللّه تعالى.
وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربِّ العالمين.