الإمام علي السجاد (ع)حديث الجمعةشهر محرمملف شهر محرم

حديث الجمعة 27: دور الإمام زين العابدين (عَليه السَّلام) والسَّيدة زينب (عَليها السَّلام) بعد ثورة كربلاء

حديث الجمعة 27 | 24 محرم 1424 ه | 27 مارس 2003 م | المكان: مسجد الإمام الصادق (ع) | القفول - البحرين

مدور الإمام علي إبن الحسين «ع»

والسيدة زينب «ع» بعد ثورة كربلاء

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الخلق محمد وآله الهداة الميامين…

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…

 

الأدوار المهمة للإمام السجاد والسيدة زينب (عليهما السلام)

انتهت معركة الطف، وسقط الإمام الحسين شهيداً على أرض كربلاء، مسجلاً أروع ملحمة في تاريخ الجهاد والشهادة، وأعطى أبطال الطف دماءهم ثمناً للمبدأ والعقيدة.

وماذا بعد يوم الطف؟

جاء دور الإمام علي بن الحسين زين العابدين، وجاء دور الحوراء زينب إبنة أمير المؤمنين، ما هو هذا الدور؟

تمثل دور الإمام السجاد (ع) ودور الحوراء زينب (ع) في الأهداف التالية:

(والحديث عن قضية الثورة الحسينية)

الهدف الأول: تصدير الثورة من كربلاء، من خلال:

1- التعريف بهوية الثورة الحسينية:

٭ أهداف الثورة.

٭ منطلقات الثورة.

٭ مبررات الثورة.

٭ نتائج الثورة.

2- التعريف برموز الثورة الحسينية، جهادهم، مواقفهم، بطولاتهم، تضحياتهم.

3- إبراز الجانب المأساوي في أحداث كربلاء، وما صدر عن جيش النظام الأموي من مجازر رهيبة، وجرائم فظيعة يندى لها جبين الإنسانية.

4- ربط الأمة فكرياً وعاطفياً بالثورة الحسينية وبأهدافها ومنطلقاتها.

 

الهدف الثاني: تحريك الغضب الجماهيري ضد النظام وأعوان النظام الأموي: الذي ارتكب جريمة كربلاء، ولعلّ بكاء الإمام زين العابدين أحد أساليب تحريك الغضب عند الجماهير ضد صانعي مأساة كربلاء.

وهكذا كان بكاء الإمام زين العابدين أسلوباً جهادياً استهدف:

أ- شد الأمة عاطفياً إلى قضية الحسين.

ب- ربط الأمة فكرياً بأهداف الحسين.

ج- تأجيج الروح الناقمة عند الجماهير.

 

توظيف الغضب الجماهيري:

وهنا نؤكد على أهمية توظيف الغضب الجماهيري ضد صنـّاع المآسي الإنسانية، في كل العصور والأزمان.

وفي هذه الأيام حيث تقود أمريكا حرباً ظالمة مدمرة ضد شعبنا المسلم في العراق، متجاوزة كل القيّم والموازين الدينية والأخلاقية، وكل الأعراف والمبادئ الإنسانية والدولية، ومن أجل أن تفرض هيمنتها وأن تفرض مشروعها الاستعماري على المنطقة وشعوب المنطقة، لتصادر هويتنا الروحية والأخلاقية والثقافية، وتجذّر وجودها الإقتصادي والسياسي والأمني والعسكري.

 

التعبئة الجماهيرية ضد الهيمنة الأمريكية:

في هذه المرحلة الخطيرة وأمام هذا المشروع الخطير يجب أن تتعبأ شعوبنا وجماهير أمتنا ضد أمريكا، ويجب أن يتحرك الغضب والرفض ضد أمريكا، وضد العدوان الأمريكي وضد المشروع الأمريكي.

ومن الخيانة لأهدافنا وقيمنا ومبادئنا أن نعمل على مصادرة هذا الغضب.

وحينما نؤكد على مسئوليتنا في استنفار الغضب الجماهيري فإننا في الوقت نفسه نؤكد على أمرين هامين:

الأمر الأول: أن يكون الغضب الجماهيري محكوماً بضوابط الدين، وقيم الإسلام، مما يعطي لهذا الغضب مشروعيته وقدسيته، وروحيته الإيمانية. فيجب أن يتحرك الغضب ضمن أساليب الدين والشرع، وهنا تأتي خطورة أن تتحرك الجماهير مستجيبة لأيّ قيادة دون أن تحدد هويتها وشرعيتها.

الأمر الثاني: الوعي والعقلانية حتى يحقق الغضب الجماهيري أهدافه، وغاياته المشروعة، وإلا أصبح الغضب إنفعالاً منفلتاً يسيء إلى الأهداف والغايات والمنطلقات المشروعة.

 

علماء الدين يؤكدون على…

وفي ضوء هذين الأمرين جاء تأكيد الخطاب العلمائي أن يلتزم جماهيرنا في مسيراتهم الغاضبة ضد العدوان الأمريكي البريطاني، أن تلتزم هذه الجماهير بالضوابط الشرعية وقيّم الأخلاق بعيداً عن التسبب في إرباك الإستقرار والهدوء والأمن، والإعتداء على الممتلكات العامة والخاصة.

وإذا كنا نطلب من الجماهير أن تمارس التعبير عن غضبها بأساليب سلمية واعية، فإننا في الوقت ذاته نطالب السلطة أن تكون أكثر عقلانية ومرونة في التعامل مع التظاهرات الإحتجاجية والتي ربّما يقودها الحماس والإنفعال إلى بعض التصرفات، فاعتماد أساليب العنف في التصدّي والمواجهة مما يعرض الأرواح والأنفس لخطر له آثاره ونتائجه الصعبة، كما أنّ معالجة أسباب الإحباط والمعاناة لدى هؤلاء الشباب من أبناء هذا الوطن يساهم في التخفيف من حالات التوتر والتشنج والإنفعال والإنفلات.

أنا لست مع لغة التحريض ضد هؤلاء الشباب من أبنائنا، ولست مع لغة الإتهامات والإدانات بل يجب أن نتعامل معهم بلغة الحب والتوجيه وبأسلوب التوظيف الهادف لغضبهم المشروع.

 

الهدف الثالث: مواجهة الإعلام الأموي المضلل:

وللدور الذي مارسه الإمام زين العابدين ومارسته الحوراء زينب هدف ثالث كبير وهو مواجهة الإعلام الأموي المضاد لثورة كربلاء، فقد مارس هذا الإعلام تشويهاً كبيراً للثورة الحسينية ولرموز الثورة الحسينية مما فرض على الإمام زين العابدين والحوراء زينب التصدي لهذا الإعلام المضلل وتعرية أكاذيبه.

أنقل لكم هذا المقطع التاريخي والذي يعبّر بوضوح عن حجم التضليل الإعلامي الذي مارسه الأمويون ضد ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) تحدثنا روايات التاريخ أن قافلة الأسارى من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما وصلت إلى الشام، كانت الجماهير قد احتشدت وتجمهرت إبتهاجاً بالنصر الكبير الذي حققه أمير المؤمنين يزيد بن معاوية على المتمردين الخارجين عن الدين وعن جماعة المسلمين، وضمن هذا الحشد الكبير يقف شيخ كبير، فما أن أبصر قافلة الأسرى حتى تحركت شفتاه بالدعاء قائلاً: الحمد لله الذي خذلكم وقتل رجالكم ونصر أمير المؤمنين يزيد عليكم، هكذا صنع الإعلام المضلل

تصل الكلمات إلى سمع الإمام زين العابدين فالتفت إلى الشيخ المسكين وهو أحد ضحايا التضليل وخاطبه: يا شيخ هل قرأت القرآن؟

فيجيب الشيخ بكل استغراب: وما أنتم والقرآن

تصوروا الإعلام قال للناس أن هؤلاء الأسرى لا علاقة لهم بالدين

يكرر الإمام السجاد سؤاله: يا شيخ هل قرأت القرآن؟

– نعم قرأت القرآن.

يا شيخ هل قرأت قوله تعالى: (قل لا أسالكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى).

– نعم قرأتها.

فنحن القربى يا شيخ.

صرخ الشيخ: بالله عليك أنتم هم؟!

وأخذ يردد بالله عليك أنتم هم؟!

والإمام يقول: وحق جدنا رسول الله إنــّا لنحن هم.

فانفجر الشيخ باكياً: الله أكبر آل رسول الله أسارى

ثم التفت بعين مملوءة بالدموع والإنكسار إلى الإمام زين العابدين: يا ابن رسول الله هل لي من توبة.

نعم إن تبت تاب الله عليك وأنت معنا.

صاح الشيخ: اللهم إني تائب اللهم إني تائب.

وما أن أنهى هذا الشيخ كلماته حتى تلقتها أجهزة المخابرات الأموية وصدر القرار بإعدامه فسقط رأسه ثمناً لوعيه وجرأته.

 

التضليل الإعلامي.. ومبررات الحرب المفروضة:

وعند هذا المنعطف من الحديث، حديث التضليل الإعلامي، نجد أنفسنا وفي هذا الظرف الراهن، والحرب المجنونة على العراق يتصاعد أوارها نجد أنفسنا مضطرين أن نتناول المبررات التي تطرحها أمريكا في حربها ضد العراق، فماذا يقول بوش، وماذا يقول إعلام أمريكا عن هذه المبررات؟ المبررات – وفق الإعلام الأمريكي – هي:

1- إسقاط النظام من أجل إنقاذ شعب العراق من تاريخ الظلم والقهر والعذاب.

2- نزع أسلحة الدمار الشامل.

3- مكافحة الإرهاب.

هذه مبررات ثلاث طرحها إعلام الحرب الأمريكية، فماذا هي رؤيتنا حول هذه المبررات؟

إنها مبررات لا مصداقية لها، وإنها مبررات كاذبة، لماذا؟

أولاً: كل الأنظمة السياسية الفاسدة التي حكمت العراق كانت مدعومة من قبل الإدارة الأمريكية.

إن تاريخ العذاب والظلم والقهر والحرمان الذي عاشه شعب العراق كان بعين وسمع الإدارة الأمريكية، فما رفّ لها جفن، ولا خفق لها قلب يوماً على مآسي الشعب العراقي وظلاماته وعذاباته.

فماذا جرى حتى تفكر أمريكا في إنقاذ أبناء العراق من تاريخ الظلم والقهر والعذاب، فهل إستيقظ ضمير بوش بين عشية وضحاها فقرر إنقاذ شعب العراق؟

قتل العلماء والفقهاء والمفكرون والمجاهدون وامتلأت السجون، وشرد الملايين من أبناء العراق، فهل حركت أمريكا ساكن، وهل أقلقتها عذابات الشعب العراقي وآلامه ومعاناته؟

ثم لماذا لم تساند أمريكا الشعب العراقي في محاولاته المتكررة للخلاص من نظام الظلم والإستبداد؟

ألم تكن الفرصة سانحة وأكثر من إنتفاضة كادت أن تنهي النظام لولا تدخل الإدارة الأمريكية والوجود الأمريكي في حفظ النظام وإنقاذه.

وإذا كانت أمريكا حقاً تفكر في آلام الشعب العراقي وجراحاته، فلماذا هذا الحصار الإقتصادي طيلة السنوات وآلاف الأطفال يموتون، وآلاف تفتك بهم الأمراض؟

وإذا كانت أمريكا حقاً تفكر في آلام الشعب العراقي وجراحاته، فلماذا هذه الحرب المدمرة التي تهدد الملايين من أبناء العراق؟

الشعب العراقي لا يعني شيئاً أبداً في نظر بوش، وفي نظر الإدارة الأمريكية، معاناة الشعوب ومآسي الشعوب لا تعني شيئاً في نظر بوش، وفي نظر الإدارة الأمريكية. فالحرب من أجل إنقاذ العراق وخلاص شعب العراق ومن أجل الديمقراطية في العراق أكذوبة فاضحة لا يمكن أن يصدقها أحد.

 

ثانياً: أما نزع أسلحة الدمار الشامل فهي أكذوبة أخرى:

نتساءل من الذي زوّد النظام في العراق ببعض أسلحة الدمار الشامل، أليست أمريكا نفسها، أين كانت أمريكا حينما استخدم النظام أسلحة كيماوية وأباد مناطق بأكملها من خارطة العراق؟

أين كانت أمريكا حينما حدثت جريمة حلبچة في العراق؟

أين كان ضمير أمريكا في ذلك الوقت؟

ثم نتساءل:

هل أن الإدارة الأمريكية صادقة في إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل؟

هذه إسرائيل تملك أسلحة الدمار الشامل، فلماذا لا يتحدث بوش عن أسلحة الدمار الشامل في إسرائيل؟، ثم من الذي زوّد إسرائيل بأسلحة الدمار الشامل؟

الإدارة الأمريكية تريد لإسرائيل أن تملك أسلحة الدمار الشامل.

 

لماذا هذا الكيل بمكيالين؟

العرب والمسلمون لا يسمح لهم أن يملكوا أسلحة دمار، بل لا يسمح لهم أن يملكوا أسلحة متطورة ولا يسمح لهم أن يتحكموا فيما لديهم من أسلحة ويجب أن يكونوا مرهونين لأمريكا في كل ما يملكون من سلاح.

أما إسرائيل فيجب أن تملك أسلحة الدمار الشامل، ويجب أن تملك الأسلحة المتطورة، ويجب أن تملك حريتها في التحكم في كل ما لديها من أسلحة.

العرب والمسلمون يهددون أمن العالم، حينما يملكون مفاعلاً نووياً، حينما يملكون قنبلة ذرية، وأما إسرائيل فلتملك ما تشاء فهي لا تهدد الأمن والسلام في العالم.

ثم إن أمريكا نفسها مسموح لها أن تستخدم أفتك أسلحة الدمار في حروبها ضد الشعوب «كاليورانيوم المخصب» من أخطر أسلحة الدمار الشامل والذي تبقى آثاره وتفاعلاته ملايين السنين – حسب تقرير الخبراء – هذا السلاح من المحتمل جداً أن تستخدمه أمريكا في حربها الظالمة ضد العراق وشعب العراق.

فهل يمكن أن نصدق أن أمريكا تحمل هم أسلحة الدمار الشامل؟

 

ثالثاً: وأما قصة الإرهاب فهي ثالثة الأكاذيب:

فمن المخزي أن تتحدث أمريكا عن الإرهاب، وهي راعية الإرهاب المنظم في العالم، ما يحدث في فلسطين على أيدي الصهاينة المجرمين من أعنف ألوان الإرهاب، أليست أمريكا هي التي ترعى هذا الإرهاب؟

ما يحدث في العالم من إنتهاك للحريات، وهتك للحرمات، وسفك للدماء على أيدي أنظمة الحاكم المستبدة هو إرهاب منظم تباركه الإدارة الأمريكية.

لم نسمع أن أمريكا وقفت مع شعب يطالب بحريته وبكرامته وبخلاصه من دكتاتورية نظامه السياسي.

لم نسمع أن أمريكا أيدّت وساندت حركات التحرر في العالم، وما حدث هو العكس.

 

ميزان الإرهاب عند أمريكا:

إن حركات التحرر وحركات الدفاع عن الحقوق وخاصة في عالمنا العربي والإسلامي هي حركات إرهابية وحركات عنف وتطرف ويجب أن تصفى وتواجه،

لا ننفي وجود حالات من العنف والتطرف هنا أو هناك، ولكن أن نخلط بين العناوين، ونتهم كل الحركات التي تدافع عن الحقوق والحريات بأنها حركات إرهاب فالمسألة واضحة في أهدافها وأغراضها.

ثم يجب أن نتساءل: ما هي الأسباب التي أنتجت الإرهاب والعنف والتطرف؟

إن سياسات الظلم والقهر والقمع ومصادرة الحريات هي أسباب ذلك.

يحاول الإعلام الأمريكي والإعلام المضاد للإسلام أن يتهم ثقافة الدين بأنها هي التي أنتجت حالات العنف والتطرف والإرهاب، ولذلك تصر أمريكا أن تحاصر كل مكوناتنا الدينية والثقافية، وتطالب الأنظمة والحكومات في مجتمعات العرب والمسلمين أن تعيد النظر في كل برامج التعليم الديني، وصياغة مناهج جديدة تحمي الأجيال من ثقافة العنف والتطرف.

 

المخطط الأمريكي الخطير…

أيها المؤمنون:

إن أمريكا في هذه الحرب الظالمة تنطلق بمشروع خطير لا يستهدف العراق ولا شعب العراق فقط، وإنما يستهدف المنطقة بكاملها، في وجودها الإقتصادي والسياسي والأمني والعسكري، وكذلك في وجودها الروحي والأخلاقي والثقافي، فمسئوليتنا في هذه المرحلة التصدّي للمشروع الأمريكي، بكل الوسائل الممكنة، بكل أساليب التعبير عن الرفض، وأن لا ننسى شعبنا المسلم في العراق، أن نقف إلى جانبه في محنته الصعبة، أن ندعمه بكل ما نتوفر عليه من إمكانات الدعم المادي والمعنوي، أن نلجأ إلى الله تعالى أن يلطف بهذا الشعب وأن يخلصه من ويلات هذه الحرب الجائرة وأن يخلصه من نظامه المستبد الذي أذاقه ألوان الظلم والقهر والحرمان.

 

فقدان العالم…

وفي ختام حديثنا يجب أن لا يفوتنا أن نعبر عن ألمنا وحزننا الكبيرين لفقد سماحة العلامة الشيخ سليمان المدني، والذي شكل فقده خسارة، كان رحمه الله رمزاً من رموز الساحة وعالماً متميزاً بذكائه وقدراته العلمية والفكرية، وبجرأته في مواجهة تيارات التغريب والعلمنة، نسأل الله له الرحمة والمغفرة والرضوان.

 

Show More

Related Articles

Back to top button