حديث الجمعة 23: أركَانُ الإسلامِ
حديث الجمعة 23 | 06 ذي القعدة 1423 ه | 09 يناير 2003 م | المكان: مسجد الإمام الصادق (ع) | القفول - البحرين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصَّلاة والسَّلام على سيدنا ونبيانا وحبيبنا وقائدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
أتناول في حديثي اللَيلة نصاً للإمام الباقر علية السَّلام يتحدث فيه عن أركان الإسلام.
روي أبو حمزة الثمالي عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: بين الإسلام على خمس دعائم: إقام الصلاة، وإتياء الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج بيت الله الحرام، والولاية لنا أهل البيت
الإسلام بناء يتركز على قاعدة الإيمان بالله وتوحيده….
وينبثق عن هذه القاعدة مجموعة مكوّنات عقيدية تشكّل أسساً هامة لهذا البناء وفق هذه القاعدة وهذه الأسس يرتسى الهيكل الكبير للبناء الإسلامي….
ويحتضن هذا البناء عدة أركان ودعائم لا يمكن للاسلام أن يحتفظ ببقائه ووجوده من دونها… وهذه الاركان والدعائم
– حسب ما جاء حديث الإمام الباقر (ع) هي:
الركن الأول أو الدعامة الأولى:
إقام الصّلاة:
وسأترك للرويات و النصوص أن تتحدث عن الصلاة….
• عن النبي صلى الله عليه وأله: ((من ترك الصلاة متعمداً فقد كفر)
– ترك الصلاة له صورتان:
أ- الترك الذي يختزن الإنكار للصلاة وهذا يشكل كفراً.
ب- الترك الناشىْ عن التمرد والعصيان وهذا يعد كبيرة من أعظم الكبائر التي يستحق صاحبها النار.
• وعن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال:جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله أوصني، فقال صلى الله عليه وآله: لا تدع الصلاة متعماداً فإنَّ من تركها متعمداً فقد برئت منه ملة الإسلام
• وقد توّعد الله عز وجل تارك الصلاة بأشد العذاب جاء في سورة المدثر قوله تعالى: ((كل نفس بما كسبت رَهِينةٌ إلاَّ أصحابَ اليمين في جناتٍ يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر، قالوا لم نكُ من المصلين، ولم نكُ نطعم المسكين، وكنّا نخوض مع الخائضين، وكنّا نكذّبُ بيوم الدين))
• وجاء في أحاديث المعصومين (ع):
(من تهاون بالصلوات الخمس عاقبه الله تعالى بخمس عشرة خصلة:
ثلاث في الدنيا: فيرفع البركة من رزقه، ومن عمره، وسيماء الصالحين من وجه….
وثلاث عند الموت: فيموت جائعا، وعطشاناً وذليلاُ:
وثلاث في القبر: فضيق القبر حتى تدخل أضلاعه بعضها في بعض، ويسلّط عليه الحيات والعقارب، ويفتح له باب من النار…
وثلاث في المحشر: فيخرج من قبره مسود الوجه، ومكتوب في جبهته هذا أيس من رحمة الله، ويعطي الكتاب من وراء ظهره…
وثلاث عند لقاء الله: فلا يكلّمه الله ولا ينظر اليه يوم القيامة، ولا يزكيه، وله عذاب اليم، كما قال تعالى: فخَلفَ من بعدهم خَلفٌ أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً
• الركن الثاني أو الدعامة الثانية:
إيتاء الزكاة….
وهنا تتحدد المسؤولية المالية للإنسان المسلم في رعاية الفقراء والبؤساء والمحرومين، وفي دعم جميع سبل الخير، وتنشيط الأعمال والممارسات والفعّاليات الاسلامية….
وتتحدد هذه المسؤولية المالية من خلال:
أ- الزكاة المفروضة.
ب- الخمس الواجب.
ج- الصدقات المستحبة.
د – جميع أنواع المساهمات الخيرية.
وقد أكّدت النصوص والروايات على هذه المسؤولية المالية:
• عن الإمام الباقر عليه السلام: (إنّ الله قرن الزكاة بالصلاة فقال اقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) فمن أقام الصلاة ولم يؤتِ الزكاة فكأنه لم يقيم الصلاة)
• وعن الامام الصادق عليه السلام: (من منع الزكاة سأل الرجعة عند الموت، وهو قول الله تعالى (ربَّ ارجعونِِ لعليّ أعمل صالحاً فيما تركت) فيرفض طلبة)
• وعنه عليه السلام: (من منع قيراطاً من الزكاة فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياُ))
وأما الخمس فقد ورد في تأكيده مجموعة نصوص
• قوله تعالى: (وأعلموا أنما غنمتم من شيْ فأنّ لله خمس وللرسولِ ولذ القربى واليتامى والمساكين وأبن السبيل إن كنتم آمنتم بالله)
• وعن الامام الصادق عليه السلام: (إنّ الله لا إله الا هو حيث حرّم علينا الصدقة ابدلنا بها الخمس، فالصدقة علينا حرام، والخمس لنا فريضة والكرامة لنا حلال)
• وعنه عليه السلام: (لا يعذر عبد اشترى من الخمس شيئا أن يقول ك يا رب إشريته بمالي، حتى يأذن له أهل الخمس)
• وعن الإمام الباقر (ع: ((من اشترى من الخمس شيئا لم يعذره الله، اشترى ما لا يحل له)
• وقد شددت بعض الروايات في وجوب إخراج الخمس حتى أنّها اعتبرت من استحل منه شيئ، وتصرف فيه تصرفه في أمواله ملعونا وهو من خصماء أهل البيت وظالماً لهم (ذكر ذلك الصدوق في اكمال الدين)
وفي خارج دائرة الزكاة والخمس وردت نصوص كثيرة تؤكد مسؤولية ((التكافل العام))
• عن الإمام الباقر عليه السلام قال: ((لأن أعول أهل بيت من المسلمين أسدُّ جوعتَهم وأكسو عورتهم، وأكفُّ وجوههم عن الناس أحب اليَّ من أن أحج حجةً وحجةً ومثلَها حتى بلغ السبعين) البحار ج 74
• وعن الامام الصادق (ع): (من كسا أخاه كسوة شتاءٍ أو صيفٍ كان حقاً على الله أن يكسوه من ثياب الجنةِ، وأن يهّونَ عليه سكرات الموت، وأن يوسع عليه في قبرة، وأن يلقى الملائكة اذا خرج من قبره بالبشرى)) البحار ج 74
• وقال الإمام الصادق عليه السلام: (من قضى لأخيه المؤمن حاجة قضى الله تعالى له يوم القيامة وآله ألف حاجة من ذلك أولها الجنة، ومن ذلك أن يدخل قرابته ومعارفه وإخوانه الجنة)) البحار ج 74
• وعن رسول الله صلى الله عليه وأله: (ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره المسلم جائع))
• وعنه صلى الله عليه والله: (ليس من المؤمنين الذي يشبع وجاره جايع إلى جنبه)
• وجاء في الحديث: (من كان عنده فضل ثوب وعلم أنّ بحضرتهِ مؤمن يحتاج اليه، ولم يدفعه إليه اكبه الله في النار على منخريه))
• وورد عن المعصومين (ع): أيّما مؤمن منع مؤمنا شيئاً يحتاج أقامه الله يوم القيامة مسوداً وجهُهُ مزرقة عيناه، مغلولة يده إلى عنقه، ويقال هذا الذي خان الله ورسوله ثم يؤمر به إلى النار
الركن الثالث أو الدعامة الثالثة:
صوم شهر رمضان…
وقد أكدّت الآيات والروايات على أهمية صيام شهر رمضان، وما لهذا الوصم من عطاءات إيمانية وروحية، وثقافية، وأخلاقية واجتماعية… وما لشهر رمضان من دور كبير في صياغة الإنسان المؤمن، وبناء شخصيته بناءً ربانياً متكاملاً، البناء الإسلامي، وواحدا ً من أهم دعائم الهيكل الايماني… وقدتنا ولنا الكثير من جوانب الصيام ضمن محاضرات الشهر الكريم.
الركن الرابع او الدعامة الرابعة:
حج بيت الله الحرام…
قال الله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من أستطاع إليه سبيلاُ ومن كفر فإنّ الله غني عن العالمين)
متى يجب الحج على الانسان ؟
يجب عليه الحج اذا توفرت فيه الشروط التالية:
1- البلوغ 2-العقل
3- الحرية 4-الاستطاعة
ما هي عناصر الاستطاعة ؟
يكون الانسان مستطيعا للحج اذا توفرت لديه العناصر التالية:
1- الإمكانية المالية بمعنى أن تكون لديه قدرة مالية تمكنه من تغطية نفقات السفر الى الحج ذهاباُ وإياباً بكل ما يتطلبه الحج من تكاليف ومصروفات لازمة.
2- الأمن والسلامة على نفسه وماله وعرضه في الطريق وعند ممارسة أعمال الحج.
3- التمكن بعد الرجوع من الحج من استئناف الوضع المعيشي بشكل طبيعي بدون الوقوع في حرج.
4- عدم المزاحم المقدّم شرعاً على الحجج ومن أمثلة ذلك:
أ- اخراج الحقوق الشرعية مقدم على الحج.
ب- أداء الدين الحال المطالب بأدائه.
ج- أن يكون لديه مريض لو تركه وسافر للحج لمات.
5- الإمكانية البدنية ( صحة البدن وقوته).
6- السعة في الوقت.
فمتى توفرت هذه الشروط وجب على الإنسان أن يحج في العمرة مرة واحدة، وتسمى ((حجة الاسلام)) وبعد اداء حجة اسلام الواجبة يكون الحج مستحباُ في كل عام.
وبالمناسبة فإننا نتحفظ على نظام الكون الذي وافقت عليه البحرين والذي لا يسمح للانسان بالحج الاّ مرة واحدة في خمس سنوات، فإن عدد حجاج البحرين ليس بالعدد الذي يفرض اتخاذ مثل هذا الاجراء، واذا قدر لهذا النظام أن يطبق فإنه سوف يؤدي الى تدني عدد الحجاج الى مستوى منخفض جداً، ثم أنّ الالتزام بهذا النظام في بلد صغير جداً كالبحرين له السلبية والكبيرة على أداء الحملات، وربما نضطر الكثير من هذه الحملات الى التوقف لانخفاض أعداد الحجاج، خاصة في ظل ظروف وشروط مشددة على هذه الحملات…
لذلك فإننا نطالب وزارة الشئون الاسلامية بإعادة النظر في قبولها لهذا النظام، خاصة وأنّه لم يفرض حتى الآن في أي دولة خليجية أخرى.
نعود للحديث عن وجوب الحج.. فمتى ما توفرت الشروط وجبت المبادرة الى الحج في سنة الاستطاعة ولا يجوز التأخير والتسويف… ويعتبر ذلك من المعاصي الكبيرة.
• عن الإمام الصادق عليه السلام: من سوّفً الحج حتى يموت بعثه الله يوم القيامة يهوديا أو نصرانياُ
• وعنه عليه السلام قال: من مات ولم يحج حجة الاسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به أو مرض لا يطيق فيه الحج أو سلطانه يمنعه فليمت يهودياُ أو نصرانياً
• وعن اسحاق بن عمار قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل له مال ولم يحج قط، قال عليه السلام: هو ممن قال الله تعالى: (ونحشره يوم القيامة أعمى) قال: قلت: سبحان الله أعمى! قال عليه السلام: انّ الله قد أعماه عن طريق الحق…
• وعن محمد بن فضيل قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قوله الله تعالى: (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاُ) فقال عليه السلام: نزل فيمن سوّفَ الحج جدة الاسلام وعنده ما يحج به فقال العام احج العام أحج حتى يموت قبل أن يحج.
• وعن زيد الشحام قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: التاجر يوسف نفسه الحج قال (ع) ليس له عذر وان مات فقد ترك شريعة شرائع الاسلام.
الركن الخامس أو الدعامة الخامسة:
الولاية لأهل البيت عليهم السلام…
وهذا هو الركن الأعظم والدعامة الكبرى، والولاية الثابتة لأهل البيت عليهم السلام لها ثلاثة أبعاد:
البعد الأول:
الولاية الروحية:
وتعني وجوب محبتهم ومودتهم…
قال الله تعالى في سورة الشورى – الآية 23: قل لا أسألكم عليه أجراً الاّ المودة في القربى أكدّت أغلب كتب التفسير وكثير من مصادر الحديث والسيرة والتاريخ أنَّ هذه الآية نزلت في قربى الرسول صلى الله عليه واله: علي والزهراء والحسن والحسين وذريتهم الطاهرين.
• وعن أبن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: لا تزول قدماً عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسده فيما أبلاه، وعن ماله فيما أنفقه ومن أين أكتسبه، وعن محبتنا أهل البيت
• وقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: من أحبني وأحب هذين (يعني الحسن والحسين) وأباهما وأمهما كان في درجتي يوم القيامة ذكر هذا الحديث الامام أحمد بن حبل في مسنده (1 /77)
• وقال رسول الله صلى الله عليه واله: فلو أنّ رجلاً صفن بين الركن والمقام فصلى وصام ثم مات وهو مبغض لأهل بيت محمد دخل النار قال الحاكم: هذا حديث حين صحيح على شرط مسلم ولم يخرجه.
• وعن عمار بن ياسر عن رسول الله صلى الله عليه واله: اوصى من آمن وصدقني بولاية علي بن أبي طالب فمن تولاه فقد تولاني، ومن تولاّني فقد توّلى الله. ومن احبه فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله
• وعن أبن عباس قال: قال رسول الله صلى عليه وأله: من سره أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنة عدن غرسها ربي عز وجل فليوالِ علياً من بعدي، وليوالِ وليهِ، وليقيد بالائمة من بعدي فإنّهم عترتي، خلقوا من طينتي، رزقوا فهماً وعلماَ وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي
– البعد الثانية:
الولاية الفكرية والفقهية…
وهي تعني مرجعية اهل البيت في شئون الفكر والفقه والشريعة…
ويؤكد هذه الولاية والمرجعية عدد كبير من النصوص من أبرز هذه النصوص:
(حديث الثقلين المتواتر بين المسلمين)
فقد جاء عن النبي صلى الله علية وأله قوله: أنيّ تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، وانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض وقد دوّنت هذا الحديث كتب الحديث والتفسير والتاريخ والسير والتراجم واللغة…
وقامت دار التقريب بين المذاهب الاسلامية في مصر بإصدار رسالة ألفّها بعض أعضائها باسم حديث الثقلين وقد استوفى فيها مؤلفها ما وقف عليه من أسانيد الحديث في الكتب المعتمدة لدى أهل السنه (يقرأ: أهم المصادر التي دونت هذا الحديث:
أ- صحيح مسلم (4: 1873/ 2408)
ب- صحيح الترمذي (5: 662)
ج- المستدرك على الصحيحين ( 3: 193)
هـ – جامع الأصول لأبن الأثير (1: 278)
البعد الثالث:
الولاية السّياسية:
وتعني كون الأئمة من أهل البيت (ع) هم أصحاب الحق في الخلافة وقيادة الأمة، حسب ما أكدت ذلك نصوص كثيرة صريحة وواضحة…
ومن أهم هذه النصوص حديث الغدير: المعروف وقد صرح بتواتر هذا الحديث عدد من علماء أهل السنة كالسيوطي والقسطلاني وشمس الدين الشافعي وآخرون…
اللهم انّا نسألك إيمانا تباشر به قلوبنا ويقيناً حتى نعلم أن لن يصيبنا الاّ ما كتب لنا…
اللهم ثبت قلوبنا على دينك ما أحييتنا…
اللهم أمتنا على حب آل محمد صلى الله عليه وأله وآخر دعوانا أن الحمد الله ربِّ العالمين …