حديث الجمعة 20: كيفَ نحافظُ عَلَى عَطاءاتِ الشَّهرِ الفَضِيل؟
حديث الجمعة 20 | 14 شوال 1423 هـ | 19 ديسمبر 2002 م | المكان: مسجد الإمام الصادق (ع) | القفول - البحرين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على سيد الأنبياء والمرسلين وآله الهداة الميامين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
مضى الشهر المبارك، شهر الله، وشهر المغفرة والرحمة والتوبة.
وهنا وقفة: وقفة تساءل ومحاسبة، أين يضع أحدنا نفسه ؟
أفي قائمة الفائزين الرابحين، الذين عاشوا الشهر عبادةً، وطاعةً، وهدياً، وصلاحاً، وروحانيةً، عاشوا الشهر مع الله، مع الصلاة، مع الذكر، مع القرآن، مع الحب والخوف والرجاء والحياء، عاشوا الشهر عملاً، وحركةً، ونشاطاً، وفاعليةً، وعطاءً، وبذلاً، وتضحية، وإيثاراً، وعطفاً، ورحمةً، هؤلاء أعدّ الله لهم {جناتٍ تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله}، هؤلاء في {مقام أمين في جناتٍ وعيون}، هؤلاء {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون}
أين يضع أحدنا نفسه ؟
أفي قائمة المقصّرين المغبونين، الذين عاشوا الشهر كسلاً، واسترخاء، وركوداً، ونوماً، وفراغاً، وتفريطاً، وإهمالاً، وغفلة، فكان رصيدهم من الربح قليلاً، ومغنمهم من عطاء الله ضئيلا، ومكسبهم من الطاعات والحسنات نزراً يسيراً، فحري بهؤلاء أن يقول أحدهم: {يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله}، وأيّ تفريط أكبر من أن ينقضي هذا الشهر العظيم، شهر التجارة الرابحة مع الله، ولا يكون نصيبنا من الربح إلاّ قليلاً، وأيّ تفريط أكبر من أن ينقضي هذا الشهر العظيم، شهر الطاعة والعبادة والانابة، ولا يكون نصيبنا إلاّ الخمول والكسل والاسترخاء.
أين يضع أحدنا نفسه ؟
أفي قائمة الأشقياء المحرومين، الذين عاشوا الشهر جموداً، وعصياناً، ولهواً، وعبثاً، وانحرافا، وطغياناً، وظلماً، عاشوا الشهر مع الشيطان، مع المنكر، مع الهوى، مع المعصية، مع التيه، مع الفسق، مع الفساد، عاشوا الشهر غافلين، سادرين، عابثين، طائشين، متمردين، هؤلاء هم الحمقى المغرورون، وأيّ حماقةٍ أكبر من الخسارة والإفلاس والحرمان في شهر الرحمة والفيض والعطاء والرضوان، وأيّ غرور أكبر من الجمود، والتمرد، والعصيان في شهر التوبة، والانابة، والغفران.
• جاء في الحديث: ((الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر)).
وهكذا تتعدد القوائم:
• قائمة الفائزين الرابحين.
• وقائمة المقصرين الغافلين.
• وقائمة الأشقياء المحرومين.
وتبقى (أبواب الله) مفتوحة ..
صحيح أنّ شهر رمضان هو “الموسم الأكبر” للتعامل مع الله تعالى، إلاّ أنّ الله لا يغلق أبوابه في كل الأوقات والأزمان، ومهما شطّ الإنسان، وتمرّد، وطغى، ولجّ في المعاصي والذنوب والمنكرات فإنّ النداء الحاني من الرب العطوف يبقى يلامس القلوب {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم}، ويبقى خطاب الربّ الرحيم يبعث الأمل في النفوس {وإنيّ لغفّار لمن تاب وءامن وعمل عملاً صالحاً ثم اهتدى}، {ورحمتي وسعت كل شيء ….}.
فحذار حذار أن يكون الإنسان من القانطين اليائسين {ومن يقنط منّ رحمة ربّه إلاّ الضّالّون}، {ولا تايئسوا من روح الله إنهّ لا يايئس من روح الله إلاّ القوم الكافرون}، {أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم}، وحذار حذار من الأمن من مكر اللهّ {أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلاّ القوم الخاسرون}، وحذار حذار من استدراج الله {والّذين كذّبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}، فالمؤمنون يعيشون “الخوف والرجاء” {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً}، وجاء في الحديث: ((لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون خائفاً راجياً، ولا يكون خائفاً راجياً حتى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو)).
أيهّا الأحبة في الله ..
ماذا بعد شهر رمضان ؟
وكيف نحافظ على عطاءات هذا الشهر العظيم ؟
شهر رمضان له عطاءاته الكبيرة الكبيرة، العطاءات الروحية، العطاءات الأخلاقية، العطاءات الثقافية، العطاءات السلوكية، العطاءات الاجتماعية، وغيرها من العطاءات.
طائفة من الصائمين تتلاشى تلك العطاءات من حياتهم بانتهاء شهر رمضان.
هؤلاء عاشوا ارتباطا مؤقتاً مع الله تعالى، مع العبادة، مع الطاعة، مع الالتزام.
جاء في الحديث: ((سيأتي زمان على أمتي لا يعرفون العلماء إلاّ بثوب حسن، ولا يعرفون القرآن إلاّ بصوت حسن، ولا يعبدون الله إلاّ في شهر رمضان فإن كان كذلك سلّط الله عليهم سلطاناً لا علم له ولا حلم له، ولا رحمة له)).
وطائفة ثانية من الصائمين يصابون بالفتور والركود في نشاطهم العبادي، وفي ممارساتهم الروحية بعد انتهاء الشهر، فينخفض عندهم مستوى المواظبة على الصلاة الواجبة، ومستوى الاهتمام بالنوافل، ومستوى حضور المساجد، وينخفض عندهم مستوى التعاطي مع الدعاء، والذكر، وتلاوة القرآن، وتنخفض عندهم حالة الاهتمامات الدينية، وتنخفض عندهم أعمال الخير والبر والإحسان، وتنخفض عندهم النشاطات والفعّاليات.
وطائفة ثالثة من الصائمين هم الذين يمثّل عندهم شهر رمضان موسماً حقيقياً للتزود والتعبأ بالطاقات الإيمانية والروحية، ومحطة شحن تملؤهم بوقود الحركة والفاعلية والنشاط، هؤلاء يبقى “الوهج الروحي” في حياتهم مستمراً، ولا ينتهي بانتهاء الشهر، ولا يصاب بالركود والخمود، والضعف والاسترخاء، هؤلاء يبقى العطاء الأخلاقي، والسلوكي، والثقافي متحركاً معهم لا يعرف الخواء والضمور، هؤلاء تبقى طاقاتهم الفكرية والنفسية والعملية فاعلةً هادفةً منتجة.
وقد يسأل البعض:
كيف نحافظ على هذا الوهج الروحي، وهذه العطاءات والطاقات بعد شهر رمضان؟
لكي نحافظ على الوهج الروحي، ولكي نحافظ على عطاءات هذا الشهر نحتاج إلى نوعين من العوامل:
النوع الأول:
العوامل الذاتية ..
وتتمثل هذه العوامل الذاتية في الأمور التالية:
1. المحافظة على الطهارة الداخلية “طهارة القلب”.
2. المحافظة على طهارة البطن”تجنب الأكل الحرام”.
3. المحافظة على وسائل “التنشيط الروحي”.
• الإكثار من ذكر الله تعالى.
• البكاء من خشية الله.
• تذكر الموت والقبر والحساب.
• المراقبة والمحاسبة. ((ليس منا من لم يحاسب نفسه في اليوم والليلة مرة واحدة ..))، ((حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا)).
النوع الثاني:
العوامل الخارجية ..
وتتمثل في الأمور التالية:
1. المواظبة على مجالس الصالحين.
2. المواظبة على مجالس الوعظ.
• جاء أحد العصاة إلى أحد الأئمة عليهم السلام وطلب منه أن يعظه فقال له ((إعمل خمساً واعص الله ما شئت: أخرج من ملك الله واعص الله ما شئت، لا تأكل من رزق الله واعص الله ما شئت، ابحث عن مكان لا يراك فيه واعص الله ما شئت، إذا جاءك ملك الموت لقبض روحك فادفعه عن نفسك واعص الله ما شئت، إذا جاءك الملكان الموكلان ليأخذاك إلى النار، فلا تطعهما، واعص الله ما شئت)) .
3. المواظبة على دروس الأخلاق.
4. المواظبة على حضور المساجد.
5. المواظبة على زيارة القبور. ((زوروا القبور فإنّها تذكركم الآخرة)).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..