في ذكرى الإمامة الخاتمة
في ذكرى الإمامة الخاتمة
الحمد للّه ربَّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على سيدنا ونبينا وحبيبنا وقائدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين ..
السَّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته …
قالها رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كلمة صريحة واضحة وضوح النهار «الأئمة من بعدي إثنا عشر» ولم تكن هذه الحكمةُ الصريحةُ الواضحةُ مقولةً دّونتها مصادر الشيعة فقط، لتكون الشيعة متهمين وإنمّا دوّنتها أهم مصادر الحديث عند المسلمين جميعاً، دوّنتها كتب الصحاح والسنن والمسانيد، صحيح البخاري، صحيح مسلم، سنن ابن داود، سنن الترمذي، سنن ابن ماجه، مسند أحمد وغيرها…
ربمّا تعددت الالفاظ والصياغات، إلاّ أنهّا جميعاً تؤكد ضرورة وجود «نخبةٍ متميزةٍ» بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله، وأهم ما يميز هذه النخبة :
أ – محدودة بالعدد (21).
ب- منظومة منفردة في خصائصها ومؤهلاتها على كل المستويات الايمانية والروحية والنفسية والفكرية والعلمية والقيادية.
ج- هـذه النخبة تمـثـــل الضمانة لبقاء الدين وديمومته واستمراره، والسّياج لحماية الشريعة وقيمها …
فمن تكون هذه النخبة ؟
أترون أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله تحدث عن نخبة متمّيزة تأتي بعده، ومنحها مجموعة خصائص ومؤهلات وصلاحيات، ثمَّ لا يكون قد صدّدها للأمة ؟
من المؤسف جداً أن يكون هناك جدل بين المسلمين في تحديد هذه النخبة المتميزة رغم الوضوح، وأعتقد أنَّ أهدافاً سياسية ومذهبية خلقت هذا الجدل من أجل إرباك الحقيقة ….
لا أريد هنا – ونحن في إحتفال لا يسمح لنا بالمعالجة العلمية – أن أتناول التفسيرات والتأويلات التي أحتشدت في كتب الحديث من أجل الوصول إلى معنى مقبول لهذه النصوص الثابتة التي تحدثت عن هذه «المنظومة المتميزة» والمتشكلة من العدد «21» ….
قمت بعملية بحث دؤوب في الكثير من مصادر الحديث السنية بكل شروحاتها لعلي أجد تفسيراً مقنعاً مقبولاً فلم أتوفق إلى ذلك، وما عثرت عليه هو مجموعة محاولات مرتبكة ومشوشة وواضحة التكلّف، فعلى من يرغب أن يطلعّ على هذه المحاولات فليقرأ كتابنا «التشيع نشؤوه مراحله مقوماته».
وكمثال لهذه التفسيرات المرتبكة أضع بين أيديكم هذين النموذجين :
النموذج الأول :
محاولة ابن العربي :
قال ابن العربي في شرح سنن الترمذي :
« فعددنا بعد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) إثني عشر أميراً فوجدنا : أبا بكر وعمر وعثمان وعليّ، الحسن، معاوية، يزيد، معاوية بن يزيد، مروان، عبدالملك بن مروان، الوليد، سليمان، عمر بن عبدالعزيز، يزيد بن عبدالملك، مروان بن محمد بن مروان، السفاح … » ثمّ عدّ سبعاً وعشرين خليفة من العباسيين إلى عصره، ثم قال :
« وإذا عددنا منهم إثني عشر أنتهى العدد بالصورة إلى سليمان، وإذا عددناهم بالمعنى كان معنامنهم خمسة : الخلفاء الأربعة وعمر بن عبدالعزيز، ولم أعلم للحديث معنى»
النموذج الثاني :
محاولة جلال الدين السيوطي :
قال السيوطي في تاريخ الخلفاء :
« وقد وجد من الأثني عشر : الخلفاء الأربعة، والحسن، ومعاوية، وأبن الزبير، وعمر بن عبدالعزيز هؤلاء ثمانية، ويحتمل أن يضم إليهم المهتدي من العباسيين لأنه فيهم كعمر بن عبدالعزيز في بني أمية، وكذلك الطاهر لما أوتيه من العدل، وبقي الأثنان المنتظران أحدهما المهدي لأنه من آل بيت محمد (صلى اللّه عليه وآل وسلم) …
لا أدري لماذا هذا الإصرار على هذه المتاهات، والتفسير واضح لا يحتاج إلى هذه الالتواءات والإرتباكات، فإذا أردنا أن نكون منصفين فلن نجد تفسيراً مقبولاً لهذا العدد إلاّ في «الأئمة الأثني عشر» من أهل البيت عليهم السَّلام، وقد صّرح رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله بذلك روى الحمويني الشافعي في فرائد السمطين أنهّ صلى اللّه عليه وآله قال : «إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج اللّه على الخلق بعدي إثنا عشر أولهم أخي وأخرهم ولدي …
قيل يا رسول اللّه : ومن أخوك ؟
قال : «علي بن أبي طالب».
قيل : فمن ولدك.
قال : «المهدي الذي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، والذي بعثني بالحق نبياً لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهديّ، فينزل عيسى بن مريم فيصلي خلفه، وتشرق الأرض بنوره، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب».
فآخر القائمة في هذه السلسلة المباركة الطاهرة هو «الإمام المهدي من آل محمد صلى اللّه عليه وآله».
متى بدأت إمامته عليه السَّلام ؟
بدأت إمامته بعد وفاة إبيه الإمام الحسن العسكري عليه السَّلام في الثامن من شهر ربيع الأول سنة مائتين وستين للهجرة … أي في مثل هذا اليوم ومن الضروري أن نعطي لهذا اليوم إهتماماً يتناسب مع قيمته الكبيرة جداً، وإنيّ أثمّن لكم هذه البادرة الواعية والصادقة في الإحتفال بهذا اليوم ………
في حياة الإمام المهديّ عليه السَّلام ثلاثة أيام هامة جداً …
* يوم ولادته عليه السَّلام.
* ويوم إمامته عليه السَّلام.
* ويوم ظهوره وقيامه عليه السَّلام ……
وقد إعتدنا أن نحتفل بيوم الولادة، كما هي عادتنا في الإحتفال بولادة النبي الأعظم صلى اللّه عليه وآله وسلم، وولادات الأئمة الاطهار عليهم السلام، كما نحتفل بذكريات الوفاة …
إنَّ يوم ولادته أرواحنا فداه يحمل قيمة كبيرةً جداً، فهو يوم جدير أن نحتفل به، إلاَّ أنَّ يوم إمامته عليه السَّلام يحمل من القيمة ما هو أكبر فلماذا لا نحتفل بيوم إمامته ؟ إذا كان يوم الغدير هو يوم التأسيس لخط الإمامة، فإنَّ يوم الإمامة في حياة الإمام المنتظر عليه السلام هو «يوم الإمامة الخاتمة» فيجب أن يكون لهذا اليوم خصوصيته في حياتنا، ويجب أن يكون لهذا اليوم أهميته في توجهاتنا، إننا في حاجة أن لفطي للإمام المنتظر حضوره في كل واقعنا، خاصة والعالم يشهد إرهاصات ربما تشكل إرهاصات الظهور وإن يكون الأمر في ذلك متروك لعلم اللّه تعالى ….. فلا يعلم بوقت الظهور إلاّ اللّه تعالى … والإمام أرواحنا فداه ينتظر أمر اللّه، فإذا شاءت إرادة اللّه وحان الوقت المعلوم جاء الأمر إليه عجل اللّه فرجه أن يخرج ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وقد جاء في الروايات النهي عن التوقيت، نعم للظهور علامات عامة وهي لا تعبر عن قرب الظهور، وعلامات خاصة إذا حدثت فقد قرب الظهور ….. المهم في هذه الظروف المشحونة بالمتغيرات والمفاجآت يجب أن نعيش الاستنفار في علاقتنا بالإمام المنتظر ….
أيهّا الأحبة :
إننا نعيش في ظل هذه «الإمامة الخاتمة» وفي المرحلة الثانية من مراحلها، وكما تعلمون أن حركة الإمام المنتظر قدّرلها أن تمر عبر ثلاث مراحل :
المرحلة الأولى : مرحلة الغيبة الصغرى.
بدأت هذه المرحلة سنة (552 هـ) أو (062 هـ) وأنتهت سنة (823 هـ) أو (923هـ) وفي هذه المرحلة كان الإمام المهدي يمارس دوره من خلال (نظام السفراء) الذين كانوا يشكلون حلقة الوصل بين الإمام عليه السلام وقواعده المؤمنة .. وتوّلى مهمة السفارة في هذه المرحلة أربعة سفراء هم :
(1) عثمان بن سعيد العمري :
مدة سفارته من سنة (062 هـ) حتى سنة (562 هـ)
(2) محمد بن عثمان بن سعيد العمري :
مدة سفارته من سنة (562 هـ) حتى سنة (503 هـ)
(3) الحسين بن روح النونجتي :
مدة سفارته من سنة (503 هـ) حتى سنة (623 هـ)
(4) علي بن محمد السمري :
مدة سفارته من سنة (623 هـ) حتى سنة (923هـ)
قد تتساءلون ما هي الضرورة وجود هذه الغيبة الصغرى ؟
لعل هناك هدفين أساسيين لهذه المرحلة :
الهدف الأول :
تهيئة القواعد المؤمنة إلى مرحلة الغيبة الكبرى، حتى لا تشكل هذه الغيبة صدقة صعبة للشيعة المنتمين إلى خط الإمامة …
الهدف الثاني :
تدريب القواعد المؤمنة على فكرة «النيابة» وهي في هذه المرحلة (نيابة خاصة) وسوف في المرحلة الثانية إلى (نيابة عامة) ..
وبوفاة السفير الرابع (علي بن محمد السمري) سنة (923هـ) أنتهت مرحلة الغيبة الصغرى، وأنتهت مرحلة النيابة الخاصة ومرحلة السفارة … فمن أدعى النيابة الخاصة أو السفارة عن الإمام المهديّ بعد هذا التاريخ فهو (كذاب مفتري) وقد حدد اللعن المغلط عليه من قبل الإمام المهدي أرواحنا فداه، وهذا من مسلمان المذهب ومن الإعتقادات القطعية التي لا خلاف فيه، فإذا ظهر جماعة يدعون (النيابة الخاصة) أو (السفارة) بعد إنتهاء مرحلة الغيبة الصغرى، فهم خارجون عن مسلّمات المذهب، وعن إعتقاداته القطعية، ومحكوم بضلالهم، ويجب على المؤمنين البراءة منهم ومقاطعتهم بعد اليأس من إصلاحهم وهدايتهم …
المرحلة الثانية :
مرحلة الغيبة الكبرى :
بدأت هذه المرحلة سنة (823 هـ) أو (سنة 923 هـ) ولا زالت قائمة حتى الآن إلى أن يأذن اللّه تعالى لقائم آل محمد صلى اللّه عليه وآله بالظهور، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً …
وفي هذه المرحلة يمارس الإمام المهدي دوره من خلال «النيابة العامة» حيث يتولى «الفقهاء المؤهلون» مهمة الإشراف على القواعد المؤمنة بتخويل عام صادر عن الإمام المهدي عجل اللّه فرجه الشريف ..
ويجب أن تتوفر (القيادة الفقهائية) في هذه المرحلة على الشروط التالية :
الشرط الأول : الكفاءة العلمية (إمتلاك درجة الفقاهة والإجتهاد)
الشرط الثاني : الكفاءة النفسية والسلوكية (إمتلاك مستوى عالٍ من العدالة)
الشرط الثالث : الكفاءة القيادية
وتتمثل هذه الكفاءة في عنصرين :
أ- الوعي القيادي.
ب- الممارسة القيادية القادرة على توجيه حركة الأمة على كل المستويات الروحية والثقافية والإجتماعية والسياسية …..
ما هي وظائف القيادة الفقهائية :
أهم الوظائف والصلاحيات المناطة بهذه القيادة في مرحلة الغيبة الكبرى :
(1) الإفتاء وبيان الأحكام الشرعية …
(2) القضاء
(3) الولاية على شؤون الأمة …..
وهنا خلاف بين الفقهاء في تحديد دائرة هذه الولاية.
المرحلة الثالثة :
مرحلة الظهور وقيام الدولة الإسلامية الكبرى وأهم خصائص دولة الإمام المهدي :
(1) العالمية :
ونعني بالعالمية :
أ- قيام الحكومة الإسلامية العالمية بقيادة الإمام المهدي المنتظر عليه السَّلام.
ب- إنتشار الإسلام في العالم.
وقد أكدت هذه الحقيقة عدة نصوص :
* قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وهو يتحدث عن دولة الإمام المهدي عليه السلام : (لا يكون ملك إلاَّ للإسلام).
* وقال أمير المؤمنين عليه السلام مشيراً إلى عصر الإمام المهدي عليه السَّلام : (حتى لا تبقى قرية إلاَّ ونودي فيها بشهادة أن لا إله إلاَّ اللّه وأنَّ محمداً (صلى اللّه عليه وآله) رسول اللّه بكرة وعشياً).
* وقال الإمام الصادق عليه السَّلام :
(إذا قام القائم المهدي لا تبقى أرض إلاَّ نودي فيها شهادة أن لا إله إلاَّ اللّه وأنَّ محمداً رسول اللّه).
(2) إنتشار العدل والأمن في الأرض
* قال صلى اللّه عليه وآله :
(فيبعث اللّه رجلاً من عترتي فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).
* وقال صلى اللّه عليه وآله :
(ابشروا بالمهدي فإنه يأتي في أخر الزمان على شدة وزلازل يسع اللّه له الأرض عدلاً وقسطاً).
* وقال صلى اللّه عليه وآله :
(المهدي من ولدي تكون له غيبة إذا ظهر يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً).
(3) الرخاء وظهور البركات والخيرات :
* قال صلى اللّه عليه وآله :
(ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه حتى تضيق عنهم الأرض الرحبه وحتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً لا يجد المؤمن ملجأ يلتجئ إليه من الظلم، فيبعث اللّه عزوجل رجلاً من عترتي فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض لا تدخر الأرض من بذرها شيئاً إلاَّ أخرجته ولا السماء من قطرها شيئاً إلاَّ حبه اللّه عليهم مدراراً يعيش فيهم سبع سنين أو ثمان أو تسع تتمنى الأحياء الأموات مما صنع اللّه عزوجل بأهل الأرض من خيره).
(4) تكامل العقول وإنتشار الثقافة والعلم :
* عن الإمام الصادق عليه السَّلام :
(وتؤتون الحكمة في زمانه «يعني الإمام المهدي» حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب اللّه تعالى وسنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله).
(5) التجسيد لسيرة الرسول صلى اللّه عليه وآله :
* عن الإمام الصادق قال ويتحدث عن الإمام المهدي :
(يصنع كما صنع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله يهدم ما كان قبله كما هدم رسول اللّه أمر الجاهلية وسيتأنف الإسلام جديداً).
* وعن الإمام الباقر عليه السلام :
( ثم يظهر المهدي بمكة عند العشاء ومعه راية رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله، وقميصه، وسيفه، وعلامات، ونور وبيان، فإذا صلى العشاء نادى بأعلى صوته : اذكركم اللّه أيها الناس ومقامكم بين يدي ربكم وقد أكد الحجة، وبعث الأنبياء، وأنزل الكتاب يأمركم أن لا تشركوا به شيئاً، وأن تحافظوا على طاعته وطاعهَ رسوله صلى اللّه عليه وآله وأن تحيوا ما أحيا القرآن وتميتوا ما أمات، وتكونوا أعواناً على الهدى، ووزراً على التقوى، فإن الدنيا قد دنا فناؤها وزوالها، وأذنت بالوداع، وإني أدعوكم إلى اللّه وإلى رسوله والعمل بكتابه، وإمانة الباطل، وإحياء السنة).
اللهم إنّا نرغب إليك في دولةٍ كريمةٍ تعّز بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والأخرة.
وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربِّ العالمين.