هموم المرأة المعاصرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى أهل بيته الهداة المعصومين .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
إنّ قيمة التعاطي مع هذه المناسبات الإسلامية هي بمقدار ما يملك هذا التعاطي من قدرة على “التواصل” مع حركة الواقع المعاصر , وحينما أقول “التواصل” لا أعني اللهث والانجرار والاستسلام لكل مفروضات هذا الواقع بكل ما تحمله من تفاهات وضلالات وانمساخات، البعض يحاول أن يفهم “المعاصرة” أو “العصرنة” بمقدار ما يتم “التواؤم” و”التجانس” مع حركة العصر، ولو بالانخلاع عن ضرورات ” الإنتماء” و”الهوية” و”الذات” .
كما يحاول البعض أن يخضع الإسلام إلى تفسيرات يسميها تفسيرات عصرية .
ففي الساحة الثقافية والإجتماعية والسّياسية المعاصرة تنشط محاولات جادة تزعم لنفسها أنّها تعيد قراءة الإسلام بعقلية معاصرة وبنظرة حداثية، متهمة القراءات الأخرى بأنّها قراءات ماضوية متخلفة.
إنّ المشروعات الثقافية المناهضة للإسلام اتخذت منحيين :
الأول : مصادمة الفكر الإسلامي بشكل مباشر أو تغييبه .
الثاني : إجهاض الفكر الإسلامي من داخله .
وفي سياق التغييب للفكر الإسلامي نقرأ هذا المقطع من دراسة لأحد الباحثين:
((في سنة 1989 صدر عن (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم) التابعة لجامعة الدول العربية ما أسمته (الخطة الشاملة للثقافة العربية) وقد تكونت لجنة متخصصة لإنجاز هذا العمل اختارها الوزراء العرب بأنفسهم وقد قامت اللجنة بتوجيه الدعوة إلى أكثر من ستمائة باحث ومفكر عربي لكي يشاركوا في وضع (استراتيجية الثقافة العربية) وليس بين هؤلاء مفكر مسلم واحد .. )) . [نقلاً عن الظفيري في دراسة له بعنوان : الأبعاد الخفيه لأختيار عواصم الثقافة العربية] .
ولعل بعض المحاولات المكثفة التي تتحرك في الساحة الثقافية لتسليط الأضواء على رموز فكرية معروفة أمثال “محمد أركون” و”علي حرب” و”حسن حنفي” و”الجابري”و”عبد الكريم سروش” هي تصب في إتجاه المنحى الثاني .
قلت قبل قليل أنّ الملتقى الذي ضم أكثر من ستمائه باحث ومفكر، لم يشارك فيه عالم مسلم واحد, نعم حينما تناول الملتقى موضوع ” الفكر الإسلامي ” تحدث باسم الإسلام إثنان من الباحثين هما :
أ. الدكتور محمد أركون وله كتابات في الطعن في القرآن .
ب. الدكتور حسن حنفي والذي اكتشف بعد دراسات معمقة أنّ القرآن الكريم كان علمانياً قبل أن يحوّله المسلمون إلى الوجهة الديني .
وهكذا يتضح لنا حجم المؤامرة على الإسلام في داخل المشروعات الثقافية العربية .
ويبدو أنّ المشروع الثقافي المناهض للإسلام إكتشف أنّ الصياغات الصدامية المباشرة قد أصبحت عاجزة عن أن تحقق أهداف المشروع، ولذلك وجد نفسه في حاجة إلى صياغات أخرى تحمل الصبغة الإسلامية” ولكنها تعمل على إجهاض الإسلام من الداخل .
فالمشروع المناهض للإسلام في هذه المرحلة يتحرك في عدة مسارات، ومن خلال عدة صياغات :
الصياغات العلمانية المكشوفة .
الصياغات العلمانية المبطّنة .
الصياغات التخديرية والتمييعية التي تعتمد “الإجهاض الأخلاقي” أداة لتحقيق أهداف المشروع .
وهنا يتضح لنا ما نعنيه من ضرورة أن نملك القدرة على “التواصل” مع حركة الواقع المعاصر، وأن نعطي لاحتفالاتنا بهذه المناسبات الإسلامية “حضورها الفاعل” في صياغة حركة الواقع المعاصر في اتجاه الأصالة الإيمانية، والإنتماء الإسلامي .
أمّا إذا تحوّلت هذه الإحتفالات إلى “غيبوبة” في التاريخ، وإلى “استرخاء” في أحضان الماضي، وإلى “تهويمات عاطفية” غير واعية، فإنّنا بذلك نكون قد صادرنا قيمة الذكرى، وجمّدنا دورها الفاعل في حركة الواقع الثقافي والإجتماعي والسّياسي .
وانطلاقا من هذا الفهم، نحاول – ومن خلال ذكرى السيدة الحوراء زينب(ع) – أن ننفتح على بعض هموم المرأة المعاصرة .
وحينما نتحدث عن “هموم المرأة” لا نريد أن نغفل “هموم الساحة” الأخرى، فالهموم متداخلة متمازجة، إلاّ أنّ الواقع الجديد في هذا البلد، وبما يحمله من “متغيراتٍ” أنتج مجموعة “إشكالاتٍ” و”تساؤلاتٍ” حول “شؤون المرأة”، مما أوجد إرباكاتٍ صعبةً في الرؤية والفهم .
وقد حاصرت المرأة في هذه الساحة عدة اتجاهات تمركزت في :
(1)إتجاهات التغريب الثقافي .
(2)إتجاهات التغريب الأخلاقي .
(3)إتجاهات التجميد والتجهيل .
وفي زحمة هذه الحصارات الصعبة، يجب على المرأة المسلمة أن تتعرف بوضوح على “خيارها الإيماني الأصيل”، لكي لا تبقى تعيش “الغبش” في الرؤية وفي الموقف، ولكي لا تبقى تعيش “التجاذبات” المشبوهة هنا وهناك .
ومن أجل أن تتوفر المرأة على هذا الوضوح في التعرف على الخيار الأصيل يجب عليها أن تملك “البصيرة الإسلامية” في تحديد الموقف، وفي الإجابة عن كل التساؤلات والإشكالات،إنّ ما تحاول أن تفرضه الاتجاهات الأخرى المناهضة هو إخضاع المرأة لمجموعة رؤى وتصورات غير إسلامية .
ربّما تطرح تلك الاتجاهات عناوين كبيرة، ولكن المسألة ليست هي العناوين، المسألة كيف يجب أن تتعاطى المرأة مع تلك العناوين ؟
إنّهم يقولون : إننا نريد النهوض بواقع المرأة الثقافي والإجتماعي والسّياسي .
هذا عنوان جميل جداً، لا نختلف عليه، ولكن السؤال المطروح : كيف يجب أن نفهم النهوض، وما هو المنهج الذي يجب أن يعتمده هذا النهوض ؟
وهنا سنجد فهمين : الفهم الإسلامي، والفهم الآخر .
وهنا سنجد منهجين : المنهج الإسلامي، والمنهج الآخر .
إننا لا نرفض أن تتحرك مشروعات النهوض بواقع المرأة، ولكننا نرفض أن تنطلق هذه المشروعات من فهم لا ينسجم مع فهم الإسلام، وأن تعتمد منهجاً لا ينسجم مع منهج الإسلام .
ولكي نكون أكثر وضوحاً نحاول أن نطرح التساؤلات التالية :
التساؤل الأول : هل أنّ الدعوة إلى العفة والستر والحجاب جزء من مشروع النهوض بالمرأة ؟
في المنظور الإسلامي، هذه الدعوة تشكّل مفصلاً هاماً من مفاصل المشروع النهضوي .
في المنظور الآخر، هذه الدعوة تشكّل أحد معوّقات المشروع للنهوض بالمرأة .
وهنا نحن أمام منظورين مختلفين .
التساؤل الثاني : هل أنّ من وسائل المشروع النهضوي النسوي توظيف طاقات المرأة في مجالات الفن الشائع : الغناء، الموسيقى، الرقص، المسرح، السينما ؟
وفق الإتجاه اللا إسلامي هذه الألوان من الفن تعتبر مظاهر حضارية متقدمة، وجزء من مسارات النهوض .
في حين ترفض القيم الإسلامية كل ألوان الفن الهابط، بما تشكّله هذه الألوان من مصادرة وتمييع لأخلاقية الأمة، وأصالتها الروحية .
التساؤل الثالث : ما هي المنظومة الحقوقية للمرأة التي يعتمدها المشروع النهضوي ؟
في الفقه الإسلامي الأسري منظومة حقوقية متكاملة إستوعبت كل حاجات الأسرة وضروراتها .
في المشروعات الأخرى منظومات حقوقية فيها الكثير من القصور والنقص .
ومن الطبيعي جداً أن يأتي الفارق كبيراً وكبيراً بين تشريعات صادرة عن الله العالم الحكيم البصير وتشريعات صاغتها عقول محدودة قاصرة عاجزة .
وقد تجرأت هذه التشريعات البشرية على أحكام الله، ومن المؤسف أن نجد في مجتمعات المسلمين من يدعو إلى إلغاء نظام الطلاق، ونظام القوامة، ونظام الميراث الذي يميز بين الرجل والمرأة، وإلى إباحة الإجهاض .
من هنا فنحن نحذّر من محاولات الهيمنة على “الأحكام الشرعية” من خلال ما يسمى “بالتقنين” للأحوال الشخصية .
لسنا مع الفوضى في التعاطي مع أحكام الأحوال الشخصية، ولسنا مع التسيّبات في معالجة قضايا الخلافات الزوجية، وندعو إلى تنظيم الأوضاع في داخل المحاكم الشرعية .
إننا نطرح الفكرة التالية :
أن تتشكّل “هيئة من العلماء المتخصصين” لتدارس هذا الموضوع، والخروج بالصيغة المناسبة .
أمّا أن يعطى للهيئة التى تسمى بالمجلس التشريعي الحق في صياغة قانون الأحوال الشخصية، فهذه مسألة لنا منها موقف متشدد .
لماذا هذا الموقف المتشدد ؟
(1) الدستور الذي يحكم التشريع في هذا المجلس لا يفرض عليه أن يعتمد “الشريعة الإسلامية” كمصدر وحيد، نعم ينص هذا الدستورعلى أنّ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، وهذا لا يمنع من إعتماد مصادر أخرى، وللتوضيح أقول توجد عدة صيغ للنص الدستوري في إعتماد الشريعة الإسلامية :
أ. [الشريعة الإسلامية مصدر التشريع]، وفق هذه الصيغة لا يجوز إعتماد أيّ مصدر آخر يتنافى مع الشريعة الإسلامية .
ب. [الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع]، وفق هذه الصيغة توجد إلى جانب الشريعة الإسلامية مصادر أخرى غير رئيسية .
ج. [الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع]، وفق هذه الصيغة توجد إلى جانب الشريعة الإسلامية مصادر أخرى رئيسية أيضاً .
د. [الشريعة الإسلامية مصدر من مصادر التشريع]، وهذه الصيغة لا تعطي للشريعة الإسلامية أيّ خصوصية، وقد اعتمد ” دستور البحرين” الصيغة الثالثة وهذا يعني أنّ هناك مجموعة مصادر رئيسية يمكن أن يعتمدها التشريع، من ضمنها “الشريعة الإسلامية” فكيف نضمن سلامة التشريع للأحوال الشخصية، وعدم المساس بأحكام الشريعة .
(2) إنّ القرار في هذا المجلس – وفق الصيغة المطروحة – محسوم لصالح الأكثرية الحكومية، فمصير التشريع بيد السلطة – أنا هنا طبعاً لا أتحدث عن الموقف من مسألة الأنتخابات إيجابا أو سلباً، وإنما أتناول خطورة أن يكون المجلس التشريعي صاحب الصلاحية في وضع قانون الأحوال الشخصية – .
(3) ولو سلّمنا بأن أكثرية شعبية إسلامية إستطاعت أن تفرض أحكام الشريعة على قانون الأحوال الشخصية، فمن يضمن إستمرارية هذه الأكثرية في الدورات الأخرى .
من خلال التساؤلات السابقة نخلص إلى أن المرأة المسلمة من أجل أن تتوفر على الوضوح في التعرف على الخيار الأصيل يجب أن تملك “البصيرة الإيمانية” و”الرؤية الإسلامية” .
ونظراً لكون المرأة – في الغالب – غير متخصصة فقهياً وإسلامياً، فمن الضروري أن تعتمد ” المرجعية الإسلامية المتخصصة” في تحديد الرؤى والأحكام والتصورات .
وليس في هذا مصادرة “لعقل المرأة” ولا”لحرية المرأة” كما تروّج مقولات العلمنة والتغريب، إنّ الذين لا يملكون “ثقافة التخصص” في أيّ مجال من مجالات الحياة، يجب أن يعتمدوا “المرجعيات المتخصصة”، فهل يستنكر على الإنسان – الرجل والمرأة – إذا كان لا يملك “ثقافة الطب” أو”ثقافة الهندسة” أو”ثقافة القانون” أن يرجع إلى الأطباء، والمهندسين، والقانونيين ؟
ليس في هذا مصادرة لعقل الإنسان، بل هو إحترام للعقل، وللعلم، وللتخصص .
فلماذا يعتبر الرجوع إلى ثقافة التخصص الإسلامي والتخصص الديني مصادرة لعقل الرجل أو مصادرة لعقل المرأة ؟
إنّه التيه والضلال الذي يحاول أن يفرض لغته المبهورة بالزيف، والزبد، والخواء، إنّه الهوى المأسور إلى غوايات الشيطان، فما أسوء المصير المنكود الذي ينتظر هؤلاء الذين يحملون البصائر العمياء والتي سوف تقودهم إلى متاهات أشد عمى وضلالاً ((وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً))، ((وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى)).
هؤلاء المأسورون لغوايات الشيطان يعيشون العمى في الدنيا ، ويعيشون العمى في ساعات الإحتضار المرعبة (( وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ))
ويعيشون العمى حينما تحتوشهم ملائكة العذاب بحراب من نار في القبور المظلمة الموحشة، في رحلة عذاب برزخي إلى يوم النشور ((وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ))
ويعيشون العمى وهم ((َ يَخْرُجُونَ مِنَ الاجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ)) .
ويعيشون العمى في عرصات القيامة، حيث الأهوال والشدائد، يوم (( يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ))
وسوف يقودهم العمى إلى النار وبئس القرار ((هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ))
نستجير بالله من النار، ومن غضب الجبار، وأن لا يجعلنا في زمرة الأشرار والفجار . أستغفر الله لي ولكم والحمد لله ربّ العالمين ..