ذكرى عاشوراء وصياغة المشروع التغييري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف أنبياء الله وعلى آله أولياء الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
في كل عام نجدّد التعاطي مع الذكرى الفاجعة، ذكرى عاشوراء (الحســين)
إنّه الولاء لله وللرسول وللأئمة من آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، يفرض أن نجدّد هذا التعاطي مع ذكرى الحسين.
وفي كل عام يعيش الشيعة في ذكرى عاشوراء قمة الفوران في العواطف الحسينية، وذروة الهيجان في المشاعر البكاية، وأقصى درجات الاستنفار في الحماس الثوري، ويشهد الموسم العاشوري رقماً قياسياً في كثافة المجالس العزائية، وفي الحضور الجماهيري الكبير، وفي المواكب والمسيرات الحسينية. هذه هي الملامح البارزة الواضحة في إحياء ذكرى عاشوراء الحسين (عليه السلام)..
والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه بإلحاح، ويبحث عن جواب صريح وجريئة.
هل استطاعت هذه الحصيلة المتميزة من المعطيات العاشورية، أن تصوغ الأمةََ بكل فصائلها في خط الحسين (عليه السلام)؟
وكما قلت إنَّ هذا السؤال يبحث عن إجابة صريحة وجريئة.
إنَّ ضغط الأجواء العاشورية جعل الكثيرين يجاملون كل الأوضاع القائمة ولا يملكون الجرأة في أن ينتقدوا بعض الظواهر الخاطئة المتحكمة في ممارسات الجماهير العاشورية، والتي ربما تساهم في مصادرة الدور الحقيقي لذكرى كر بلاء.
وحتى نستطيع أن نتعرف على الإجابة الواضحة الصريحة عن السؤال المطروح، لابدّ أن نحدّد الرؤية الواضحةَ عن طبيعة الممارسات العاشورية، ومدى قدرتها على صياغة الأمة بكل فصائلها في خط الأهداف الحقيقية لثورة الإمام الحسين (عليه السلام).
وما دمنا نجامل الأوضاع القائمة خوفاً من غضب الجماهير، فإننا لن نستطيع أن نؤصل الدور الفاعل لذكرى عاشوراء في حركة الأمة.
وستبقى عاشوراء موسماً زمنياً محدوداً نجد فيه الفرصة للتنفيس عن فورة العواطف وغليان المشاعر، وحماس الكلمات والشعارات وضجيج الأجواء، وتكتفي الجماهير والقيادات بهذا التنفيس الموّقت، وتموت التطلعات الواعية والجادة في التغيير والتصدّي الحقيقي لمشروع البناء والإنقاذ، فمن الخطورة جداً أن تتحول عاشوراء إلى ذكرى استهلاكية فقط..
قد يقال إنّ هذا الكلام غير واقعي، لأننا نلمس بوضوح أنَّ أجواء عاشوراء تستنفر إرادة الجماهير، لا أن تجمدها وتخدّرها، وتصلّب مواقف الجماهير لا أن تميّعها وتدجّنها.
صحيح أنّ أجواء عاشوراء تستنفر إرادة الجماهير بقوة، وتؤجج حماسها وتصلّب مواقفها، وتستنهض هممها
ولكن السؤال هل أنّ هذه الحالات من الاستنفار والتأجيج، والصليب، والاستنهاض، قد تمت صياغتها لتشكّل عناصر الصنع والتكوين الدائمة في حركة الأمة الروحية والثقافية والاجتماعية والسياسية. أم أنهّا حالات موقته محكومة لتأثيرات الذكرى وأجوائها المحدودة؟!
إننا لا ننكر ما للذكرى العاشورية من دور كبير جداً في تصعيد نبض الجماهير الشيعية، وفي خلق الوهج والفوران في العواطف والمشاعر، وفي حرارة الشحن والتعبئة.
ويبقى السؤال الملّح.
هل استطاعت أساليب التعاطي مع الذكرى العاشورية أن تصوغ المشروع التغييري في حركة الأمة ؟
إنني أصرّ على أنَّ هذه الأساليب لا زالت عاجزة عن صياغة المشروع التغييري في حركة الأمة، ولا أقول أنّ قضية كربلاء عاجزة عن صياغة مشروع التغيير، وإنّما أساليبنا في التعاطي والتعامل مع هذه القضية هي العاجزة والقاصرة…
ولماذا هذه الأساليب عاجزة عن صياغة المشروع التغييري ؟
هناك عدة أسباب:
السبب الأول:
إنَّ ثقافة عاشوراء المطروحة من خلال المنبر الحسيني على الرغم من التطور الكبير الذي شهدته على يد بعض روّاد المنبر، إلاّ أنها لا زالت قاصرة عن صياغة ((المشروع التغييري في حركة الأمة)).
كان لهذه الثقافة الدور الكبير في تحصين أجيال الأمة عقيدياً وفكرياً وروحياً واجتماعيا وسياسياً، وفي خلق حالة الوعي التاريخي وفي التعبئة الرسالية والجهادية، غير أنها لم تتوفر على صياغة خطاب المشروع التغييري للنهوض بواقع الأمة بشكل شمولي متكامل.
إذا كانت هذه الثقافة قد عالجت الكثير من قضايا التاريخ، وقضايا العقيدة، وقضايا الفكر، وقضايا الأخلاق، وقضايا السّياسية، وربّما كانت بعض هذه المعالجات واعية وناضجة إلاّ أنها تبقى معالجات تجزيئية لا نشك في أهميتها وقيمتها وضرورتها، غير أنّ المشروع التغييري يحتاج إلى مفردات متكاملة ينظمها خطاب واحد يهدف أولاً إلى تكوين ((الوعي التغييري)) عند الأمة، ويهدف ثانياً إلى تأسيس ((برنامج عملي تغييري)) تتحرك من خلاله الأمة لإعطاء الإسلام حضوره الثقافي وحضوره الأخلاقي وحضوره الروحي وحضوره الاجتماعي وحضوره السّياسي.
وما دام خطاب المنبر الحسيني غير قادر على تفعيل الوعي التغييري وغير قادر على إنجاز البرنامج التغييري فسوف يبقى قاصراً عن أداء مهامه الكبيرة التي تفرضها أهداف الثورة الحسينية. وإذا كان خطاب المنبر الحسيني في أنضج صيغه الفعلية لم يرق بعد إلى مستوى المشروع التغييري فكيف بالمستويات المتخلفة والمتدنية لهذا الخطاب، وهي الأكثر شيوعاً وانتشارا في المرحلة المعاصرة.
إننا ندعو بقوة إلى ضرورة الارتقاء بمستوى خطاب المنبر الحسيني، الارتقاء بمستوى مضامين الخطاب، وبمستوى أساليب الخطاب، وبمستوى لغة الخطاب، وما لم يرتق مستوى الخطاب المنبري فسوف يتخلف عن أداء رسالته كما حددّتها معطيات الثورة الحسينية.
إنّ المنبر الحسيني في واقعه المعاصر يحتاج إلى جهود كبيرة جداً لتطويره والارتقاء بمستواه ولإنتاج كفاءات مؤهّلة بدرجاتٍ عاليةٍ تكونُ قادرةً على ممارسة الخطاب الحسيني بما يتناسبُ وحاجاتِ المرحلة، وضروراتِ العصر، ومستجداتِ الواقع.
إذا كان المنبر الحسيني في حاجة إلى تطوير وإلى تأهيل، فمنْ الذي يتحمل هذه المسؤولية؟ ، يتحمل هذه المسؤولية عدة مواقع:
القيادات الدينية الدينية المسؤولة عن رعاية وحماية أوضاع الأمة الروحية والثقافية والاجتماعية والسياسية.
وينتظم في هذا الموقع:
- المراجع العظام حفظهم الله تعالى
- وكلاء المرجعية.
- العلماء العاملون.
خطباء المنبر الحسيني الحسيني أنفسهم، وبالأخص الروّاد الكبار والذين يملكون تاريخاً طويلاً من الخبرة والعطاء والأداء الحسيني.
الكفاءات العلمية والفكرية والفنية في الأمة والتي يمكن أن تساهم في تطوير مهام وأداء المنبر الحسيني.
القائمون على شؤون المجالس الحسينية الحسينية ( الرؤساء المسؤولون عن المآتم ) هؤلاء لهم دور فاعل في تطوير قدرات المنبر الحسيني، فإذا كان القائمون والمسؤولون يملكون الوعي والبصيرة، ويعيشون الإخلاص والصدق، فإنهم سوف يفرضون الحالة المنبرية الواعية.
وإذا كان هؤلاء يملكون التخلف والسذاجة ولا يحملون هم المسؤولية، فسوف يفرضون الحالة المنبرية المتخلفة.
فدور القائمين على المجالس الحسينية ورؤساء المآتم له تأثيراته الإيجابية والسلبية على مستوى تطوير ثقافة المنبر، ومستوى تطوير أداء الخطباء.
جمهور المنبر الحسيني، ، لا شك أنّ هذا الجمهور هو القاعدة التي يعتمدها خطاب المنبر، وكلما كان مستوى هذا الجمهور أكثر وعياً ونضجاً، استطاع أن ينمّي وعي الخطاب المنبري، وأن يدفع بالقدرات الخطابية في اتجاه النضج والارتقاء.
والعكس هو الصحيح فإنَّ الجمهور المتخلف في وعيه يحاول أن يفرض مستوى متخلفاً على الخطاب المنبري.
وإذا كانت ثقافة المنبر الحسيني لا زالت قاصرة عن صياغة المشروع التغييري في حركة الأمة، فهذا لا يعني غياب المشروع في واقع الأمة،
فإن التاريخ المعاصر يحمل أمثلة من التجارب الكبيرة التي انطلقت من خلال الوعي الأصيل بالإسلام، ومن خلال استلهام معطيات ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، فصاغت مشروعها التغييري الهادف للنهوض بواقع الأمة.
فالشهيد السيد محمد باقر الصدر ( رضوان الله عليه) كان له مشروعه التغييري الكبير الهادف إلى صياغة واقع الأمة وفق منظور الإسلام وقيمه، وقد تجسّدت في هذا المشروع استلهامات الثورة الحسينية وتأثيراتها الواضحة، وكما الإمام الحسين (عليه السلام) أعطى دمه عنوانا كبيراً للتغيير ولأصلاح حركة الواقع بكل إمداداته الروحية والفكرية والإجماعية والسياسية، فكذلك الشهيد الصدر أعطى دمه من أجل التغيير والإصلاح، ومن أجل إيقاظ ضمير الأمة الذي كلّسته سياسات الأنظمة الجائرة المتحكمة والتي خدّرت إرادة الأمة وأسقطت عنفوانها.
والمثال الأخر: الإمام الخميني ( رضوان الله عليه)، حيث استطاع أن يصوغ مشروعاً تغييرياً كبيراً اعتمد الإسلام أساساً، وحركة الإمام الحسين منهاجاً.
وقد عبر هذا المشروع:
أولاً: عن قدرة الإسلام أن يؤسس للحكم والدولة في هذا العصر.
ثانياً: عن قدرة الإسلام وحركة الإمام الحسين (عليه السلام) على استنهاض الشعوب المستضعفة في مواجهة تحديات الاستكبار، وسياسات الأنظمة.
وثالثاً: عن قدرة وكفاءة القيادة المرجعية في التصدّي السّياسي ومواجهة المشروع الثقافي المناهض للإسلام.
والمثال الثالث: المجاهدون والاستشهاديون في جنوب لبنان وعلى أرض فلسطين، هؤلاء كانوا التعبير الحقيقي لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، وكانوا التجسيد الصادق لمعطيات هذه الثورة الخالدة، ولخطاباتها الأصلية.
السبب الثاني:
من أسباب القصور في أساليب التعاطي مع ذكرى عاشور، وعجز هذه الأساليب عن صياغة المشروع التغييري في حركة الأمة، هذا السبب يتمثل في غياب الحركة التصحيحية التي تستهدف الارتقاء بأساليب الأداء في التعاطي مع الذكرى العاشورية وتطويرها، وكذلك التصدّي للأساليب الخاطئة والتي فرضت نفسها عبر تاريخ طويل.
إنَّ أساليب التعبير عن المشاعر الحسينية والتي يمارسها الشيعة – ومنذو زمن طويل – في حاجة إلى المراجعة باستمرار.
ربّما تشكّل المراجعة والمحاسبة – عند البعض أمراً خطيراً – لذلك يرفض هذا البعض بقوة السماح بالنقد والتقويم لأساليب التعبير العاشورية خوفاً من محاولات الإلغاء والمصادرة للشعائر الحسينية.
إنّنا نؤكد لهؤلاء المتخوفين أنّ التعبير الأصيل عن مشاعر الولاء والحزن والمواساة في ذكرى عاشوراء لن يقوى أحد على إلغائها أو مصادرتها.
إنّ قضية الحسين قد تجذّرت وتأصلت في وجدان الأجيال بالمستوى الذي لن تتمكن قوة في الأرض – أيُّ قوة – من أن تنال شيئاً من هذا التجذّر والتأصل.
وكم حاولت أنظمة السّياسة في التاريخ ولا زالت تحاول وبأقسى وسائل القمع والإرهاب أن تصادر وتجمدّ حالة التعاطي الشيعي مع قضية كربلاء، إلاَّ أنّ هذا التعاطي ازداد صلابة وقوة وعنفوانا انظروا إلى عراق الحسين، رغم إرهاب النظام وتجميد المواكب والمجالس غير أنّ فوران المشاعر الحسينية لازال في أقصى درجاته لم تخفف منه كل وسائل الضغط والمحاصرة، وهذا واضح من الحشود المليونية الزاحفة بكل شموخ وعنفوان إلى زيارة قبر الإمام الحسين (عليه السلام).
إنّ الولاء الشيعي لعاشوراء الحسين (عليه السلام)، أعطى الدم وسوف يبقى يعطي الدم من أجل أن تبقى كربلاء حية نابضة في ضمير الأجيال.
إنّ الدعوة إلى المراجعة والمحاسبة ليست مصادرة للشعائر والمشاعر – كما يتخوف المتخوفون – وإنما هو الحماية والحفاظ على هذه الشعائر والمشاعر.
إذا أردنا لعاشوراء أن تعبر عن حضورها الحقيقي في حركة الواقع بكل إمتدادته الروحية والثقافية والاجتماعية والسياسية فيجب أن نمارس المراجعة والمحاسبة باستمرار، شريطة أن يتصدى لهذه الممارسة من تتوفر فيه مجموعة كفاءات ومؤهلات فكرية وفقهية وروحية وعملية، وبعبارة أخرى أن يملك هذا المتصدّي المستوى المتقدم من ثقافة الإسلام وفقه الدين، وروحية الإيمان، واستقامة السلوك، وصدق الانتماء، وأصالة الولاء.
وأكثر من هذا أن لا تترك عملية المراجعة والنقد والمحاسبة إلى الممارسات الفردية بل يجب أن تتشكّل ((لجان تخصصية)) ومعترف بها من قبل ((المرجعية الدينية)) لأداء هذه المهمة، وهذا يوفر الضمانة الشرعية لسلامة المراجعة والمحاسبة، وسوف نعطي توضيحاً اكثر لهذه المسألة من خلال تناول السبب الثالث من أسباب القصور في أساليب التعاطي مع ذكرى عاشوراء وعجزها عن صياغة المشروع التغييري في حركة الأمة.
فما هو السبب الثالث:
يتمثل هذا السبب في غياب الإشراف المركزي على شؤون المنبر الحسيني، والمجالس والمواكب والشعائر العاشورية.
إننا ندعو إلى وجود حالة مؤسسية مركزية خاضعة لتوجيهات المرجعية الدينية تعنى بشؤون المنبر والمجالس والمواكب والشعائر، وأن لا تترك هذه الشؤون الخطيرة في الواقع الشيعي إلى أمزجة الأفراد المتصدين لإدارة المآتم والمواكب أو غير المتصدين، وربمّا تحكم هذه الأمزجة أهواء ونزوات ذاتيةً أو تحكمها رؤى ساذجة وغير واعية، الأمر الذي يؤّدي إلى التفريط بأهداف الذكرى والإساءة إلى خطها، بل و لا تترك هذه الشؤون إلى ((العقل الفردي)) مهما توفر على الوعي والنزاهة.
نحن نصُّر على وجود ((العقل المؤسسي المركزي)) المرتبط بالكيان المرجعي للإشراف على الشأن الحسيني في كل تمظهراته وصياغاته وأساليبه.
إنّ تسرب بعض الممارسات الخاطئة في مراسيم الإحياء العاشورية كان نتيجة طبيعية لغياب الإشراف المركزي الموصول بالكيان المرجعي مما أعطى لهذه الممارسات حضورها وامتدادها وتجذّرها حتى أصبحت جزاءاً متأصلاً في البنية الشعائرية مما يشكلّ خطراً كبيراً على أصالةِ ونقاوةِ هذه الشعائر.
من المؤسف جداً أن يصبح التأسيس للشعائر العاشورية بيد كل إنسان مهما كان مستوى ذهنيته ووعيه ونضجه مادام يريد أن يعبّر عن مشاعره الولاية في ذكرى عاشوراء، وليكن الأسلوب ما يكون حتى لو أعطى صورة مشوهة لخط الثورة الحسينية وصادر أهدافها، وأربك معطياتها، وحتى لو أساء إلى سمعة المذهب وأثار حوله الطعون والشكوك والاتهامات، المهم أنّ هذا الإنسان ألبرئي الصادق في ولائه يرغب أن يشارك في إظهار المواساة بأي أسلوب مهما كانت نتائجه وأثاره.
أنا لا أريد أن أشكك في الدوافع فأدّعي أنّ بعض هذه الممارسات المغلوطة ربمّا تحركها عناصر مدسوسة تهدف إلى تشويه الصورة الحقيقية لتلك الشعائر، بل أريد أن أفترض في الدوافع النظافة والبراءة، ولكن هذا لا يبرر أن يسمح لأي تعبير – مهما كان بريئاً – أن ينطلق مادام تترتب عليه نتائج سلبية تضر بأهداف الذكرى وتسئ إلى سمعة هذا الخط المبارك.
أنا لا أشك أنّ الذين أوجدوا عادة (( التطبير )) في مراسيم العزاء – ومنذو زمن لم يكن طويلاً لم يكونوا يقصدون الإساءة إلى أهداف عاشوراء.
إلا أنّ هذه العادة – وبغض النظر عن الإشكالات الشرعية – أصبحت في هذا الزمان تشكل مظهراً يسئ إلى سمعة المذهب، ويعرضه إلى الاستهزاء والسخرية.
ولذا وجدنا كبير مراجع الشيعة في عصره السيد الخوئي يفتي بحرمة التطبير اعتمادا على هذه الحيثية – حيث الإساءة إلى سمعة المذهب – أنا لا أريد في هذا الحديث أن أتناول مسألة التطبير وإنما سقته كمثال لبعض الممارسات التي يترتب عليها نتائج لها انعكاسات سلبية.
قبل يومين سمعت أن بعض المؤمنين صنعوا مجسماً لمشهد الإمام الحسين (عليه السلام) إلى هنا الأمر طبيعي – إلاّ أنهم أخذوا يجوبون به المناطق والقرى في البحرين، والناس – وبالأخص النساء – يتجمعون حول هذا المجسم يتبركون به ويتمسحون ويقذفون عليه الأموال والنقود، وربمّا يصل التفكير عند هذا البعض فيجعل مكاناً خاصاً لهذا المجسّم يتحول مزاراً يأمه الناس ويقدّسونه، أليس في هذا إساءة إلى قداسة المشاهد المشرفة الحقيقية للأئمة والأولياء…؟
أليس في هذا إساءة إلى سمعة المذهب…؟
اكرر القول أنّ هذه التصرفات كانت نتيجة غياب التوجيه المركزي الواعي، وغياب الحضور ألعلمائي الهادف مما يفتح المجال لكل ممارسة تصدر من هنا أو هناك بلا ضوابط ولا حسابات.
القضية الفلسطينية:
وقبل أن نختم الحديث نحاول أن نقرأ أحداث الساحة الحدث الأبرز في الساحة السياسية الراهنة (( مأساة الوضع الفلسطيني ))، إنّ نزق اليهود وطيش الصهاينة بلغ مرحلة الجنون، الإعدامات الجماعية، الجثث تزدحم في الشوارع، الإبادة، الدماء، تدنيس المقدسات، والعالم يعيش الصمت وحكام العالم يتفرجون، والإدارة الأمريكية تشارك في الجريمة، وسفير الإدارة الأمريكية في البحرين العربية الإسلامية يدعو من خلال افتتاح إحدى الفعّاليات المحلّية وبكل وقاحة للوقوف حداداً على أرواح القتلى الإسرائيليين، هكذا وبلا حياء ولا خجل ولا مراعاة لمشاعر أبناء هذا البلد الذين يعيشون الغضب والغليان لما يحدث لإخوانهم في فلسطين من مجازر رهيبة وإبادة ودمار.
وأمّا قمة الزعماء العرب فكان غارقاً في مبادراته السلمية الحالمة، وفي توصياته الخجولة، ففي الوقت الذي يلتهب فيه الشارع العربي والإسلامي ويتصاعد غضب الجماهير، وتتفجر مشاعر الشعوب، ويعلن أبناء فلسطين الجهاد والنضال، تأتي توصيات القمة العربية باردةً برودة الأعصاب التي يحملها زعماء الأنظمة إلاّ ما استثني من بعض النخوات العربية التي لم يتجاوز صداها أروقة المؤتمر.
إن خطاب الثورة الحسينية هو الخطاب المؤهل أن يقود حركة التصدي والصمود في مواجهة غطرسة الصهاينة واليهود، وفي مواجهة مساومة الأنظمة والزعامات، وهو الخطاب القادر على تعبئة فصائل المقاومة والجهاد، وعلى استنفار حماس الأمم والشعوب، وإيقاظ الهمم والإيرادات.
إن جماهيرنا المؤمنة في بحريننا العربية الإسلامية قد عبرّت ولا زالت تعبّر بكل شموخ وعنفوان عن مواقف الدعم والتأييد والمساندة لصمود الشعب الفلسطيني البطل وعن مواقف الاستنكار لسياسة القمع والإرهاب والقتل والإبادة التي يمارسها نظام الإجرام الصهيوني على أرض فلسطين.