الموقف المضاد من الإمام الحسين(ع) -3
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيبنا وقائدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
نتابع الحديث حول ((الفئات)) التي شكّلت ((الموقف المضاد)) لثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، تناولنا عدة فئات في أحاديثنا السابقة، في حديثنا هذه الليلة نتناول ((الفئة الخامسة)) وهي فئة ((الهمج الرعاع))
من هم الهمج الرعاع ؟
هم الذين لا يملكون الوعي والبصيرة، ولذلك تتقاذفهم الاتجاهات والتيارات، وينساقون وراء كل شعار.
وحسب ما قال عنهم أمير المؤمنين ((وهمج رعاع أتباع كل ناعق)).
وحسب ما وصفهم النبي (صلى الله عليه وآله) بأنهم ((الإمعات)) حيث قال في حديث له: لا تكن إمعة،
قالوا يا رسول الله: وما الإمعة ؟،
قال: الذين يقول إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت.
وأما القرآن فقد عبّر عنهم بأنهم الذين يخوضون مع الخائضين.
قال تعالى: {كل نفس بما كسبت رهينة إلاّ أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلكم في سقر، قالوا لم نكُ من المصلين، ولم نك نطعم المسكين، وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الذين حتى آتنا اليقين فما تنفعهم شفاعة الشافعين}. المدثر 39 – 48
غياب البصيرة: إن غياب البصيرة يقود إلى التيه والانحراف والضلال: جاء في الحديث: ((العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق،لا يزيده سرعة السير إلاّ بعداً))، والتاريخ حافل بشواهد كثيرة،الخوارج كانوا يعبدون الله على غير بصيرة، عرفوا بأصحاب الجباة السود، كانوا يحيون الليل بالعبادة وتلاوة القرآن ولكنهم ما كانوا يملكون البصيرة.
تصورا كانوا يستشكلون من تناول ((تمرة)) اقتطفها أحدهم من بستان وهم في طريقهم إلى النهروان.
كانوا يستشكلون في قتل خنزير، صادفوه في الطريق فضربه أحدهم بسيفه.
ولكنهم يمر بهم ((عبد الله بن الخباب)) الصحابي الجليل، ومعه زوجته وكانت حامل فيقتلونه ويبقرون بطن زوجته.
ولكنهم يخرجون لحرب علي بن أبي طالب الذي قال عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ((حربك حربي وسلمك سلمي))، وقال عنه: ((أنت مني بمنزلة هارون من موسى))، وقال… وقال….، هكذا يصنع غياب البصيرة.
يأتي إنسان من أهل القرآن يسأل ابن عباس عن دم البعوضة، فيقول له ابن عباس: تقتلون الحسين (عليه السلام) وتسألون عن دم البعوضة، فما أكثر هذا النمط من الناس في كل عصر وفي كل زمان، إن ظاهرة الهمج الرعاع موجودة في كل الأعصر والأزمنة، وفي كل المجتمعات.
الأنظمة السياسية تستغل غباء الجمهور:
إن الجماهير الغبية تشكل – دائماً – السند للأنظمة الجائرة، فغالباً ما تستغل هذه الأنظمة غباء الجمهور وتقوده في الاتجاه الذي يخدم أهداف السلطة، ومصالح النظام، وكثيراً ما تكون هذه الجماهير ضحية الإعلام المضلل.
أذكر لكم أمثلة من التاريخ، وأمثلة التاريخ تتكرر في كل عصر:
السلطة الأموية أصدرت أمراً بلزوم لعن علي بن أبي طالب على المنابر..
أ. فانطلقوا يلعنون علياً على المنابر حتى بلغت المنابر التي لعن عليها الإمام علي (عليه السلام) أكثر من سبعين ألف منبر.
ب. كان بعضهم يلعن الإمام في الغداة (70 مرة) وفي العشيى (70 مرة).
ج. بعضهم يضيف إلى سب علي، سب الحسن والحسين وأمهما فاطمة.
قال عبد الله بن هاني الكلبي وهو يعدد مناقب قبيلته أمام الحجاج:
الكلبي: لنا مناقب ليست لأحد من العرب.
الحجاج: ما هي ؟
الكلبي: ما سب أمير المؤمنين عبد الملك في نادٍ لنا قط.
الحجاج: منقبة والله..
الكلبي: وشهد منا صفين مع أمير المؤمنين معاوية سبعون رجلاً،وما شهد منا مع أبي تراب إلاّ رجل واحد.
الحجاج: منقبة والله..
الكلبي: ومنا نسوة نذرت إن قتل الحسين بن علي أن تنحر كل واحدة عشر قلائص ففعلن.
الحجاج: منقبة والله..
الكلبي: وما منا رجل عرض عليه شتم أبي تراب ولعنه إلاّ فعل، وزاد إبنيه حسناً وحسيناً، وأمهما فاطمة.
الحجاج: منقبة والله..
أ. وقد أجمع أهل حمص في زمن ما أنّ الجمعة لا تصح بغير لعن علي بن أبي طالب.
ب. وحينما أبطل عمر بن عبد العزيز هذه البدعة وجاء إلى المسجد تصايح الناس من كل جانب: السنة يا أمير المؤمنين.
هكذا أصبح لعن علي بن أبي طالب سنة دينية عند هؤلاء الهمج الرعاع، الذين يطيعون وينفذون أوامر الحاكم بكل غباء.
ويحدثنا التاريخ أنّ معاوية صلى بالناس عند سيرهم إلى صفين، صلاة الجمعة في يوم الأربعاء ولم يتفوه أحد من أهل الشام بحرف واحد هكذا الطاعة العمياء.
ويحدثنا التاريخ أنّ رجلاً من أهل الكوفة دخل على بعير له إلى دمشق، فتعلق به رجل من أهل الشام فقال: هذه ناقتي أخذت مني بصفين، فارتفع أمرهما إلى معاوية، وأقام الشامي خمسين رجلاً بنية يشهدون أنهّا ناقته، فقضى معاوية على الكوفي وأمره بتسليم البعير إلى الشامي، فقال الكوفي: أصلحك الله إنّه جمل وليس بناقة، فقال معاوية: هذا حكم قد مضى، وبعد تفرقهم دس إلى الكوفي وأحضره وسأله عن بعيره، فدفع إليه ضعفه وبره وأحسن إليه وقال له: أبلغ علياً أنّي أقابله بمائة ألف ما فيهم من يفرق بين الناقة والجمل.
هذا هو الجمهور الغبي التي تحركه الأنظمة وتقوده كما تريد، ولذلك تصر الكثير من الأنظمة السياسية على تغييب الوعي الأصيل عند الجماهير، وأن تبقى هذه الجماهير مأسورة لوعي مزيف.
من الضروري أن تكون الجماهير ألمؤمنه واعية بصيرة ناضجة، حتى لا تستغفل ولا تخدع ولا تضلل.
نعود إلى قضية كربلاء:
إن الكتل البشرية العمياء قد خرجت إلى قتال الإمام الحسين عليه السلام، وكان الإمام عليه في يوم عاشوراء يتألم لهؤلاء ويبكي، وهو يقف امام هذه الحشود التائه المضللة التي ازدحمت لقتاله. قيل له: مما بكاؤك؟ قال عليه السلام ابكي لهؤلاء القوم يدخلون النار بسببي.
وقد حاول أن يستنقذهم من النار، بكل الوسائل، حاول أن يستثير ضمائرهم، ولكن الشيطان قد طبع على قلوبهم.
أنشدكم الله هل تعرفونني؟
أنت الحسين سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله)
أنشدكم هل تعلمون إن أمي فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله)
اللهم نعم.
أنشدكم الله هل تعلمون أن أبى علي ابن أبى طالب ؟
اللهم نعم.
أنشدكم الله هل تعلمون أن هذه عمامة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنا لا بسها ؟
اللهم نعم.
أنشدكم الله هل تعلمون أن هذا سيف رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنا متقلده.
اللهم نعم
فبم تستحلون دمي؟
قد علمنا ذلك ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشى.
هكذا يصنع العمى والضلال، نسأل الله الهداية البصيرة.
وأستغفر الله لي ولكم والحمد لله رب العالمين.