حديث الجمعة 4: بين صلح الإمام الحسين (عليه السَّلام) وثورة الإمام الحسين (عليه السَّلام)
حديث الجمعة 4 | 12 صفر 1423 هـ | 25 ابريل 2002 م | المكان: مسجد الإمام الصادق (ع) | القفول - البحرين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله ربَّ العالمين و الصَّلاة و السلام على سيدنا ونبينا وحبيبنا وقائدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ..
نتابع حديث الجمعة الماضية و الذي عنوناه بهذا العنوان ” ثورة الأمام الحسين و الأمتحان الصعب لمواقف الأمة ”
أود أن أجيب عن تساؤل طرحه أحد الشباب بعد الإنتهاء من حديث الجمعة الماضية هذا التساؤل يقول :
لقد أكدتم في حديثكم على خيار الإمام الحسين (ع) وخيار الثورة و الشهادة .
فأين هو خيار الإمام الحسن ، خيار السلم و المصالحة ؟
وهل أمتنا في حاجة إلى خيار الثورة و المواجهة فقط ؟
ألا ترون خيار السلم و المصالحة قد يكون هو الخيار المطلوب ؟
التساؤل يبدو وجيهاً، و قبل أن أجيب عن هذا التساؤل أرى ضرورة عن مسألة الصلح عند الإمام الحسن ، ومسألة الثورة عند الإمام الحسين، (( الصلح )) في حركة الإمام الحسن(ع)، و الثورة في حركة الإمام الحسين (ع) ، أسلوبان متمايزان، وصيغتان مختلفتان ولغتان متغايرتان ، لغة الصلح الكلمة والحوار ، ولغة الثورة السيف و الدم ..
لماذا هذا الاختلاف ..؟
هنا محاولات مرفوضة لتفسير هذا الاختلاف :
المحاولة الأولى : تتجه إلى تفسير هذا الإختلاف بأنه لون من التناقض في الأسلوب .
المحاولة الثانية : الإختلاف في الرؤية، هذا التفسير يحاول أن يفهم الاختلافان في أساليب الأئمة بأنها ناتجه عن إختلافان في(( الرؤية والفهم )) ..
المحاولة الثالثة : الإختلاف في الطبيعة النفسية هو الذي أنتج هذا الاختلاف في الأسلوب، فالطبيعة النفسية المسالمة عند الإمام الحسن (ع) ، فرضت عليه أن يتجه نحو ( الصلح ) والطبيعة الثورية عند الإمام الحسين (ع) ، فرضت عليه أن يتجه نحو الإسلوب الثوري ..
المحاولة الرابعة : الاختلاف في القدرات والكفاءات ، فالإمام الحسن (ع) ما كان يملك القدرة و الكفاءة العسكرية و الحربية ، مما جعله يتخلى عن خيار الحرب والمواجهة ، في حين كان الإمام الحسين يملك القدرة و الكفاءة مما جعله يعتمد هذا الخيار ..
المحاولة الخامسة : الاختلاف في النمط الحياتي، فالإمام الحسن (ع) يميل إلى الدعة والراحة ، والإمام الحسين (ع) يميل إلى الجد و الصرامة ، مما إنعكس على طبيعة الأسلوب الذي مارسه كل منهما .
المحاولة السادسة : الإختلاف في النزعة إلى السلطة ، فالإمام الحسن (ع) عازفاً عن السلطة والحكم ، و الإمام الحسين كان يحمل هذه النزعة نحو السلطة و الحكم .
هذه مجموعة تفسيرات كلها خاطئة و مرفوضة، فكلا الأسلوبين يمثل الموقف المعصوم – وفق النظرية التي تؤمن بعصمة الأئمة – و لذلك جاء الحديث عن النبي ( صلى عليه وآله وسلم ) :
(( الحسن و الحسين إمامان قاما أم قعدا ))
وكلا الأسلوبين يمثل الموقف الملائم لظرفه ، فاختلاف الظروف الموضوعية التي تمر بها الرسالة ، واختلاف الحالة التي تعيشها الأمة وعياً والتزاماً واستعداداً ، واختلاف طبيعة النظام الحاكم، كل ذلك يفرض الاختلاف في الأسلوب …
ثم إن كلا الأسلوبين ينسجم مع أهداف الرسالة سواء الهدف الإستراتيجي العام المتمثل في مصلحة الرسالة و حماية مسيرتها ، أم الأهداف المرحليه وفق نظرية المراحل …
كما أنّ هناك ترابطاً بين الموقفين ، فصلح الإمام الحسن (ع) قد هيأ لثورة الإمام الحسين (ع) و قد تمثل ذلك في النقاط التالية :
1- تصعيد حالة الرفض والغليان عند الأمة .
2- تأهيل الكوادر .
3- تنضيج مبررات الثورة في ذهنية الأمة أو في ذهنية الواعين .
4- تهيئة الظروف الموضوعية .
وبعد هذه المعالجة العاجلة لمسألة الصلح و مسألة الثورة ، نعود للإجابة عن التساؤل .
لماذا أكدتم في حديثكم على خيار الثورة والشهادة، وأغفلتم خيار الصلح والمسالمة؟
وربما يكون الخيار الثاني هو الأصلح للأمة في هذه المرحلة .
وفي الإجابة عن هذا التساؤل أقول :
أولاً : حديثي عن خيار الجهاد و المقاومة كان في سياق الموقف من المشروع الصهيوني الغاصب .
وكما هو واضح :
1- أنّ هذا المشروع غاصب للأرض و المقدسات فلا يملك شرعية البقاء أساساً .
2- إن هذا الكيان اللاشرعي يمار سياسية العنف والإرهاب والقتل والإبادة والدمار ، منذ أن تأسس وحتى الآن ..
3- إنّ هذا الكيان لا يعترف بكل القرارات والأعراف والقوانين ، و القيم و المبادئ .
4- إنّ جميع مشروعات الصلح و السلام مع هذا العدو الغاصب باءت بالفشل .
ووفق هذه الحيثيات لا خيار في مواجهة هذا المشروع اليهودي إلا خيار الجهاد و المقاومة ، وخيار الشهادة و الإستشهاد ، و لا معنى إطلاقاً لخيار الصلح و المسالمة .
ثانياً : و اذا كان للوضع الدولي ضغوطاته في فرض ( مشروع المصالحة )، واذا كانت أنظمة الحكم و السياسة في المنطقة لا تملك القدرة على الرفض والمعارضة ، فإن ذلك لا يلغي خيار الجهاد والمقاومة لدى شعبنا في فلسطين ، و لدى شعوب إمتنا العربية و الإسلامية .
ثالثاً :أما خيارات الشعوب مع الأنظمة الحاكمة ، فمسألة لم تناولها في حديثي ..
فما هو خيار الشعوب العربية و الإسلامية ؟
هل خيار الثورة و المقاومة أم خيار المسالمة و المصالحة ؟
هذه أسئلة الإجابة عنها خاضعة لمجوعة حيثيات فقهيه و موضوعية، و لعلي أتناول هذا الموضوع – إن شاء الله – بصورة أكثر تفصيلاً و وضوحاً في حديثي القادم ليلة الأربعين في مسجد مؤمن بعد الصلاة.
رابعاً : و حتى لو اعتمدنا خيار المصالحة السياسية مع هذا النظام أو ذاك فإن ذلك لا يلغي ضرورة أن تعيش الأمة روحية الجهاد و الشهادة ، بل يجب على أنظمة الحكم العربية و الإسلامية.
أن تنميّ عند جماهير الأمة روحية الجهاد و الشهادة .
إنّ التعبيرات الغاصبة التي شهدتها شوراعنا العربية و الإسلامية، ضد الجرائم الصهيونية وضد الإنحياز الأمريكي المفضوح ، و ضد الصمت الدولي ، و ضد تخادل الأنظمة ، و إن مسيرات الدعم و التأييد ، و المناصرة بالمال و الدم، كل ذلك يستحق المباركة والإعتزاز والفخر ، إلا أننا نطالب أنظمة الحكم و السياسة العربية و الإسلامية أن تمارس إعداد الجماهير العربية و الإسلامية على روحية الجهاد و الشهادة ، كما نطالب علماء الأمة أن يمارسوا الإعداد الروحي والثقافي لمسألة الجهاد و الشهادة، و قد يفرض الموقف إصدار الفتاوى بالجهاد و الإستشهاد، كما نطالب القوى السياسية أن تعبئ الجماهير بروح الجهاد و المقاومة، و نطالب جماهيرنا أن ترفع شعار الجهاد و الشهادة ضد المجرمين الصهاينة، الأمة التي لا تحمل شعار الجهاد أمة مكتوب عليها الهزيمة، الأمة التي لا تتعشق الشهادة أمة مكتوب عليها بالموت.
إن من أخطر الوسائل التي مارستها سياسات التدجين والتهجين لجماهير أمتنا العربية و الإسلامية هو القضاء على روحية الجهاد و الشهادة،خوفاً من غضبة الجماهير تجاه الأنظمة .
وفي سبيل هذا التدجين والتهجين أغرقت هذه السياسات واقع الأمة بسيل من مشروعات الفساد و اللهو والعبث مما أنتج أجيالاً مهجنة مائعة خانعة و قعت أسيرة الهوى والنزوات والشهوات ، وكانت الأنظمة الحاكمة واعية تماماً لهذا الأسلوب الخطير الذي أستطاع أن يقتل في داخل الجماهير روحية الصرامة و الجدية ، وروحية الثبات والصمود ، وروحية الجهاد و الشهادة، فأجيال مأسورة لأجواء اللهو و المجون و الفسق و الترف المحرم ، لا يمكن أن تحمل هموم الأمة و لا يمكن أن تتفاعل مع قضايا الأمة المصيرية .
أقولها بصراحة أنا لا أستطيع أن أفهم أن هؤلاء الغادقين في دنيا المحرمات ودنيا الموبقات ، و دنيا الشيطان يمكن أن يتصدوا لقضايا الأمة ، وأن يحملوا مسؤليات الأمة ، وأن يتعاطفوا مع طموحات الأمة ..
وإن أعطوا لأنفسهم صفة الثورية و النضال من أجل حقوق الشعوب .
إن هؤلاء الذين لا يملكون القدرة أن يثوروا على نزوات الهوى داخلهم ، ولا يملكون أن يناضلوا ضد غوايات الشيطان في حياتهم، كيف يمكن أن يكونوا ثوريين و كيف يكونوا مناضلين في أمة تؤمن بالله ، و الإسلام و القرآن و القيم، في أمة تكفر بالشيطان ، و الضلال و الباطل و الإنحراف.
من هنا نؤكد على جماهير شعبنا المؤمن ، أن لا يستأمنوا على قضاياهم المصيرية ، و على أهدافهم و طموحاتهم و حقوقهم إلاّ الأمناء على دينهم ، فالذين لا يحملون أمانة الدين لا يمكن أن يكون أمناء على دنيا المؤمنين ، نعم يمكن أن يكونوا أمناء على دنيا الفاسقين و المنحرفين.
الفارق كبير و كبير بين دنيا المؤمنين ، ودنيا الفاسقين، دنيا المؤمنين ، دنيا الطهر والنقاء والقيم و الفضيلة، دنيا الإيمان و الهدي و الصلاح و التقوى ، و دنيا الفاسقين، دنيا القذراة والخبث والفساد و الرذيلة، دنيا الكفر و الضلال و الفسوق و العصيان .