حديث الجمعة 2: ماذا علمَّتنا كربلاء؟
حديث الجمعة 2 | 27 محرم 1423 ه | 11 ابريل 2002 م | المكان: مسجد الإمام الصادق (ع) | القفول - البحرين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمد الشاكرين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين…
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته …
الإمام الحسين(ع)، وشهداء كربلاء أعطوا الدم ظهيرة عاشوراء عنواناً كبيراً للإسلام، وانتصاراً للدين والمبدأ والعقيدة، وتأصيلاً لقيم الرسالة والقرآن، وصرخةً في وجه الطغاة والمستكبرين، ودفاعاً عن البائسين والمحرومين والمستضعفين.
– ماذا علمتنا كربلاء …؟
أولاً: علمتنا كربلاء أن نثأر لّله، لله وحدهُ وحدهَ، لا لانتسابات الأرض، وانتماءات الأرض، وعصبيات الأرض، وصيحات الأرض، وجاهليات الأرض.
ثانياً: علمتنا كربلاء أن نعطي الدم من أجل أن يبقى الإسلام، الإسلام وحده، لا أن تبقى نظريات الإنسان، وحزبيات الإنسان، وشعارات الإنسان، وزيف الإنسان.
ثالثاً: علمتنا كربلاء أن ننتصر للدين، للمبدأ للعقيدة، لا للعصبيات، والقوميات، والعناوين التي صاغتها ضلالات الإنسان، وأهواء الإنسان، وجهالات الإنسان.
رابعاً: علمتنا كربلاء أن نحمل شعار القرآن .
خامساً: علمتنا كربلاء أن نرفض الباطل والزيف، والفساد، والضلال، أن نرفض كل ألوان الانحراف الأخلاقي والثقافي والاجتماعي، والسياسي.
لسنا حسينيين ان جاملنا الباطل بكل أشكاله وألوانه.
ولسنا حسينيين ان هادنا الضلال بكل أطيافه وصياغاته.
ولسنا حسينيين ان صمتنا أمام مشروعات الفساد بكل أنواعها وتمظهراتها.
لسنا حسينيين إن تعاطينا مع الانحراف بكل امتداداته وتشكلاته.
سادساً: علمتنا كربلاء أن نكون الصرخة التي تواجه الظلم والظالمين، وتواجه البغي والباغين، وتواجه الطغيان والطاغين، وتواجه الاستكبار والمستكبرين.
لسنا حسينيِن إن ماتت في داخلنا صرخة الإيمان، صرخة الحق، صرخة الصمود، صرخة التحدي. صرخة المواجهة لكل المستبدين في الأرض، ولكل العابثين في الأرض، ولكل المتلاعبين بمقدسات الإنسان ودين الإنسان وقيم الإنسان، وأخلاق الإنسان، كما أرادها خالق الإنسان.
سابعاً: علمتنا كربلاء أن نكون المبدئيين الأقوياء الذين لا يساومون، ولا يتنازلون، ولا يسترخون، (أشداء على الكفار رحماء بينهم) (قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم، ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين ..) ولا تعني المبدئية والصلابة، أن لا نعيش المرونة والانفتاح والشفافية في حواراتنا مع الآخرين، الإنسان المؤمن في حالات التصدي والمواجهة والصراع يجب أن يكون شديداً حدياً صارماً في موقفه مع أعداء الإسلام، مع أعداء الحق، وحينما يحاور الآخرين ويدعو ويبلّغ فيجب أن يكون مرناً منفتحاً شفافاً.
– (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك).
– (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن).
– (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن)
وهنا نؤكد أنّ “المرونة والشفافية” في حواراتنا مع الآخري، لا تعني الاسترخاء في طرح الأفكار والقناعات العقيدية والمذهبية والثقافية والسياسية، ولا تعني الاسترخاء في طرح الحجج والبراهين، ولا تعني المساومة والتنازل، ولا تعني المجاملة الفكرية أو المجاملة السياسية أو المجاملة الاجتماعية، ولا تعني السكوت عن مواجهة الأفكار التي تتنافى مع المبادئ والقيم التي نؤمن بها، “المرونة والشفافية ” هي منهج في الحوار، في لغة الحوار، في أسلوب الحوار.
ثامناً: علمتنا كربلاء أن نعيش الصمود والثبات في مواجهة كل التحديات، التحديات الفكرية والثقافية، التحديات النفسية، التحديات الاجتماعية، التحديات السياسية، التحديات الإعلامية.
الحسينيون الحقيقيون لا يعرفون الانهزام، والتراجع، والتخاذل، والضعف، والخور، أنهم الثابتون الصامدون الذين يملكون عنفوان العقيدة وصلابة الإيمان، وإباء المبدأ، وشموخ الموقف.
تاسعاً: أن نحمل شعار الجهاد والشهادة، أن نكون المجاهدين الصادقين في سبيل الله، نجاهد بالكلمة، ونجاهد بالمال، ونجاهد بالروح.
فلسنا حسينيين إذا كنا نحمل الكلمة الخرساء الصامتة “الساكت عن الحق شيطان أخرس”.
لسنا حسينيين اذا لم نحرك الكلمة الداعية الى الله. الكلمة الناطقة بالحق، الكلمة الرافضة للباطل، الكلمة التي تواجه المنكر، الكلمة التي لا تداهن ولا تساوم.
جاء في الحديث: “إن الله ليبغض المؤمن الضعيف الذين لا دين له، قيل يا رسول الله ومن المؤمن الضعيف الذي لا دين له، قال الذي لا ينهى عن المنكر”.
لسنا حسينيِن إذا لم نحرك المالَ في خط الدعوة والخير والجهاد.
ولسنا حسينيين إذا لم نحمل الأرواح على الأكف، وإذا لم نكن عشاقاً للشهادة، وإذا لم نسترخص الدم من أجل المبدأ والعقيدة.
السائرون في خط الحسين هم الذين يحملون شعار الحسين “لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما” هم الذين يحملون شعار الأكبر ” لا نبالي أن نموت محقين” هم الذين يحملون شعار العباس: “والله إن قطعتموا يميني اني أحامي أبداً عن ديني وعن إمامٍ صادق اليقين” ويحملون شعار القاسم: “الموت فيك يا عم أحلى من العسل”.
عاشراً: علمتنا أن نكون المتدينين الحقيقين: أن نكون الذين يملكون بصيرة الدين والعقيدة وبصيرة الإيمان والمبدأ، ونقاوة الانتماء والالتزام، وأنّ لا نكون من أولئك الذين يحملون بلادة الدين والعقيدة، وغباء الإيمان والمبدأ، وأن لا نكون النفعيين المصلحيّين المتاجرين بالدين والمساومين على حساب المبدأ.
قال إمامنا الحسين (ع): ” الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء قلّ الديّانون”. الإمام الحسين (ع) أوقف حجه وأعلن الثورة على يزيد ليقول للمسلمين، أي قيمةٍ لطواف حول بيت الله مادام الناس يطوفون حول قصور الطغاة والظالمين، وأيّ قيمة لمصافحة وتقبيل الحجر الأسود مادام الناس يصافحون ويلثمون الأيدي الملوثة بالجرائم، وأيّ قيمة لركوع وسجود عند مقام إبراهيم مادام الناس يركعون ويسجدون عند أقدام السلاطين، وأيّ قيمةٍ لسعي وحركة بين الصفا والمروة مادام الناس يعيشون الخنوع والركود والجمود والاستسلام والجور والضعف، وأيّ قيمةٍ لتلبية إذا كان الناس مأسورين لنداءات الطواغيت والمستكبرين، وأيّ قيمة لذكر وتلاوة وعبادة إذا كان الناس يمجّدون ويعظّمون ويؤلهون الجبابرة والفراعنة.
الحادي عشر:علمتنا كربلاء اما أن نكون الحسينيين الذي يعطون الدم من أجل المبدأ، أو نكون الزينبيين الذين يحملون صوت الحسين (ع)، الحسين (ع) وشهداء كربلاء فجّروا الثورة في يوم عاشوراء وكان وقود هذه الثورة دماءهم الطاهرة وبهذا انتهت المرحلة الأولى من مراحل الثورة وجاء دور المرحلة الثانية، وكان الإمام زين العابدين (ع) وعمته زينب (ع) بطلة كربلاء هما المسؤولان عن القيام بمهام هذه المرحلة.
– ماهي أهم مهام المرحلة الثانية لثورة الحسين (ع)؟:
– المهمة الأولى:
تصدير الثورة من كربلاء الى كل بقعة يمكن أن يصل اليها صوت الثورة الحسينية، فالحسين (ع) لم يفجر ثورته لتبقى في كربلاء، لابد من امتداد الثورة، وقد حاول الجهاز الأموي بكل الوسائل أن يطوّق الثورة وأن يحجمها خوفاً من الامتداد، وخوفاً من يقظة الشعوب، ألا أن الإمام زين العابدين (ع) وعمته زينب (ع) بطلة كربلاء مارسا مهمة إيصال صوت الثورة، مارسا هذه المهمة بكل كفاءة ونجاح من خلال:-
(1) التعريف بهوية الثورة وأهدافها وأبطالها.
(2) التحدث عن مواقف البطولة لرجال الثورة.
(3) حمل الصورة الأليمة لمجزرة كربلاء .
هكذا كان دور الإمام زين العابدين (ع) وعمته زينب (ع) والأسارى فحملوا صوت الثورة من كربلاء إلى الكوفة والى الشام والى المدينة والى كل مكان رغم محاولات التطويق المفروضة .
– المهمة الثانية:
– استثمار عطاءات الثورة في تحريك الجماهير .
– إثارة مشاعر الجماهير ضد الجهاز الأموي المستبد .
– تأنيب المتخاذلين والمنهزمين.
بكاء الإمام زين العابدين كان أسلوباً جهادياً، وقد ساهم هذا في البكاء في:
– شد الأمة عاطفياً إلى قضية الحسين (ع).
– ربط الأمة فكرياً بأهداف الحسين (ع).
– تعميق روح الغضب عند الجماهير ضد صانعي جريمة كربلاء.
– المهمة الثالثة:
مواجهة الإعلام الأموي المضاد ة لثورة كربلاء، الإعلام الأموي مارس دوراً كبيراً ضد ثورة الإمام الحسين (ع):
تشويه هوية الثورة (حركة تمرد قام بها فئة من الخوارج) الأسارى خوارج، هكذا يضلل الرأي العام من خلال إعلام أجهزة الأنظمة الحاكمة، هذا الأسلوب من التضليل الإعلامي يمارس في كل زمان ضد (الثورات الخيرة) وضد (الحركات الإصلاحية) وضد (الشخصيات النشطة المجاهدة) الإعلام المعاصر (وكالات أنباء – محطات فضائية – إذاعات – صحف ) يُمارَس دوراً خطيراً في تضليل الرأي العام.
ما يمارسه إعلام أمريكا اليوم واعلام الكيان الصهيوني واعلام الأنظمة المأسورة للهيمنة الأمريكية والهيمنة الصهيونية، ضد المسلمين وضد العرب ، وضد جهاد الشعب الفلسطيني، وضد جهاد الشعوب المستضعفة، واضح جداً، إنّ إتهام العرب والمسلمين، وحركات الجهاد والمقاومة، ومؤسسات الدعوة والخير والتبليغ، بالإرهاب هو أحد أساليب هذا الإعلام الظالم.
نعود لإعلام الجهاز الأموي ودوره في محاولة تشويه صورة الثورة الحسينية وفي تشويه صورة ثوار كربلاء وقد تصدّى الإمام زين العابدين(ع)، وعمته زينب بطلة كربلاء (ع)، والأسارى، لهذا الإعلام وأيقظوا وعي الجماهير المضللة، وكشفوا ألاعيب وزيف الإعلام الأموي.
– قصة الإمام زين العابدين (ع) مع الشيخ الكبير:-
يحدثنا التاريخ أن قافلة الأسارى من آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، وفي هذه القافلة الإمام علي بن الحسين زبن العابدين (ع)، وزينب بنت أمير المؤمنين(ع)، ونساء وأطفال من آل البيت وهم بقية مذبحة كربلاء، هذه القافلة من الأسارى لما وصلت إلى الشام وعند باب دمشق، كانت الجماهير قد ازدحمت في الطرقات، مشدودة بأنظارها إلى القافلة من أسارى الخوارج – هكذا قال الإعلام – وفي نشوة هذا الفرح والابتهاج بانتصارات خليفة المسلمين … في هذا الجو من الاحتفال بالنصر، ووصول هؤلاء الأسارى من الخوارج، يشاهد شيخ كبير طاعن في السن يقترب من قافلة الأسارى وهو يرفع صوته بالدعاء:
(الحمد لله الذي خذلكم وقتل رجالكم ونصر أمير المؤمنين يزيد عليكم)، وصلت هذه الكلمات إلى سمع الإمام زين العابدين (ع) والى سمع الحوراء زينب (ع)، والى أسماع النساء الأسيرات واليتامى من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) تصل هذه الكلمات إلى أسماعهم، فتجرح قلوبهم وتتندى في عيونهم دموع خرسى صامتة لا تملك أن تعبر عن آهاتها وتوجعاتها، فتخنق في داخل الصدور، لا يسمح لهم أن يبكوا وإلا فالسياط تلتهب على ظهورهم ووجوههم، كما أنّهم لا يريدون أن يتعرضوا لذل الشماتة، هذا الشيخ الشامي واحد من ضحايا الإعلام الأموي.
فلما سمع الإمام زين العابدين (ع) هذه الكلمات الجارحة الصادرة من هذا الشيخ المسكين الضحية توجّه إليه بكلمات تقطر حباً وشفقة ورحمة:
* وقال: (يا شيخ هل قرأت القرآن) وهنا تكون المفاجأة المذهلة لهذا الشيخ هؤلاء خوارج فكيف يعرفون القرآن؟!
– فأجاب الشيخ بكلمات ذاهلة : (وما أنتم والقرآن).
نعم هكذا قال لهم الاعلام الأموي، أنّ هؤلاء خوارج لا صلة لهم بالقرآن، وانّما الممثلون الحقيقيون للقرآن هم الأمويون، يزيد بن معاوية هو الممثل الحقيقي للقرآن، يزيد قاتل الحسين، هادم الكعبة، مبيح المدينة، اللاعب بالقردود، الشارب للخمور، الغارق في المجون والشهوات، هو ممثل القرآن – كما يقول الإعلام – .
قال بولس سلامه في ملحمته يخاطب المؤذن :
رافع الصوت داعياً للفلاح أخفض الصوت في أذان الصباح
وترفق بصاحب العرش مشغولاً عن الله بالقيان الملاح
ألف الله أكبر لا تساوي بين كفي يزيد نهلة راح
* أعاد الإمام زين العابدين (ع) السؤال على هذا الشيخ المذهول (يا شيخ هل قرأت القرآن)؟
– نعم قرأت القرآن.
* فقال الإمام: يا شيخ هل قرأت هذه الآية ( قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى)
– نعم قرأتها
* فنحن القربى يا شيخ .
فتندت دمعة خفيفة في عيني الشيخ المخدوع.
* وآصل الإمام أسئلته: يا شيخ هل قرأت هذه الآية (وآت ذا القربى حقه)
– نعم قرأتها
* فنحن القربى يا شيخ.
بدأت الدموع تزدحم في عيني الشيخ المسكين.
* قال الإمام: يا شيخ هل قرأت هذه الآية (إنّما يريدُ الله ليُذهِبَ عنكم الرِجسَ أهل البيت ويُطهركم تطهيرا)
– نعم قرأتها
* فنحن أهل البيت يا شيخ .
فصرخ الشيخ باكيا: بالله عليك أنتم هم؟ وظل يصرخ وهو يكرّر: أنتم هم أنتم هم .
* أجاب الإمام: (وحق جدنا رسول الله إنّا لنحن هم)
فانفجر الشيخ باكياً صارخاً: الله أكبر، أبناء رسول الله أسارى، أبناء رسول الله أسارى، واستمر يصرخ وهو يردّ هذه الكلمات إلى أن هدأت فورته، فالتفت إلى الإمام زين العابدين بعين مملوءة بالدموع، والحياء والخجل والانكسار قائلاً (يا ابن رسول الله هل لي من توبة)
* نعم ان تبت تاب الله عليك وأنت معنا
– فصاح الشيخ: اللهم اني تائب، اللهم اني تائب، ورفع كفيه الى السماء وهو يقول: (اللهم انا نبرأ إليك من عدو آل محمد)
وما أن أتمّ هذه الكلمات حتى تلقفتها أجهزة المخابرات وأجهزة القمع التي لا تستطيع أن ترى إنساناً واعياً في صفوف الشعب، فصدر القرار بإعدامه فوراً، وسقط رأس الشيخ ثمناً لموقفه الجرئ وكلماته الشجاعة.
ماذا في الساحة السياسية:- قضية القدس:-
لازال العدوان الصهيوني الغاشم على شعبنا المسلم في فلسطين مستمراً، ولا زالت ممارسات القتل والإبادة والتصفية والدمار الشامل تمارس بكل تعسف وعنجهية، ورغم كل ذلك فان الشعب الفلسطيني المجاهد لا زال صامداً وإنّ المقاومة البطلة لا زالت تواجه العدوان بكل صلابة وعنفوان، وإنّ العملية البطولية الأخيرة التي نفذتها المقاومة لأكبر دليل على إصرار هذا الشعب المسلم على حماية أرضه ومقدساته، فلا خيار إلا خيار الجهاد والمقاومة، فيجب على المنظمات الدولية، وأنظمة العالم، وشعوب العالم أن تفهم هذا الخيار.
ويجب على أنظمتنا العربية الإسلامية أن تدعم هذا الخيار، ويجب على شعوب أمتنا أن تساند هذا الخيار، وأن ترفض كل الخيارات الأخرى، إنّ شعبنا المسلم في البحرين قد عبّر بكل صدق من خلال مسيرات التضامن والاحتجاج عن إيمانه بقضايا هذه الأمة المصيرية، مما يبرهن على أصالة هذا الشعب الذي أكّد بكل شموخ وعنفوان أنّه في مستوى ضرورات المرحلة.
وما نأمله من هذا الشعب أن يعطي للعالم صورة حضارية تعكس الوعي والنضج السياسي، كما نعكس إلتزام هذا الشعب بقيمه ومبادئه الإسلامية النظيفة، التي تحترم ممتلكات الآخرين وأموالهم.
وهنا لا يسعنا إلاّ أن نعبّر عن استنكارنا لتلك المواجهات التي تعرضت لها المسيرات والتظاهرات من قبل قوات الشغب، مما عرض الكثير من المواطنين إلى الضرر، كما أدت إلى استشهاد أحد المواطنين.
ليس من صالح هذا الوطن، وليس من صالح هذا الشعب، أن تتصاعد الأمور إلى هذا المستوى، فإذا كانت بعض تصرفات المتظاهرين غير مبررة، فإن التصدي بالعنف والقوى هو الآخر غير مبرر اطلاقاً، ولذلك طالب العلماء في بيان لهم والذي استنكر ضرب المسيرات أن تكوّن لجنة التحقيق وحتى تعتبر نتائجها مقبولة شعبياً أن تضم عناصر من خارج السلطة، وإلا فسوف لن تكون هذه النتائج محل رضى وقناعة الشعب، كما طالب هذا البيان بتعجيل ترحيل السفير الأمريكي الذي تحدّى مشاعر هذا الشعب، واستفزّ غضبه، وقال البيان بأنه يتحتم على أبناء هذه الأمة أن يقاطعوا البضائع الأمريكية، ويتحتم على كل الأنظمة التي لها علاقات مع الكيان الصهيوني أن تبادر فوراً إلى قطع هذه العلاقات مهما كان شكلها ومستواها.
دعاء:-
(اللهم انّا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله، وتذل بها النفاق وأهله وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة).
وأستغفر الله لي ولكم والحمد لله رب العالمين …