حديث الجمعةشهر ذي القعدة

حديث الجمعة 509: التَّقارب هو خَيار الأنظمة والشًّعوب (2) – القلوب الوفيَّة استنفرت كلَّ أدعيتها، وابتهالاتها

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الهُداةِ الميامين، وبعد:

التَّقارب هو خَيار الأنظمة والشًّعوب
* إطلالة سريعة لما تناوله الحديث السَّابق

فقد تناول حديث الجمعة الماضية هذا العنوان: (التَّقارب هو خَيار الأنظمة والشُّعوب).

وقد تعرَّض الحديث إلى ثلاثة مواقف:
الموقف الأوَّل: موقفٌ متطرِّفٌ متشدِّدٌ رافضٌ لكلِّ أشكال التَّقارب الدِّينيِّ، أو التَّقارب السِّياسيِّ بدعوى أنَّ الآخر مرفوضٌ تمامًا، فلا معنى لأيِّ تقارب أو تفاهم معه، لأنَّ هذا يشكِّل اعترافًا به، وهو ما يتنافى مع (متبنَّيات) هذا الموقف، ورؤاه، وقناعاته، ومسلَّماتِه.

الموقف الثَّاني: موقفٌ ينطلق من فهمٍ خطأ وملتبس للتَّقارب، ولا ينطلق من تطرُّفٍ وتشدُّدٍ كما هو شأن الموقف الأوَّل، ومنشأ الالتباس والخطأ – هنا – هو الاعتقاد بأنَّ التَّقارب مع الآخر الدِّينيِّ، أو الآخر المذهبيِّ، أو الآخر الثَّقافيِّ، أو الآخر السِّياسيِّ يعني: (التَّنازل عن الهُويَّة)، وعن الانتماء، وعن القناعات الدِّينيَّة، أو المذهبيَّة، أو السِّياسيَّة، فيكفى أنْ تكون العلاقات مع الآخر طيِّبة، وغير متوتِّرة، ولا ضرورة إلى ملتقيات، وتأسيس (كيانات مشتركة)، ففي ذلك الكثير من التَّعقيدات، والإشكالات!

الموقف الثَّالث: موقف لا ينطلق من تطرُّف وتشدُّد، ولا ينطلق من فهم خطأ، وإنَّما ينطلق من (تجارب متراكمة) أكَّدت فشل (الملتقيات الدِّينيَّة)، وفشل (الملتقيات الثَّقافيَّة والسِّياسيَّة)، فمضيعة للجهود والأوقات، تكرار (تجارب فاشلة)، والواقع المعاصر يحمل (شواهد) كثيرة على فشل (مؤتمرات الأديان)، و(مؤتمرات السِّياسة)، و(مؤتمرات الثَّقافة)!

نعم، هذه المؤتمرات، والملتقيات غنيَّة بالقرارات، والبيانات المعطَّلة، والمشلولة، والفاقدة لأيِّ قدرة على الحركة، والبقاء.

* ملاحظات على هذا الموقف الثَّالث
ولنا على هذا الموقف الثَّالث بعض ملاحظات:

1- خطأ إطلاق القول بفشل جميع دعوات التَّقارب

ليس صحيحًا إطلاق القول: بأنَّ جميع دعوات التَّقارب، وأنَّ جميع لقاءات الحوار عبر التَّاريخ، أو في الواقع المعاصر قد فشلت، وأنَّها لم تحقِّق شيئًا من أهدافِها، وغاياتها.

نحن نسلِّم بوجود إخفاقات في العديد من تلك المحاولات، بسبب معوِّقات كبيرة، صنعتها عوامل تراكمت عبر تاريخ طويل، وبسبب العصبيَّات التي أوجدها الجهل، وصنعتها أهواء ومصالح، وعقول متخلِّفة، وأهداف مشبوهة.
نعم، نحن نسلِّم بوجود هذه الإخفاقات، وبوجود عدد كبير من المعوِّقات.

إلَّا أنَّ هذا لا يعني أنْ نظلم (تجارب) في التَّاريخ، والحاضر كانت رائدة في إنتاج (تقارب)، و(تفاهم) عبر لقاءاتٍ صادقةٍ، وحواراتٍ جادَّة.

أ- دار التَّقريب من أروع التَّجارب
جميعنا قرأ عن (تجربة دار التَّقريب) التي تأسَّست في القاهرة في بداية الخمسينات من القرن الماضي، حيث تصدَّى عددٌ من كبار علماء المذاهب الإسلاميَّة السُّنِّيَّة والشِّيعيَّة إلى التَّفاهم والتَّحاور ممَّا أنتج اتفاقًا على إنشاء كيان موحَّد باسم (دار التَّقريب بين المذاهب) انضمَّ إليها أعداد كبيرة من علماء المذاهب.

وقد كانت هذه الدَّار تصدر مجلةً غنيَّةً بالأبحاث، والدِّراسات العلميَّة، والفكريَّة، والفقهيَّة، والتَّاريخيَّة، والأخلاقيَّة، والاجتماعيَّة، وبأقلام نخبة من علماء المذاهب الإسلاميَّة، السُّنِّيَّة والشِّيعيَّة، وبقيَّة المذاهب.

وقد استطاعت هذه الدَّار ومن خلال فعالياتها العلميَّة، والثَّقافيَّة، والأدبيَّة، ومن خلال (الملتقيات)، و(الاجتماعات)، و(الحوارات) أنْ تُقارِب بين المذاهب، وعلماء المذاهب، ومثقفي المذاهب، وأتباع المذاهب.

وحدث تواصل بين (الأزهر) في القاهرة والحوزات الشِّيعيَّة في النَّجف الأشرف، وقم المقدَّسة، ولبنان، إلَّا أنَّ هذه التَّجربة الرَّائدة ما كانت مريحة لقوى الاستكبار التي لا تريد أنْ يتشكَّل أيُّ تقارب بين مذاهب المسلمين، وبين مكوِّنات المسلمين، وبين علمائهم، ومثقَّفيهم، وأحزابهم، وجماهيرهم، وشعوبهم!

هذا التَّقارب يضرُّ بمصالح قوى الاستكبار، وبأهدافها، ومشاريعها في أوطان العرب، والمسلمين.

ولذلك تحرَّكت كلُّ المحاولات، والمخطَّطات؛ لإجهاض هذا المشروع الرَّائد: (دار التَّقريب بين المذاهب)، وتمَّ بالفعل إجهاضه؛ ليخسر العرب والمسلمون تجربة من أروع التَّجارب، وأنجحها في التَّقريب، وجمع الكلمة، والتَّصدِّي لمشروعات الفتنة، والتَّجزِئة، والفرقة بين المسلمين.

ب- قيام مجامع وجماعات في الوطن الإسلاميِّ

وهذا لا يعني أنَّها التَّجربة اليتيمة في العصور المتأخِّرة، فقد شهد تاريخنا المعاصر قيام مجامع وجماعات في أكثر وطن إسلاميٍّ، وقد حقَّقت نجاحات كبيرة جدًّا، حيث استطاعت أنْ تقارب بين العلماء، والمفكِّرين، والمثقَّفين من مختلف المذاهب الإسلاميَّة، ولا زالت (المؤتمرات) التي تقارب بين الأديان والمذاهب قائمة، ولا زالت اللِّقاءات التي تعالج قضايا العصر وتحدِّياته، وهي قضايا محوريَّة تشكِّل همومًا مشتركه لجميع العرب والمسلمين.

نعم، لا زالت هذه اللِّقاءات مستمرَّة رغم ما تواجهه من صعوبات، وتحدِّيات، وربَّما بعض إخفاقات!
ج- التَّنوُّع يشهد بالتَّمركز حول قضايا الأمَّة الكبرى
فالتَّنوُّع المذهبيُّ، والقوميُّ لا يشكِّل – دائمًا – عاملًا سلبيًّا يهدِّد حركة (الاستقطاب، والتَّمركز) حول قضايا الأمَّة الكبرى.

* فلسطين القضيَّة المشتركة
أليست (قضيَّة فلسطين) تشكِّل اليوم واحدة من أهم (قضايا الأمَّة المشتركة)؟!، فهي قضيَّة العرب والمسلمين الأولى، فهل تمنع (التَّعدُّديَّات الدِّينيَّة، والمذهبيَّة، والقوميَّة) من أنْ ينتظم هَمُّ فلسطين، وهَمُّ القدس؛ ليكون (هَمًّا واحدًا) لكلِّ العرب، ولكلِّ المسلمين رغم محاولات أعداء الأمَّة في تفتيتِ هذا الهَّمِّ، وفي تجزئةِ المواقف، والرُّؤى؟!
فمطلوب من جميع العرب والمسلمين أنْ يُمركزوا هذه القضيَّة؛ لتكون قضيَّتهم الأولى التي توحِّدُ رؤاهم الدِّينيَّة، والسِّياسيَّة، وتؤسِّسُّ لمواقفهم المشتركة.

فجراحات القدس، وجراحات فلسطين ليستْ جراحاتِ الفلسطينيِّين فقط، بل هي جراحاتُ كلِّ العرب، وجراحاتُ كلِّ المسلمين.

هذا مجرَّد مثال لوجود مشتركاتٌ كبرى بين العرب والمسلمين قادرةٌ على أنْ تتجاوز كلَّ عوامل التَّجزئة، وكلَّ أسباب التَّفرقة، وكلَّ منتجات الانقسام.

* الوطن بلد التَّعدُّديَّات والمكوِّنات
وإذا أخذنا (الوطن) نموذجًا آخر، فلا شكَّ أنَّ الوطن الواحد يحتضِنَ (مكوِّناتٍ متعدِّدةً): مكوِّناتٍ دينيَّةً، ومكوِّناتٍ مذهبيَّةً، ومكوِّناتٍ قوميَّة، ومكوِّنات عِرقيَّة.

وهذه التَّعدُّديَّة في المكوِّنات من الطَّبيعي جدًّا أنْ تنتج (تعدُّديَّة) في الرُّؤى، والأفكار، والقناعات، و(تعدُّديَّة) في السُّلوك، والممارسات، إلَّا أنَّ هذه (التَّعدُّديَّة) يجب أنْ لا تمثِّل (أسباب تناقض، وتنافٍ) إلَّا إذا عاشت هذه الرُّؤى المتعدِّدة (حالاتِ الانسجان، والانغلاق على الذَّات)، وحالاتِ النَّفي المُطلق للآخر، وإلَّا إذا تحوَّل هذا التَّنوُّع إلى تعصُّبٍ، وتشدُّدٍ، وتطرُّفٍ ممَّا ينتج خلافاتٍ، وصراعاتٍ، وصداماتٍ، ومواجهات.

* الخطاب العاقل يصنع المُنتجات الفاعلة
إنَّ الخطابَ العاقل المنفتح قادر على أنْ يُحوِّل الكثير من نقاط الاختلافِ في مجالاتِ الفكرِ، والفقهِ، والسِّياسة الى (مُنتجات فاعلة) للتَّقارب، والتَّآلفِ، وإلى (صياغاتٍ عمليَّةٍ متحرِّكة) تغني الواقع بخَياراتٍ متعدِّدةٍ، وتُنشِّط آفاق الحوار في مجالات الدِّين، والثَّقافة، والسِّياسة، وتدفع إلى المزيد من الحَرَكيَّة، والتَّجديد، والإبداع، والشَّفافيَّة، والمرونةِ، والانفتاح.
وإذا كان الوطنُ الواحدُ يضمُّ (مكوِّناتٍ متعدِّدةً) دينيًّا، ومذهبيًّا، وقوميًّا ممَّا ينتج (تعدُّديَّة في الرُّؤى، والقناعات)، وممَّا يرشِّح لخلافات، وتباينات.

فهناك (القواسم المشتركة الكبرى)، والتي حينما تُفعَّل بصدقٍ، وإخلاص تستطيع أنْ تحاصر كُلَّ الفروقات، وكلَّ التَّباينات المذهبيَّة، والدِّينيَّة، والسِّياسيَّة.

* الاستقرار السِّياسيُّ شأن الجميع
فالاستقرار السِّياسيُّ لأيِّ موطن هل هو شأن دينٍ، أو طائفةٍ، أو مكوِّن؟
إنَّه شأن الوطنِ كلِّ الوطن.

وشأنُ الشَّعب كلِّ الشَّعب.
كما شأن النِّظام، والحكم.
فهذا مشترك من المشتركات الكبرى.

* الاستقرار مسؤوليَّة الجميع والنِّظام أوَّلًا وبالذَّات!

ومسؤوليَّته هي مسؤوليَّة كلِّ المكوِّنات.

وكلِّ الأديان، وكلِّ المذاهب في هذا الوطن، أو ذاك الوطنِ.
ومسؤوليَّة النِّظام والحكم أوَّلًا وبالذَّات.

وكذلك الاستقرار الأمنيُّ هو مشترك من المشتركات الكبرى.

وهكذا الاستقرار الاقتصاديُّ.
والاستقرار الحقوقيُّ.

فوطنٌ لا يملكُ استقرارًا سياسيًّا، ولا يملكُ استقرارًا أمنيًّا، ولا يملكُ استقرارًا اقتصاديًّا، ولا يملكُ استقرارًا حقوقيًّا، إنَّه وطن مأزوم!
وشعبه مأزوم!

ومكوِّناته كلُّها مأزومة!
ونظامه مأزوم!

لا مشكلة أنْ يختلف أبناء الوطن الواحد دينيًّا، أو مذهبيًّا، أو عِرقيًّا، فهذا لا يؤثِّر على الأوضاع العامَّة، ولا يؤثِّر على الاستقرار إلَّا إذا تحوَّل هذا الاختلاف إلى خلافات، وصراعات، وعصبيَّات.

وأما شؤون الوطن العامَّة – والتي لا تخصُّ طائفة، أو مذهبًا، أو مكوِّنًا – كما هو شأن السِّياسة، وشأن الأمن، وشأن الاقتصاد، وشأن الحقوق، فيجب أنْ تكون من (المتَّفقات العامَّة)

* الاختلاف في المشتركات العامَّة يضرُّ بالوطن

قد يقال: حتَّى هذه (المشتركات العامَّة) ربَّما تكون محلَّ جدل وخلاف بين (مكوِّنات الشَّعب الواحد)، أو بين النَّظام والشَّعب، ذلك نتيجة اختلاف الرُّؤى السِّياسيَّة، أو الرُّؤى الأمنيَّة، أو الرُّؤى الحقوقيَّة، أو الرُّؤى الاقتصاديَّة.

* نمطان من الاختلافات
هذا الكلام صحيح تمامًا إلَّا أنَّ هناك فارقًا كبيرًا بين (الاختلافات الدِّينيَّة، والمذهبيَّة، والقوميَّة)، والاختلافات في المشتركات العامَّة.

النَّمط الأوَّل: الاختلاف الدِّينيُّ، والمذهبيُّ، والقوميُّ
الاختلافات من النَّمط الأوَّل، استمرارها أمر طبيعيٌّ، ولا تضرُّ بمصالح الوطن ما دامت محكومة بالحكمة، والرُّشد، والعقل.

النَّمط الثَّاني: الاختلاف في المشتركات العامَّة
وأمّا الاختلافات من النَّمط الثَّاني، فإنَّ استمرارها – لا شكَّ – يضرُّ بمصالح الوطن، فكلَّما تباينت الرُّؤى السِّياسيَّة، وتباعدت، وكان ذلك سببًا في استمرار (الأزمة السِّياسيَّة).

وهكذا الحال بالنِّسبة للرُّؤى الأمنيَّة، والحقوقيَّة، والاقتصاديَّة، فاستمرار التَّباين فيها يعني استمرار الأَزَمات الأمنيَّة، والحقوقيَّة، والاقتصاديَّة، ممَّا يؤدِّي إلى إرباك أوضاع الأوطان.

هنا تتأكَّد الضَّرورة لوجود (لقاءات)، و(تفاهمات) في قضايا السِّياسة، والأمن، والاقتصاد، والحقوق؛ من أجل إنتاج (حلول) لأزمات الأوطان.

2- عدم إنتاج التَّوافقات من اللِّقاءات لا يبرِّر تجميد المحاولات

وإذا قيل: إنَّ هذه اللِّقاءات، والتَّفاهمات حَدَثَت، ولا زالت تتكرَّر، لكنَّها لم تنتج (توافقات) لحلِّ الأزمات!
وإذا سلَّمنا بهذا، فهو لا يبرِّر – إطلاقًا – أنْ تتجمد (المحاولات)، فربَّما تكون المحاولة الخمسون، المائة، الألف هي المحاولة النَّاجحة.

فمهما واجه السَّائرون في درب الإصلاح، والبناء، والتَّغيير من صُعوباتٍ، ومُعوِّقاتٍ، وإخفاقاتٍ، فإنَّ هذا لا يُبرِّر أنْ يهتزَّ في داخلهم الاستمرارُ، والتَّفاؤل ما دامت القلوب مملوءة بالإيمان، والثِّقة بتأييد الله تعالى لكلِّ الجهودِ الخيِّرةِ، والطَّامحةِ الى خير الأوطانِ وصلاحها.

أ- تاريخ التَّعايش يضخُّ المحبَّة والتَّسامح أملًا
فإذا كان هناك تاريخ من (الصِّراعات)، فإنَّ هناك تاريخًا من (التَّعايشات)، فلماذا يغيب هذا التَّاريخ من المحبَّة والتَّسامح؛ لتبقى الصُّورة السَّوداء جاثمة في العقول، والقلوب؟!
فلا مبرِّر أنْ يحكمنا اليأس في مواجهة مشاريع التَّجزئة، والتَّفتيت، والتي يُغذِّيها – دائمًا – أعداءُ هذه الأمَّة، والعابثون بمصالحها، والمتطرِّفون، والجهلاء من أبنائها!

فالاستنفارات الطَّائفيَّة، والمذهبيَّة لا تعبِّر عن أصالةِ شعوبنا بما تكرِّسه هذه الأصالة من تعايش، ومحبَّة، وتسامح، وإنَّما تعبِّر عن إنتاجٍ مشوَّهٍ أراد أنْ يصنع واقعًا مُزوَّرًا، يسيئ الى سمعة أمَّتنا، وشعوبنا، وأوطاننا.

ب- أجواء التَّوتُّرات الطَّائفيَّة لا تُعالجُ فيها أزماتُ الأوطانِ

وفي أجواء (التَّوتُّرات الطَّائفيَّة) لا يمكن أنْ تُعالج (أزماتُ الأوطان)!
هذه الأزمات التي أرهقت شعوبَنا، وعقَّدت أوضاعَها، فلا تُصحَّح تعقيداتُ الأوطان إلَّا في ظلِّ (مناخات) صالحة توفِّر الفرص؛ لتنشيط (العِلاجات) القادرة على معالجة الأزمات.

كلُّ الأمناء على مصالح الأوطان – حُكَّامًا، ومحكومين – مطالبون في إنتاج (المناخات)، وتهيئة (الأجواء)؛ لكي تتحرَّك (الخَيَارات الرَّشيدة)؛ لتصحيح كلَّ الأوضاع المأزومة في هذا الوطن، أو ذاك.

كلمة أخيرة: القلوب الوفيَّة استنفرت كلَّ أدعيتها، وابتهالاتها
كلُّ القلوب الوفيَّة تابعت بصدقٍ، ووفاء، ومحبَّة أوضاع سماحة الأب الصِّحيَّة، وقد استنفرتْ مشكورة كلَّ أدعيتها وابتهالاتِها الضَّارعة إلى الله تعالى أنْ يشمله برعايتِه، ولطفه، وخاصَّة عشيَّة إجراء العمليَّة.

في ظهيرة الثُّلاثاء الماضية( )، وفي السَّاعة الثَّانية عشرة تمَّ إدخال سماحتِه إلى غرفة العمليَّات، وكان يحمل درجة عالية جدًّا من الاطمئنان، والرِّضا، والثِّقة بألطافِ الله سبحانه وتعالى، ورعايته، ولم يظهر عليه أيُّ قلق، أو اضطراب رغم كلِّ الاحتمالات!
وتمَّتْ العمليَّة مستغرِقةً ثلاث ساعات، وكانت ناجحة بامتياز بكرم اللهِ (عزَّ وجلَّ) ومنَّهِ، وفضلِهِ، وبدعواتِ المؤمنين، وتضرُّعاتِهم الخاشعةِ إلى الله سبحانه.

وبعد انتهاء العمليَّة تمَّ نقل سماحة الوالد إلى غرفة العناية المركَّزة؛ ليبقى تحت الإشراف الدَّقيق لمدَّة لا تقلُّ عن ثمانية وأربعين ساعة، وبعدها يعود إلى غرفة الرقاد العادية.

حالته الصِّحِّيَّة الآن جيِّدة جدًّا.
وسوف تجرى له فحوصات عامَّه؛ لمعالجة بعض الأمراض التي يعاني منها.

وتبقى الحاجة إلى دعاء المؤمنين.
وهو يحمل كلَّ الحبِّ والتقدير لهذا الوفاء، وهو بعضُ ما يستحقُّه أبوكم الوقور الذي أعطى كلَّ وجوده؛ من أجلِ دين اللهِ تعالى، ومن أجل أنْ يرى هذا الوطن بخير، وأنْ يرى جميع أبناءِ هذا الوطن بخير.

وهكذا احتضن الوطن في قلبه.
وهكذا احتضن أبناء الوطن في قلبه.
فيجب أنْ يحتضنه قلب الوطن.
ويجب أنْ تحتضنه قلوبُ أبناءِ هذا الوطن.

وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى