الصديقة فاطمة الزهراء (ع)من وحي الذكريات

مسؤوليَّة الحوزات النِّسائيَّة في ذِكْرى الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام)

هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، قد تمَّ بثُّها في يوم الأربعاء بتاريخ: 20 جمادى الآخرة 1442هـ، الموافق 3 فبراير 2021 م، وذلك بمناسبة ميلاد الصِّدِّيقة فاطمة الزَّهراء (عليها السَّلام)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.

أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الغوي الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين سيِّدنا، ونبيِّنا، وحبيبنا، وقائدنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عنوان هذا اللقاء وعنوان هذا الحديث هو:
مسؤوليَّة الحوزات النِّسائيَّة في ذِكْرى الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام)

ما هي مسؤوليَّة الحوزات؟
كلُّنا مسؤولون في ذِكرى الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام)، لكن لحوزاتنا النِّسائيَّة خصوصيَّة في تَحمُّل هذه المسؤوليَّة الكبرى.
النقطة الأولى: ما هي مسؤوليَّة حوزاتنا النِّسائيَّة؟
مسؤوليَّة الحوزات النِّسائيَّة أنْ تنشِّط موسم الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام) سواء موسم الولادة، أو موسم الشَّهادة.
وحينما أتحدَّث عن الموسم هنا، أتحدَّث أوَّلًا عن خطاب الموسم، وهو أنْ تكون الزَّهراء (عليها السَّلام) حاضرة في خطابنا الدِّينيِّ، ليس في الموسم فقط، بل في كلِّ السَّنة.
الخطاب الدِّينيُّ يجب أنْ يكون قد عاش الزَّهراء (عليها السَّلام)، وقضايا الزَّهراء (عليها السَّلام)، وعطاءات الزَّهراء (عليها السَّلام)، ومدرسة الزَّهراء (عليها السَّلام).
نعم للموسمين: موسم الولادة، وموسم الشَّهادة بعض الخصوصيَّات.

النقطة الثَّانية: مرتكزات تنشيط الموسم
السُّؤال المركزيُّ هنا: كيف ننشِّط موسم الزَّهراء (عليها السَّلام) (موسم الولادة، أو موسم الشَّهادة)؟
والخطاب هنا لدور الحوزات النِّسائيَّة: كيف تستطيع الحوزات النِّسائيَّة أنْ تنشِّط موسم الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام)؟
يعتمد تنشيط هاذين الموسمين، أو هذا الموسم على مجموعة مرتكزات.
تمرُّ ذِكرى الولادة (موسم الولادة)، ونريد أنْ ننشِّط هذا الموسم، كما تمرُّ ذِكرى الشَّهادة ونريد أنْ ننشِّط ذلك أيضًا، ونحرِّك، ونفعِّل هذا الموسم.
هذا التَّنشيط، وهذا التَّفعيل يحتاج إلى مجموعة مرتكزات، ومتى توفَّرت هذه المرتكزات استطعنا أنْ نرتقي بدور الموسم، وبعطاءات الموسم، وبمدرسة الموسم.
ما هي هذه المرتكزات الأساس التي إنْ نشَّطناها وحرَّكناها نشَّطنا الموسم، وحرَّكنا موسم الزَّهراء (عليها السَّلام)، وأنْ لا يبقى الموسم حالةً بليدة ساذجة بسيطة!
إذن، هناك مجموعة مرتكزات لتنشيط هذا الموسم:
المرتكز الأوَّل: الإعلام النَّاجح
نحتاج إلى إعلام ناجح
الإعلام اليوم له دور في نشر المفاهيم.
في نشر التَّصوُّرات.
في نشر القِيم.
في تحريك وعي النَّاس.
في تحريك مشاعر النَّاس.
في تحريك عواطف النَّاس، ووجدان النَّاس، وسلوك النَّاس، والإعلام.
الإعلام يصنع عقل الحياة، ويصنع وجدان الحياة، ويصنع سلوك الحياة.
فبقدر ما يكون الإعلام ناجحًا يتحقق الهدف.
إعلامنا في ذِكرى الزَّهراء (عليها السَّلام)، في ذِكرى الولادة، وفي ذكرى الشَّهادة، كم هو مستوى هذا الإعلام؟
إعلام ناجح؟ أو إعلام فاشل؟
هنا يحتاج إلى عقل يهندس هذا الإعلام.
اليوم الإعلام عِلم.
اليوم الإعلام دراسة.
اليوم الإعلام تخصُّص.
بأيِّ مقدار استطعنا أنْ نُدخل هذا الوعي الإعلاميَّ في برامجنا الإيمانيَّة، وبرامجنا الدِّينيَّة، ومواسمنا، ومناسباتنا، واحتفالاتنا؟
إعلام ناجح يعطي نجاحًا!
إعلام فاشل يعطي فشلًا!
فأوَّل مرتكز من أجل أنْ ننشِّط موسم الصِّديقة الزَّهراء (عليها السَّلام) أنْ يكون إعلامنا إعلامًا ناجحًا في تنشيط هذا الموسم.

المرتكز الثَّاني: الإعداد النَّاجح
نحتاج إعدادًا ناجحًا للموسم.
صنعنا إعلامًا كبيرًا للموسم إلَّا أنَّنا عندما جئنا إلى إعداد الموسم أعددناه اعدادًا باهتًا، هزيلًا، ضعيفًا!
لا يكفي أنْ نخلق إعلامًا كبيرًا.
الإعداد للموسم يجب أنْ يكون إعدادًا ناجحًا.
حينما أقول: إعداد ناجح.
ما المقصود؟
احتفالات، محاضرات، ندوات، حوارات، كتابات، هذه كلُّها تدخل في مناهج الموسم، وكلُّها تدخل في إعداد الموسم.
كم صنعنا من احتفالات ناجحة؟
وكم صنعنا من محاضرات ناجحة؟
وكم صنعنا من ندوات ناجحة؟
وكم صنعنا من حوارات ناجحة؟
وكم صنعنا من كتابات ناجحة؟
المطلوب هو أنْ نطوِّر وسائل الإحياء.
إنَّنا درجنا على أسلوب الإحياء، الاحتفال، الكلمات، القصائد، المدائح، المراثي، هذه هي الوسائل الاعتيادية التي نمارسها في إحياء قضايا أهل البيت (عليهم السَّلام)، ومناسبات الإسلام.
اليوم الحياة قد تطوَّرت.
وسائل الخطاب قد تطوَّرت.
وسائل البثِّ قد تطوَّرت.
إذن لا بدَّ أنْ نقتحم كلَّ وسائل العصر؛ من أجل أنْ ننشط برامجنا الدِّينيَّة.
كم في العصر من تطوُّرات في مستوى البثِّ، في مستوى الإعلام، في مستوى النَّشر؟!، لا بدَّ أنْ نقتحم هذه المنتجات العصريَّة، ونوظِّفها في تطوير وإعداد مواسمنا الدِّينيَّة.
إذن، هنا نحتاج إلى عقول متخصِّصة قادرة على أنْ تمنهج، وقادرة على أنْ تبرمج، وقادرة على أنْ تصوغ خطابنا الدِّينيَّ اعتمادًا على وسائل حديثة.
كما أنَّ الاحتفالات يجب أنْ تتطوَّر، وكذا المحاضرات، وأساليب المحاضرات، الخطاب، النَّدوات، الحوارات، الكتابات، كلُّها يجب أنْ تأخذ مسارًا متطوِّرًا، حتَّى نستطيع أنْ نعطي للموسم إعدادًا ناجحًا.
فإذن، نحتاج أوَّلًا إلى إعلام ناجح للموسم، وثانيًا نحتاج إلى إعداد ناجح للموسم من خلال توظيف كلِّ وسائل العصر الإعلاميَّة، والثَّقافيَّة، والتَّقنيَّة، من أجل أنْ نطوِّر برامجنا الدِّينيَّة، وأنْ نطوِّر احتفاءنا بالمناسبات، مناسبات الفرح أو مناسبات الحزن.

المرتكز الثَّالث: الخطاب النَّاجح
أنْ نطوِّر الخطاب (خطاب الموسم)
هنا نحتاج إلى إعلام ناجح.
ونحتاج إلى إعداد ناجح.
ونحتاج إلى خطاب ناجح.
المسألة ليست مسألة محاضرة!
المسألة ليست مسألة كلمة!
المسألة ليست مسألة شِعر.
المسألة ليست مدحًا، ولا رثاء.
ممكن أنْ توجد محاضرات، وكلمات، وشعر، ومدائح، ورثاء، هذا كلُّه يمكن أنْ يتوفَّر.

مفاعيل الخطاب النَّاجح
حينما نريد أنْ نعطي خطابًا ناجحًا:
أوَّلًا: مضمون الخطاب
ما هي المضامين التي نطرحها في خطابنا؟ قد ترى ألوانًا من الخطاب إلَّا أنَّ المضامين ضعيفة، المضامين هزيلة، المضامين هابطة، منخفضة.
مضامين خطاب الموسم يجب أنْ تكون مضامين كبيرةً راقيةً.
ما المقصود بالمضامين؟
الرُّؤى، والمفاهيم التي تطرح.
ماذا نطرح من مفاهيم حول الزَّهراء (عليها السَّلام)، هل فقط مصيبة الزَّهراء (عليها السَّلام) ونبكي؟!
الزَّهراء (عليها السَّلام) مدرسة.
الزَّهراء (عليها السَّلام) مفاهيم.
الزَّهراء (عليها السَّلام) فكر، عطاء للإسلام.
خطبة الزَّهراء (عليها السَّلام) مدرسة للإسلام كلِّه.
فماذا نطرح من رؤى، ومن مفاهيم؟
ما هي مقارباتنا التَّاريخيَّة؟
نحتاج إلى مقاربات تاريخيَّة واعية.
نحتاج أنْ نقرأ التَّاريخ قراءة واعية، وليست قراءة انفعاليَّة ساذجة بسيطة.
نحتاج إلى قراءة واعية للتَّاريخ.
نحتاج إلى مقاربات واعية للتَّاريخ.
ونحتاج إلى مقاربات عقيديَّة، أو عَقَدِيَّة، وفِكريَّة واعية.
ونحتاج إلى مقاربات روحيَّة، وأخلاقيَّة، وسلوكيَّة.
ونحتاج إلى مقاربات اجتماعيَّة.
ونحتاج إلى مقاربات تعالج كلَّ قضايا العصر، وقضايا النَّاس.
هذه كلُّها مقاربات، كلُّها تصبُّ في مضمون الخطاب.
المضمون إذا كان منخفضًا لا قيمة لأعداد الأيَّام عشرة!، عشرين يومًا نحتفل بذِكرى الزَّهراء (عليها السَّلام) والمضامين هابطة، والمضامين منخفضة، المفاهيم ضعيفة، لا تغيِّر وعيًا، لا تصنع ثقافةً، لا تصنع رؤى إيمانيَّة، فأيُّ قيمة لِكَمِّ الخطاب، وكَمِّ المجالس، وكَمِّ الاحتفالات؟!
إذن، نحتاج إلى مضمون خطاب راقٍ، بقدر ما نرتقي بخطاب الموسم، ترتقي قيمة الموسم، وترتقي قيمة العطاء في الموسم.
هذا أوَّلًا.

ثانيًا: لغة الخطاب
توجد مضمون للخطاب، المفاهيم، الرُّؤى، التَّصوُّرات نحتاج أنْ نرتقي بالرُّؤى، والمفاهيم، والتَّصوُّرات.
وكذلك نحتاج أنْ نرتقي بلغة الخطاب.
ربما المفاهيم كبيرة إلَّا أنَّ اللُّغة ضعيفة! لغة الخطاب هابطة، نحتاج إلى أنْ نرتقي باللُّغة.
اللُّغة، المفردات.
اللُّغة، أسلوب الطَّرح.
هناك لغة، هناك أسلوب للطَّرح، فنحتاج أنْ نرتقي، كما نرتقي بالمضامين، والمفاهيم.
مطلوب أنْ نرتقي باللُّغة، وبأسلوب الطَّرح.
1-اعتماد الخطابِ الأسلوبَ العلميَّ
أنْ يعتمد الخطابُ الأسلوبَ العلميَّ
ليس الأسلوب الانفعاليَّ العاطفيَّ!
نريد خطابًا علميًّا.
إنَّ الآخر عندما يتلقَّى الخطاب يتلقَّى علمًا.
هناك معايير علميَّة تحكم الخطاب، وليست معايير مزاجيَّة وانفعاليَّة.
الخطاب الانفعاليُّ المزاجيُّ لا يدخل عقول الآخرين.
فمن أجل أنْ نُدخل الخطاب في عقل الآخر لا بدَّ أنْ يكون خطابًا علميًّا.
وإنَّ معايير الخطاب العلميِّ قد أصبحت واضحة.
فليس كلُّ خطابٍ علميًّا.
وليس كلُّ خطاب يملك معايير العِلم.
إذن، نحتاج إلى خطاب، كما نحتاج إلى مضمون راقٍ نحتاج إلى لغة راقية، ونحتاج إلى أسلوب راقٍ.
اللُّغة الرَّاقية، والأسلوب الرَّاقي يعنيان الأسلوب العلميَّ، المعايير العلميَّة، المنهج العلميَّ.

2-اعتماد الخطاب اللُّغة النَّظيفة
وكذلك مطلوب إلى جانب الأسلوب العلميِّ والمعايير العلميَّة، مطلوب أنْ يعتمد الخطاب اللُّغة النَّظيفة، وهذه قضيَّة مهمَّة جدًّا.
إنَّ لغة خطابنا الدِّينيِّ يجب أنْ تكون لغة راقية أخلاقيًّا ونظيفة.
أحيانًا اللُّغة الهابطة أخلاقيًّا تُفقد كلَّ الخطاب مضامينه، ودلالاته.
الدِّين، الإسلام، القرآن الكريم، منهج النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله)، منهج الأئمَّة (عليهم السَّلام)، الخطاب النَّظيف، لم يستخدموا خطابًا هابطًا أخلاقيًّا.
كان خطابهم نظيفًا كلَّ النَّظافة، هكذا يعلِّمنا القرآن الكريم.
فإذن، يجب أنْ نعتمد أسلوبًا وخطابًا علميًّا، ويجب أنْ نعتمد في الخطاب لغةً نظفيةً.

3-مقدرة الخطاب على محاكاة ذهنيَّة الأجيال
ونحن نتحدَّث عن لغة الخطاب، وأسلوب الخطاب، ينبغي أنْ يكون الخطاب – أيضًا – قادرًا على محاكاة ذهنيَّة الأجيال.
كيف؟
هذه نقطة مهمَّة، فقد يكون خطابي صالحًا لجيل ما قبل خمسين سنة، ولغة ما قبل خمسين سنة هذا خطاب، إلَّا أنَّ جيل العصر قد تعلَّم لغة أخرى، وتعلَّم مفردات جديدة، فإذا لم نحاكِ هذه المفردات، وهذه اللُّغة الجديدة ستصبح لغتنا ميِّتة، هذه لغة أجداد!
قد تقول لي: إنَّ لغة القرآن الكريم قديمة!
الجواب: إنَّ لغة القرآن الكريم حديثة، وتمتدُّ إلى آخر الزَّمن.
لغة القرآن الكريم متجدِّدة.
لغة النَّصِّ الحديثيِّ متجدِّدة.
إلَّا أنَّه في لغة خطاب النَّاس، قد يكون خطاب ما قبل مائة سنة له خصوصيَّته.
لكن اليوم قد وُجِدت مفردات جديدة!
وُجِدت أساليب جديدة!
وُجِدَتْ لغة جديدة!
جيلنا لا يقرأ لغة ما قبل خمسين سنة أو مائة سنة.
الجيل اليوم يقرأ لغة اليوم.
الجيل اليوم يقرأ لغة العصر.
ولذا هل أدخلنا لغة العصر، واللُّغة التي تفهمها الأجيال، واللُّغة التي يقبلها أولادنا، واللُّغة التي تفهمها بناتنا؟!
إذن، كما نحتاج إلى أنْ تكون اللُّغة علميَّة.
وكما نحتاج أنْ تكون اللُّغة نظيفة.
نحتاج أنْ تكون اللُّغة قادرة على محاكاة ذهنيَّة الأجيال.

4-معالجة الخطابِ قضايا النَّاس والأجيال
أنْ يعالج الخطابُ قضايا النَّاس، وقضايا الأجيال.
اليوم شبابنا، أجيالنا، أبناؤنا، عصرنا، ماذا يحتاج من معالجات؟
هل قاربنا مشاكل الشَّباب؟
مشاكل النِّساء؟
مشاكل الأجيال؟
مشاكل الأُسَر؟
المشاكل المتحرِّكة في حياتنا، فهل أدخلناها في خطاب الموسم؟
في خطابنا الدِّينيِّ؟
هذه كلُّها خصوصيَّات.
فنحتاج إلى مضمون خطاب.
ونحتاج إلى لغة خطاب.
ونحتاج إلى مفاهيم خطاب، ومعايير خطاب.

مسألة المقاربات المذهبيَّة
هنا مسألة مهمَّة، وفيها كثير من الحساسيَّة، هذه المسألة هي: ماذا عن المقاربات المذهبيَّة؟
في موسم الزَّهراء (عليها السَّلام)، توجد مقاربة مذهبيَّة صارخة.
هل نحن مطلوب منَّا أنْ نقارب القضايا المذهبيَّة التي تثير ذهنيَّة الآخرين، ووعي الآخرين، ومفاهيم الآخرين؟
هنا مجموعة نقاط سريعة – قد لا يتَّسع الوقت للتَّفصيل فيها – ألخِّصها بشكل عاجل جدًّا.
1- نحن نرفض أيَّ مقاربة مذهبيَّة تعتمد التَّعصُّب الأعمى
لغة التَّعصُّب مرفوضة، لا يوجد في الدِّين، في المفاهيم، في القيم شيئ يُسمَّى تعصُّبًا أعمى، نعم، يوجد تعصُّب للحقِّ، إلَّا أنَّ التَّعصُّب الذي يعتمد المزاجيَّات، والانفعالات، والعواطف هذا تعصُّب مرفوض.
إذن، نحن نرفض أيَّ مقاربة دينيَّة تاريخيَّة تنطلق من روح التَّعصُّب.
التَّعصُّب يدمِّر، ولا يوصل المفاهيم للآخرين، فنرفض أيَّ مقاربة مذهبيَّة تعتمد التَّعصُّب الأعمى.

2- نرفض أيَّ مقاربة مذهبيَّة تثير الفِتن الطَّائفيَّة
هل من حقِّي أكفِّر مذاهب أخرى؟!
لا ليس من حقِّي أنْ أكفِّر.
أمَّا أنْ أناقش، أحاسب المفاهيم، أنتقد بأسلوب علميٍّ نظيف، فلا توجد مشكلة عندئذٍ.
لكن أكفِّر الآخر، وأخلق حساسيَّات، وأصنع فتنًا مذهبيَّة، فهذا مرفوض.
هذا ليس منهجَ الدِّين، ولا منهج القرآن الكريم، ولا منهج أهل البيت (عليهم السَّلام).
فنرفض أيَّ مقاربة مذهبيَّة تثير الفتن الطَّائفيَّة.

3- نرفض أيَّ مقاربة مذهبيَّة تعتمد لغة السَّبِّ والشَّتم
لا يوجد في منهجنا سبٌّ وشَتم.
مرفوض السَّبُّ، والشَّتْم.
القرآن الكريم يقول: ﴿وَلَا تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ …﴾ (سورة الأنعام: الآية 108).
﴿وَلَا تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ …﴾، تسبُّ أصنامهم، تسبُّ آلهتهم، فيسبُّوا الله تعالى، كما سببت آلهتهم.
إذن، السَّبُّ والقذف ليس منهجًا.
أنقل لكم هذه الحادثة – وهي تلقي ضوءًا واضحًا على منهج ومدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام) -: الإمام علي (عليه السَّلام) في حرب صفِّين، سمع – الإمام علي (عليه السَّلام) – قومًا من أصحابه يسبُّون أهل الشَّام أيَّام صفِّين، والحرب قائمة، والانفعالات موجودة، هنا ينفعل بعض أصحاب أمير المؤمنين (عليه السَّلام) من أهل العراق، فيسبون أهل الشَّام!
الإمام عليٌّ (عليه السَّلام) يسمع بعض قومه وأصحابه وجماعته يسبُّون أهل الشَّام، فيتصدَّى لهم بقوَّة، فيقول: «إنِّي أكره أنْ تكونوا سبَّابين، …» (مصادر نهج البلاغة وأسانيده 3/92، السَّيِّد عبد الزَّهراء الحسيني الخطيب).
«أكره» ليس معناها الكراهة الشَّرعيَّة التي يجوز فيها الفعل، لا.
«أكره» ﴿… وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ﴾ (سورة الحجرات: الآية 7).
الكراهة هنا حُرمة، تعني المنع!
«إنِّي أكره أنْ تكونوا سبَّابين، …»، وفي نسخة: «لعَّانين» (بحار الأنوار 32/399، العلَّامة المجلسي).
ليس منهج مدرستنا السَّب والشَّتم، هذا منهج الآخر الذي صنع السَّبَّ والشَّتم.
هذا ليس منهج مدرستنا، ولا منهج أهل البيت (عليهم السَّلام).
«إنِّي أكره أنْ تكونوا سبَّابين، أو [لعانين] ولكن، …» انظر هذا المنهج: «…، لو وصفتم أعمالهم، وذَكَرْتم حالهم كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، …» (بحار الأنوار 32/399، العلَّامة المجلسي).
النَّقد مقبول، انقدوا، حاسبوا الآخر، حاسبوا المفاهيم، حاسبوا المواقف، لكن ليس بلغة سبٍّ وشتم.
إنَّ لغة السَّبِّ لا تصحِّح.
لغة السَّبِّ توتِّر.
لغة السَّبِّ تجعلهم يُصرُّون على منهجم الخطأ، لكن النَّقد العلميَّ محاسبة الأفكار مطلوبة.
«وقلتم».
كم هي قِيم سامية رائعة كبرى عند الإمام عليٍّ (عليه السَّلام)، وهو في معركة، والسُّيوف مشهورة، وهو يقول ويتكلَّم بهذه اللُّغة!
«وقلتم مكان سبِّكم إيَّاهم: اللَّهمَّ، احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم» (نهج البلاغة 2/185/ خطب الإمام علي عليه السَّلام).
هذه لغة الإسلام.
إذن، أي مقاربة مذهبيَّة فيها لغة، فيها مضامين تصير تعصُّبات، ولغة فيها قذف، فيها سبٌّ مرفوضة.

4- نعم المقاربات المذهبيَّة التي تعتمد الأسلوب العلميَّ واللُّغة النَّظيفة، فهي تساهم في التَّقريب
محتاجون إلى مقاربات.
لا توجد مشكلة أنْ أقارب التَّاريخ، أنقد التَّاريخ، إلَّا أنَّني هنا أحتاج إلى أسلوب علميٍّ، وأحتاج إلى لغة نظيفة، ومنهج علميٍّ، هذا مطلوب: كيف أحاسب فكرَ الآخر، كيف أُناقش الآخر، كيف أحاسب التَّاريخ، أحتاج إلى أسلوب علميٍّ، ومنهج علميٍّ، ولغة نظيفة.
إذن، نحن لسنا دعاة فتن طائفيَّة.
إذا البعض يحاول أنْ يعتبرنا دعاة فتن طائفية، لا، فهذا ليس لغة مدرستنا، ولا لغة أهل البيت (عليهم السَّلام)، ولا لغة القرآن الكريم.
فإنَّنا لسنا دعاة فتن طائفيَّة، ولا مذهبيَّة، ولا عصبيَّات، ولا دعاة فتن.

النقطة الثَّالثة: الزَّهراء (عليها السَّلام) النموذج الأرقى للمرأة في كلِّ عصر
الزَّهراء (عليها السَّلام) يجب أنْ تكون نموذجًا للمرأة في كلِّ عصر.
توجد إشكاليَّة تطرح تقول: الزَّهراء (عليها السَّلام) نموذج لذلك التَّاريخ وليس لليوم.
الزَّهراء (عليها السَّلام) مصنوعة لذلك التَّاريخ.
صحيح هي نموذج إلَّا أنَّها نموذج لتاريخها، وليست نموذجًا لعصرنا المتطوِّر المتغيِّر!
هذه إشكاليَّة تُطرح.
الجواب بشكل سريع جدًّا عن هذه الإشكاليَّة.
أوَّلًا: إنَّنا لا نشكُّ بأنَّ كلَّ عصر له متغيَّراته، فعصر الرِّسالة، وعصر نزول القرآن الكريم عصر له خصوصيَّاته، وعصرنا الجديد له خصوصيَّاته، هذا نسلِّم به، ولكن.
هذا أوَّلًا.
ثانيًا: هناك حاجات ثابتة لا تتغيَّر بتغيُّر الأزمان
ليس معنى أنَّ الحاجات التي فرضت في تلك المرحلة يجب أنْ تلغى.
توجد حاجات تبقى مستمرَّة مع طول الدُّنيا، والتَّاريخ، مثلًا:
•العقيدة: العقيدة نحتاجها قبل عشرة آلاف سنة، ونحتاجها إلى بعد عشرة آلاف سنة، فالعقيدة حاجة، هذه لا تتغيَّر بتغيُّر الزَّمان.
•الثَّقافة الإيمانيَّة لا تتغيَّر بتغيُّر الزَّمان، نحتاجها في كلِّ وقت، وفي كلِّ زمان.
•القِيم الرُّوحيَّة، والأخلاقية حاجة لا تَبْلَى لا تنتهي، ليس قبل عشرة قرون، أو عشرين قرنًا، كنَّا نحتاج للأخلاق، واليوم قد أصبحنا لا نحتاج للأخلاق؟ لا.
القِيم، الأخلاق حاجة مستمرَّة لا تنتهي.
•العبادة لله حاجة مستمرَّة لا تنتهي.
نعبد الله تعالى منذ أن وُلد الإنسان ووُجد آدم (عليه السَّلام) وإلى أنْ تنتهي الدُّنيا،
العبادة حاجة، فلا يأتِ أحد ويقول: لسنا محتاجين للعبادة.
لا، فإنَّ العبادة ما انتهت الحاجة إليها.
•التَّقوى ما انتهت الحاجة إليها.
•فقه الحياة ما انتهت الحاجة إليه.
•الدَّعوة إلى الله تعالى.
هذه كلُّها حاجات.

ثالثًا: حينما نقول: الزَّهراء (عليها السَّلام) نموذج لكلِّ عصر؛ لأنَّ الزَّهراء (عليها السَّلام) تملك المستوى الأرقى من كلِّ تلك الضَّرورات، والمكوَّنات.
oالزَّهراء (عليها السَّلام) هي النَّموذج الأرقى في العقيدة.
oوالزَّهراء (عليها السَّلام) هي النَّموذج الأرقى في ثقافة الإيمان.
oوالزَّهراء (عليها السَّلام) هي النَّموذج الأرقى في القِيم الرُّوحيَّة، والأخلاقيَّة.
oوالزَّهراء (عليها السَّلام) هي النَّموذج الأرقى في التَّقوى، والصَّلاح.
oوالزَّهراء (عليها السَّلام) هي النَّموذج الأرقى في العبادة، وفي الثَّقافة الفقهيَّة، وفي الدَّعاء.
وهكذا تبقى الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام) هي النَّموذج الأرقى للمرأة في كلِّ عصر.
فلا يأتِ أحدهم ليقول: الزَّهراء (عليها السَّلام) إنَّها لقبل عشرين قرنًا!
لا، كلُّ القِيم التي تمثِّلها الزَّهراء (عليها السَّلام) تبقى حاجة، وحاجة مستمرَّة إلى نهاية الدُّنيا.
إذن، تبقى الصِّدِّيقة الزَّهراء (عليها السَّلام) هي النَّموذج الأرقى للمرأة في كلِّ عصر، وفي كلِّ زمان، وفي كلِّ مكان.
وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى