حديث الجمعةشهر شوال

حديث الجمعة 341 : موسمٌ عباديٌّ غنيٌّ بالأرباح (3) – الإرهاب لا دين له ولا مذهب

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الهداة المعصومين…

لكي لا نخسر الأرباح (الحلقة الثالثة):
تناول الحديث في الحلقتين الماضيتين (العامل الأول) من عوامل حماية (أرباح الشهر الفضيل) والمتمثل في (الحذر من حارقات الأعمال) وعالجنا نموذجين من هذه الحارقات:
• تلوث القلب.
• ارتكاب المعاصي والذنوب.
نكتفي بهذين النموذجين، لننتقل إلى (العامل الثاني) من عوامل الحصانة والحماية لرصيد الأرباح الروحية…
يتمثل هذا العامل في:
(استمرار عملية التعبئة الروحية)
فإذا توقفت هذه العملية حدث (التكلس الروحي)، ولهذا التكلس الروحي آثار خطيرة، من هذه الآثار:
(1) الكسل العبادي وعدم الإحساس بلذة العبادة…
ومن خلال هذا الكسل يموت الخشوع…
يحدِّثنا القرآن عن نماذج من المصلِّين:
النموذج الأول: المصلُّون الكسالى:
• ﴿وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى…﴾ (النساء/142)
إذا مارسوا الصَّلاة مارسوها بتثاقل، وفتور، وخمول، وملل، وضجر، وبلا رغبة، ولا توجه، ولا نشاط، ولا وعي، ولا خشوع…
في الحديث عن الإمام الباقر عليه السَّلام: «لا تقم إلى الصَّلاةِ متكاسلًا، ولا متناعسًا، ولا متثاقلًا، فإنَّها من خُلل النفاق، وإنَّ الله نهى المؤمنين أنْ يقوموا إلى الصَّلاة وهم سكارى يعني من النوم».

النموذج الثاني: المصلُّون السَّاهون:
• ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ (الماعون/4-5)
ينطبق هذا الوصف على:
‌أ- من يهملون الصَّلاة حتى يخرج وقتها…
في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السَّلام:
«ليس عمل أحبّ إلى الله عزَّ وجلَّ من الصَّلاة، فلا يشغلكم عن وقتها شيئٌ من أمور الدُّنيا، فإنَّ الله عزَّ وجلَّ ذمَّ أقوامًا فقال: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ يعني أنَّهم غافلون استهانوا بأوقاتها».
 
‌ب-  مَنْ يؤخِّرون الصَّلاة إلى آخر الوقت استخفافًا:
وقد أكَّدت الأحاديث عن قيمة المبادرة إلى الصَّلاة في أول أوقاتها إلَّا لضرورة أو لعلَّة أو سبب قاهر، أمَّا إذا كان هذا التأخير تهاونًا، واستخفافًا، فهو مصداق لهذه الآية ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾.

‌ج-  مَنْ يؤدوُّن الصَّلاة بشكلٍ غير صحيح، و بشكلٍ فيه استخفاف وعدم مبالاة…
• في الحديث عن الرسول صلَّى الله عليه وآله عند موته:
«ليس منِّي مَنْ استخف بصلاته، ولا يرد عليَّ الحوض لا والله…».
• وعن أبي بصير قال: دخلت على أم حميدة أعزِّيها بأبي عبد الله عليه السَّلام [الإمام الصَّادق] فبكت وبكيتُ لبكائها ثمَّ قالت: يا أبا محمَّد لو رأيت أبا عبد الله عند الموت لرأيت عجبًا، فتح عينيه ثمَّ قال: اجمعوا لي كلَّ مَنْ بيني وبينه قرابة، فلم نترك أحدًا إلَّا جمعناه، فنظر إليهم ثمَّ قال: إنَّ شفاعتنا لا تنال مستخفًا بالصَّلاة».
• وقالت فاطمة الزهراء عليها السَّلام لرسول الله صلَّى الله عليه وآله: يا أبتاه ما لمن تهاون بصلاته من الرجال والنساء؟
قال صلَّى الله عليه وآله: «يا فاطمة مَنْ تهاون بصلاته من الرجال والنساء ابتلاه الله بخمس عشرة خصلة: ستة منها في دار الدنيا، وثلاث عند موته، وثلاث في قبره، وثلاث يوم القيامة إذا خرج من قبره.
– فأمَّا اللواتي تصيبه في دار الدُّنيا:
فالأولى: يرفع الله البركة من عمره.
[والثانية]: ويرفع الله البركة من رزقه.
[والثالثة]: ويمحو الله سيماء الصالحين من وجهه.
[والرابعة]: وكلُّ عمل يعمله لا يؤجر عليه.
[الخامسة]: ولا يرتفع له دعاء في السَّماء.
والسَّادسة: ليس له حظّ في دعاء الصالحين.

– وأمّا اللواتي تصيبه عند موته:
فأولهنَّ: أنَّه يموت ذليلًا.
والثانية: يموت جائعًا.
والثالثة: يموت عطشانًا، فلو سقي من أنهار الدُّنيا لم يرو عطشه.

– وأمّا اللواتي تصيبه في قبره:
فأولهنَّ: يوكِّل الله به ملكًا يزعجه في قبره.
والثانية: يضيق عليه قبره.
والثالثة: تكون الظلمة في قبره.
 
– وأمّا اللواتي تصيبه يوم القيامة إذا خرج من قبره:
فأولهنَّ: أنْ يوكِّل الله به ملكًا يسحبه على وجهه والخلائق ينظرون إليه.
والثانية: يحاسب حسابًا شديدًا.
والثالثة: لا ينظر إليه ولا يزكِّيه وله عذاب أليم».

للحديث تتمَّة إن شاء الله تعالى.
 
الإرهاب لا دين له ولا مذهب:
إنَّ إرهابًا يحصدُ أرواحًا بريئة، ولا يستثني طفلًا، ولا شيخًا، ولا امرأةً، ولا مريضًا…
إنَّ إرهابًا يُدمِّر بيوتَ عبادةٍ، لا يستثني مسجدًا، ولا كنيسةً، ولا صومعةً، ولا بِيْعة…
إنَّ إرهابًا يَنشرُ رُعبًا، لا يستثني برًّا، ولا بحرًا، ولا جوًّا…
إنَّ إرهابًا يمارس عُنفًا عابثًا، لا يستثني بلدًا، ولا وطنًا، ولا شعبًا…
هذا الإرهاب لا دين له، ولا مذهب ولا عقل، و لا ضمير، ولا أخلاق…
ربَّما تقنَّع الإرهابُ بقناعِ الدِّين، والدِّينُ منه بُراء…
ربَّما تقنَّع الإرهابُ بقناعِ الجهادِ، والجهادُ من بُراء…
ربَّما تقنَّع الإرهابُ بقناعِ الأمن، والأمنُ منه بُراء…
ربَّما تقنَّع الإرهابُ بقناعِ الوطن، والوطنُ منه بُراء…
هنا العبث، وهنا التزوير، حينما يُصنَّعُ الإرهاب وفق أقنعة كاذبة، ووفق قوالب مزيَّفة، ووفق عناوين خادعة…
والسؤال المطروح: هل أنَّ هذا العبثَ، وهذا التزوير ينطلق من التباس في المفاهيم، أو من قناعةٍ وإيمانٍ أو من أغراض خبيثة ومشبوهة؟
الإرهاب جريمةٌ وفق كلِّ المعايير، ولا يوجد أحدٌ على الإطلاق يعلن إيمانه بالإرهاب إلَّا إذا كان معتوهًا، أو مجرمًا ممتهنًا للإجرام…
الذين يمارسونَ الإرهاب كثر على تفاوت في مستويات هذا الإرهاب، يمارسُ الإرهاب أفراد، وجماعات ومنظمات، ودول صغرى وكبرى، إلَّا أنَّ الجميع يعلنون الحربَ ضدَّ الإرهاب، والجميع يستنكرون الإرهاب، لماذا هذا التناقض؟
أعود للتساؤل المتقدم:
هل أنَّ هذا التناقض يعبِّر عن التباسٍ في المفاهيم؟
ربَّما حينما تموت (البصيرة)
الذين يرفعوا شعار (لا حكم إلَّا لله) في وجه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السَّلام كانوا لا يملكون بصيرة، إنَّ مضمون هذا الشعار صحيح مائة في المائة، إلَّا أنَّ التطبيق خاطئ، لذلك واجههم عليّ عليه السَّلام بقولته المشهورة «كلمة حقٍّ يُراد بها باطل»، فمن أعرف بحكم الله من عليّ بن أبي طالب الذي قال فيه رسول الله صلَّى الله عليه وآله «أعلمكم عليّ» «أقضاكم عليّ» «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابُها» وهل يجسِّدُ الحقَّ كلَّ الحقِّ إلَّا عليّ الذي قال عنه رسول الله صلَّى الله عليه وآله: «عليٌّ مع الحقِّ والحقُّ مع عليّ» «عليٌّ مع القرآن والقرآن مع عليٍّ» إلَّا أنَّ موتَ البصيرة عند أولئك القوم دفعهم إلى أنْ يتَّهموا عليًّا بأنَّه انحرف عن الحقِّ وخالف حكم الله، وقد بلغ بهم العَمَه والضَّلال أنْ أعلنوا الحربّ ضدَّ عليٍّ وهو في محراب الصَّلاة…
هكذا يصنعُ موتُ البصيرةِ وعمى القلب…
إنَّ ما نشاهده في عصرنا هذا من أبشع أشكال القتل والذبح، وشقِّ الصدور، وأكل أكباد البشر، تمارس هذه الأعمال الشائنة مقرونة بارتفاع كلمات (الله أكبر) وحتَّى الأطفال الصِّغار يُذبحون وتُزهق أرواحهم البريئة، إنَّ هذا يعبِّر عن انمساخ البصيرة وموت الضمير…
هذا لونٌ من ألوان الإرهاب في هذا العصر أنتجه العَمَه والتيه والضَّلال…
ولوٌن آخر من الإرهاب تُنتجه أغراض السِّياسة الظالمة، وهذا ما تمارسه في هذا العصر قوى كبرى في العالم من خلال تدمير أوطانٍ وشعوب بذرائع كاذبة وموهومةٍ هذه القوى تزعم أنَّها تحارب الإرهاب وهي الراعي الأكبر للإرهاب…
وهذا أيضًا ما تمارسه أنظمة حكمٍ في الكثير من بقاع الدُّنيا من خلال الفتك والبطش بالشعوب…
وإذا كانت جماعات التكفير والعنف والإرهاب تمارس دورها متستِّرةً مختبئةً، فإنَّ القوى الكبرى وأنظمة السِّياسة والحكم تمارس هذا الدور بشكلٍ مكشوف وسافر ما دامت تدعمها قوانين وقرارات جائرة…
إنَّ هذه العناوين (الحرب ضدَّ الإرهاب) (مكافحة الإرهاب) (التصدِّي للإرهاب) عناوين مشروعة ومحقَّة، ويجب أنْ تتجذَّر في وعي كلِّ النَّاس، لأنَّ الإرهاب جريمة عظمى في حقِّ الإنسان والحياة والدِّين والقيم والمبادئ، ولكنَّ المأزق حينما تختلط المصطلحات وترتبك المعايير، وتنحرف المصاديق، وحينما تتحوَّل العناوين شعاراتٍ للتضليل، للاستهلاك، لأغراض السِّياسة الظالمة…
هناك الصَّادقون المخلصون الذين يعادون الإرهاب ويحاربون الإرهاب بكلِّ وعيٍّ وبصيرة ونظافة…
فما أحوج المرحلة الراهنة المأزومة بمنتجات الإرهاب وبجنون العنف والتطرُّف، وبسياسات العبث بكرامة البشر، ما أحوج هذا الزمن البئيس إلى (ثقافة) نقيَّةٍ ونظيفةٍ، وواعيةٍ، وبصيرةٍ، وصادقةٍ، وأمينةٍ…
(ثقافة الرفض للإرهاب) بكلِّ أشكاله ومواقعه وامتداداته، هذا الإرهاب الذي يمثِّل اعتداءً صارخًا على أرواح البشر وأعراضهم وأموالهم ومقدَّساتهم وكراماتهم…

وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى