السيد الإمام الخمينيحديث الجمعةشهر ربيع الثاني

حديث الجمعة 37: فِي ذِكْرَى رَحِيلِ الإمام الخُميني (رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ)

حديث الجمعة 37 | 04 ربيع الثاني 1424 ه | 05 يونيو 2003 م | المكان: مسجد الإمام الصادق (ع) | القفول - البحرين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد للّه ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، السَّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته.

أتناول في هذا اللقاء معكم – أيّها الأحبة – مجموعة موضوعات:
الموضوع الأول: في ذكرى رحيل الإمام الخميني (رضوان اللّه عليه):
في هذه الأيام تمر الذكرى السنوية الرابعة عشرة لرحيل الإمام الخميني
(قدس اللّه روحه الزكية) وبهذه المناسبة نرفع العزاء إلى إمامنا صاحب العصر أرواحنا فداه، وإلى الفقهاء العظام وإلى الأمة الإسلامية.

لا يمكن لحديث جمعةٍ أن ينفتح إلاَّ على مساحةٍ صغيرةٍ صغيرةٍ جداً من حياة هذا الإنسان العظيم، وإنَّ كانت المساحة الصغيرة في حياته هي دنيا كبيرة من العطاء والفيض، ودنيا كبيرة من النور والإشراق، ودنيا كبيرة من القيم والمعاني.

أستميحه أن أطلَّ – باستحياءٍ – على شيء من دنياه، وأنا عاجز أن أستوعب القليل القليل من معناه، وقصارى عذري أنّي أعشق هذا الإسم وأعشق معناه، وأعشق خط الإمام الخميني، منه نتعلم كيف نكون الربانيين في خط اللّه تعالى، منه نتعلم كيف نعطي الصَّلاة حضورها في كل مواقع الحياة، فتكون الصَّلاة ثقافة، وتكون الصلاة سياسة، وتكون الصلاة جهاداً، وتكون الصلاة شهادة، وتكون الصلاة الحياة بكاملها، هكذا كان الإمام الخميني (رضوان اللّه عليه) المصلّي في مواقع الروح والعبادة، والمصلّي في مواقع الفكر والثقافة، والمصلّي في مواقع الإجتماع والسياسة والمصلّي في كلِّ مواقع الحياة، منه نتعلم كيف نقرأ القرآن حركة وعطاء وفيضاً وهداية وزاداً وبصيرة ونوراً، ومنهجاً ودستوراً، وخطاب حياة، منه نتعلم كيف ندعو اللّه خشوعاً وذوباناً وانقطاعاً، وإنصهاراً، وعملاً وسلوكاً والتزاماً وطاعة وتقوى وورعاً واستقامة، هكذا كان الإمام الخميني (رضوان اللّه عليه) لا يفصل القرآن عن حركة الحياة، وحركة الواقع وحركة السلوك.

ولا يفصل الدعاء والذكر عن صياغة الإنسان وهكذا نتعلم منه كيف نفهم الدين لا جموداً ولا ركوداً ولا تخلفاً، وكيف نفهم الدين لا تطرفاً ولا إرهاباً ولا عدواناً.

وهنا وقفةً مع مقولات تطرح في الساحة يحلو للبعض أن يتهم خطابنا بالجمود، ويحلو للبعض الآخر أن يتهم خطابنا بالتطرف، فإن تحدثنا بهدوء نؤسس لخط الأصالة في مواجهة قوى الإنفلات والتمرد اعتبروا ذلك (جموداً دينياً)، وإن تحدثنا بعنفوان وقوة ضد مشروعات الهيمنة والإستلاب ودفاعاً عن القيم والأرض والمقدسات اعتبروا ذلك (تطرفاً دينياً).

إننا نرفض الجمود والتطرف مهما كان شكل هذا الجمود أو هذا التطرف، إلاّ أنَّ الجمود والتطرف في قاموس هؤلاء لهما معنى آخر، وحتى نتحرر من الجمود والتطرف يجب أن نتخلى عن الدين أو نمارس الدين وفق (الطبخة الأمريكية الجديدة).

أيهّــا الأحبــة:
ليس المهم ما يقولون، فليسموه جموداً، ركوداً، تخلفاً، تطرفاً، أو أيّ شيء آخر، المهم يجب أن نملك وعي الموقف، وأن نملك مسؤولية الموقف، المهم أن نتابع ما يتحرك في الساحة بعقول مفتوحة – هكذا تعلمنا مدرسة الإمام الخميني رضوان اللّه عليه – فساحتنا مزدحمة بالقضايا، بالجدل، بالتجاذبات، وربمّا أدّى هذا الإزدحام إلى التشويش والغموض على مستوى الرؤية، وعلى مستوى الموقف.

ومسؤوليتنا في مثل هذه الأجواء أن نملك الوعي والبصيرة وإلاّ تاهت بنا الرؤى وانزلقت بنا المواقف، وما أسوأ المصير حينما تتيه الرؤى وتنزلق المواقف.

والمسألة ليست مسألة ضجيجٍ وصخبٍ، وإنفعالاتٍ، وتأييداتٍ، ومعارضات، والمسألة ليست مسألة أهواءٍ سياسيةٍ، وتهويلاتِ صحفٍ، وبهرجاتِ إعلامٍ، والمسألة ليست مسألة مغالباتٍ هنا وهناك، وشعاراتٍ فيها الكثير من الخداع، ومساوماتٍ وترضيات، ونزغاتٍ وأهواء وشهوات.

المسألة – أيّها الأحبة – مسألةُ حسابٍ صعبٍ وعسير {يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلاَّ من أتى اللّه بقلبٍ سليم، وأُزْلفَتْ الجنةُ للمتقين وبُرّزتْ الجحيمُ للغاوين، وقيل لهم أين ماكنتم تعبدون من دون اللّه هل ينصرُونكم أو ينتصرون، فكُبّكِبُوا فيها هم والغاوون وجنود أبليس أجمعون}،
هذه لغة كتابنا العزيز وقرآننا المجيد، وإنَّ هذه اللغَة لثقيلة على أبناء الدنيا الغافلين عن لقاء اللّه سبحانه، وقد تسمعون مَنْ يقول مِن هؤلاء : لماذا توظّفون لغة الترهيب والتغريب في قضايا السّياسة؟
وفي قضايا الثقافة، وفي المجتمع، لماذا تستخدم لغة الضغط النفسي والفكري على الناس؟

هؤلاء يريدون لنا أن نجمَّد خطاب القرآن، وأن نجمَّد خطاب الدين لأنَّ خطاب القرآن وخطاب الدين لا يجوز له أن يتدخل في شؤون السِّياسة، وفي شئون الثقافة، وفي كل شئون الحياة، فماذا يبقى لخطاب القرآن ولخطاب الدين ؟!

الموضوع الثاني : خطاب التفكير والتخوين!!
يتهم البعض خطابنا الديني بأنّه (خطاب تكفير وتخوين) ويحذر هذا البعض من خشية أن يتحول هذا الخطاب إلى خطابٍ يؤسس لنهج خطير على نمط النهج الذي تبنــّتــّه جماعات التكفير والهجرة التي تشكّلت في بعض الدول الأخرى.
ونلاحظ على هذا الكلام :
أولاً : لم يرد في خطابنا الديني لغة التكفير لأحد أبداً، بل نحن نشجب هذه اللغة بقوة، فالتكفير ليس مسألة سهلة يمكن أن نطلقها بكل بساطة ونحن نعلم ما أنتجته سياسات التكفير في التاريخ من جناياتٍ خطيرة في مجتمعات المسلمين، ولا زالت هذه السياسات تعمل عملها المدمّر في حاضر هذه الأمة، وإنَّ النهج التكفيري الذي إعتمدته بعض الجماعات الدينية المتطرفة نهج نرفضه ونشجبه إنطلاقاً من أسس فقهيه نؤمن بها ونتمسك بها وإنطلاقاً من رؤية واعية لكل معطيات الواقع المعاصر.
وإننا نعتبر الكلمات التي تحاول أن تتهم خطابنا بهذا التطرف هي كلمات إمّا تنطلق من أهداف سيئة لتشويه الخطاب الديني في هذا البلد وإما أنّها لا تملك فهماً لهذا الخطاب.

ثانياً : إنَّ هناك خلطاً متعمداً بين بعض المصطلحات لدى هؤلاء المنتقدين للخطاب الديني.
فهل أن مصطلح «الكفر» ومصطلح «الخيانة» يحملان مدلولاً واحداً ؟ طبعاً هما مصطلحان مختلفان في الدلالة.
اقرأوا هذا النص القرآني في سورة الأنفال / الآية 72 :
« يا أيهّا الذين آمنوا لا تخونوا اللّه والرسول وتَخوُنوا أماناتكم وأنتم تعلمون».
وهذا النـّص نزل في قصة أبي لبابة الأنصاري المعروفة كما تذكر بعض التفاسير فلما نزلت هذه الآية ندم أبو لبابة فقام بشد نفسه على سارية من سواري المسجد وقال: واللّه لا أذوق طعاماً ولا شراباً حتى أموت أو يتوب اللْه عليَّ، فمكث سبعة أيام لا يذوق طعاماً ولا شراباً حتى خرّ مغشياً عليه، ثمَّ تاب اللّه عليه، فقيل له : يا أبا لبابة قد تاب اللْه عليك، فقال : لا واللّه لا أحلّ نفسي حتى يكون (رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله) هو الذي يحلني فجاءه فحلّه بيده.
فالخيانة مراتب ودرجات، والخيانة ضد الأمانة، وأعلى درجات الأمانة هي أمانة (الدين)، فأيّ تفريط في حماية الدين والدفاع عنه مع العلم والقدرة هو خيانة ومن أشد ألوان الخيانة، ولكنه ليس كفراً وارتداداً عن الدين.
ولاحظوا التأكيد على شرط (العلم والقدرة) فمن كان جاهلاً بالحكم والموضـوع لا يصــح أن نعتبره خائناً، ومن كان عاجزاً وغير قادر لا يصح أن نعتبره خائنا، ومن كان معذوراً عذراً شرعياً لا يصح أن نعتبره خائناً، وهذا المعنى هو الذي قصده بالضبط سماحة العلامة الأخ الشيخ عيسى حينما أطلق الكلمة في بعض تطبيقاتها، فالضجة المفتعلة في غير محلها، ولعل وراءها أهدافاً وأغراضاً.

ثالثاً : وإذا كنا نرفض لغة التكفير فهذا لا يعني أن نلغي في خطابنا مفردات (الكفر، الضلال، الشرك، الإلحاد، الإرتداد، النفاق، العصيان، الشيطان، الإستكبار…….)
وهي مفردات تعاطى معها (الخطاب القرآني) فيجب أن نؤصلها في ثقافة الإنسان المسلم، وفي وعيه وفي لغته، فهل نجمّد هذه المفردات في خطابنا خشية أن تزعج البعض، وخشية أن تضر بالتحالفات والمصالحات السّياسية
يذكرنا هذا الكلام بقضية الصلح الذي وقّعه السادات مع إسرائيل، ففي أعقاب هذا الصلح اعترضت إسرائيل على قراءة بعض الآيات القرآنية في الإذاعة المصرية وفي التلفاز المصري، كون تلك الآيات تمس اليهود وتمس بني إسرائيل وهذا يتنافى مع وثيقة الصلح، فهل نجمّد قراءة الآيات القرآنية التي تتحدث عن الكافرين والملحدين والمشركين والضالين والمنافقين والمنحرفين والفاسقين، لأنَّ ذلك قد يقلق بعض الفئات في مجتمعات العرب والمسلمين، ثم إنهّم يقولون : إنّكم حينما تطلقون هذه المصطلحات في خطابكم الديني توحون للناس بوجود هذه العناوين في مجتمعنا البحراني، وهذا المجتمع – والحمد للّه – كلّه مؤمن بالدين، فلماذا هذه الإيحاءات التي تصنف مجتمعنا.
نقول لهؤلاء : إنَ خطابنا هو إنطلاق من خطاب القرآن، وقد أكدّ الخطاب القرآني على مبدأ التصنيف من خلال مجموعة تزاوجات لفظية:
اللّه – الشيطان
التوحيد – الشرك
الإيمان – الكفر
الهدى – الضلال
الاستقامة – الانحراف
الطاعة – المعصية
التقوى – الفجور
فهل يسعنا أن نتخلى عن ذلك في خطابنا ؟!
ثم هل أنَّ مجتمعنا البحراني أصبح مجتمعاً ملائكياً ليس فيه الجاحد للدين، والضال، والمنافق، وليس فيه المنحرف، والفاسق، والمخالف للأحكام، وليس فيه العابثُ بالقيم والأخلاق، والناشط في خط الشيطان، والداعي إلى علمنة الإنسان، وليس.. وليس… وليس…
وحتى لو أصبح مجتمعنا ملائكياً ليس فيه إلاَّ الأخــّيار والأبرار والأتقياء والصلحاء فيجب أن يبقى خطاب التحذير وخطاب التبصير مستمراً مادام الشيطان يمارس دور الغواية والإضلال.

الموضوع الثالث : قانون الأحوال الشخصية في الجمهورية الإسلامية:
لقد أصبح البعض يـردد الإستشهــاد بقـانون الأحــوال الشخصيـة في إيـران، وكأنَّ هذا البعــض يريد أن يقول : إذا كانــت إيــران الإســلامية والتي تعتــبرونها نموذجكــم قد قننت الأحــوال الشــخصية، فلماذا تعارضــون صــدور قانــون للأحــوال الشــخصية في البحــرين ؟
في لقاء صحافي مع عضوات الشورى قالت إحداهن : «ما هي الفتوى التي تسمح لإيران بإصدار قانون للأحوال الشخصية، ولا تسمح لنا في البحرين».
هذا الكــلام يــتردد في الصحــف، والمنتديــات والمقابــلات، ويقــــال علــى الألســـن هنــا وهناك.
وتعليقنا على هذا الكلام :
أولاً : إننا نحمل كلَّ القناعة بأنّ إيران تمثل نموذجاً رائداً ومتميزاً يعبّر عن تجربة الإسلام في هذا العصر إلاّ أنّه بالطبع ليس نموذجاً معصوماً، ومواقفنا في هذا البلد إنــّما تنطلق من قناعات فقهية وموضوعية تتشكل لدينا – إجتهاداً أو تقليداً – ونجد أنفسنا ملزمين بها شرعاً، ولا تنطلق من إستنساخ لمواقف خارجية حتى لو كانت هي مواقف الدولة الإسلامية في إيران التي نحمل لها كل الحب والتقدير والثقة والاعتزاز.
ثانياً : إنَّ مشكلتنا ليست مع مبدأ «التقنين» وقد أكدّنا ذلك في خطاباتنا كثيراً ولكن البعض يصرّ على الخلط، مشكلتنا في «آلية التقنين وفـي» (ضوابط التقنين) في إيران يوجد مجموعة ضوابط لحماية التقنين:
الضابط الأول : النص الدستوري الذي يمنع أيَّ قانون يخالف الشريعة الإسلامية .
الضابط الثاني : الواضعون للقانون فقهاء متخصصون في الشريعة الإسلامية.
الضابط الثالث : الرقابة على كلِّ القوانين بما يحافظ على اسلاميتها.
فأين هي الضوابط التي تحمي القانون عندنا كي لا ينحرف عن خط الشريعة الإسلامية ؟
لتتوفر الضوابط والضمانات الحقيقية، عند ذلك لن نختلف في هذا الشأن، وعند ذلك لن نستكثر على أنفسنا هذا القانون، نعم يوم يحكمنا الفقه والشريعة حقيقة وواقعاً وليس إدعاءً وشكلاً فلن نستكثر على أنفسنا مثل هذا القانون، فلنعمل جميعاً على صياغة الضوابط والضمانات وعندها سيكون الموقف واحداً نسأل اللّه أن يسدد خطانا في طريق هدايته ورضاه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى