آخر الأخبارشهر ذي الحجة

حديث الجمعة 612: في استقبال عاشوراء الحسين (عليه السَّلام) – ما الفرق بين (الشَّعائر العاشورائيَّة) و(المراسيم العاشورائيَّة)؟ – ضرورة محاسبة الممارسات العاشورائيَّة –

حديث الجمعة 612 | الموافق 13 يوليو 2023 - التاريخ 24 ذو الحجَّة 1444 | مسجد الإمام الصادق(ع) القفول - البحرين

في استقبال عاشوراء الحسين (عليه السَّلام)

 

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيّدِ الأنبياء والمرسلين محمَّدٍ وآلِهِ الطَّاهرين.

السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه. 

 

♦ نستقبلُ عاشوراء الحُسين (عليه السَّلام)

البحرين لها تاريخ متجذِّر مع عاشوراء الحُسين (عليه السَّلام). 

فالبحرين غنيَّة بمجالس العزاء الرِّجاليَّة والنِّسائيَّة، وبمواكب العزاء، وبكلِّ الفعَّاليَّات العاشورائيَّة. 

ويمارس الشِّيعة في البحرين ومنذ أعرق الأزمنة شعائر عاشوراء.

ولا يسعنا هُنا إلَّا أنْ نثمِّنَ أيَّ جهدٍ رسميٍّ يُبذلُ لتسهيل مناخات الإحياء العاشورائيِّ.

 

♦ عاشوراء موسمٌ استثنائيٌّ في الواقع الشِّيعيِّ

ولهذا الموسم (مراسيم استثنائيَّة) تصنَّف إلى:

مجموعة أعمال:

– إقامة مجالس العزاء على الحُسين (عليه السَّلام).

– البكاء على الحُسين (عليه السَّلام).

– إبراز کلِّ مظاهر الحزن.

– المواكب العاشورائيَّة. 

– ومراسيم عاشورائيَّة متنوِّعة.

 

وهنا سؤال يُطرح: 

♦ ما الفرق بين (الشَّعائر العاشورائيَّة) و(المراسيم العاشورائيَّة)؟

مِن عُلمائنا مَنْ لا يفرِّق بين (الشَّعائر) و(المراسيم) فالمضمون واحد، فكلُّ ما يشكِّل إحياءً لذكرى عاشوراء، ويملك الشَّرعيَّة فهو (شعائر عاشورائيَّة) وهو (مراسيم عاشورائيَّة).

 

والرَّأي الآخر: 

يُفرِّق بين مصطلح (الشَّعائر العاشورائيَّة) ومصطلح (المراسيم العاشورائيَّة). 

فلا يسمَّى (شعائر) إلَّا ما ورد فيه نصٌّ خاصٌّ عن الائمَّة (عليهم السَّلام)، فهو شعائر ومراسيم. وما لم يرد فيه نصٌ خاصٌّ عن الأئمَّة (عليهم السَّلام) فيسمَّى (مراسيم عاشورائيَّة) ولا يُسمَّی (شعائر عاشورائيَّة).

 

ومِن الشَّعائر العاشورائيَّة:

– إقامة مجالس العزاء

– الحزن والبكاء على الحُسين (عليه السَّلام)

– ارتداء السَّواد

– إنشاد الشِّعر في الحُسين (عليه السَّلام)

– زيارة الإمام الحُسين (عليه السَّلام).

فهذه الممارسات يتَّفق الفقهاء على تسميتها شعائر عاشورائيَّة.

وأمَّا ما لم يرد فيه نصٌّ خاصٌّ وإنَّما ينطبق عليه عنوان «أحيوا أمرنا» فعند هذا الفريق مِن الفقهاء تسمَّى (مراسيم عاشورائيَّة) أو (مظاهر عاشورائيَّة).

– المواكب العزائيَّة

– المسارح الحُسينيَّة

– المراسم الحُسينيَّة

– المواقع العاشورائيَّة

– الإصدارات العاشورائيَّة

– اللَّافتات العاشورائيَّة

هذه وغيرها من وسائل الإحياء المستحدثة تسمَّى عند الفريق الثَّاني مِن الفقهاء (مراسم الإحياء العاشورائيِّ)، وأمَّا لدى الفريق الأوَّل مِن الفقهاء فلا مشكلة لديهم مِن تسميتها (شعائر عاشورائيَّة)؛ ما دامت مشروعة وتؤسِّس لإحياء قضيَّة عاشوراء. 

 

♦ ضرورة محاسبة الممارسات العاشورائيَّة

خشية أنْ تقتحم المواسم العاشورائيَّة ممارسات غير مشروعة، أو ممارسات خطأ كالمشي على الجمر، والزَّحف على البطون، أو أيَّة ممارسة لا تحمل دلالة على الإحياء العاشورائيِّ، وتشكِّل مظاهر تسيئ إلى سمعة عاشوراء، ورُبَّما تصادر الأهداف الكبرى للمواسم العاشورائيَّة.

هُنا الضَّرورة للمراجعة والمحاسبة؛ ما دام الهدف تحصين المواسم العاشورائيَّة وحمايتها مِن كلِّ أشكالِ الاختراق، ومِن كلِّ أشكالِ الإساءة خاصَّة ونحن في عصر قد أصبحت مواسمنا العاشورائيَّة على مرأى ومسمع مِن كلِّ العالم، حتَّى لو أقيم مجلس في قرية نائية، أو تحركت ممارسة عاشورائيَّة هُنا أو هُناك تلقَّاها كلُّ العالم، ولم تكن مُلكًا لهذا المأتم أو لذاك، ولهذه القرية أو تلك.

فالحذر الحذر مِن أيِّ ممارسة ضارَّة بسمعة عاشوراء، وضارَّة بسمعة المذهب، ولا يعني هذا أنَّنا يجب أنْ نتخلَّى عن أيَّة ممارسة عاشورائيَّة لا يقبلها الآخرون، فمعاييرنا هي (الشَّرع) وليس (رضى الآخرين).

 

♦ مَنْ الذّي يتحمَّل مسؤوليَّة حراسة المراسيم والشَّعائر العاشورائيَّة؟

مِن الخطر الكبير على الشَّعائر والمراسيم العاشورائيَّة أنْ تُترك لمزاجات الشَّارع، ممَّا يفتح المجال إلى (حدوث اختراقات) تضرُّ بسمعة الموسم العاشورائيِّ، وتنحرفُ بأهدافه، فمزاجات العوَّام محكومة غالبًا للرَّغباتِ السَّاذجة وغير الخاضعة للضَّوابط الشَّرعيَّة، وهذا ما سبَّب اقتحام بعض المظاهر المتنافية مع الغايات الكبرى لعاشوراء الحُسين (عليه السَّلام)، فالحذر الحذر مِن هذه الانزلاقات لتبقى مراسيم عاشوراء محصَّنة كلَّ التَّحصين، ومسيَّجة كلَّ التَّسييج، وقادرة كلَّ القدرة أنْ تحقِّق أهدافها الكبرى كما أراد لها الأئمَّة مِن أهلِ البيت (عليهم السَّلام).

 

وهنا يبقى هذا السُّؤال المطروح مهمًّا: 

مَنْ الذي يتحمَّل مسؤوليَّة حراسة شعائر ومراسيم المواسم العاشورائيَّة في مواجهة كلِّ أشكالِ الاختراق؟

يتحمَّل هذه الحراسة:

(1) الفقهاء

 وهم الأمناء على الدِّين وأحكامه وقِيمه، وعلى المذهب وشعائره وثوابته وكلِّ مقدَّساته، وهم المتصدُّون لإبليس ومكائده.

  • في الكلمة عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): «فَقيهٌ واحِدٌ أشَدُّ على إبليسَ مِن ألفِ عابِدٍ». (1) 
  • وفي الكلمة عن الإمام الكاظم (عليه السَّلام): «…، الْفُقَهَاء حُصُونُ الإِسْلَام، …». (2) 

فدور الفقهاء الحراسة الدَّائمة لكلِّ أوضاع الأُمَّة وكلِّ مساراتها، ومطلوبٌ مِن الأُمَّة أنْ تمتثل توجيهات الفقهاء الأمناء على الدِّين، فهم الحرَّاس الأمناء على مراسيم عاشوراء، فمنهم تؤخذ الرُّؤية الفقهيَّة فيما هو الصَّحيح مِن المراسيم وفيما هو الخطأ، فيما هو المشروع وفيما هو غير المشروع «فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ صَائِنًا لِنَفْسِهِ، حَافِظًا لِدِينِهِ، مُخَالِفًا لِهَوَاهُ، مُطِيعًا لِأَمْرِ مَوْلَاهُ فَلِلْعَوَامِّ أَنْ يُقَلِّدُوه». (3) 

 

(2) العلماء وخطباء المنبر

ويتحمَّل هذه الحراسة حراسة الموسم العاشورائيِّ وحمايته مِن كلِّ الاختراقات، ومِن كلِّ الممارسات الضَّارة بأهداف هذا الموسم يتحمَّل هذه المسؤوليَّة جميع أصحابِ الكلمة الدِّينيَّة مِن علماء وخطباء منبر، فهم صُنَّاعُ الوعي، وحُماةُ المعتقد، وحَمَلة المفاهيم. 

فمِن مسؤوليَّاتهم الكبرى الإشراف الجادُّ على هذا الموسم الاستثنائيِّ الكبير، وتحصينه في مواجهة كلِّ أشكال الاختراق، وكلِّ أشكال المخالفات التي يرفضها الشَّرع المُقدَّس، وكلِّ أشكال الممارسة التي تضرُّ بسمعة هذا الموسم، وتضرُّ بسمعة المذهب وِفق ما يقرِّره فقهاء المذهب الكبار المعتمدون والأمناء على أمور الدِّين.

 

(3) إدارات المآتم الحُسينيَّة، والمواكب العاشورائيَّة، والشُّعراء والرَّواديد، والكفاءات الفكريَّة والثَّقافيَّة

كما يتحمَّل هذه الحراسة للمواسم العاشورائيَّة كلُّ إدارات المآتم الحُسينيَّة، وكلُّ إدارات المواكب العاشورائيَّة، وهنا ينتظم أيضًا دور الشُّعراء والرَّواديد، وكلُّ أصحاب الكفاءات الفكريَّة والثَّقافيَّة بشرط أنْ تسترشد هذا المواقع رؤية الفقهاء المعتمدين، فالضَّرورة مُلِحَّة أنْ تُستنفر كلُّ القدرات والإمكانات في حراسة هذه المواسم العاشورائيَّة الاستثنائيَّة لكى لا تنزلق المسارات، الأمر الذي يضرُّ بسمعة هذا المذهب، وبقدر ما تنشط القدرات وتتلاحم الإمكانات في تحصين مواسم عاشوراء، يرتقي مستوى الأداء العاشورائيِّ، وتتمركز الأهداف الكبرى لمواسم العزاء العاشورائيِّ، ولا يجوز لكلِّ أصحاب القدرات أنْ يبخلوا بقدراتهم وإمكاناتهم في خدمة الأهداف المشروعة لمواسم عاشوراء.

 

(4) دور الجماهير الواعية

أمَّا دور الجماهير الواعية فهو كبير جدًّا. 

فالقاعدة التي تتحرَّك مِن خلالها كلُّ المراسيم العاشورائيَّة هي قاعدة الجماهير، فهم حُضَّار المآتم الحُسينيَّة، وهم حُضَّار المواكب، وهم حُضَّار كلِّ الفعَّاليَّات العاشورائيَّة، وبقدر ما يرتقي وعي الجماهير، وبقدر ما يرتقي ولاء الجماهير، وبقدر ما يرتقي إخلاص الجماهير، وبقدر ما يرتقي تمثُّل الجماهير، وبقدر ما يرتقي عطاء الجماهير يكون الدُّور الجماهيريُّ في حراسة المواسم العاشورائيَّة، وحمايتها في مواجهة كلِّ الاختراقات. 

هكذا يكون دور الجماهير العاشورائيَّة كبيرٌ وكبيرٌ جدًّا في الحفاظ على أصالة هذه المواسم الحُسينيَّة، في مواجهة كلِّ الاختراقات الضَّارة والتي تنحرف بأهداف عاشوراء. 

صُنَّاع التَّحريف قاعدتهم الجماهير، فإذا تمَّ تحصين هذه القاعدة أسقطنا مشاريع التَّحريف، وأسقطنا محاولات الاختراق.

 

◊ مسؤوليَّة الأجيال في الحفاظ على المواسم العاشورائيَّة

هُنا مجموعة مسؤوليَّات في الحفاظ على المواسم العاشورائيَّة 

المسؤوليَّة الأولى: الحفاظ على استقرار المواسم العاشورائيَّة 

مِن خلالِ:

  • إقامة المجالس العزائيَّة.
  • حضور المآتم، ولا يصحُّ الاكتفاء بالحضور على مواقع التَّواصل، أو عبر الفضائيَّات إلَّا إذا كانت هناك ضرورات. 
  • والمشاركة في المواكب وجميع الفعَّاليَّات المشروعة. 

 

المسؤوليَّة الثَّانية: الحفاظ على أصالة الشَّعائر والمراسيم العاشورائيَّة

  • التَّعبير عن مضامين عاشوراء.
  • الحفاظ على قِيم عاشوراء.
  • التَّمثُّل العمليُّ لأهداف عاشوراء.

 

المسؤوليَّة الثَّالثة: الحفاظ على شرعيَّة الممارسات العاشورائيَّة

مِن خلال امتلاك الرُّؤية الشَّرعيَّة البصيرة.

 

وأخيرًا أقول: 

مطلوبٌ أنْ نوصلَ عاشوراءَ الحُسينِ (عليه السَّلام) إلى كلِّ العالم، بكلِّ أهدافها الكبرى، وبكلِّ مضامِينها الرَّاقية، وبكلِّ مُثُلِها وقِيمها الحضاريَّة القادرة أن تقدِّم للعالم أرقى المفاهيم في دنيا الإنسان المعاصر. 

ولسنا في حاجة ونحن نطرح عاشوراء، ونحن نحيي عاشوراء أنْ نتمثَّل عناوين مِن هُنا أو هُناك، عاشوراء غنيَّةٌ بعناوينها الكبيرة، غنيَّةٌ بشعاراتِها الرَّاقية جدًّا.

فعاشوراء عاشوراء بكلِّ خطابها، وبكلِّ مصطلحاتها، وبكلِّ شعاراتِها، فلا تُقحموا أيَّ عنوانٍ وإنْ كان كبيرًا، فعنوان عاشوراء قادرٌ أنْ ينفتح على هموم هذا العصر، وعلى كلِّ ضرورات المرحلة. 

 

وهل يعني هذا أن لا يُعالج خطاب عاشوراء أزمات الأوطان وأزمات الشُّعوب؟ 

يمكن أنْ يتمَّ كلُّ ذلك مِن خلالِ مصطلحاتِ عاشوراء، ومضامينِ عاشوراء ومدرسةِ عاشوراء. 

مطلوبٌ جدًّا أنْ نُؤَصِّل عنوانَ عاشوراء، وهذا ما أكَّدتهُ كلماتُ وخطاباتُ الأئمَّة مِن أهل البيت (عليهم السَّلام).

ومطلوب جدًّا أنْ ننفتح مِن خلالِ عنوان عاشوراء على همومنا وقضايانا، وهذا ما يوفِّر على مواسمنا العاشورائيَّة الكثير من الصِّراعاتِ، والكثير من التَّجاذباتِ.


الهوامش

1- المجلسي: بحار الأنوار 1/177. 

2- الكليني: الكافي 1/38. 

3- تفسير الإمام العسكري (عليه السَّلام)، المنسوب إلى الإمام العسكري (عليه السَّلام)، ص 308.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى