قضايا الساحةقضايا محلية

قضايا الساحة : مسألة الأحوال الشخصية

مسألة الأحوال الشخصية



لازال موقفنا هو الرفض في إعطاء المؤسسة الوضعية حق التدخل في شأن (الأحوال الشخصية)، إن السماح للمشروع المدني بالتدخل في هذه المساحة خطوة خطيرة جداً، وتمثل سطواً على أحكام الشريعة، فالكلمة الأولى والأخيرة في قضايا المرأة والأسرة لشريعة الله تعالى، إن موقفنا في هذه المسألة لا ينطلق من حسابات ذاتية، أو انفعالات مزاجية أو خلفيات طائفية، أو أهداف سياسية، بل هي الرؤية الشرعية البصيرة التي تفرض علينا هذا الموقف، بل هي المسؤولية الدينية التي لا تسمح لنا بالصمت والاسترخاء في مواجهة مشروع الهيمنة على هذه المساحة التي تمس الأعراض والأنساب، لقد أكدنا في الكثير من الخطابات واللقاءات أننا نرتكز في هذا الموقف على مجموعة حيثيات:
الحيثية الأولى: إن إعطاء المؤسسة الوضعية صلاحية التقنين للأحوال الشخصية يعرض هذه المساحة عاجلاً أو آجلاً إلى اختراقات تبتعد بها عن صبغتها الإسلامية كما هو واضح من مجموعة تجارب مارست التقنين في ظل أنظمة لا تعتمد الشريعة مصدرها الوحيد.
الحيثية الثانية:إن التأكيدات المطروحة في اعتماد (الشريعة الإسلامية) مصدراً للتقنين في أحكام الأسرة، أمر لا يكفي لخلق الاطمئنان مادام المشروع الوضعي لا يخضع لمادة دستورية تلزمه باعتماد الشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع، وهذا واضح لمن راجع الدستور والميثاق، ولو فرضنا أن قانوناً للأحوال الشخصية صدر في هذه الدورة البرلمانية متوافقاً مع أحكام الشريعة الإسلامية، فمن يضمن لنا أن يبقى الحال كذلك في دورات قادمة.
الحيثية الثالثة:إن التقنين ممارسة اجتهادية، من خلال إعطاء الرأي الفقهي أو ترجيح رأي على آخر، وهذا ما لا يملك صلاحيته أعضاء البرلمان؛ كونهم لا يحملون مؤهل الاجتهاد، قد يقال: أن مهمة البرلمان لن تتجاوز التصديق على القانون المعتمد من قبل لجنة تضم علماء في الشريعة ومتخصصين في القانون، وبناء على هذه سوف تقتصر وظيفة البرلمان على إضفاء الصبغة القانونية فقط.
نجيب عن ذلك:
أولاً: إن وظيفة البرلمان المداولة والمناقشة، والقبول، والرفض، وليست وظيفته مجرد التصديق والبصم، وإلا فقد دوره الحقيقي.
ثانياً: لو سلمنا أن مهمته كذلك، فهذا يعني أن القانون لا يأخذ صبغته الشرعية إلا من خلال تصديق البرلمان، ومتى كانت أحكام الله تتوقف شرعيتها على إمضاء المؤسسات الوضعية.
إشكالية تطرح:
إنكم بهذا الموقف الرافض تكرسون ظاهرة الفوضى في المحاكم الشرعية، المسألة ليست كذلك، إننا نطالب بإصلاح القضاء الشرعي، ولا تنحصر عملية الإصلاح في إصدار قانون للأحوال الشخصية فهذا هو القضاء المدني خاضع لقوانين مدوّنة ومع ذلك فهو يضج بالمخالفات والتجاوزات، القضية ليست إصدار قانون فهذا القانون لن يكون خشبة الخلاص، القضاء في حاجة إلى عملية جذرية في الإصلاح، فيما هي الكفاءات والمؤهلات القضائية، وفيما هي الآلية الصحيحة لاختيار القضاة، وفيما هي الرقابة والإشراف، وأما القانون فيمكن أن يعوّض عنه بـ (مدوّنة الأحكام الشرعية للأحوال الشخصية) شريطة أن تكون هذه المدوّنة معتمدة وممضاة من قبل أحد مراجع الدين الكبار المعروفين لدى الطائفة، مع التأكيد على بقاء صلاحية التعديل متى تجدّد الرأي الفقهي أو تغير المرجع الديني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى