حديث الجمعةشهر صفر

حديث الجمعة 55 :في ذكرى أربعين الإمام الحسين (ع) والوضع المتأزم في العراق

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد للّه ربِّ العالمين والصّلاة والسَّلام على خير الخلق أجمعين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.


السَّلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته
جاء في زيارة الأربعين هذا المقطع:
«فمعكم معكم لا مع عدوكم صلوات الله عليكم….»
شعار هام وخطير جداً، كيف يجب أن نتعامل مع هذا الشعار؟
التعامل الحقيقي مع هذا الشعار يفرض علينا خمسة التزامات:
• أن نملك وعي هذا الشعار.
• أن نملك قوة الإيمان بهذا الشعار.
• أن نملك جرأة الانتماء إلى هذا الشعار.
• أن نملك صدق التجسيد لهذا الشعار.
• أن نملك حرارة الدفاع عن هذا الشعار.
نحاول أن نلقي بعض الضوء على هذه المكونات الخمسة.
المكوّن الأول:أن نملك وعي هذا الشعار: ماذا يحمل شعار «فمعكم معكم لا مع عدوكم» من دلالات كبيرة؟ يحمل الكثير من الدلالات هذه بعضها:
الدلالة الأولى: نحن نؤكد من خلال هذا الشعار أنّنا معكم معكم ياآل محمد (صلى الله عليه وآله) وأنتم تمثلون الإسلام في كل أصالته، وأنتم تمثلون الدين في نقائه وصفائه وأنتم تمثلون القرآن في معانيه ومضامينه وأنتم تمثلون رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كل وجوده وإمتداده، فنحن من خلال هذا الشعار نؤكدانتماءنا للاسلام، للدين، للقرآن، للنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، نحن من خلال هذا الشعار نؤكد هويتنا، أصالتنا، كياننا، مدرستنا، نحن من خلال هذا الشعار نؤكد نهجنا الفكري، العقائدي، الروحي، الفقهي والسيّاسي.


الدلالة الثانية: نؤكد من خلال هذا الشعار أننا معكم معكم يا آل محمد (صلى الله عليه وآله) في أخلاقكم، في سلوككم، في ممارساتكم، في تطبيقكم للإسلام وقيم القرآن، في كل التزاماتكم العملية، فنحن من خلال هذا الشعار نؤكد الاقتداء بخط آل محمد (صلى الله عليه وآله)، الذي هو خط الإسلام، وخط القرآن، وخط الرسول (صلى الله عليه وآله).


الدلالة الثالثة: نؤكد من خلال هذا الشعار أننا معكم يا آل محمد (صلى الله عليه وآله) في جهادكم من أجل الإسلام، في دفاعكم عن الدين، في حمايتكم للشريعة، في تضحياتكم الكبيرة في سبيل المبدأ والعقيدة، في اعطائكم دماءكم رخيصة في سبيل الله، فنحن من خلال هذا الشعار نؤكد استعدادنا للجهاد، للعطاء، للتضحية، للشهادة، من أجل الإسلام والدين والعقيدة.


المكوّن الثاني: أن نملك قوة الإيمان بهذا الشعار:
في النقطة السابقة تناولنا ما يحمله هذا الشعار من دلالات وتأكيدات، إلاّ أنّه لا يكفي أن نفهم الدلالات فما مستوى إيماننا بهذه الدلالات، التعامل الحقيقي مع الشعار يفرض علينا أن نتوفر على درجة عالية من الإيمان بهذا الشعار، وبحسب هذا المستوى من الإيمان تتحدد قدرة الشعار على الصمود في مواجهة التحديات فما لم نملك قوة إيمانية كبيرة بالشعار فإنّه يسقط ويتراجع وينهزم، فمسؤوليتنا أن نقوّي درجة الإيمان بهذا الشعار، ليكون صلباً في مواجهة الهزات والارهاصات والتحديات.


المكوّن الثالث: أن نملك جرأة الانتماء إلى الشعار:
لا يكفي أن يعيش الشعار في داخل عقولنا، وفي داخل قلوبنا، لابد من الجرأة في الإعلان عن هذا الشعار.
{إنّ الذين قالوا ربّنا الله ثم استقاموا}.


{ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنّني من المسلمين}.
إطلاق الشعار يؤكد الانتماء ويعبّر عن الهوية، كثيرون يملكون القناعة ببعض الشعارات ولكنهم لا يملكون الجرأة في طرحها، أو أنّهم يطرحونها بشكل خجول، وحينما نؤكد على مسألة الإعلان والطرح لا يعني أن ينطلق الإنسان بلا وعي ولا بصيرة ليطلق الشعارات بلا حساب ولا دراسة لكلِّ الحيثيات والظروف الموضوعية، ولكل الأجواء التي يراد تحريك الشعار من خلالها، ليكن تعاملنا مع الشعارات تعاملاً واعياً وناضجاً حتى لا يفشل الشعار في تحقيق أهدافه، ولا بد لنا حينما نريد أن نطلق الشعار أن ندرس كلِّ النتائج والمعطيات، وكل الأرباح والخسائر على مستوى أهداف الشعار.
المكوّن الرابع: أن نملك صدق التجسيد لشعار«معكم معكم لا مع عدوّكم»:
فهنا من خلال المكوّن الأول ثلاث دلالات هامة:الانتماء الفكري والثقافي، الانتماء الروحي والأخلاقي والعملي، الانتماء الرسالي والجهادي، وفي هذا المكوّن الرابع نحاول أن نكتشف صدق التجسيد لتلك الدلالات، فهل نحن نملك تجسيداً عملياً صادقاً لشعار «معكم معكم لا مع عدوكم»؟، أم هو مجرد شعار نظري نطلقه في الفضاء؟ المهم كيف نحرك الشعار في واقعنا؟ ومن أجل أن نكتشف مستوى التجسيد العملي لشعار «معكم معكم لا مع عدوكم» يجب أن نطرح على أنفسنا الأسئلة التالية:


السؤال الأول: ما هو مستوى التزامنا العملي بالنهج الفكري والثقافي للأئمة من أهل البيت (عليهم السَّلام)، ونهج الأئمة يعني نهج الإسلام الأصيل.
– هل الأفكار التي نحملها تجسّد هذا النهج؟
– هل الأفكار التي نؤمن بها خاضعة لمعيار هذا النهج؟
– هل نمارس عملية التصدي والمواجهة لكلّ الأفكار التي تعادي هذا النهج؟
السؤال الثاني:ما هو مستوى التزامنا العملي بالنهج الروحي والأخلاقي والسلوكي للأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)؟
جاء في وصية الإمام الباقر (عليه السلام) لجابر الجعفي «يا جابر ايكتفي من انتحل التشيع أن يقول بحبنا أهل البيت؟، فوالله ما شيعتنا إلاَّ من أتقى الله وأطاعه، من كان لله مطيعاً فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدو، ولا تنال ولايتنا إلاَّ بالورع والعمل».


وقال أمير المؤمنين (عليه السلام):«من أحبنا فليعمل بعملنا ويستعن بالورع».
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «ليس من شيعتنا من وافقنا بلسانه وخالفنا في أعمالنا وآثارنا، ولكن شيعتنا من وافقنا بلسانه وقلبه، واتبع آثارنا وعمل بأعمالنا أولئك شيعتنا».


وقال (عليه السلام) لابن جندب: «يا ابن جندب بلّغ معاشر شيعتنا وقل لهم: لا تذهبن بكم المذاهب، فوالله لا تنال ولايتنا إلاَّ بالورع والاجتهاد في الدنيا، ومواساة الإخوان في الله، وليس من شيعتنا من يظلم الناس».
وقال (عليه السلام): «ليس منا ولا كرامة من كان في مصرٍ فيه مائة ألف أو يزيدون وكان في ذلك المصر أحد أورع منه»


جاء رجل إلى الإمام الصادق (عليه السلام) وقال: «الشيعة عندنا كثيرون، قال له الإمام: هل يعطف الغني على الفقير، ويتجاوز المحسن على المسيء ويتواسون، قال: لا، قال: ليس هؤلاء بشيعة، الشيعة من يفعل ذلك».


السؤال الثالث: ما هو مستوى التزامنا العملي بالنهج الرسالي والجهادي للأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)؟
• هل نرفض الظلم والباطل والفساد والإنحراف؟
• هل ندافع عن الإسلام؟
• هل نواجه المشروعات التي تحارب الدين وقيم الدين؟
• هل نعيش الصمود والثبات على المبدأ في مواجهة كل التحديات؟
• هل نعيش الاستعداد للموت والشهادة من أجل العقيدة الحقة؟
إنَّ نهج الأئمة (عليهم السلام) نهج الجهاد والعمل والعطاء والتضحية والشهادة، وليس نهج الاسترخاء والضعف والنوم والانهزام، رحم الله السيد داود العطار حيث قال:
واليت آل محمدٍ وأخذت عنهم كلَّ عاده.
أنا لم أر منهم إماماً مات وهو على الوساده.
حتى الذي قد جاوز الستين لم يترك جهاده.
حتى العقائل منهمُ قارعن من غصبوا السياده.
أنا لا أرى في الموت دون عقيدتي إلا سعادة.
المكوّن الخامس: أن نملك حرارة الدفاع عن شعار «معكم معكم لا مع عدوكم»:
هل نواجه كلَّ محاولات المصادرة لهذا الشعار؟
هل نضحي من أجل شعار «معكم معكم لا مع عدوكم»؟
إذا كنا كذلك فنحن صادقون حينما نردد هذا الشعار.
ميثم التمار (رضوان الله عليه) جسّد بكل صدق هذا الشعار، شعار «معكم معكم لا مع عدوكم» وضحى من أجله .
قال له أمير المؤمنين (عليه السلام): يا ميثم كيف بك إذا دعاك بنو أمية للبراءة مني؟
– ميثم: لا والله لا أبرأ منك.
إذاً والله يقتلونك ويصلبونك.
ميثم: أصبر فذاك في الله قليل.
وكان ينتظر ذلك اليوم بلهفة وشوق.
وجاء اليوم الموعود، أحضروه وطلبوا منه التخلي عن خط آل محمد (صلى الله عليه وآله)، طلبوا منه البراءة من علي بن أبي طالب، رفض ميثم بكل شموخ وعنفوان وصلابة، وهو يعلم كلَّ العلم ثمن هذا الموقف، أمروا بأن تقطع يداه ورجلاه وأن يصلب، ولما صلب على جذع نخلة وهو مقطوع اليدين والرجلين، والدماء تنزف منه، تجمهر الناس لرؤيته، وجدها فرصة مناسبة جداً أن يواصل جهاده المبدئي، وأن يؤكد ولاءه، وأن يعبّر بصدق عن شعار «معكم معكم لا مع عدوكم» فأخذ يخطب في الناس الذين تجمهروا حوله وراح يحدثهم بفضائل أمير المؤمنين وفضائل أهل البيت(عليهم السلام)، حاولوا إسكاته إلاَّ أنّه أصرّ أن يواصل جهاده، فطعنوه بحربة ظالمة، أودت به شهيداً في خط الولاء والعقيدة.


ابن السكيّت جسّد بكل صدق هذا الشعار، وضحى من أجله، قال له المتوكل (وكان ابن السكيت معلماً لأولاده): أيَّهما أحب إليك ولداي هذان أم الحسن والحسين إبنا علي بن أبي طالب؟
كانت دنيا المتوكل أمام عينيه، وكان الذهب بكل بريقه يخاطبه، وكان السيف والجلاد والنطع في انتظار الكلمة التي تخرج من فم ابن السكيت، مرت في داخله الأسئلة والخواطر ما قيمة دنيا المتوكل؟
ما قيمة ذهب المتوكل؟
ما قيمة السيف، الجلاد، كل وسائل القمع والإرهاب؟
وقالها كلمة صامدة شامخة عملاقة تتحدى كلَّ الإغراءات والمساومات، وتتحدى كلَّ الطغيان والجبروت، قالها ابن السكيت كلمة جريئة: «والله أن نعل قمبر خادم الحسن والحسين (عليهما السلام) خير منك ومن ولديك» صدر الأمر بقطع لسانه، وأمتد السيف الظالم ليقطع رأسه، وسقط شهيداً في خط الولاء والعقيدة.


الشهيد السَّيد محمد باقر الصدر جسّد بكل صدق شعار «معكم معكم لا مع عدوكم» وضحى من أجله.
– قال كلمته الجريئة في وجه طاغية هذا العصر صدّام المجرم، وهو (رضوان الله عليه) يعلم بكلّ وضوح ماذا تعني الكلمة في وجه هذا الطاغية، وهو يعلم كلَّ العلم ماذا يعني الثمن لهذا الموقف، لقد أصدر فتواه بحرمة الإنتماء لحزب البعث وهو يعلم ماذا تكلفه هذه الفتوى، وأعلن موقفه بكل شموخ وصلابة في دعم الثورة الإسلامية في إيران وهو يعلم أنّ ذلك يكلفه حياته ولم تثنه كلمات المخذلين والمجبنّين والمخدّرين، كان يقول في رد هذه الكلمات: «إنَّ هؤلاء الذين يطلبون منّي أن أترّيث وأن أتخذ موقفاً من الثورة الإسلامية لا يثير السلطة الحاكمة في العراق حفاظاً على حياتي ومرجعيتي لا يعرفون من الأمور إلاّ ظواهرها، إن الواجب على هذه المرجعية وعلى النجف كلّها أن تتخذ الموقف المناسب والمطلوب تجاه الثورة الإسلامية في إيران، ما هو هدف المرجعيات على طول التاريخ؟ أليس هو إقامة حكم الله عز وجل على الأرض؟ وها هي مرجعية الإمام الخميني (قدس سره) قد حققت ذلك، فهل من المنطقي أن أقف موقف المتفرج، ولا أتخذ الموقف الصحيح والمناسب حتّى لو كلّفني ذلك حياتي وكلّ ما أملك؟!« وقال قولته الشهيرة التي طالب فيها طلابه الذين هاجروا إلى إيران أن يذوبوا في الإمام الخميني وفي مرجعيته كما ذاب هو في الإسلام وفي أهداف الإسلام، واستمر السيد الصدر يتحدّى النظام الغاشم، واستمر يوجّه نداءاته إلى الشعب العراقي المظلوم، وهو يخاطبه: «أيّها الشعب العراقي المسلم، إنّي أود أن أؤكد لك – يا شعب آبائي وأجدادي – أنّي معك وفي أعماقك، ولن أتخلّى عنك في محنتك،وسأبذل آخر قطرة من دمي في سبيل الله من أجلك».


أيّها الشهيد الصدر العظيم، هذا هو شعب آبائك وأجدادك في العراق بعد أن تحرر من قبضة الطاغية صدّام، أصبح أسيراً تحت رحمة الغطرسة الأمريكية الطائشة، هذا هو شعب آبائك وأجدادك في العراق يتساقط أبناؤه، رجاله، نساؤه، أطفاله ضحايا قصف الطيران الأمريكي، وضحايا نيران قوات الإحتلال الجاثم على صدر العراق، هذا هو شعب آبائك وأجدادك في العراق يعيش المحنة العمياء، احتلال كافر، بقايا النظام البائد تعبث بالأمن، قوى الشر الحاقدة تنشر الرعب، صنّاع الفتنة يتحركون، أصحاب الأطماع يسرقون كلّ شيء على أرض العراق، أيّها الشهيد الصدر، هذا هو شعب آبائك وأجدادك يحترق بكلّ هذا الواقع المأزوم الذي يعيشه، والعالم صامت، ومنظمة الأمم صامته، ومجلس الأمن صامت، والمؤسسات الدولية صامته، وأنظمة الدول العربية والإسلامية صامته، والشارع العربي والإسلامي صامت أيّها الشهيد الصدر، وهذه ذكرى استشهادك تطلّ على شعب العراق، وهذه ذكرى دمك الطاهرة، ودم شقيقتك العلوية التي شاركتك مشوار الجهاد والشهادة، تطلّ على أبناء أمتك والقلوب المؤمنة ضارعة إلى الله سبحانه، متوسلة بجهادك، بصبرك، بعطائك، بتضحياتك، بدمك الزكي، وبدم الطاهرة اختك بنت الهدى، وبكلِّ الدماء التي سالت على أرض العراق من أجل المبدأ والعقيدة، بدءاً من الدم المقدّس الذي تروّى منه محراب الكوفة يوم هوى السيف الغادر على مفرق أمير المؤمنين (عليه السلام)، ومن الدم المقدّس الذي تروّت منه رمال كربلاء دم الشهيد السبط الحسين (عليه السلام)، ودم الصفوة من أهل بيته وأصحابه، وانتهاءً بآخر قطرة دم حرام تسقط على أرض العراق، وعلى أرض فلسطين، وعلى كل أرض تحتضن الشهداء والمجاهدين، بهذه الدماء نتوسل إلى الله عز وجل أن يحمي شعبنا في العراق، وشعبنا في فلسطين، وكلَّ شعوبنا في كلّ مكان، من كل المحن والفتن والمكائد والمؤامرات، ومن كل العبث والمفاسد والضلالات، ومن ظلم الظالمين، وكيد الطغاة والمجرمين، وجور الجائرين، وبغي الأعداء المتربصين، ومن كلّ الذين يريدون بهذه الأمة سوءاً، وبهذا الدين كيداً، وبهذه الشريعة شراً، إنّه تعالى سميع مجيب، متفضل منّان.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى