حديث الجمعةشهر محرم

حديث الحمعة 316: من دروس عاشوراء (3) – من صفات الإمام زين العابدين (ع) العزَّةُ والإباء – (لا) لحوار الاستهلاك

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين محمَّدٍ وعلى آله الهداة المعصومين…


من دروس عاشوراء – الحلقة الثالثة:
يستمر بنا الحديث حول (دروس عاشوراء) ونقف مع:


النموذج الثالث:
نقرأ في السيرة العاشورائية أنَّ عليًا سمع أباه الحسين عليه السَّلام – وهم في طريق إلى كربلاء – يقول: «إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون» فسأله عن استرجاعه، فقال الحسين: «إنِّي خفقت برأسي فعنَّ لي فارسٌ وهو يقول: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمت أنَّها أنفسنا نعيت إلينا».
فقال عليّ الأكبر: لا أراك الله سوءًا ألسنا على الحقِّ؟
قال الحسين: «بلى والذي إليه مرجع العباد».
فقال عليّ الأكبر: يا أبتِ إذًا لا نبالي أنْ نموتَ محقِّين.
فقال الحسين: «جزاك من ولدٍ خير ما جزى ولدًا عن والده».


الدرس الكبير الكبير الذي يقدِّمه موقف عليّ الأكبر في قوله: «يا أبتِ إذًا لا نبالي أنْ نموت محقِّين» هو: (المبدئيَّة) في أعلى درجاتها، وأصدق تطبيقاتها…
ماذا تعني المبدئيَّة الحقَّة؟
أنْ يؤمن الإنسان بمبدأ حقٍّ، وبقضيَّةٍ عادلةٍ، فيضحِّي من أجلها بكلِّ ما يملك حتى بروحه ودمه…
الروح رخيصة والدم رخيص حينما تكون المعادلة: مبدأ حقٌّ، وقضيَّةٌ عادلةٌ…
الدماء لها حرمتها الكبيرة عند الله…
• قال تعالى:
﴿مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا…﴾. (المائدة/ 32)


• وقال تعالى:
﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا﴾. (النساء/ 93)
 
• وفي الحديث عن النبيِّ الأكرم صلَّى الله عليه وآله قال:
«لزوالُ الدُّنيا جميعًا أهون على الله من دمٍ يُسفك بغير حقٍّ».
 
• وعنه صلَّى الله عليه وآله قال:
«لو أنَّ أهلَ السَّماءِ والأرضِ اجتمعوا على قتل رجلٍ مسلم لعذَّبهم الله بلا عددٍ ولا حساب».


• وفي رواية أخرى:
«والذي نفسي بيده، لو أنَّ أهلَ السمواتِ والأرضِ اجتمعوا على قتل مؤمن أو رضوا به لأدخلهم الله في النار، والذي نفسي بيده لا يجلد أحدٌ أحدًا إلَّا جُلِدَ غدًا في نار جهنَّم».


أقول رغم هذه الحرمة العظيمة للدِّماء، فإنَّها تتحوَّلُ رخيصةً في سبيل المبادئ الحقَّة، والقضايا العادلة، وهذا ما أكَّدته كلمة عليٍّ الأكبر «يا أبتِ إذًا لا نبالي أنْ نموتَ محقِّين» نقدِّم أرواحنا ودماءَنا بلا تردُّدٍ ولا خوفٍ ما دام هذا الموتُ من أجل المبدأ الحقِّ، والدِّين الحقِّ، والدفاع الحقِّ، ولا يحمي المبدأ، ولا يحمي الدِّين إلَّا دمٌ زكي طاهر، وإن كان في حجم دم عليٍّ الأكبر، ودم أبي الفضل العباسِ، ودمِ القاسم بن الحسن، ودمِ الصَّفوة من أصحاب الحسين، بل وإنْ كان في حجم دمِ الإمام الحسين سبط رسول الله صلَّى الله عليه وآله…


وهنا نلفت أنَّ الحسينَ الإمام المعصوم قدّ أقرَّ وبارك موقفَ ولدِه عليٍّ الأكبر حينما قال له: «جزاك من ولدٍ خير ما جزى ولدًا عن والده»، وبهذا أعطى لهذا الموقف شرعيَّته…
ما يقدِّمه موقفُ عليٍّ الأكبر وموقفُ أبيه الحسين درسان مهمَّان جدًا:
الدرس الأول: أنْ يكونَ الإنسانُ المؤمن في أعلى درجات الجهوزية للشهادة وبذل الدم في سبيل المبدأ والعقيدة.


الدرس الثاني: إنَّ بذلَ الدم ليس موقفًا انفعاليًّا مرتجلًا، بل هو محكومٌ للعقلانية وللضوابط الشرعية، فأيّ دمٍ يُعطى بلا بصيرة شرعية، وبلا قراءة موضوعية واعية يفقد قيمته في منظور الدِّين والعقل..
نعم الدم الذي يُسفَك ظلمًا وعدوانًا، فهو دمٌ يغضب له الله، وينتقم له في يوم الحساب، فهو الحكم العدل.
• في الحديث عن النبيِّ صلَّى الله عليه وآله:
«أول ما يحكم الله في يوم القيامة الدِّماء، فيوقف ابني آدم [قابيل وهابيل] فيفصل بينهما، ثمَّ الذين يلونهما من أصحاب الدِّماء، حتَّى لا يبقى منهم أحدٌ، ثمَّ النَّاس بعد ذلك، حتَّى يأتي المقتول بقاتِله، فيتشخَّب في دمه وجهه، فيقول: هذا قتلني، فيقول: أنت قتلته؟ فلا يستطيع أنْ يكتم الله حديثًا».


• وفي الحديث عن الإمام الصَّادق عليه السَّلام قال:
«أوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران: أنْ يا موسى قل للملأ من بني إسرائيل: إيَّاكم وقتل النفس الحرام بغير حقٍّ، فإنَّ مَنْ قتل منكم نفسًا في الدنيا قتَلْتُهُ في النار مائة ألف قتلةٍ مثل قتلِهِ صاحبه».


ربَّما يُقال: إنَّكم حينما تتحدَّثون عن بذل الدِّماء من أجل المبادئ والأهداف إنَّما تدفعون في اتِّجاه العنف والتطرُّف، وتوظيف الشعارات الدينية لإنتاج الإرهاب، كما تفعل الجماعات المتشدِّدة في هذا العصر، حيث تقتل وتذبح باسم الدِّين والمبادئ…


هذا الكلام لنا عليه بعض الملاحظات:
الملاحظة الأولى:
هل القرآن داعية عنفٍ وتطرُّفٍ وإرهابٍ حينما تحدَّث عن القتل فقال: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ…﴾ (البقرة/ 191)
وحينما تحدَّث عن الجهاد فقال: ﴿انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ…﴾. (التوبة/ 41)
وحينما تحدَّث عن الشهداء الذين يُقتلون في سبيل الله قال: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾. (آل عمران/ 169)
وقال: ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ﴾. (البقرة/ 154)
وحينما تحدَّث عن إعداد القوة فقال: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ…﴾. (الأنفال/ 60)


هل القرآن في هذه الآياتِ وغيرها يدعو إلى العنف والتطرُّف والإرهاب؟


الملاحظة الثانية:
حينما يوظِّف دعاةُ الإرهاب والعنف والتطرُّف بعضَ شعارات الدِّين، وبعضَ عناوين القرآن، فهل يعني هذا أنْ نحذف هذه الشعارات وهذه العناوين من خطابنا؟
ليس الأمر كذلك، مطلوبٌ أنْ نضعها في سياقاتها الصحيحة، ومطلوبٌ أنْ نكشف المتاجرين بهذه الشعارات والعناوين لا أنْ نتخلَّى عنها ونحذفها، خشية أنْ نُتَّهم بالإرهاب والعنف والتطرُّف.
 
الملاحظة الثالثة:
إنَّ التأكيد على حرمة الدِّماء، وحرمة الاعتداء على الأرواح، أمرٌ لا شكَّ يُحصِّن الواقع من الانفلاتات والاندفاعات نحو اعتماد لغة الدَّم، وحينما نتحدَّث عن حرمة الدِّماء لا نفرِّق بين دماء الشعب ودماء المنتسبين إلى السلطة، فكلُّها دماءٌ لها حرمتها ولا يجوز الاعتداء عليها، فهل في هذا ما يُصعِّد ويدفع إلى عنف؟


الملاحظة الرابعة:
إنَّ التأكيد على التعاطي الواعي والرشيد مع بذل الدِّماء وتحكيم الضوابط الشرعيَّة المشدَّدة، أمرٌ يحمي المجتمع من الانفعالات الذاتية في هذا المجال، ولا يسمح بالنزق والطيش في هذر الدِّماء.


نخلص إلى القول إنَّ حديثًا يتناول (الفداء والتضحية من أجل المبادئ والأهداف) هو حديث لا يخرج عن سياق الحديث القرآني والدِّيني والوطني، ولا يمثِّل تكريسًا للعنف والإرهاب والتطرُّف بقدر ما هو ترشيدٌ وضبطٌ لهذا الحراك، ممَّا يؤسِّس للنهج السِّلمي في مجتمعاتنا…
وهل ما تشهدهُ هذه المجتمعات من ممارساتٍ متطرِّفة في العبث بالأرواح والدِّماء والأعراض والمقدَّسات إلَّا نتيجة غياب (الرشد الشرعي) وتكلُّس (الضمير الإنساني) وهيمنة (النزق العدواني) و(الطيش المجنون).
وكلّما تحصَّن الإنسان إيمانيًا وروحيًا وأخلاقيًا وفقهيًا وحضاريًا كان ذلك ضمانًا في تحصين مجتمعات الإنسان من كلِّ أشكال التطرُّف والعنف وهدر الدماء، فلا الحاكم يتحوَّل إلى سفَّاكٍ يُوغل في دماء الشعب، ولا الشعب يتحوَّل إلى عابثٍ بالأرواح.
لا يحمي الدِّماء والأرواح إلَّا (تقوى الله)، وكلُّ المحصِّنات الأخرى تنهار حينما تزاحمها أغراض الدُّنيا، وأهواء النفس.
لماذا امتنع هابيل عن قتل قابيل؟
لماذا أقدم قابيل على قتل أخيه هابيل؟
أول جريمة قتلٍ في تاريخ هذا الإنسان…
يُحدِّثنا القرآن عن هذه الجريمة في سورة المائدة: الآيات 27 – 32:
• ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ…﴾   (المائدة/ 27)
هنا يأمر الله سبحانه نبيَّه محمَّدًا صلَّى الله عليه وآله أنْ يقرأ على النَّاس هذه القصة، وهي قصة أول جريمةٍ تعود إلى فجر التاريخ وهي تمثِّل صراع الخير والشَّر.


كيف بدأت القصة؟
تحدِّثنا الروايات أنَّ هابيل قدَّم إلى الله قربانًا وكان أسمنَ كبشٍ في صيانته، وقدَّم قابيل قربانًا وكان ضغثًا من سنبل – أسوء ما يملك – وهنا يبرز الإخلاص الصادق عند هابيل، والتلوث الروحي عند قابيل، وكانت النتيجة أنْ تقبَّل الله قربان هابيل، ولم يتقبَّل قربان قابيل، والعلامة في ذلك أنَّ الله تعالى يُرسل نارًا إلهية لتأكل القربان المقبول، وتترك غير المقبول، وهذا الذي حدَث…
وتحرَّكت في داخل قابيل (عقدة الحسد) وبدأت تأكل قلبه وتحرِّك في داخله أفكارًا شرِّيرة ضدَّ أخيه، فقرَّر ارتكابَ الجريمة، فصارح أخاه هابيل حيث قال:
• ﴿قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ﴾. (المائدة/ 27)
ماذا كان جواب أخيه هابيل:
• ﴿قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾. (المائدة/ 27)
المسألة خاضعة لمعيارٍ ربَّاني في القبول والرفض، إنَّه معيار التقوى والإخلاص والصِّدق مع الله.. فحاول أن تربِّي نفسك على هذا المعيار ليحظى قربانك بالقبول عند الله…
ثمَّ تابع هابيل كلامه مخاطبًا أخاه قابيل:
• ﴿لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي…﴾ (المائدة/ 28) إنْ كنت مصرًّا على قتلي انطلاقًا من عقدة الحسد ومن دون حساب لعلقة الأخوَّة ولا تفكير في النتائج
• فــ ﴿مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾. (المائدة/ 28)
إنَّ خوفَ الله يمنعني أنْ أفكِّر في مثل هذه الجريمة الشَّنعاء، وفي هذا العدوان الآثم، فإنَّ عزمكَ على قتلي لا يبرِّر لي الإقدام على قتلك لأنَّ الله لم يأذن لي بذلك…
فالخوف من الله هو أكبر حاجزٍ يمنع الاعتداء على الدِّماء والأرواح…
وحينما غاب الخوف من الله عند قابيل انقاذ إلى هوى النفس وأقدم على ارتكاب الجريمة
• ﴿فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾. (المائدة/ 30)
لأنّه خسَر الدنيا إذ خسر أخاه، خسَر الآخرة حيث استحق عذاب النَّار.


وتحدِّثنا رواية عن الإمام الصَّادق (ع) قال:
«قتل قابيلُ هابيلَ وتركته بالعراء لا يدري ما يصنع به فقصده السباع، فحمله في جرابٍ على ظهره حتى أروح [ظهرت له رائحة] وعكفت عليه الطير والسِّباع تنتظر متى يرمي به فتأكله، فبعث الله غرابين فاقتتلا، فقتل أحدُهما صاحبه، ثمَّ حفر له بمنقاره وبرجله، ثمَّ ألقاه في الحفيرة وواراه، وقابيل ينظر إليه فدفن أخاه».
وهذا ما أشارت إليه الآية:
• ﴿فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ…﴾. (المائدة/ 31)


 


من صفات الإمام زين العابدين عليه السَّلام العزَّةُ والإباء:
وكيف لا يمتلك الإمام زين العابدين عليه السَّلام (العزَّة والإباء) وهو الذي ذاب في الله كلَّ الذوبان، وهو الذي اعتصم بالله كلَّ الاعتصام، فما كانت الدنيا بكلِّ ما فيها قادرة أنْ تكسر ما في داخله من (العزَّة والإباء).
من كلماته عليه السَّلام: «ما أحبُّ أنَّ لي بذلِّ نفسي حمر النَّعم».
وفي كلمة أخرى: «من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا».
لماذا يبيع الكثيرون ضمائرهم بأنجس الأثمان؟
لأنَّهم لا يملكون العزَّة والإباء والكرامة.
ولماذا لا يملكون ذلك؟
لأنَّهم انفصلوا عن الله تعالى…
ما فقد العزَّة من اتصل بالله، وما وجد العزَّة من انفصل عن الله…
من قصص العزَّة والإباء في حياة الإمام زين العابدين عليه السَّلام ما ذكره المؤرِّخون: أنَّ أحدهم أخذ من الإمام زين العابدين بعض حقوقه بغير حق، وكان الإمام بمكة، وكان الوليد بن عبد الملك حينئذ تربَّع على كرسي الخلافة وقد حضر موسم الحج، فقيل للإمام: لو سألت الوليد أنْ يردَّ عليك حقَّكَ؟
فقال في عزَّة وإباء: «أفي حرم الله عزَّ وجلَّ أسألُ غير الله عزَّ وجلَّ؟! إنِّي آنف أنْ أسأل الدنيا من خالقها فكيف أسأل مخلوقًا مثلي؟!».
وهذا درسٌ من أروع الدروس في العزَّة والإباء، وحتَّى وإنْ كان الإنسان صاحب حقٍّ، فلا يصح أنْ يعتمد أيَّ أسلوب مُذِّلٍ في سبيل الحصول على حقِّه.
المطالبة بالحقوق يجب أن تكون بأساليب كريمة وشريفة، وليس بأساليب تقتل العزَّة والكرامة…
ربَّما تساوم الأنظمة الحاكمة القوى المطالبة بحقوقهم، لتمنحها بعض الحقوق مقابل أنْ تتنازل هذه القوى عن شيئ من كرامتها… الاستجابة لهذه المساومات المذِّلة خيانة للأهداف والمبادئ.. وهدرٌ للعزَّة والإباء…
ليس منَّةً على الشعوب حينما تستجيب الأنظمة الحاكمة لمطالب الشعوب العادلة… ولهذا لا يجوز أنْ تقدِّم الحقوق للشعوب بوسائل فيها إذلالٌ وامتهان، إنَّ سرقة العزَّة والكرامة أفحش وأقبح من سرقة الأموال والحقوق المادية.
إنَّ مسؤولية الشعوب أنْ تكافح من أجل أنْ تعيش عزيزة كريمة، لا مشكلة أن تجوع، أنْ تعرى، أن تتألَّم، أنْ تتعذَّب، ما دام ذلك في طريق العزَّة والكرامة.
هذا لا يعني أنْ لا يكافح الشعب من أجل لقمة العيش، من أجل أنْ لا يجوع، لا يعرى، لا يتألم، فقد تكون سرقةُ اللقمة وتجويعُ النَّاس وإفقارُهم، وحرمانُهم وسائل لإذلالهم وإسقاط كرامتهم…
ولكن حينما يكافح دفاعًا عن لقمة العيش يجب أن لا يتنازل عن مبادئه وقيمه وأهدافه الكبرى، وحينما يكافح عن مبادئه وقيمه وأهدافه يجب أنْ لا ينسى مطالبه المادية المشروعة…


كلمة أخيرة:
(نعم) لحوار التغيير… (لا) لحوار الاستهلاك، ربَّما يُطلق الحوار
للاستهلاك السِّياسي والإعلامي…
ربَّما يُطلق الحوار لتلميع السمعة.
ربَّما يُطلق الحوار للعب على الوقت.
ربَّما.. ربَّما…
هذا الحوار مرفوض جملةً وتفصيلًا..
أمَّا إذا كان الحوار للتغيير، التغيير السِّياسي، التغيير الأمني، التغيير الحقوقي، فهذا هو الحوار الذي يُطالب به الشعب…
• بشرط أن تتوفَّر مناخاتٌ صالحةٌ للحوار…
• وأنْ تتوفَّر ضماناتٌ صالحة…
• وأنْ تتوفَّر منتجاتٌ صالحةٌ يرضى بها الشعب…
ولست هنا في صدد الحديث عن (المناخات) و(الضمانات) و(المنتجات)، ولكن من أجل أن أقول أنَّ شعار الحوار إذا تحوَّل لعبة سياسية تحاول السلطة من خلالها أنْ تمرِّر أهدافها التي لا تستجيب لإرادة الشعب فإنَّ هذا يُشكِّل خطرًا مدمِّرًا لهذا الوطن، وعبثًا كبيرًا بمستقبل هذا الشعب… فإمَّا حوار جادٌ صادق ينقذ هذا الوطن، ويستجيب لمطالب هذا الشعب، وإمَّا أنْ تستمر الأوضاع المؤزِّمة لهذا الموطن، وتبقى معاناة هذا الشعب…
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى