حديث الجمعةشهر ذي الحجة

حديث الجمعة 589: الغدير وإشكاليَّة تكريس الحسِّ الطَّائفيِّ، والخلافات المذهبيَّة! – الحَدَث الفاجعة في لبنان

هذا الحديث للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، قد أُلقي في تاريخ: (16 ذو الحجَّة 1441 هـ – الموافق: 6 أغسطس 2020 م)، وقد تمَّ تفريغه من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقه بما يتناسب وعرضه مكتوبًا للقارئ الكريم.

أعوذ بالله السَّميع العليم من الشَّيطان الغويِّ الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين، سيِّدنا، ونبيِّنا، وحبيبنا، وقائدنا، محمَّد وعلى آله الطَّيِّبين الطَّاهرين.
السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة، ورحمة الله وبركاته.

الغدير وإشكاليَّة تكريس الحسِّ الطَّائفيِّ، والخلافات المذهبيَّة!

تهنئة بذِكرى الغدير
أُهنِّئكم بذِكْرى الغدير، سائلًا المولى القدير أنْ يجعل هذه المناسبة مناسبةَ خيرٍ، وأمنٍ، وسلام، وتآلف، وتقارب، ومحبَّة، وصفاء.
تواجهنا ونحن نحتفل بذِكْرى الغدير إشكاليَّة، هذه الإشكالية تقول: إنَّ إحياء هذه المناسبة يكرِّسُ (الحسَّ الطَّائفي)، ويؤسِّسُ (للخلافات المذهبيَّة) باعتبارها قضيَّة مذهبيَّة بحتة.

أسباب تكريس الحسِّ الطَّائفيِّ
لماذا؟
أوَّلًا: الغدير يشكِّل خصوصيَّة مذهبيَّة.
فالشِّيعة وحدَهم هم الذين يؤمنون بقضيَّة الغدير، أمَّا بقيَّة المسلمين لا يُسلِّمون بذلك!
فالاحتفاء بمناسبة الغدير هو احتفاء بمناسبة مذهبيَّة بحتة، الأمر الذي يؤسِّس لخلافات وصراعات ضارَّة بوحدة المسلمين!
ثانيًا: التَّاريخ حافل بخلافات وصراعات، فاستدعاء هذه الخلافات والصِّراعات يؤسِّسُ لتأزُّمات في العلاقة بين المذاهب، فلماذا لا يُسْدَل السِّتار على (المعارك التَّاريخيَّة.
وتتَّجه الجهود إلى ترميم وترسيخ الوحدة بين مذاهب المسلمين في عصر تتحرَّك جهود أعداء الإسلام إلى زرع الصِّراعات، وتأجيج الخلافات بين المسلمين؛ من أجل الهيمنة، والسيطرة عليهم.
هذه خلاصة الإشكاليَّة.

الجواب:
نجيب على هذه الإشكاليَّة.
هنا بعض ملاحظات أَذْكُر منها هاتين الملاحظتين:
الملاحظة الأولى: هل المطلوب الصَّمت المُطلق في القضايا الخلافيَّة؟
صحيح جدًّا أنَّ في التَّاريخ قضايا قد اختلفت رؤى المسلمين حولها، وتعدَّدت القناعات، والاجتهادات، فهل المطلوب الصَّمت المطلق، وأنْ يجمَّد الحديث عن أيِّ قضيَّة تشكِّل خلافًا عقيديًّا، أو فقهيًّا، أو تاريخيًّا؟
هل نسكت عن كلِّ القضايا في التَّاريخ كـ:
1-القضايا العقائديَّة – العَقدية.
2-القضايا التَّاريخيَّة.
3-القضايا الثَّقافيَّة.
4-القضايا الفقهيَّة.

وما شاء الله من القضايا التي يختلف فيها المسلمون، فهل يلتزم كلُّ المسلمين بإغلاق الحديث عن هذه القضايا الخلافيَّة؟
فهل مطلوب الصَّمت المطلق؟
لا أعتقد أنَّ أحدًا من الباحثين والدَّارسين من مختلف المذاهب الإسلاميَّة يلتزم بهذا.

الحقُّ مكفول للجميع
فالرُّؤى العقائديَّة، والفكريَّة، والفقهيَّة، والتَّاريخيَّة متعدِّدة ومتكثِّرة، ومن حقِّ أيِّ دارس أو باحث، ومن حقِّ أيِّ مذهب أنْ يشكِّل قناعته، وأنْ يؤسِّس لرؤيته.
1-فمن حقِّ الإنسان السُّنِّيِّ أنْ يؤسِّس لقناعته حول (الشُّورى، والخلافة) عنده، وأنْ يناقش مبدأ (النَّصَّ، والإمامة).

ومن حقِّ الإنسان الشِّيعيِّ أنْ يؤسِّس لقناعته حول (النَّصِّ، والإمامة)، وأنْ يناقش مبدأ (الشُّورى، والخلافة).
2-من حقِّ الإنسان السُّنِّيِّ أنْ يتحدَّث عن (السَّقيفة).
ومن حقِّ الشِّيعيِّ أنْ يتحدَّث عن (الغدير).
3-من حقِّ أيِّ باحثٍ ينتمي لهذا المذهب، أو ذاك المذهب أنْ يُعطي رأيه حول قضايا التَّاريخ.
هذه الملاحظة الأولى.

الملاحظة الثَّانية: معالجات القضايا تتمُّ بالعلميَّة والموضوعيَّة
نعم، مطلوب أنْ تكون معالجات قضايا التَّاريخ، وقضايا الخلافات العقائديَّة، والفكريَّة، والفقهيَّة معالجاتٍ علميَّةً وموضوعيَّة.
وأنْ تكون اللُّغة نظيفة مهذَّبة.

منهجان للتَّعاطي مع الخلافات التَّاريخيَّة
هناك منهجان للتعاطي مع قضايا التَّاريخ، ومع قضايا الخلافات:

المنهج الأوَّل:
منهج التَّعصُّب، ولغة القذف والسَّبِّ ويعتمد:
1-التَّعصب.
2-ولغة التَّكفير، والقذف، والسَّبِّ.
هذا المنهج مرفوض جدًّا جدًّا سواء صدر من أيِّ إنسان ينتمي لهذا المذهب، أم لذلك المذهب.
التَّعصُّب مبغوض جدًّا.

التَّعصُّب المذموم
وقد شدَّدت النُّصوص الدِّينيَّة على ذمِّه والتَّحذير منه:
•نقرأ قوله تعالى: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ …﴾ (سورة الفتح: الآية 26).
الحميَّة تعني التَّعصُّب، التَّعصُّب الجاهليُّ.
التَّعصُّب عنوان جاهليٌّ.

فالتَّعصُّب من صفات الكفَّار الَّذين واجهوا الرِّسالة محكومين لعصبيَّة عمياء، لم تسمح لهم أنْ يحرِّكوا عقولهم، وتفكيرهم، وإلَّا لتغيَّر الموقف، وانفتحوا على دعوة النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بكلِّ رشد وبصيرة.

نقرأ في الأحاديث تشديدًا على شجب التَّعصُّب المذموم القبيح، وهذه بعض أحاديث تحذِّر من العصيبَّة في عنوانها المرفوض:
•عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) قال: «ليس مِنَّا مَنْ دعا إلى عصبيَّة، وليس مِنَّا مَن قاتل على عصبيَّة، وليس مِنَّا من مات على عصبيَّة» (ميزان الحكمة 3/1992، محمَّد الريشهري).، ليس مِن المسلمين.
ليس ممَّن ينتمون لهذه الأمَّة، «ليس مِنَّا مَنْ دعا إلى عصبيَّة، …»
هكذا يشجب النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بعنف، بشدَّة، شيئًا اسمه العصبيَّة.
•وقال (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «مَنْ تعصَّب، أو تُعصِّب له، فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه».

وفي نقل: «¬…، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه» (ميزان الحكمة 3/1992، محمَّد الريشهري).
•وقال الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «مَنْ تعصَّب عصَّبه الله (عزَّ وجلَّ) بعصابة من نار» (ميزان الحكمة 3/1992، محمَّد الريشهري).
التَّعصُّب في معناه المرفوض هو الانحياز الباطل إلى الذَّات، إلى المذهب، إلى الجماعة، إلى الحزب.

ما معنى الانحياز الباطل؟
الإنسان حينما يدافع عن مواقف حقَّه، فهذا دفاع مشروع.
وأمَّا حينما يدافع عن مواقف باطلة، فهذا دفاع غير مشروع.
فمثلًا: أنا أعرف أنَّ موقفي باطل، لست على حقٍّ، وأنا أدافع عن ذلك، فهذه عصبيَّة.
وهذا هو التَّعصُّب المرفوض.
أنْ تصدر منك مواقف غير حقَّه.
أنْ تصدر من جماعتِك، قومِك، حزبِك، مذهبِك، طائفتِك مواقف غير حقَّه.
فتتصدَّى للدِّفاعِ عنها عن هذه المواقف، كونها صدرتْ منك، أو من جماعتك، أو من حزبك، أو من مذهبك، ولا يهمُّ أنْ تكون حقًّا، أو باطلًا.
هذا هو التَّعصُّب الذي حذَّرت منه النُّصوص الدِّينيَّة.

التَّعصُّب المحمود
وليس من التَّعصُّب أنْ تُحبَّ نفسَك.
أنْ تُحبَّ قومك.
أنْ تُحبَّ حزبَك.
أن تُحبَّ مذهبك، طائفَتك، جماعتك، وطَنك.
هذا مشروع.
وليس من التَّعصب أنْ تدافع عن المواقف الحقَّة صدرت منك.
أو من قومك.
أو من حزبك.
أو من مذهبك.
أو من طائفتك.
وكذلك أنْ تدافع عن المواقف الحقَّة إذا صدرت من غيركَ.
أو من غير جماعتِكَ.
أو من غير قومِكَ.
أو من غير حزبكَ.
أو من غير مذهبكَ.
أو من غير طائفتِكَ.

1-في حديث عن الإمام زين العابدين (عليه السَّلام) يوضِّح لنا الفرق بين التَّعصُّب المقبول، والتَّعصُّب المرفوض، فقد سُئل الإمام زين العابدين (عليه السَّلام) عن العصبيَّة، فقال: «العصبيَّة التي يأثم عليها صاحبُها أنْ يرى الرَّجلُ شِرارَ قومِهِ خيرًا من خيار قوم آخرين، وليس من العصبيَّة أنْ يُحبَّ الرَّجلُ قومَه، ولكن من العصبيَّة أنْ يُعين قومَهُ على الظُّلم» (ميزان الحكمة 3/1992، محمَّد الريشهري).
أنْ يعيش الإنسان مشاعر الولاء، والحبِّ، والانتماء إلى دينه، إلى مذهبه، إلى قومه، إلى جماعته، إلى حزبه، هذا أمر مشروع، ولا ضَيْر فيه، ولا يمثِّل (تعصُّبًا مذمومًا).
وإنَّما التَّعصُّب المذموم أنْ يُعين قومَه، جماعتَه، طائفتَه على الظُّلم!
يقف مع ظلمهم.
يدافع عن ظلمهم.
ينحاز إلى مواقفهم، وإنْ كانت باطلة!
ومقياسه في التَّقويم هو انتماؤه، فيرى أنَّ «شرار قومه خيرٌ من خيار قوم آخرين»!
أمَّا الانحياز إلى الحقِّ أينما كان.
وأمَّا الدِّفاع عن الحقِّ أينما وجد، وفي أيِّ مكان وجد.
فهذا تعصُّب ممدوح.

2-قال رسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «خيركم المدافع عن عشيرتِهِ ما لم يأثم» (ميزان الحكمة 3/1993، محمَّد الريشهري).
مطلوب أنْ تدافع عن انتمائك الدِّينيِّ، المذهبيِّ، الوطنيِّ، السِّياسيِّ بشرط أنْ يكون دفاعًا حقًّا.

أمَّا أنْ يكون دفاعًا عن باطل، فهذا دفاع مرفوض.
3-وقال أمير المؤمنين (عليه السَّلام): «إذا كنتم لا محالة متعصِّبين، فتعصبُّوا لنصرة الحقِّ، …» (ميزان الحكمة 3/1993، محمَّد الريشهري).
«إذا كنتم لا محالة متعصِّبين، فتعصبُّوا لنصرة الحقِّ، وإغاثة الملهوف»
هنا الموقف تحكمه معايير الحقِّ، والباطل.
ومعايير العدل، والظُّلم.
ومعايير الخير، والشَّرِّ.
ومعايير الهدى، والضَّلال.
فمطلوب نصرة الحقِّ.
ونصرة العدل.
ونصرة الخير.
ونصرة الهدى.
ومطلوب مواجهة الباطل.
ومواجهة الظُّلم.
ومواجهة الشَّرِّ.
ومواجهة الضَّلال.

أخلص إلى القول:
إنَّ معالجة القضايا المذهبيَّة، والقضايا التَّاريخيَّة أمر مشروع.
بشرط ألَّا تكون هذه المعالجة معالجة (متعصِّبة).
إنَّ معالجة القضايا المذهبيَّة، والقضايا التَّاريخيَّة أمر مشروع بشرط ألَّا تكون هذه المعالجة معالجة (متعصِّبة) لا تعتمد معايير الحقِّ، والباطل.
وهناك شرط آخر مهمٌّ جدًّا، هذا الشَّرط هو: (أنْ تكون لغة المعالجة لغة مهذَّبة، ونظيفة، ورشيدة).
فلا يُسمح باعتماد (لغة القذف، ولغة السَّبِّ)، فهي لغة مرفوضة جدًّا، وهي لغة متخلِّفة جدًّا.
اختلِف مع الآخر لكن لا تسبُّه، ولا تقذفه.
ناقشه، وحاوره، من دون لغة السَّبِّ، ولغة الشَّتم.
فهذه لغة مقيتة متخلِّفة جدًّا.

القرآن الكريم حذَّر تحذيرًا شديدًا من اعتماد (لغة السَّب).

•قال تعالى: ﴿وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّواْ اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ …﴾ (سورة الأنعام: الآية 108).
إذا مارستم السَّبَّ ضدَّ الَّذين يدعون من دون الله، أو ضدَّ آلهتهم، فسوف يدفع هذا المشركين إلى سبِّ الله تعالى، ثمَّ إنَّ لغة السَّب لا يمكن أن تحقِّق أيَّة نتيجة إيجابيَّة لمصلحة الإيمان.

•نقرأ في نهج البلاغة أنَّ عليًّا (عليه السَّلام) سمع قومًا من أصحابه يَسبُّون أهل الشَّام أيَّام حرب صفين، والمعركة قائمة، والاستعدادات قائمة.
مواجهة بين عليٍّ (عليه السَّلام) وأتباعه، ومعاوية وأتباعه.
إذًا في أجواء معركة، وفي أجواء متشنِّجة.
الإمام عليٌّ (عليه السَّلام) يسمع قومًا من أصحابه من أهل العراق يَسبُّون أهل الشَّام أيَّام حرب صفين، فتصدَّى لهم الإمام (عليه السَّلام) بقوَّة، بعنف: «إنّي أكره أنْ تكونوا سبَّابين، ولكنكم لو وصفتهم أعمالهم، وذَكَرْتم حالهم كان أصوب في القول، وأبلغ في العُذر، وقلتم مكان سبِّكم إيَّاهم: اللَّهُمَّ احقن دماءنا ودماءهم، …» (نهج البلاغة 2/186، خطب الإمام علي (عليه السَّلام).
«أكره» ليس بمعنى الكراهة الفقهيَّة التي يجوز فعلها.
«أكره»: أبغض، أحرِّم، إنَّ الله ﴿… كَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ …﴾ (سورة الحجرات: الآية 7)، يعني حرَّم.
«إنِّي أكره أنْ تكونوا سبَّابين، …».
هذه ليست لغة علي بن أبي طالب (عليه السَّلام).
هذا ليس منهجه.
هذه ليست مدرسته، «إنِّي أكره أنْ تكونوا سبَّابين، ولكنكم لو وصفتهم أعمالهم، وذَكَرْتم حالهم كان أصوب في القول، وأبلغ في العُذر، وقلتم مكان سبِّكم إيَّاهم: اللَّهُمَّ احقن دماءنا ودماءهم، …»
أيُّ نفس متعالية كبيرة!
المعركة على أشدِّها والإمام عليٌّ (عليه السَّلام) يقول: «…، اللَّهمَّ، احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم»! (نهج البلاغة 2/186، خطب الإمام علي (عليه السَّلام).

مبادئ معالجة القضايا
هنا أمير المؤمنين (عليه السَّلام) يطرح مبادئ جدًّا مهمَّة:

المبدأ الأوَّل:
لغة السَّبِّ لغة مرفوض في منهج أمير المؤمنين (عليه السَّلام).

المبدأ الثَّاني:
اعتماد منهج النَّقد العلميِّ النَّظيف.

المبدأ الثَّالث:
حقن الدِّماء، والإصلاح هدف سامٍ، وكبير عند الإمام عليٍّ (عليه السَّلام).
إذًا: لغة السَّبِّ والقذف لغة متخلِّفة، وتعبِّر عن ضعف، وتُؤسِّس لصراعات، وخلافات.
هذا هو المنهج الأوَّل، أنْ نعالج التَّاريخ بمنهج التَّعصُّب، بمنهج القذف والسَّبِّ، وهذا مرفوض.

المنهج الثَّاني:
اعتماد الأسلوب العلميِّ، واللُّغة النَّظيفة الرَّشيدة
يوجد منهج آخر؛ لمعالجة قضايا الخلافات، وقضايا التَّاريخ، وهو اعتماد (الأسلوب العلميِّ)، واعتماد (اللُّغة النَّظيفة الرَّشيدة).
فهو منهج يساهم في التَّقريب.
ويفتح القلوب، والعقول.

سمات الخطاب الدِّينيِّ
وهكذا يجب أنْ يكون الخطاب الدِّينيُّ.
1-خطابَ اعتدالٍ، لا خطاب تطرُّف.
2-خِطابَ محبَّة وتسامح، لا خطاب كراهية، وتعصُّب.
3-خِطابَ وحدةٍ وتآلف، لا خطاب فرقةٍ وتخالف.
فنحن حينما ندعو إلى معالجة قضايا التَّاريخ، فندعو إلى اعتماد (المنهج العلميِّ).
وإلى اعتماد (اللُّغة النَّظيفة).

ولا أعتقد أنَّ المعالجات لقضايا التَّاريخ، ولكلِّ القضايا الخلافيَّة، فيما هو الشَّأن العقيديُّ، والفكريُّ، والفقهيُّ، والاجتماعيُّ، والسِّياسيُّ.
لا أعتقد أنَّ هذه المعالجات متى اعتمدت (المنهج العلميَّ)، و(اللُّغة النَّظيفة) تؤسِّس لخلافات، وصراعات أبدًا.
بل هي تؤسِّس لتقاربات.
وتخفِّف من كلِّ أشكال القطيعة.
لماذا تتجذَّر القطيعة المذهبيَّة، أو الثَّقافيَّة، أو الاجتماعيَّة، أو السِّياسيَّة؟
حينما يغيب الحوار العلميُّ النَّظيف.
أمَّا إذا وُجد هذا الحوار فمِن الطَّبيعيِّ أنْ تعالج كلُّ العُقد في العلاقات المذهبيَّة.
والعلاقات الفكريَّة.
والعلاقات السِّياسيَّة.

أمَّا إذا غاب هذا الحوار، أو وُجد الحوار المتشنِّج، فالعلاقات تتعقَّد، وتتأزَّم، وتتوتَّر، بل تتحوَّل إلى صراعات مرعبة، ومدمِّرة، وتكاليف هذه الصِّراعات كبيرة، وأثمانها باهظة!
وربما تكون أثمانُها دماءً! وأعراضًا! وأموالًا!
وربما تكون أثمانها دمار أوطان، وأمن شعوب!
وربما تكون أثمانها مآسي لها بداية، وليس لها نهاية.

والخلاصة:
إنَّ التَّعاطي مع القضايا التَّاريخية تحتاج إلى درجةٍ عاليةٍ من (البصيرة العلميَّة).
وإلى درجةٍ عالية من (الموضوعيَّة).
وإلى درجةٍ عالية من (النَّظافة في اللُّغة، والكلمات).
وأيُّ تَعَاطٍ يفقد أحد هذه العناصر هو تَعَاطٍ مرفوض، كونه يشكِّل عاملًا تأزيميًّا ضارًّا بوحدة الأمَّة، وبتقارب مكوِّناتها الدِّينيَّة، والمذهبيَّة، والثَّقافيَّة، والاجتماعيَّة، والسِّياسيَّة.
إنَّ وحدة الأمَّة من الثَّوابت التي لا يجوز التَّفريط فيها، ما دامت هذه الوحدة قائمة على البِرِّ والتَّقوى لا على الإثم والعدوان.

•قال تعالى: ﴿… وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ …﴾ (سورة المائدة: الآية 2).

كلمة أخيرة: الحَدَث الفاجعة في لبنان
بكلِّ أَسًى، وألم، وحزن تلقَّينا الحَدَث المفجِع في لبنان، والذي راح ضحيَّته الآلاف من القتلى، والجَرْحى، والمفقودين، والمشرَّدين.
الحدث الذي تفاعل معه كلُّ العالم بعيدًا عن كلِّ الحسابات، والاعتبارات.
فعزاؤنا لكلِّ اللَّبنانيين، وبالأخصِّ أهالي الضَّحايا.
سائلين المولي القدير أنْ يتغمَّد القتلى بوافر الرَّحمة والرَّضوان، وأنْ يمنَّ على الجرحى بالشِّفاء العاجل.

وإنَّنا نثمِّن لدولتنا موقَفها الإنسانيَّ الكريم في التَّعاطي مع هذا الحدث الفاجعة.
ونثمن كلَّ المواقف الإنسانيَّة النَّبيلة لكلِّ الدُّول.

وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى