حديث الجمعةشهر ذي الحجة

حديث الجمعة 267: آثار الذنوب – لكي تُشاركَ الحجّاجَ ثوابَ الحج (2) – العيد عيد الطائعين – نستقبل عيدًا مملوءًا بالآلام والآهات

بسم الله الرحّمن الرحيم


الحمدلله ربِّ العالمين وأفضل الصلوات على سيد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الهداة المعصومين…


آثار الذنوب:
الأثر الأول:


جاء في دعاء كميل: ((اللهمّ اغفر لي الذنوبَ التي تهتكُ العصم)) = تهتك العصم بمعنى (تفضح الستر).
مِن أسماء الله وصفاته (الستّار) فهو بلطفه وكرمه يستر ذنوب عباده، وهو المطلّع على كلّ ما يصدر عنهم من ذنوب ومعاصي.


{ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } النحل – آية 19
{ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى } طه – آية 7
{ إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ } آل عمران – آية 5
{ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ } النمل – آية 25


فالعبد يذنب ويذنب متخفيًا بذنبه، فيستر الله عليه، لأنّه جلّ لطفه وكرمه لايريد لعباده الفضيحة.


هناك أربع كلمات ورد الحث عليها في كلّ صباح، أن تقول إذا أصبحت:
(الحمدللهِ الذي عرّفني نفسه ولم يجعلني عميان القلب)
(الحمدللهِ الذي جعلني من أمّةِ محمدٍ صلّى الله عليه وآله ولم يجعلني من سائر الأمم)
(الحمدللهِ الذي رزقني في يديه ولم يجعل رزقي في أيدي النّاس)
(الحمدللهِ الذي ستر ذنوبي ولم يفضحني بين الخلائق)


وإذا كان الربُّ الكريمُ ستّارًا على عباده، فإنّ هؤلاء العباد بجهلهم، وحماقتهم، يمارسون من الذنوب والمعاصي مايهتك سترهم، فيفتضحون في السماء على ألسنة الملائكة، وفي الأرض على ألسنةِ النّاسِ (كما في الحديث):


قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:
(( للمؤمن إثنان وسبعون سترًا، فإذا أذنب ذنبًا إنتهك عنه سترٌ، فإذا تاب ردّهُ الله إليه وسبعةً معه، فإذا أبى إلاّ قُدُمًا على المعاصي تهتك عنه أستاره..
فإن تابَ ردّها اللهُ إليه، ومع كلِّ سترٍ منها سبعة أستار….
فإن أبى إلاّ قُدُمًا قُدُمًا في المعاصي تهتك عنه أستارُه وبقي بلا ستر..
وأوحى الله إلى ملائكتِهِ أن إسْتُرُوا عبدي بأجنحتِكم، فإنّ بني آدم يعيّرون ولايغيّرون، وأنا أغيّر ولا أعيّر…
فإن أبى إلاّ قُدُمًا قُدُمًا في المعاصي شكتْ الملائكةُ إلى ربِّها، ورفعتْ أجنحتها: يا ربِّ إنّ عبدَكَ هذا قد أقدمنا مما يأتي من الفواحشِ ماظهر منها ومابطن..
فيقول الله تعالى: كفّوا أجنحتكم، فلو عمل بخطيئةٍ في سوادِ الليل أو في ضوء النّهار، أو في مغارةٍ، أو في قعرِ البحر، لأجراه الله على ألسنةِ النّاس، فسلوا الله تعالى أن لايهتك أستاركم ))


نعود إلى الكلمة في دعاء كميل:
( اللهمّ إغفر لي الذنوبَ التي تَهْتِكُ العصم )


فما هي الذنوب التي تهتك العصم، وتفضح الستر ؟
نجيب عن هذا السؤال في اللقاء القادم إن شاء الله تعالى…


لكي تُشاركَ الحجّاجَ ثوابَ الحج (2)


ورد في الروايات أنّ بعض الأعمال إذا جاء بها الإنسان خالصةً لله تعالى، كان ثوابها يوازي ثواب الحج او أكثر.. نذكر بعضها:


(1) الورع عن أكل الحرام:
في الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه وآله:
((ترك دانق حرام أحبّ إلى الله تعالى مِن مائة حجةٍ مِن مال حلال)) [ تقدّم الحديث ]


(2) إعالة أسرة فقيرة:
قال الإمام الباقر علية السّلام:
(( لأن أعول أهل بيتٍ مِن المسلمين: أسدُّ جوعتهم، وأكسو عورتَهم، وأكفّ وجوههم عن النَاسِ، أحبُّ إليّ مِن أن أحجَّ حجةً وحجةً وحجةً ومثلَها ومثلَها ومثلَها حتّى بلغ عشرًا، ومثلَها ومثلَها حتّى بلغ السبعين )).


(3) قضاء حوائج المؤمنين:
في الحديث عن الإمام الصادق عليه السّلام:
(( والذي بعث محمدًا (صلّى الله عليه وآله) بالحقّ بشيرًا ونذيرًا لقضاءُ حاجةِ امرئ مسلمٍ وتنفيس كربته أفضلُ عند الله من حجةٍ وطوافٍ وعمرةٍ، وحجةٍ وطوافٍ وعمرةٍ – حتى عدّ عشرة – ثمّ قال: اتّقوا الله ولا تملّوا مِن الخير، ولا تكسلوا، فإنّ الله عز وجل ورسولَهُ غنيانِ عنكم وعن أعمالِكم، وأنتم الفقراء إلى الله، وإنّما أراد الله عز وجل بلطفه سببًا يدخلكم الجنّةَ به ))


(4) أن تزور أخًا في الله فتكون قد زرت الله:
إذا كان الحاجُّ يزورُ بيت الله، فأنت حينما تزور أخًا في الله تكون قد زرتَ الله سبحانه.
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
(( حدّثني جبرائيل أنّ الله عزّ وجل أهبط مَلَكًا إلى الأرضِ فأقبل ذلك المَلَك يمشي حتى وقع إلى باب دارِ رجلٍ، فإذا رجلٌ يستأذن على باب الدارِ فقال له المَلَكُ:
ما حاجتك إلى ربِّ هذه الدار؟
قال: أخ لي مسلمٌ زرتُهُ في الله.
قال [المَلَك]: فإنّي رسولُ اللهِ إليك وهو يقرئك السّلام، ويقول: وجبت لك الجنّة..
وقال: إنّ الله تعالى يقول: مامِن مسلم زار مسلمًا، فليس إيّاه يزور، بل إيايّ وثوابه الجنة ))


(5) صلاة ركعتين بين المغرب والعشاء في كل ليلة من الليالي العشر:
يقرأ في ركعة (الحمد) و(التوحيد) وقوله تعالى: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً – إلى اخر الآية – }


نتابع الحديث – إن شاء الله – في ذكر موارد أخرى تمنحك ثواب الحج والحجاج…


العيد عيد الطائعين:


جاء في الروايات:
(( العيد لمن قبل الله صيامه وقيامه ))
(( العيد لمن خاف الوعيد وليس العيد لمن لبس الجديد ))
(( كلّ يوم لايعصى الله فيه فهو عيد ))


هناك من يفهم العيد فرصةً للعبث واللهو والفسوق والفجور… فيتحول العيد وهو (يوم الله) إلى (يومٍ للشيطان)


في الحديث: (( زيّنوا أعيادكم بالتكبير )
فمن المستحبات المؤكّده في عيد الفطر بعد أربع صلوات: أولاها صلاة المغرب من ليلة الفطر، والثانية صلاة العشاء، والثالثة صلاة الفجر، والرابعة صلاة العيد…


وأمّا في عيد الأضحى فعقيب خمس عشرة صلاة إذا كان في منى، أولاها ظهر يوم النحر، أخيرتها صلاة الصبح في اليوم الثالث عشر.


صورة التكبير في عيد الفطر: (( الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلاّ الله والله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، والحمدلله على ما أبلانا )).


وفي عيد الأضحى يضيف إلى ما تقدّم هذه الفقرة: (( والله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام ))


نستقبل عيدًا مملوءًا بالآلام والآهات:


يستقبل هذا الوطن عيدًا مملوءًا بالآلام والآهات…
أعدادٌ كبيرةٌ من الشهداء…
مئاتُ الجرحى والمصابين…
سجونٌ مزدحمةٌ بالمعتقلين، علماء، رموز، قيادات، ناشطين، شبابًا، رجالًا، نساءً، كبارًا، صغارًا،…
حرائرُ عفيفاتٌ تعرضن لأسوء أنواع الممارسات…
آلافُ المفصولين والمُسرَّحين….
مساجدُ مهدّمةٌ بلغ عددَها أكثر من ثلاثين مسجدًا..
شعائرُ دينيةٌ مهدّدة…
شحنٌ طائفيٌّ مُوجّه….
أجواءٌ أمنيةٌ مُرعبةٌ…
مناخاتٌ سياسيةٌ مُلبدّةٌ ومأزومة….
قُوى معارضة مُصرّةٌ على حراكها السلمي..
شارعٌ غاضبٌ مطالبٌ بالحقوق…
والمستقبل مجهولٌ مجهول…


هكذا يستقبلُ الوطنُ فرحةَ العيد…


وإذا كانت أبوابُ الأرضِ قد أُغلِقتْ فإنّ أبواب السماءِ مفتوحةٌ لا تُغلق، فلا يأسَ في دنيا المؤمنين الصادقين، فمهما ازدحمتْ المحنُ والشدائدُ وضاقت الأرض بما رحبت فالنفوسُ الواثقةُ باللهِ تبقى مملوءةً بالأمل، فكلُّ المعادلاتِ محكومةٌ لإرادتهِ تعالى، وسُنَنُه جارية..


سننُ اللهِ في التغييرِ جاريةٌ مهما طال الجورُ والقهرُ والطغيان والجبروت..


وسننُ اللهِ في النصرِ جاريةٌ، ما دامتْ إرادةُ الشعوبِ مُصرَّةً على تحقيق النصر.


وسننُ اللهِ في الفرجِ بعد الشِّدّةِ جاريةٌ { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}


ثمّ إنّ الدعاءَ سلاحُ المؤمنِ، تنهزم أمامه أعتى الأسلحةِ وأبطشُها وأفتكُها، فهذا السلاحُ يفعل فعله إذا إنضمَّ إلى العمل والإصرار والإخلاص..


قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:
((ألا أدلكم على سلاحٍ ينجيكم من اعدائكم، ويدرّ أرزاقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله..
قال: تدعون ربّكم بالليلِ والنهارِ، فإنّ سلاحَ المؤمنِ الدعاء))


وكم لدعاء المظلوم، الذي لا يجد ناصرًا إلاّ الله من أثرٍ كبير كبير { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}


قال الإمام الصادق عليه السلام:
(( ثلاثُ دَعَواتٍ لا يثحجبن عن الله تعالى:
– دعاءُ الوالد لولده إذا برّهُ، ودعوتُه عليه إذا عقّهُ.
– ودعاء المظلوم على ظالمه، ودعاؤه لمن انتصر له منه.
– ورجلٌ مؤمنٌ دعا لأخٍ له مؤمن واساه فينا، ودعاؤه عليه إذا لم يواسه مع القدرة عليه واضطرار أخيه إليه ))


وأمّا أدعية الأسحار، فما أدراك ما أدعية الأسحار، فهي سهام الليل الصائبة، ففي بعض الكلمات: [لأرمينك بسهام الليل]


سهامُ الليلِ لا تُخْطي ولكنْ  لها أمَدٌ ولِلأَمَدِ إنقضاءُ


وأخر دعوانا أنِ الحمدللهِ ربِّ العالمين…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى