حديث الجمعةشهر ربيع الأول

حديث الجمعة 524: مشروع الوحدة، والتَّقارب

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الهُداةِ الميامين.

وبعد ونحن نعيش ذِكرى المولد النَّبويِّ الشَّريف، وذكرى ميلاد الإمام الصّادق (عليه السَّلام) أحاول أنْ أعالج هذا العنوان:

مشروع الوحدة، والتَّقارب

* الوحدة، والتَّقارب خَيارُنا
في مرحلةٍ أصبحت مشاريعُ التَّجزئةِ، والتَّشظِّي، والشَّتات بكلِّ صياغاتِها هي الخَيار الذي تصرُّ عليه القِوى المعادية لهذه الأمَّة.

في هذه المرحلة الصَّعبةِ، والمشحونةِ بالأزماتِ، والتَّوتُّراتِ، والصِّراعاتِ، والخلافاتِ، والعداوات، والمِحن، والفِتن.
في هذه المرحلةِ يجب أنْ يكون (مشروع الوحدة، والتَّقارب) هو خَيارنا الكبير في مواجهة كلِّ الواقع المأزوم، والمهزوم، والممزَّق.

* النَّبيُّ وأهل بيته أَعطوا وجودَهم لوحدة الأمَّة
وقد أعطى النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) كلَّ وجودِهِ، وكلَّ حياتِهِ؛ من أجلِ أنْ يؤسِّس لوحدة الأمَّة، ولتماسكها، ولتلاحمها.

وكذلك أعطى الأئمَّة من أهل البيت (عليهم السَّلام) كلَّ وجودِهم، وكلَّ حياتِهم؛ من أجلِ أنْ يدافعوا عن هذا المشروع الكبير.

والنَّبيُّ الأعظم (صلَّى الله عليه والِهِ وسلَّم)، والأئمَّة من أهل بيته (عليهم السَّلام) إنَّما ينطلقون في هذا المشروع – مشروع الوحدة، والتَّقارب – من توجيهات القرآن الكريم، والَّذي أكَّدت آياتُه بصراحةٍ قاطعةٍ على ذلك.

1- تقول (الآية 92 من سورة الأنبياء): ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾.

2- وتقول (الآية 23 من سورة المؤمنون): ﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾.

3- وتقول (الآية 103 من سورة آل عمران): ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ …﴾.

4- وتقول (الآية 46 من سورة الأنفال): ﴿… وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ …﴾.

بهذه اللُّغة ِالقاطعةِ الحازمةِ يؤسِّسُ القرآنُ الكريم لمشروع الوحدة، والتَّقارب، ويحذِّر من كلِّ أشكالِ الفرقة والتَّباعد، ومن كلِّ العداوات ِالمحكومةِ لنوازعِ الهوى، والأغراضِ الباطلةِ، والأهداف السَّيِّئة.

وفي اتِّجاه بناء مشروع الوحدة، والتَّقارب وضع النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم)، والأئمَّةُ من أهل بيته (عليهم السَّلام) مجموعة أسُسٍ – لا تتَّسع هذه العُجالة لاستعراضها، وأكتفي بالإشارة السَّريعة إلى بعض هذه الأسسِ -.

* مرتكزان أساسان، ونتائج

وقبل أنْ أتناول الأسس المذكورة، أؤكِّد على هذين المرتَكزين:

المرتكز الأوَّل:
ضرورة أنْ نملك الوعي بقيمة مشروع الوحدة، والتَّقارب.
فغياب هذا الوعي له نتائجه السَّلبيَّة الكبيرة.

من هذه النَّتائج:
1- موت الهِمَم، والعزائم في اتِّجاه هذا المشروع.

2- ارتباك المسار العمليِّ لحركة المشروع.

المرتكز الثَّاني:
التَّفعيل العمليُّ لحركة مشروع الوحدة، والتَّقارب.

فلا قيمة لشعار يبقى في دائرة الوعي، والثَّقافة إذا لم يتحوَّل إلى ممارسةٍ، وسلوكِ، وحركةٍ، وعملٍ، وتجسيد، وتفعيل.

تقول (الآية الثَّانية، والثَّالثة من سورة الصَّفِّ): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾.

ما قِيمة أنْ نرفع شعارَ (المحبَّة)، ونحن نمارس (الكراهية)؟!

ما قِيمة أنْ نرفع شعار (التَّسامح)، ونحن نمارس (الكراهية)؟!

ما قِيمة أنْ نرفع شعارَ (التَّآلف)، ونحن نمارس (التَّخاصم)؟!

ما قِيمة أنْ نرفع شعارَ (التَّقارب)، ونحن نمارس (التَّباعد)؟!

ما قِيمة أنْ نرفع شعارَ (العدل)، ونحن نمارس (الظُّلم)؟!

ما قِيمة أنْ نرفع شعارَ (الإصلاح)، ونحن نمارس (الإفساد)؟!

ما قِيمة أنْ نرفع شعارَ (الخير)، ونحن نمارس (الشَّرِّ)؟!

ما قِيمة أنْ نرفع شعارَ (الاعتدال)، ونحن نمارس (التَّطرُّف)؟!

ما قِيمة أنْ نرفع شعارَ (الرِّفق)، ونحن نمارس (العنف)؟!

ما قِيمة أنْ نرفع شعارَ (السَّلام)، ونحن نمارس (الإرهاب)؟!

ما قِيمة أنْ نرفع شعارَ (الأمن)، ونحن نمارس (الرُّعب)؟!

ما قِيمة أنْ نرفع شعارَ (الفضائل)، ونحن نمارس (الرَّذائل)؟!

ما قِيمة أنْ نرفع شعارَ (الأمانة)، ونحن نمارس (الخِيانة)؟!

ما قِيمة أنْ نرفع شعارَ (الصِّدق)، ونحن نمارس (الكذب)؟!

ما قِيمة أنْ نرفع شعارَ (الحقِّ)، ونحن نمارس (الباطل)؟!

هذا التَّناقض الفاحش بين (القول) و(الفعل) ممقوت كلُّ المَقْت عند الله تعالى، وعند كلِّ الَّذين يحملون ضمائر حيَّة، وقِيَمًا صادقة، ونبلًا، وطُهرًا، وشَرفًا.

* أُسُسُ الوحدة، والتَّقارب
من أجل إنتاج (الوحدة والتقارب) هناك مجموعة أسس أكدت عليها كلماتُ النبي (صلَّى الله عليه والِهِ وسلَّم) وكلماتُ الأئمة (عليهم السّلام) أذكر بعضها:

الأساسُ الأوَّل: بناءُ العلاقاتِ على أساسِ (المحبَّة الصَّادقة)

إذا لم يتوفَّر (الحبُّ الصَّادق) كانت العلاقات مزوَّرةً، وكاذبةً، ومنافِقةً، ومشوَّهةً، ومحكومة لأغراض دنيا، ولمصالح، وأهواء.

هذه العلاقات لا قِيمةَ لها، ولا تُؤسِّس لواقع اجتماعيٍّ متماسك، ولتآلفاتٍ محصَّنة، ولتقارباتٍ جادَّةٍ، بل هي علاقاتٌ مهزوزةٌ، وهشَّةٌ، ومنخورةٌ، وفاقدةٌ لمقوِّماتِ البقاءِ، والاستمرار.

كم هي خطيرٌ جدًّا أنْ تُبْنَى العلاقاتُ الاجتماعيَّةُ على الكذبِ، والدَّجَلِ، والنِّفاقِ، والزَّيفِ، والخِداعِ، والأغراضِ السَّيِّئةِ، والغاياتِ الشَّائنةِ، والأهداف الفاسدة.

إنَّ أرقى، وأنقى العلاقاتِ هي العلاقاتُ المُؤسَّسةُ على (محبَّة الله سبحانه وتعالى).

إنَّها علاقات نظيفة كلُّ النَّظافةِ.
ونقيَّةٌ كلُّ النَّقاء.

وصادقةٌ كلُّ الصِّدقِ.
وصلبةٌ كلُّ الصَّلابةِ.
وراسخةٌ كلُّ الرُّسوخ.
وثابتةٌ كلُّ الثَّبات.
وباقية كلُّ البقاء.
ومتجذِّرة كلُّ التَّجذُّر.

هذا النَّمطُ من العلاقاتِ، والأُخوَّات، والصَّداقات هي التي تُعْطِي أُكُلَّها في يوم الحساب، حيث تسقط كلُّ الأُخوَّات، والصَّداقات.

في (الآية 67 من سورة الزُّخرف) يقول تعالى: ﴿الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾.

﴿الْأَخِلَّاء﴾ يعني: الأصدقاء.
في يوم القيامة تتهاوى، وتسقط كلُّ الصَّداقات، وكلُّ الأُخوَّات، وكلُّ العَلاقات المبنيَّة على المصالح الزَّائفة، والأغراض الفاسدة، والأهداف السَّيِّئة.

ولا تبقى إلَّا الصَّداقات، والأُخوَّات، والعَلاقات المؤسَّسة على (محبَّةِ الله تعالى)، وعلى (البِرِّ، والتَّقوى).

هذا النَّمط من العلاقات، والصَّداقات لا تنتهي بانتهاء الدُّنيا، بل تمتدُّ إلى الآخرة!، حيث يأتي النِّداء من الله سبحانه لهؤلاء الأخلِّاء المتَّقين: ﴿يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ﴾. (سورة الزُّخرف: الآية68).

* كلمات في قيمة المحبَّة في الله تعالى

وقد أكَّدتْ الكلماتُ الصَّادرةُ عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم)، وعن أهل بيته (عليهم السَّلام) على قِيمة (المحبَّة في الله تعالى).

أذْكُر – هنا – بعض هذه الكلمات:
الكلمة الأولى: قال (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) سائلًا أصحابه: «أيُّ عُرى الإيمانِ أوثق؟

فقالوا: الله، ورسوله أعلم». (روضة المتَّقين في شرح مَن لا يحضره الفقيه2/499، محمَّد تقي المجلسي – الأوَّل).

ثمَّ بدأوا يعبِّرون عن آرائهم.
«وقال بعضهم: الصَّلاة.
وقال بعضهم: الزَّكاة.
وقال بعضهم: الصِّيام.
وقال بعضهم: الحجُّ، والعمرة.
وقال بعضهم: الجهاد». (روضة المتَّقين في شرح مَن لا يحضره الفقيه2/499، محمَّد تقي المجلسي – الأوَّل).

ولما استنفذوا ما لديهم من إجابات بدأ رسول الله (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم) يتحدَّث مُعِلَقًا على تلك الآراء، فقال: «لكلِّ ما قلتم فضلٌ، ولكن أوثق عُرى الإيمانِ الحبُّ في اللهِ، والبغضُ في الله، وتولِّي أولياء الله، والتَّبرِّي من أعداء الله». (روضة المتَّقين في شرح مَن لا يحضره الفقيه2/499، محمَّد تقي المجلسي – الأوَّل).

الكلمة الثَّانية:
قال (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «أفضل النَّاس بعد النَّبيِّين في الدُّنيا، والآخرة المحبُّون لله، المتحابون فيه، …». (مستدرك الوسائل12/220، ميرزا حسين النُّوري الطبرسي).

الكلمة الثَّالثة:
قال (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «المتحابُّون في اللهِ (عزَّ وجلَّ) على أعمدة من ياقوت ٍأحمر في الجنَّة، يشرفون على أهلِ الجنَّة، فإذا اطَّلع أحدهم ملأ حسنُهُ بيوتَ أهلِ الجنَّةِ.
فيقول أهل الجنَّة: اخرجوا ننظر المتحابِّين في اللهِ.

فيخرجون، وينظرون إليهم، أحدهم وجهُهُ مثل القمر في ليلة البدر، على جباههم: هؤلاء المتحابُّون في الله (عزَّ وجلَّ)». (الأمالي، الصَّفحة75، الشَّيخ المفيد).

الكلمة الرَّابعة:
قال الإمام علي بن الحسين السَّجَّاد (عليه السَّلام): «إذا جمع الله الأوَّلين والآخرين نادى منادٍ – بحيث يسمع النَّاس -، فيقول: أين المتحابُّون في الله؟

قال: فيقوم عنقُ من النَّاس.
فيقال لهم: اذهبوا إلى الجنَّة بغير حساب!
قال: فتستقبلهم الملائكة.
فيقولون: إلى أين؟
فيقولون: إلى الجنَّة بغير حساب.
فيقولون: أيُّ حزب أنتم من النَّاس؟
فيقولون: نحن المتحابُّون في الله.
فيقولون: فأيُّ شيئ كانت أعمالكم؟
قالوا: كنَّا نحبُّ في الله، ونبغض في الله.

قال: فيقولون: ﴿… فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ (سورة الزمر: الآية74)». (مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، الصَّفحة176، علي الطَّبرسي).

الكلمة الخامسة:
قال الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): “إنَّ المتحابِّين في اللهِ يوم القيامةِ على منابر من نور، وقد أضاء نورُ وجوهِهم، ونورُ أجسادِهم، ونورُ منابِرهم كلَّ شيئ حتَّى يعرفوا به!

فيقال: هؤلاء المتحابُّون في الله». (الوافي4/482، الفيض الكاشاني).
الأساس الثَّاني – من أُسِس الوحدة، والتَّقارب -: التَّأكيد على قِيمةِ التَّواصل الاجتماعيِّ، والتَّحذير من التَّقاطع، والتَّهاجر

ومن أهم تطبيقات التَّواصل الاجتماعيِّ:
1- التَّزاور

أ- قال رسول الله (صلّى الله عليه والِهِ وسلّم): «…، مَنْ مشى زائرًا لأخيه، فله بكلِّ خطوة حتَّى يرجع إلى منزلِهِ عتق مائة ألف رقبة، ويرفع له مائة ألف درجة، ويمحى عنه مائة ألف سيِّئة، ويكتب له مائة ألف حسنة، …». (ثواب الأعمال، الصَّفحة293، الشَّيخ الصَّدوق).

ب- وقال الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «ما زار مسلمٌ أخاه المسلم في اللهِ، وللهِ إلَّا ناداه اللهُ (عزَّ وجلَّ): أيُّها الزَّائر طبتَ، وطابت لك الجنَّة». (ثواب الأعمال، الصَّفحة186، الشَّيخ الصَّدوق).

2- عيادة المرضى، وقضاء حوائجهم
أ- قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «مَنْ عاد مريضًا نادى منادٍ من السَّماء باسمه: يا فلان، طبت، وطاب ممشاك، تبوَّأت من الجنَّة منزلًا». (قرب الإسناد، الصَّفحة13، الحميري القمِّي).

ب- وقال (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «مَنْ سعى لمريض في حاجة قضاها، أو لم يقضها خَرج من ذنوبه كيوم ولدته أمُّه، …». (بحار الأنوار78/217، العلَّامة المجلسي).

3- قضاء حوائج الإخوان
أ- قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «المؤمنون إخوة، يقضي بعضُهم حوائج بعض، فبقضاء بعضهم حوائج بعضٍ يقضي الله حوائجهم يوم القيامة». (مستدرك الوسائل12/403، ميرزا حسين النُّوري الطبرسي).

ب- قال الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «…، مَنْ قضى لأخيه المؤمن حاجةً قضى الله (عزَّ وجلَّ) له يوم القيامة مائة ألف حاجة من ذلك أوَّلها الجنَّة، …». (روضة المتَّقين في شرح مَن لا يحضره الفقيه9/404، محمَّد تقي المجلسي – الأوَّل).

4- إغاثة اللَّهفان
قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «مَنْ أغاث أخاه المسلم حتَّى يخرجه من همٍّ، وكربةٍ، وورطةٍ كتب الله عشر حسنات، ورفع له عشر درجات، وأعطاه ثواب عِتق عشر نسمات، ورفع عنه عشر نقمات، وأعدَّ له يوم القيامة عشر شفاعات». (ثواب الأعمال، الصَّفحة148، الشَّيخ الصَّدوق).

5- إعالة البائسين، والمحرومين
أ- قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «من أفضل الأعمال عند الله (عزَّ وجلَّ) إبراد الأفئدة الحارَّة، وإشباع الأكباد الجائعة، والذي نفس محمَّد بيده، لا يؤمن بي عبدٌ يبيت شبعانًا وأخوه، أو قال: جاره المسلم جائع». (إرشاد القلوب1/146، الحسن بن محمَّد الديلمي).

ب- وقال الإمام الباقر (عليه السَّلام): «…، لأنْ أعول أهل بيت من المسلمين، أسد جوعتهم، وأكسو عورتهم، وأكف وجوههم عن النَّاسِ أحبُّ إليَّ مِن أنْ أحجَّ حجَّةً، وحجَّةً، وحجَّةً، ومثلها، ومثلها – حتَّى بلغ عشرًا -، ومثلها، ومثلها – حتَّى بلغ السَّبعين -».
(الوافي5/678، الفيض الكاشاني).

وهكذا اتَّضح لنا القِيمة الكبيرة للتَّواصل الاجتماعيِّ بكلِّ تطبيقاته.
* أثر المقاطعة، والتَّهاجر
وفي المقابل حدَّد الإسلام من كلِّ أشكال التَّقاطع، والتَّهاجر لِمَا يترتَّب على ذلك من تمزيق للوحدة، والتَّقارب، والتَّآلف، والتَّعاون.

1- قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحلُّ لمسلم أنْ يهجر أخاه فوق ثلاث». (ميزان الحكمة4/3437، محمَّد الريشهري).

2- وقال (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «أيَّما مسلمين تَهاجرَا، فمكثا ثلاثًا لا يصطلحان إلَّا كانا خارجين من الإسلام، ولم تكن بينهما ولاية فأيُّهما سبق إلى كلام أخيه كان السَّابق إلى الجنَّة يوم الحساب».
(ميزان الحكمة4/3438، محمَّد الريشهري).

3- وقال الإمام الصَّادق (عليه السَّلام): «لا يزال إبليس فرحًا ما اهتجر المسلمان، فإذا التقيا اصطكت ركبتاه، وتخلَّعت أوصالُه، ونادى: يا ويله، ما لقي من الثُّبور». (ميزان الحكمة4/3436، محمَّد الريشهري).

وهناك مجموعة ممارسات حذَّر منها الإسلام، لأنَّها تؤزِّم، وتوتِّر (العلاقات بين النَّاس)، ومن هذه الممارسات التي تساهم في خلق التَّمزُّق، والتَّشتُّت:
الظُّلم.
الإيذاء.
الغِيبة.
البُهتان.
السُّخرية، والاستهزاء.
الغشُّ.
الحقد.
الحسد، والنَّميمة.
الشَّتم، والسَّبُّ، والإهانة، والاحتقار، والإساءة بكلِّ أشكالها!
والآيات الكريمة، والرِّوايات الشَّريفة المحذِّرة من هذه الممارسات كثيرة جدًّا، لا يسع المجال هنا لذِكرها.

الأساس الثالث – من أسُسِ الوحدة، والتَّقارب -: اعتماد مبدأ الحوار في معالجة حالات الاختلاف؛ لكيلا تتحوَّل إلى (خلافات) تمزِّق كيان الأمَّة، ووحدتها.

من الطَّبيعيِّ أنْ تتعدَّد الرُّؤى، والقَناعاتُ الدِّينيَّة، والمذهبيَّة، والثَّقافيَّة، والاجتماعيَّة والسِّياسيَّة.

ومن حقِّ أيِّ إنسان أنْ يصوغ رُؤاه، وقناعاته ما دامت هذه الصِّياغة مُؤسَّسة على رُشدٍ وبصيرة، وليس على تِيهٍ، وجهلٍ، وتعصُّب.

وإذا كان من حقِّ أيِّ إنسانٍ أنْ يُشكِّل قناعات ممَّا يحدِّد انتماءه الدِّينيَّ، والمذهبيَّ، والثَّقافيَّ، والسِّياسيَّ، فإنَّ هذا لا يبرِّر – إطلاقًا – أنْ يسيئ إلى قناعاتِ الآخرين.
نعم، من حقِّهِ أنْ يناقشها.
أنْ يحاسبها.
أنْ لا يقبلها.
أنْ يرفضها بقوَّة.

بشرط أنْ يعتمد في نقده، ومناقشته (مبدأ الحوار الأصيل).

والحوار الأصيل له (شروطه، وضوابطه، ومكوِّناته)، ولستُ – هنا – في صدد الحديث عنها.

ما أريد تأكيده هو:
إنَّ الإسلام من أجل أنْ يحمي الأمَّة.
ومن أجل أنْ يحمي الشُّعوب من الصِّراعات، والخلافات التي تُؤسِّس للعداوات، والانقسامات، والتَّمزُّقات، وتؤسِّس للحروب، والمواجهات ممَّا يكلِّف المسلمين أثمانًا باهظةً من دماءٍ، وأعراضٍ، وأموالٍ، من أجل ذلك وضع (مبدأ الحوار)؛ لمعالجة كلِّ الإشكالات، والتَّعقيدات التي تنتجها الاختلافات، والقناعات.
إذا غاب (مبدأ الحوار)، فلا بديل إلَّا المواجهات، والصِّدامات، والعداوات!

* الجدال بالتي هي أحسن!
وقد أكَّدت النُّصوص الدِّينيَّة على (مبدأ الحوار النَّظيف) مستخدمةً مصطلح (الجِدال بالتي هي أحسن)
1- تقول (الآية 125 من سورة النَّحل): ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ …﴾.
2- وتقول (الآية 46 من سورة العنكبوت): ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ …﴾.

* الجِدال المنهيُّ عنه
نعم، هناك نمط آخر من الجدال منهيٌّ عنه

1- تقول (الآية 5 من سورة غافر): ﴿… وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ …﴾.

2- وتقول (الآية 20 من سورة لقمان): ﴿… وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ﴾.

3- روى الإمام العسكريُّ (عليه السَّلام) أنَّه: «ذَكَر عند الصَّادق (عليه السَّلام) الجدال في الدِّين، وأنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم)، والأئمَّة (عليهم السَّلام) قد نهوا عنه.
فقال الصَّادق (عليه السَّلام): لم ينهَ عنه مُطلقًا، لكنَّه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن، …».

(الاحتجاج1/14، الشَّيخ الطَّبرسي).
وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى