المفاهيم الإسلاميةمحاضرات إسلاميةملف شهر رمضاننفحات رمضانية

نفحات رمضانيَّة (25) كيف نحاسب حصيلتنا معَ الشَّهر الفضيل؟

هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، وهي الحلقة الخامسة والعشرون ضمن البرنامج اليومي (نفحات رمضانيَّة)، والذي تمَّ بثُّها في شهر رمضان المبارك 1442هـ، عبر البثِّ الافتراضيِّ في يوم السَّبت بتاريخ: (25 شهر رمضان 1442 هـ – الموافق 8 مايو 2021 م)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.

كيف نحاسب حصيلتنا معَ الشَّهر الفضيل؟

أعوذ بالله السَّميع العليم مِن الشَّيطان الغوي الرَّجيم.
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم.
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين سيِّدنا ونبيِّنا وحبيِبنا وقائِدنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كيف نحاسب حصيلتنا معَ الشَّهر الفضيل؟

أوَّلًا: لا بدَّ من جلسة محاسبة لتقييم الحصيلة في هذا الشَّهر.

إذا أردنا أن نتَّخذ قرارًا بأن نحاسب حصيلة تعاطينا مع الشَّهر، فإنَّه توجد أشكال متعدِّدة لجلسات المحاسبة، فليست كلُّ الجلسات منتجة، وليست كلُّ الجلسات تحقِّق أهدافها، فلتقييم الحصيلة هناك أنماط من الجلسات.
شروط جلسة المحاسبة

يُشترط في الجلسة التي تحقِّق الهدف من إعادة البرمجة، وإعادة الصِّياغة، وإعادة العلاقة، وإعادة المنتج الرَّمضاني أن تتوفَّر على مجموعة شروط:

الشَّرط الأوَّل: أن تكون جلسة صَادِقة

فلا تكون جلسة استهلاكيَّة أُضيِّع فيها الوقت، بل لا بدَّ أن أكون صادقًا كلَّ الصِّدق في أنَّي أريد أن أُعيد حساباتي مع شهر رمضان، والله مطَّلع على النِّيَّة، فقد أخدع نفسي، وقد أخدع النَّاس، لكنِّي لن أستطيع أن أخدع الله.
فلا بدَّ من الصِّدق، كلَّ الصِّدق، والله مطَّلِع على النَّوايا، ومطَّلِع على الدَّوافع.
الجلسة غير الصَّادقة لن تحقِّق هدفها، ولن تكون مقبولة عند الله.
الجلسة المقبولة عند الله للمحاسبة هي الجلسة الصَّادقة، فأنا أحاسب لأنَّي أريد أن أُرضي الله، وأريد أن يقبل الله عملي، وأريد أن أصحِّح عبادتي، وأصحِّح برنامجي، فأنا صادق.
هذا أول شرط في جلسة المحاسبة، أن تكون جلسة صادقة، دوافعها وأغراضها وأهدافها صادقة.

الشَّرط الثَّاني: أن تكون جلسة بَصِيرَة

قد يتوفَّر الصِّدق، لكن لا يوجد لديَّ وعي بكيفيَّة محاسبة النَّفس؟
لا توجد عندي بصيرة في عمليَّة المحاسبة، ولذلك أرتبك، وأتخبَّط في المحاسبة، ليس لأنَّي لستُ بصادق، بل لأنَّي غير واع وغير بصير بطريقة المحاسبة، وبفقرات المحاسبة.
هناك جلسة بَصِيرة، وهناك جلسة وَاعِية تجعلني فعلًا انتقل نقلة كبرى في علاقتي مع شهر رمضان؛ لأنَّها جلسة بَصِيرة واعِية مُثقَّفة هَادِية، وليست جلسة تائهة جاهلة.
إذن، نحتاج إلى جلسة صَادِقة، ونحتاج إلى جلسة بَصِيرة.

الشَّرط الثَّالث: أن تكون جلسة هَادِفة وليست جلسة استهلاكيَّة.

ماذا تعني الجلسة الهَادِفة؟
الجلسة الهادفة هي جلسة المحاسبة التي من خلالها أُريد التغيير فعلًا، تغيير وضعي، ونفسي، وبرنامجي، وثقافتي، وعلاقتي مع شهر رمضان، فأنا فعلًا مصمِّم على التَّغيير، وليست مجرَّد جلسة استهلاك وتضييع للوقت بلا نتيجة! فهذه جلسة استهلاكيَّة ضائعة لا قِيمة لها.
القِيمة حِينما أتَّخذ قرارًا بأنْ أُغيِّر الوضع، فمتى ما اكتشفت خطأ فإنِّي أقوم فعلًا بتصحيحه، ومتى ما اكتشفت فراغًا أو نقصًا فإنِّي أقوم بملأ الفراغ وإكمال النَّقص.
هذه هي الجلسة الهَادِفة، وهذه هي الجلسة المُوجِّهة المُربِّية المُغيِّرة.
فهناك جلسة صَادِقة، وهناك جلسة بَصِيرة، وهناك جلسة هَادِفة.

الشَّرط الرَّابع: أن تكون جلسة شَامِلة

ماذا تعني الجلسة الشَّامِلة؟
في جلسة المحاسبة قد أحاسب الفقرة العِباديَّة فقط، فكم قرأت من الأدعية؟ وما مقدار ما صلَّيت؟ وكم تلوت القرآن؟
هذا أمرٌ مطلوب، والفقرة العِباديَّة جزءٌ مُهِّم، وهي فقرة لا بدَّ أن أُحاسبها، لكن يجب أنْ لا نبقى عند هذه الفقرة.
فهناك الفقرات الأخرى التي ذكرناها.
كم تثقَّفت، وكم تعلَّمت؟ هذه فقرة ثقافيَّة.
كم صحَّحت مِن أخلاقي؟ هذه فقرة أخلاقيَّة.
كم بنيت مِن روحيَّتي؟ هذه فقرة روحيَّة.
كم صنعت مِن تقواي؟ هذه فقرة سلوكيَّة.
كم مارست مِن عملٍ اجتماعي؟ هذه فقرة اجتماعيَّة.
إذن، جلسة المحاسبة تحتاج إلى شُموليَّة.

هذه أربعة شروط أساس حتى تكون جلسة المحاسبة ناجحة:
1-جلسة صَادِقة. 2- جلسة بَصِيرة. 3- جلسة هَادِفة. 4- جلسة شَامِلة.

ثانيًا: من خلال هذه الجلسة نقيِّم حصيلتنا في هذا الشَّهر (ما هي الأرباح؟ وما هي الخسائر؟)

ونحن على مشارف نهايات الشَّهر الفضيل مِنَ مُهِمٌّ جدًّا أن نُقيِّم الحصيلة، وأن نُقيِّم الأرباح والخسائر.
حالات تقييم الأرباح والخسائر

هنا ثلاث حالات في تقييم الأرباح والخسائر في شهر رمضان:

الحالة الأولى: خسارة كبيرة

أن اكتشف من خلال جلسة المحاسبة وجود خسارة كبيرة.
مثل التَّاجر عندما يجرد حساباته يجد نفسه قد خسِر خسارة ماديَّة كبيرة.
أنا كذلك عندما أجلس لمحاسبة وضعي مع شهر رمضان قد أجد نفسي قد خسرت خسارة كبيرة.
1-لم أربح شيئًا مِن العطاءات الرُّوحيَّة (دخلت بلا روحانيَّة، وخرجت بلا روحانيَّة)
دخل شهر رمضان وأنا ليس لديَّ روحانيَّة، ومضى شهر رمضان وأنا ليس لديَّ روحانيَّة، فلم أكسب شيئًا من شهر رمضان!
دخلتُ الشَّهر وأنا منخفض الرُّوحانيَّة، وخرجتُ وأنا منخفض الرُّوحانيَّة!
2-لم أربح شيئًا مِن العطاءات الأخلاقيَّة
لم اتحصَّل على عطاءات أخلاقيَّة في شهر رمضان.
3-لم أربح شيئًا مِن العطاءات الثَّقافيَّة
لم اتحصَّل على عطاءات ثقافيَّة في شهر رمضان.
4-لم أربح شيئًا مِن العطاءات الاِجتماعيَّة
لم اتحصَّل على عطاءات اجتماعيَّة.
5-لم أربح شيئًا مِن عطاءات التَّقوى والورع
لم اتحصَّل على عطاءات من التَّقوى والورع.
6-لم أربح شيئًا مِن العطاءات الرِّساليَّة
لم اتحصَّل على عطاءات رِساليَّة.

هنا سؤال يُطرح: هذا الإنسان الذي يكتشف هذه الخسارة الكبيرة، هل هناك أمامه فرصة؟
نعم، الفرصة موجودة.
أنا اكتشفت الخسارة، لكن لديَّ الفرصة لِأربح؟
نعم، الفرصة قائمة.
فرصة التَّوبة والرُّجوع إلى الله موجودة، في كلِّ لحظة من اللَّحظات الأخيرة من شهر رمضان.
ولو لم تبق إلَّا ليلة العيد فهي فرصة كبرى، للمُقصِّرين، وللمُذنِبين، وللعُصاة.
فلا زالت فرصة التَّوبة قائمة.
•يغفر في ليلة العيد
ليلة العيد يغفر فيها بعدد ما غفر الله في طيلة شهر رمضان.
إذن، لا يقل أحدكم: انتهت الفرصة، فالفرصة موجودة إلى آخر لحظة، وحتى ليلة العيد.
تبقى ليلة العيد فرصة كبيرة ببركة شهر رمضان.
الحذر الحذر من اليأس والقُنوط.
لا ييأس الإنسان، فهذا أخطر من الذُّنوب.
فإذا قصَّرت طيلة شهر رمضان، توجد بقيَّة من شهر رمضان يمكنك التَّدارك فيها، واحذر اليأس والقُنوط.
هذه إذا كانت الحصيلة معدومة، أي خسارة.

الحالة الثَّانية: حصيلة منخفضة

عندما قمتُ بدراسة وضعي وجدت أنَّ لديَّ حصيلة منخفضة.
هنا توجد حصيلة من أعمال وطاعات وأخلاق، وتوجد حصيلة اجتماعيَّة، ويوجد بعض التَّقوى، فالحصيلة ليست منعدمة كالحالة السَّابقة إنَّما هي منخفضة.
الفرصة لا زالت قائمة
هذا الإنسان يكتشف أنَّ حصيلته منخفضة، فهل لديه فرصة أن يرتفع بالحصيلة؟
نعم، لديه الفرصة، كلّ الفرصة.
في العشر الأواخر يتضاعف العطاء الإلهي وخاصَّة في ليلة العيد.
لا تقل: قد مضى عشرون يومًا قصَّرت فيها، فما بقي شيئٌ من شهر رمضان؟
لا، ولو تبقَّى لحظة، ولو يبقى يوم، ولو تبقى ليلة، ولو تبقى ساعة، استفد منها.
يمكنك في هذه اللَّحظات الأخيرة أن تُغيِّر كلّ المعادلة.
في العشر الأواخر يتضاعف العطاء، وخاصَّة في ليلة القدر، وفي ليلة العيد.
فالحذر الحذر من التَّقصير.

الحالة الثَّالثة: حصيلة مرتفعة

أنْ اكتشف أنَّ عندي حصيلة – ولله الحمد – مرتفعة
•التَّوفيق للممارسات العِباديَّة
توفَّقت بدرجة كبيرة لِأداء عِباداتٍ، مِن صلاة، مِن ذِكر، مِن تِلاوة، مِن دُعاء.
أشكر الله على أنَّي توفَّقت في شهر رمضان أن أمارس برنامجًا عباديًّا مقبولًا بقدر استطاعتي، وإنْ كان الإنسان مهما عَمِلَ فهو مُقصِّر بين يدي الله.
لكنَّني قد مارستُ عِبادة أرجو أن تكون مقبولة عند الله.

•الاِرتقاء الرُّوحي
في الحالة الرُّوحيَّة أجد أنَّ حالتي الرُّوحيَّة قد ارتقت، فهي ليست كما كانت قبل شهر رمضان، بل هناك استنفار روحي قد حصل عندي، وهناك ارتقاء روحي، وهناك عروج روحي، إذن قد تحصَّلت على شيئٍ من فيوضات شهر رمضان الرُّوحيَّة.

•الاِرتقاء الأخلاقي
حصل عندي ارتقاء أخلاقي، كنت أمارس بعض الكذب، الحمد لله الآن صمَّمت أنْ لا أكذب، وأنْ لا أغتاب، ونْ لا أُسيئ للآخرين، وأنْ لا أمارس النَّميمة.
إنَّ الحالة الأخلاقيَّة قد تحسَّنت عندي.

•التَّقوى
عند النَّظر إلى حالة التَّقوى أجد أنَّ هناك درجة من الارتقاء قد حصلت.

•التَّواصل الاِجتماعي
في الصَّعيد الاِجتماعي أجد أنَّ علاقاتي الاجتماعيَّة قد توفَّرت، وأنَّ الخلافات قد قمتُ بتصحيحها.

•النَّشاط الرِّسالي
والأمرُ كذلك بالنِّسبة للجانب الرِّسالي.

إذن، هنا أقول: الحصيلة مرتفعة.
فهذا الإنسان الذي يكتشف أنَّ حصيلته الرُّوحيَّة، الأخلاقيَّة، العِباديَّة، الاجتماعيَّة مرتفعة ينبغي له:
1-أن يسأل الله أنْ تكون مقبولة عنده.
قد تكون مقبولة عِندي لكنَّ القبول المَرجُوّ هو القبول عند الله، فالقبول بيده سبحانه وتعالى، فلنسأله أن يجعلها مقبولة عنده.

2-ضرورة الاستمرار وعدم الفتور والاسترخاء.
الحذر من الفتور والاسترخاء.
قد يقول البعض من النَّاس: الحمد الله، قد مضت عشرون يومًا وأنا لم أترك صلاة اللَّيل، وأداوم على قراءة دعاء أبي حمزة، وأقرأ ما أقرأ من الأدعية، وأقرأ القرآن، ذلك يكفي فدعني أستريح في العشر الأواخر!
لا لا، هذا الشَّيطان يسوِّل للإنسان.
بالعكس يجب في العشر الأواخر أن يزداد النَّشاط، وأن يزداد الانقطاع، وأن تزداد العِبادة.
فلا للاسترخاء، ولا لأخذ الرَّاحة والاكتفاء بما قمت به من أعمال في العشرين ليلة الماضية.
الاسترخاء والفتور خطير، خطير جدًّا.
لا يُصاب أحدنا بالاسترخاء والفتور، فالمطلوب المواصلة إلى آخر أيَّام الشَّهر، وكذلك الاستمرار بعد شهر رمضان في الاِرتباط الرُّوحي.

3-الحذر كلُّ الحذر مِن العُجْب والاِغترار
هناك مسألة خطيرة جدًّا بالنِّسبة للذين توفَّقوا للطَّاعات، وبالنِّسبة للذين حصلوا على مكاسب كبيرة من الأرباح والحسنات والطَّاعات في شهر رمضان، فهناك البعض مِنهم مَن يُصاب بالعُجب والاِغترار، وهذه مِن أخطر الحالات!
ما معنى العُجب؟ وما معنى الاِغترار؟
العُجب أن يقول الإنسان: مَن مِثلي، وقد أدَّى هذه العبادات الكثيرة في شهر رمضان، ليس هناك أحدٌ مِثلي!
هذا عُجْب، وهو يُدمِّر العمل ويمحيه، فكلّ جهدك يذهب ويضيع حينما تُصاب بالعُجب.
كلّما عَمِلت قل: إنَّي مُقصِّر، لم أؤدِّ شيئًا.
سيِّد الأنبياء (صلَّى الله عليه وآله) يعتبر نفسه مقصِّر بين يدي الله، سيِّد الأوصياء (عليه السَّلام)، الأئمَّة (عليهم السَّلام)، الزَّهراء (عليها السَّلام)، الأنبياء (عليهم السَّلام) يعتبرون أنفسهم مقصِّرين بين يدي الله.
أنْ أقول: أنا قد أدَّيت حقّ الله، وقد أعطيت الكثير. لا، هذا عُجْب.
العُجْب غير الرِّياء، الرِّياء أيضًا مُدمِّر، الرِّياء أن أعمل لِلنَّاس وليس لله.
أما العُجب، أن أعيش الانتفاخ في شخصيَّتي العِباديَّة، وأظنُّ أنَّه لا عابد مثلي، فمن هو في الدُّنيا يصلِّي مِثلي؟ ومن هو في الدُّنيا مرتبط بالله مِثلي؟ هذا عُجب.
كما الرِّياء يُدمِّر العِبادة، العُجب والاِغترار بالعِبادة كذلك يُدمِّر العِبادة.
فقد تنتكِس مُحصِّلة الأرباح في آخر لحظة، فهذا شقي، الذي يتعب طِيلة شهر رمضان وفي اللَّحظة الأخيرة تحدث له الاِنتكاسة نتيجة العُجب، فتنمحي كلُّ الأرباح، وتتحوَّل الأرباح إلى خسائر.
الحذر الحذر من العُجب، اعتبر أنَّك مُقصِّرٌ دائمًا.
ماذا نؤدِّي من حقِّ الله؟
أنت لو عبدت الله ليلك ونهارك وساعاتك ما أدَّيت شكر نَفَسٍ واحد!
فكيف تقول: أنا أدَّيت حقَّ الله؟!
لو قضيت كلَّ عمرك في عِبادةٍ ما أدَّيت شُكرَ نَفَسٍ واحدٍ من الأنفاس التي أفاضها الله عليك.
نِعمة النَّفَس، نِعمة البصر، نِعمة الكلام، نِعمة العقل، نِعمة الحياة كلّها، نِعم الله في الأرض.
كلّ هذه النِّعم وأنت تقول: أدَّيت حق الله؟!
إذا أراد الله أن يُعطِينا فذلك برحمتهِ، وبكرمهِ، وبفيضه، وليس لأنَّنا أدَّينا حقَّ الله.
فالحذر الحذر من العُجب، والحذر الحذر من الاِغترار.

أذكر لكم هذه الرِّواية عن الإمام الصَّادق (عليه السَّلام)، تقول الرِّواية:
•قال الإمام الصَّادق (عليه السَّلام):
«يَدخُلُ رَجُلانِ المَسجِدَ أحَدُهُما عابِدٌ والآخَرُ فاسِقٌ، فيَخرُجانِ مِنَ المَسجِدِ والفاسِقُ صِدِّيقٌ والعابِدُ فاسِقٌ؛ وذلِكَ أنَّهُ يَدخُلُ العابِدُ المَسجِدَ وهُوَ مُدِلٌّ بِعِبادتِهِ وفِكرَتُهُ في ذلِكَ، ويَكونُ فِكرَةُ الفاسِقِ في التَّنَدُّمِ عَلى فِسقِهِ، فيَستَغفِرُ اللهَ مِن ذُنوبِهِ». (الصَّدوق: علل الشَّرائع 2/454، ب 66، ح 1)
كيف يكون ذلك؟
اثنان دخلا المسجد، العابدُ القدِّيس خرج وهو فاسق، والفاسقُ خرج وهو صدِّيق؟!
«وذلِكَ أنَّهُ يَدخُلُ العابِدُ المَسجِدَ وهُوَ مُدِلٌّ بِعِبادتِهِ وفِكرَتُهُ في ذلِكَ»
دخل وهو مغرور بعبادته، مَن مِثلي يعبد الله هذه العِبادة؟
هنا اغترار، وهنا عُجب!
ولذلك خرج وهو فاسق بعد أن دخل وهو عابد، فبمجرَّد أن أصابته حالة الغرور وحالة العُجب بعبادته انمحت عِبادته، وتحوَّل إلى فاسق، هذا العابد القدِّيس تحوَّل إلى فاسق!
«ويَكونُ فِكرَةُ الفاسِقِ في التَّنَدُّمِ عَلى فِسقِهِ، فيَستَغفِرُ اللَّهَ مِن ذُنوبِهِ»
[الفاسق حين دخل المسجد، دخل وهو ذليل بين يدي الله: ربي أنا المذنب، أنا العاصي، اقبلني يا الله.
بذلك فإنَّه يخرج قِدِّيس.
كيف تتغيَّر المعايير؟
القِدِّيس يتحوَّل إلى فاسق لأنَّه أُعجب بِعبادتهِ، والفاسق يتحوَّل إلى قِدِّيس لأنَّه لجأ إلى الله وانقطع إليه.
•وفي حديث عن الإمام الرِّضا (عليه السَّلام): «إِنَّ رَجُلًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ عَبَدَ الله أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ قَرَّبَ قُرْبَانًا فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْه.
فَقَالَ لِنَفْسِه: مَا أُتِيتُ إِلَّا مِنْكِ، ومَا الذَّنْبُ إِلَّا لَكِ.
قَالَ: فَأَوْحَى الله تَبَارَكَ وتَعَالَى إِلَيْه: ذَمُّكَ لِنَفْسِكَ أَفْضَلُ مِنْ عِبَادَتِكَ أَرْبَعِينَ سَنَةً».
(الكليني: الكافي 2/73، ح 3)
إنَّ اللَّحظة التي وجَّهت فيها اللَّوم إلى نفسك، واعتبرتها مذنبة ومقصِّرة هي أفضل مِن عبادة أربعين سَنَة!
4-أنْ يتوازن في داخله الرَّجاء والخوف
فلنعش الرَّجاء المطلق، ولنعش الخوف.
•﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ …﴾ (الزُّمر/9)
•قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «لَو تَعْلَمونَ قَدْرَ رَحمَةِ اللهِ لاتَّكَلْتُم علَيها وما عَمِلْتُم إلَّا قليلًا، ولَو تَعْلَمونَ قَدْرَ غَضَبِ اللهِ لَظَنَنْتُم بأنْ لا تَنْجوا». (المتَّقي الهندي: كنز العمال 3/61، ح5891)
فالمطلوب أن نعيش الرَّجاء كلَّ الرَّجاء، وأن نعيش الخوف كلَّ الخوف.
•من وصايا لقمان لِابنه: «خَفِ الله عَزَّ وجَلَّ خِيفَةً لَوْ جِئْتَه بِبِرِّ الثَّقَلَيْنِ لَعَذَّبَكَ، وارْجُ الله رَجَاءً لَوْ جِئْتَه بِذُنُوبِ الثَّقَلَيْنِ لَرَحِمَكَ».

أكتفي بهذا القدر، وسأتحدَّث في كلمة قادمة – إن شاء الله تعالى -عن بعض أحاديث تملؤكم رجاءً وأملًا برحمة الله، وبكرمه، وبعفوه.
ربَّما يعيش الإنسان درجة من الخوف، لكنَّ الرَّجاء عظيم، والطَّمع في ثواب الله عظيم، سنذكر بعض أحاديث تملؤنا أملًا كبيرًا في رحمة الله تعالى.
وآخر دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى