قضايا الشباب

خصال كمال العقل عند الإنسان المؤمن 1

هذه بعض كلمات لإمامنا علي بن موسى الرضا “ع” يتحدث من خلالها عن مجموعة خصال تشكل كمال العقل عند الإنسان المسلم.
الإمام – هنا – يضعنا أمام تعريف عملي متحرك للعقل، فليس العقل أن يمتلك المرء مخزونا كبيرا من المعلومات والأفكار والمفاهيم إذا لم يتحول هذ المخزون إلى ممارسة عملية تعبر عن صدقية العقل، فالقيمة الحقيقية للعقل الايماني أن يعطي هذا العقل لصاحبه واقعا تتجسد من خلاله المضامين والقيم المتحركة.
قال “ع”: “لا يتم عقل امرئ مسلم حتى تكون فيه عشر خصال…”.
فتمام عقل الإنسان المسلم أن يتوافر على هذه الخصال العشر التي ذكرها الإمام الرضا “ع”.


 خصلتان


“الخير منه مأمول والشر منه مأمون”.


من الصفات التي تميز العقل عند الإنسان المسلم أن يكون دائما مصدر خير وعطاء تنجذب إليه القلوب، وتنشد إليه النفوس، فهو كالنبع العذب يسقي الظمآ، ويبهج الأرواح، ويزرع الخصب في الأرض، وكالشجرة الطيبة “تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها”. “52: إبراهيم”.
“الخير” عنوان كبير تتسع له كل الصفات الطيبة والأفكار الطيبة والمشاعر الطيبة، والممارسات الطيبة، ويتحول كل ذلك عند الإنسان المسلم إلى طاعة، إلى عبادة إلى صدقة.
قال رسول الله “ص”: “تبسمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال صدقة، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك صدقة”.
وقال “ص”: “إن على كل مسلم في كل يوم صدقة، قيل: من يطيق ذلك؟ قال “ص”: إماطتك الأذى عن الطريق صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة، وردك السلام صدقة”.
وقال “ص”: “أفضل الصدقة صدقة اللسان تحقن به الدماء، وتدفع به الكريهة، وتجر المنفعة إلى أخيك المسلم”.
وإذا كان المرء المسلم مصدر خير دائم فلن يجد الشر إليه سبيلا، لذلك فالناس منه في أمان واطمئنان لا يصلهم منه إلا الخير. هذه بعض روايات تؤكد القيمة الكبيرة لفعل الخير في معناه الواسع الكبير، وتحذر من فعل الشر والإساءة وإيذاء الناس.
عن رسول الله “ص” قال: “خصلتان ليس فوقهما من البر شيء: الإيمان بالله، والنفع لعباد الله… وخصلتان ليس فوقهما من الشر شيء: الشرك بالله، والضر لعباد الله”.
وعن الإمام علي “ع” قال: “افعلوا الخير ولا تحقروا منه شيئا، فإن صغيره كبير، وقليله كثير”.
وعنه “ع” قال: “جمع الخير كله في ثلاث خصال: النظر والسكوت والكلام؛ فكل نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو، وكل سكوت ليس فيه فكر فهو غفلة، وكل كلام ليس فيه ذكر فهو لغو، فطوبى لمن كان نظره عبرا، وسكوته فكرا، وكلامه ذكرا…”.
وعنه “ع” قال: “ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك وعملك وأن يعظم حلمك، وأن تباهي الناس بعبادة ربك، فإن أحسنت حمدت الله، وإن أسأت استغفرت الله…”.
وعن رسول الله “ص” قال: “خيركم من أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام”.
وأما الروايات التي تحذر من فعل الشر، والإساءة وإيذاء الناس فهذه طائفة منها:
عن رسول الله “ص” قال: “شر الناس من باع آخرته بدنياه، وشر من ذلك من باع آخرته بدنيا غيره…”.
وعن الإمام علي “ع” قال: “شر الناس من يظلم الناس”. وقال “ع”: “شر الناس من يغش الناس”. وقال “ع”: “شر الناس من لا يبالي أن يراه الناس مسيئا”.
وفي الحديث: “أكثر الناس شرا العلماء إذا فسدوا”.
وعن رسول الله “ص” قال: “من آذى مؤمنا فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله فهو ملعون في التوراة والانجيل والزبور والفرقان”.
وعنه “ص” قال: “المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه”. وعنه “ص” قال: “ألا أنبئكم بالمؤمن، من ائتمنه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم، ألا أنبئكم بالمسلم، من سلم المسلمون من لسانه ويده”.
وعن الإمام الصادق “ع” قال: “إن الله تبارك وتعالى يقول: “من أهان لي وليا فقد أرصد لمحاربتي وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي”.
وعنه “ع” قال: “قال الله عز وجل: ليأذن بحرب مني من أذل عبدي المؤمن، وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن”.


الإيمان وتربية الذات


“يستكثر قليل الخير من غيره، ويستقل كثير الخير من نفسه”.
هذا الإنسان المسلم يفرض عليه عقله أن يثمن عطاء الآخرين مهما كان قليلا، وأن يستقل عطاءه للآخرين مهما كان كبيرا. إنها تربية الإيمان تصوغ النفس حتى لا تنزع إلى العجب والغرور والتعالي والكبرياء، ولا تستهين بأفعال الآخرين ما دامت تهدف إلى الخير… كما أنها تربية الإيمان تدرب الإنسان على “نقد الذات” وتعود الإنسان على “النزاهة والموضوعية والإنصاف”، مشكلتنا أننا تعودنا أن ننقد الآخر، ولم نتعود أن ننقد أنفسنا.
تعودنا أن ننقد الآخر الذي نختلف معه دينيا، مذهبيا، ثقافيا، وسياسيا، إلا أننا لا نملك الجرأة في أن ننقد أنفسنا، أن ننقد ذاتنا، أن ننقد ممارساتنا. مفارقات كبيرة في حياة الكثيرين فيما هو “نقد الآخر” و”نقد الذات”.
1- الإفراط في نقد الآخر والتفريط في نقد الذات: يتجاوز البعض كل المعايير والموازين والقيم والضوابط وهو يمارس نقده للآخرين… وأما في محاسبة نفسه، وفي نقد ذاته فمتهاون كل التهاون، ومقصر كل التقصير، ومفرط كل التفريط، هكذا التناقض في سلوك الكثيرين.
2- القسوة والشدة في نقد الآخر، واللين والاسترخاء في نقد الذات: حينما تغيب الموضوعية والنزاهة عند الإنسان يختل التوازن النفسي والسلوكي عنده فيعنف ويقسو عندما يحاسب غيره، بينما يلين ويسترخي وهو يقف أمام نفسه وأمام ذاته.
3- بصير بعيوب الآخرين، أعمى عن عيوب نفسه: كم من الناس يفتح عينيه بقوة يرصد عيوب الناس، يفتش عن أخطاء الآخرين، يلاحق كل الخفايا عند غيره، وأما مع عيوبه، مع أخطائه، مع خفايا نفسه وذاته فهو أعمى، مغلق العينين، على بصره غشاوة. هل حاول أحدنا أن يفتح عينيه على واقعه أكثر مما يفتح عينيه على واقع الآخرين؟
ليس معنى هذا أن الإنسان ليس مسئولا عن أن يحاسب كل الواقع حوله، أن يرصد هذا الواقع، ولكنه مسئول قبل ذلك عن أن يحاسب واقعه الخاص، أن يرصد ذاته، أن يلاحق أخطاءه وعيوبه وتجاوزاته.
4- سوء الظن بما يصدر عن الآخرين، وحسن الظن بكل ما يصدر عن الذات: ربما أصاب الإنسان في حسن ظنه أو في سوء ظنه، ولكن ما أكثر ما يخطئ، ثم لماذا يدفعه سوء الظن في كثير من الأحيان إلى اتهام الآخرين، بينما لم يفكر ولو لمرة واحدة أن يتهم سلوكه، إنه بذلك يظلم الآخرين ويظلم نفسه، فما أحوجنا إلى أن ننصف الآخرين وننصف أنفسنا حتى لا نتمادى في الإثم والمعصية ونكون من الخاسرين.
وهنا نطرح هذا السؤال: كيف نمارس النقد لأنفسنا؟
نجيب عن هذا السؤال، ونتابع بقية الخصال التي ذكرها الإمام الرضا “ع” في حديث قادم إن شاء الله تعالى… وأنتقل إلى عنوان آخر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى