في ذكرى الغدير | اتِّجاهان حول القيادة بعد رحيل النَّبيِّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) | كيف قرأ المسلمونَ حديث الغدير؟

7 يوليو 2023 - 18 ذو الحجَّة 1444 - مأتم باربار

في ذكرى الغدير

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين، سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمَّد وعلى آله الطيِّبين الطَّاهرين. 

السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة جميعًا ورحمة الله وبركاته. 

 

مناسبات مفصليَّة في تاريخنا

كلُّ المناسبات التي تتَّصل بأهل البيت (عليهم السَّلام) هي مناسبات كبيرة جدًّا، لكن هناك مناسبات مفصليَّة في تاريخ هذه الرِّسالة. 

– البعثة النَّبويَّة مناسبة مفصليَّة في تاريخ الدُّنيا.

– الغدير مناسبة مفصليَّة في تاريخ الدُّنيا، وتاريخ الرِّسالة. 

– عاشوراء مناسبة مفصليَّة في تاريخ الدُّنيا.

– ذكرى الإمام المنتظر (عجَّل الله فرجه الشريف) مناسبة مفصليَّة في تاريخ الدُّنيا. 

إذًا نحن مع مناسبة هي مناسبة مفصليَّة في تاريخ دنيانا؛ الدُّنيا الإنسانيَّة. 

 

من أهداف الاحتفال بذكرى الغدير

 أيُّها الأحبَّة 

1- حينما نحتفل بذكرى الغدير لا نحتفل من أجل الاستهلاك الخطابي

الخطاب مطلوب، والاحتفالات مطلوبة، وإحياء هذه المناسبات مطلوب. 

ومطلوب أن نحيي مناسباتنا الكبيرة بأكبر وأبهج وأعظم أسلوب. 

الخطاب مهم، والخطاب يؤدِّي دوره، ونحتاج إلى خطاب فاعل، ونحتاج إلى خطاب واعٍ، ونحتاج إلى خطاب مغيِّر، ونحتاج إلى خطاب مقاوم، فالخطاب مطلوب على كلِّ المستويات، ولكنَّنا حينما نحيي هذه المناسبات لا من أجل هذا الاستهلاك الخطابي، رغم قيمة الخطاب، وقيمة الإحياء، ورغم أنَّ الخطاب له أهمِّيته الكبيرة. 

 

2- وحينما نحيي مناسبة الغدير لا من أجل إنتاج الصِّراع مع الآخر 

نحن لا نريد أن نصارع الآخر. 

قالوا لنا: اغلقوا ملف الغدير؛ لأنَّ ملف الغدير من الملفات السَّاخنة التي تنتج الصِّراعات، وتنتج الخلافات، وتنتج المعارك العقائديَّة والثَّقافيَّة والدِّينيَّة، فلماذا لا نغلق هذه الملفات ونحن في عصر نواجه أشرس التحدِّيات، اليوم تواجهنا تحدّيات عقديَّة، وتحدِّيات ثقافيَّة، وتحدِّيات أخلاقيَّة، وتحدِّيات مذهبيَّة، إذًا لماذا لا نغلق ملفات التاريخ ونعالج معتركاتنا التي نعيشها في عصرنا الحاضر؟! 

أقول حينما نحتفل بذكرى الغدير لا من أجل أن ننتج صراعات مذهبيَّة. 

نحن ضدَّ الصِّراعات المذهبيَّة، فنحن ضحيَّة الصِّراع المذهبي، نحن كطائفة ضحيَّة صراع مذهبي، فكيف نتبنَّى الصِّراع المذهبي، نحن لا نتبنى صراعًا مذهبيًّا، نحن نرفض أيَّ معترك مذهبي، ونحن ندعو للقاء مع الآخر، ندعو للحوار مع الآخر. 

فإذا حينما نحتفل بذكرى الغدير لا نحتفل من أجل إنتاج الصِّراع مع الآخر، وإنِّما لإنتاج الحوار مع الآخر، دعونا نتحاور دعونا نتلاقى دعونا نتفاهم. 

 

3- ولا نحتفل من أجل المباهاة والشُّهرة 

هذه الاحتفالات، وخاصَّة الاحتفال بذكرى الغدير لها أهداف، ومن أهدافها: 

أن نعبِّر عن ولائنا لخطِّ الإمامة وخطِّ الغدير

من حقِّي أن أعبِّر عن ولائي، كما أنت من حقِّك أن تعبِّر عن ولائك لخط السَّقيفة، أو لأيِّ خطٍّ آخر. 

أنا حينما أحيي الغدير أعبِّر عن ولائي لهذا الخط، ولائي لعليٍّ (عليه السَّلام)، ولائي للأئمَّة (عليهم السَّلام)، ولائي لمدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام)، فمن حقِّي أن أعبِّر عن ولائي. 

اليوم نحن لا نحاسب أحدًا إذا عبَّر عن ولائه، بغض النَّظر عن قناعتنا بهذا الخطِّ أو بذاك الخط، إذا من حقي أن أعبِّر عن ولائي، فأنا حينما أحتفل بالغدير أعبِّر عن ولائي، وحينما أحتفل بالغدير من أجل أن أصنع وعي الأجيال في خطِّ الغدير.

 

اتِّجاهان حول القيادة بعد رحيل النَّبيِّ الأعظم (صلَّى الله عليه وآله)

الاتِّجاه الأوَّل: اتِّجاه النَّصِّ

هذا الاتِّجاه يؤمن أنَّ النَّبيَّ (صلَّى الله عليه وآله) قد عيَّنَ عليًّا في يوم الغدير ليكون خليفة ووصيًّا من بعده.

وذلك حينما نزل قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ …} (المائدة: الآية 67)

وقد مثَّل هذا الاتِّجاه عدد من أكابر الصَّحابة منهم:

– سلمان الفارسي 

– أبو ذر الغفاري 

– المقداد بن الأسود 

– عمَّار بن ياسر

– أبو أيوب الأنصاري 

 

الاتِّجاه الثَّاني: اتِّجاه السَّقيفة

هذا الاتِّجاه يرى أنَّ النَّبيَّ (صلَّى الله عليه وآله) ترك الأمر شورى بين المسلمين، فاجتمع عدد من كبار الصَّحابة في سقيفة بني ساعدة واختاروا خليفة.

وقد مثَّل هذا الاتِّجاه عدد من أكابر الصَّحابة منهم:

– أبو بكر

– عمر بن الخطاب

– عثمان بن عفان

– أبو عبيدة بن الجرَّاح

 

كيف قرأ المسلمونَ حديث الغدير؟

1- حادثة الغدير وحديث الغدير من الثَّوابت عند المسلمين

وقد دوَّنت هذه الحادثة وهذا الحديث أغلب مصادر المسلمين.

وقد دوَّن العلَّامة الأميني في موسوعته (الغدير) كلَّ ما ورد حول الغدير.

 

2- الاتِّجاهات المتعدِّدة في قراءة قضيَّة الغدير وما ورد من أحاديث 

الاتِّجاه الأوَّل: الاتِّجاه المنقبي

ما ورد في عليٍّ (عليه السَّلام) وأهل البيت (عليهم السَّلام) ليس نصوصًا في الإمامة، وإنَّما هو (مناقب وفضائل) لا غير.

مناقشة هذا الاتِّجاه 

(1) نصوص تحمل مضامين قياديَّة 

أ- الولاية:

  • «من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه».
  • «أنت وليُّ كلِّ مؤمن بعدي».
  • «عليٌّ وليُّكم بعدي».

ب- الخلافة

  • «إنَّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم».
  • «الخلفاء من بعدي اثنا عشر».

ج- الإمامة

  • «وهو إمام كلِّ مسلم».
  • «الأئمة من بعدي اثنا عشر».

 

(2) النصوص تضع منهجًا للأمَّة

  • «إنِّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي …».
  • «مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، …».
  • «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها …».

 

(3) النصوص تؤكِّد ضرورة الالتفاف حول عليٍّ والأئمَّة (عليهم السَّلام) 

  • «مَنْ أطاع عليًّا فقد أطاعني، ومن عصى عليًّا فقد عصاني».

إذا هذا الاتجاه مرفوض.

 

الاتِّجاه الثَّاني: الاتِّجاه التَّرشيحي

فالرِّوايات الصَّادرة عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) هي لون من (التَّأهيل والتَّرشيح للخلافة)، وليست نصوصًا في التَّعيين.

وهذا ما أشار إليه العلَّامة سليم البشري شيخ الجامع الأزهر في إحدى مكاتباته مع الإمام شرف الدِّين.

مناقشة هذا الاتِّجاه

(1) لسان الكثير من النُّصوص يأبى هذا التَّفسير.

  • «عليٌّ وليُّكم بعدي».
  • «عليٌّ خليفتي فيكم».
  • «وهو إمام كلِّ مسلم».
  • «عليٌّ مع القرآن».
  • «مَنْ أطاع عليًّا فقد أطاعني، ومن عصى عليًّا فقد عصاني».
  • «مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح …».

 

(2) إنَّ التَّرشيح لو صدر من رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) فيجب أن يحمل صفة (النَّص والتعيين)؛ لأنَّه (صلَّى الله عليه وآله) لا يصدر في كلِّ تصرُّفاته عن هوى أو عاطفة، إنَّما هو الوحي يُملي عليه المواقف.

وإنَّما هي مصلحة الرِّسالة تضع أمامه الخيار. 

فإذا كان رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قد رشَّح عليًّا فهو (الاختيار الإلهي).

 

الاتِّجاه الثَّالث: ما ورد من النُّصوص في عليٍّ (عليه السَّلام) وأهل البيت (عليهم السَّلام) فهي تعبِّر عن (الإمامة الفقهيَّة)، وليس (الإمامة السِّياسيَّة) 

وهذا ما ذهب إليه الأستاذ أبو زهرة في كتابه (الامام الصَّادق).

وقد ناقشه أستاذنا الكبير السَّيِّد محمَّد تقى الحكيم في كتابه (الأصول العامَّة للفقه المقارن) بقوله: “إنَّ الإسلام لا يعترف بهذا الفصل بين إمامة الفقه وإمامة السِّياسة، فوظائف الإمامة هي امتداد لوظائف النُّبوَّة”.

وقال المفكِّر الكبير السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر في (بحث حول الولاية) أنَّ إمامة أهل البيت تعبِّر

عن مرجعيَّتين: 

الأولى: المرجعيَّة الفكريَّة 

الثَّانية: المرجعيَّة في العمل القيادي والاجتماعي 

وكلتا المرجعيَّتين تتمثَّلان في شخص النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله)، وكان لابدَّ أن يصمِّم النَّبيُّ (صلَّى الله عليه وآله) الامتداد الصَّالح لتحمُّل كلتا المرجعيَّتين.

 

العلاقة الوثيقة بين المناسبات

هذه المناسبات بينها علاقة وثيقة: 

فالغدير هو امتداد للبعثة النبويَّة، وعاشوراء هي امتداد للغدير، وكلها تتجسد في حركة الإمام المهدي المنتظر (عجَّل الله فرجه الشريف)، الحركة العالميَّة التي تعيد الإسلام لكلِّ الدنيا، والتي هي مشروع الأنبياء ومشروع كل الرسالات وهي دولة الإمام المهدي المنتظر (عليه السَّلام)، الدولة التي تجسد خط الأنبياء، وخط البعثة، وخط الغدير، وخط عاشوراء، فضروري أن تلتحم الرؤية حول هذه المفاصل، وضروري أن يكون خطاب منبرنا؛ منبر المسجد، ومنبر المأتم يمركز هذا التواصل بين البعثة والغدير وعاشوراء وقضية الإمام المهدي أرواحنا فداء.

 

المطلوب من الاحتفال بمناسباتنا 

وهذا هو المطلوب من مناسباتنا، ومن احتفالاتنا، فهذه الاحتفالات المباركة هي التي حفظت لنا مشروع الانتماء لهذا الخط المبارك، وهي التي صنعت وعي الانتماء، ووجدان الانتماء وقيم الانتماء وتقوى الانتماء وحركيَّة الانتماء، ونحن نصر على بقائها وعلى استمرارها لأنَّها المحصِّن لحركة الأمَّة أمام موج من المشاريع المضادَّة التي تواجه الإسلام والعقيدة والقرآن والرسالة، فنحن بحاجة للتَّحصين، وهذه هي مواقع التحصين المساجد والمآتم، وهذه المناسبات الدينية هي من مواقع التحصين، فبقدر ما نعطيها من حضور حقيقي لتصنع أجيال الأمة في خط الإسلام، والدين والعقيدة والمذهب والولاء، وبقدر ما تصنع هذه المناسبات هذا الانتماء تكون هذه المناسبات فاعلة، وتكون هذه المناسبات كبيرة، وتكون هذه المناسبات معطية

فليكن حضوركم في هذه المناسبات محطة شحن إيماني وروحي وأخلاقي وعقائدي، هكذا يكون الاحتفال، وهكذا يكون الإحياء. 

نسأل الله أن يجعلنا مِنْ مَنْ يحيي هذه المناسبات على أحسن حال، وأجمل عطاء، وفق الله الجميع لكل الخير ولكل الهدى ولكل الصلاح، وأن يجعلنا من أتباع محمد وآل محمد، وأتباع علي والحسن والحسين وأتباع أهل البيت (عليهم السلام).

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى