المفاهيم الإسلاميةمحاضرات إسلاميةملف شهر رمضاننفحات رمضانية

نفحات رمضانيَّة (8) الخطبة الرَّمضانيَّة تُذَكِّر بثواب الأعمال (2)

هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، وهي الحلقة الثَّامنة ضمن البرنامج اليومي (نفحات رمضانيَّة)، والذي تمَّ بثُّها في شهر رمضان المبارك 1442هـ، عبر البثِّ الافتراضيِّ في يوم الأربعاء بتاريخ: (8 شهر رمضان 1442 هـ – الموافق 21 أبريل 2021 م)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.

الخطبة الرَّمضانيَّة تُذَكِّر بثواب الأعمال (2)

أعوذ باللَّه السَّميع العليم من الشَّيطان الغوي الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الطَّيِّبين الطَّاهرين المنتجبين الأخيار الأبرار.
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أتابع الحديث حول مقاطع من الخطبة الرَّمضانيَّة للنَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) .

المقطع الثَّالث: يقول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في هذه الخطبة: «يا أيُّها النَّاس مَنْ حَسَّنَ مِنكُم في هذَا الشَّهرِ خُلُقَهُ كانَ لَهُ جواز عَلَى الصِّراطِ يَومَ تَزِلُّ فيهِ الأَقدامُ». (الصَّدوق: الأمالي، ص 154)

حُسن الخُلق عملٌ عظيم جدًّا جدًّا، حُسن الخلق مع الزَّوجة، وحُسن الخُلق مع الأولاد، وحُسن الخُلق مع الأهل، وحُسن الخُلق مع الجار، وحُسن الخُلق مع النَّاس كلِّ النَّاس، وحُسن الخُلق في الكلمة، وحُسن الخُلق في المظهر، وحُسن الخُلق في البسمة، وحُسن الخُلق بمضمونه الواسع.
ما هي فائدة حُسنُ الخلق وخاصَّة في شهر رمضان؟
إنَّ حُسن الخُلق مطلوب في كلِّ الأوقات، وثوابه عظيم في كلِّ الأوقات، لكن في شهر رمضان تكون له خصوصيَّة كبرى.
ما هي هذه الخصوصيَّة؟
«مَنْ حسَّن منكم في هذا الشَّهر خلقه كان له جواز على الصِّراط يوم تزلُّ فيه الأقدام»
من أخطر المواقع في اليوم الآخر هو الصِّراط، ففي الآخرة مواقع ومواقف خطيرة، «…، فإنَّ لِلقِيامَةِ خَمسينَ مَوقِفًا، كُلُّ مَوقِفٍ مِثلُ ألفِ سَنَةٍ، …»، فالمواقف هناك خطيرة وصعبة صعبة جدًّا، بدءًا من لحظة الخروج من القبور، والوقوف بين يدي الله، وزلزلة السَّاعة.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ} (الحج/1-2)
مواقف رهيبة، ومن أصعبها في يوم القيامة العبور على الصِّراط.
الصِّراط ما هو؟ نحن لا ندري طبيعة الصِّراط ما هي؟
الحديث يقول: «الصِّراط أدقُّ من الشَّعر ومن حدِّ السَّيف»، هذا التَّعبير كنائي، وتعبير رمزي، فليس معنى ذلك أنَّ الصِّراط أدقُّ من الشَّعر وأحدُّ من السَّيف، وإنَّما هذا تعبير رمزي لخطورة ولصعوبة العبور على الصِّراط.
•عن أبي عبد الله الصَّادق (عليه السَّلام)، قال: «النَّاس يمرُّون على الصِّراط طبقات، والصِّراط أدقُّ من الشَّعر ومن حدِّ السَّيف» (الصَّدوق: الأمالي، ص 242)

أصناف البشر الذين يمرُّون على الصِّراط يوم القيامة
الصِّنف الأوَّل: يمرون كالبرق الخاطف
هذه النَّماذج الرَّاقية العالية جدًّا، هؤلاء يمرُّون كالبرق الخاطف.
تلاحظون البرق الخاطف كيف يكون؟
هذا الزَّمن الذي يستهلكونه في العبور على الصِّراط كالبرق الخاطف هو لحظة، أو جزء من لحظة، لا يشعرون بالمرور على الصِّراط، أولئك هم النَّمط الأرقى والأعلى في الطَّاعات وفي عمل الخيرات.

الصِّنف الثَّاني: يمرون على الصِّراط كعَدْو الفرس
طبعًا هذا المستوى أقلُّ من المستوى الأوَّل، فالمستوى الأوَّل كان كالبرق الخاطف.
أمَّا هذا المستوى الذي هو أيضًا ليس عاديًا، حيث يمرُّون على الصِّراط كعَدْو الفرس، فمِثل ما تجري الفرس القويَّة بسرعة، فهم يمرُّون على الصِّراط بهذا المستوى، نعم هم يستهلكون وقتًّا أطول من الوقت الذي يستهلكه الصِّنف الأوَّل من النَّاس.

الصِّنف الثَّالث: يمرُّون على الصِّراط عدوًا.
هذا – طبعًا – أقلُّ مستوى من عدو الفرس، فمهما يجري الإنسان ومهما يركض فهو أقلُّ من عدو الفرس، لكن هذا مستوى ثالث من مستويات العابرين على الصِّراط وهم: الذين يمرُّون على الصِّراط جريًا وعدوًا.

الصِّنف الرَّابع: يمرُّون على الصِّراط مشيًا
هذا الصِّنف يريد الجري لكنَّه لا يستطيع مع أهوال يوم القيامة الصَّعبة، من نار وغيرها، كما أنَّه يريد أن يسرع فلا يستطيع، فيمرُّ على الصِّراط مشيًا.
لماذا لا يستطيع الجري؟
لأنَّه في الدُّنيا لم يكن يجري إلى الطَّاعات، وإنَّما كان يمشي ببطء.
أنت الآن – في هذه الدُّنيا – كم هي سرعة مشيك إلى الطَّاعات؟ فعلى ضوء ذلك أنت تحدِّد سرعة حركتك على الصِّراط في يوم القيامة، فهل كنت تجري إلى الطَّاعات كالبرق الخاطف؟ أو هل كنت تجري إلى الطَّاعات كعدو الفرس؟ أو هل كنت تمضي إلى الطَّاعات ركضًا وجريًا؟ أو هل كنت تسير إلى الطَّاعات مشيًا؟
فإذا كنت تمشي هنا فإنَّك لن تستطيع الجري على الصِّراط؛ لأنَّك في الدُّنيا لم تكن تجري إلى الطَّاعات، وإلى مواطن الخير، فإذا كنت تمشي في الدُّنيا فإنَّك سوف تمشي على الصِّراط.
كما أنَّ سرعة المشي أيضًا تختلف، فهناك مَنْ يمشي بسرعة، وهناك مَنْ يمشي بتوسُّط، وهناك مَنْ يمشي ببطء، فبحسب حركتك في الدُّنيا في اتِّجاه الطَّاعات، وفي اتِّجاه الأعمال الحسنة تكون حركتك يوم القيامة على الصِّراط.
هذا الصِّنف الرَّابع يمشي على الصِّراط مشيًا معتدلًا ليس مضَّطربًا.

الصِّنف الخامس: يمرُّون على الصِّراط مشيًا مضَّطربًا
يتمايل يمنة ويسرة، غير قادر أن يستقرَّ على الصِّراط، إنَّه في الدُّنيا كذلك لم يكن يستقر في طريقه إلى الطَّاعات، فإذا كان في الدُّنيا مضَّطربًا في حركته في اتِّجاه الطَّاعات، ومضَّطربًا في موقع الطَّاعة، وفي موقع العبادة، فإنَّه سيمشي على الصِّراط يوم القيامة ولكن باضِّطراب، ومع ذلك فإنَّه يحافظ على نفسه من السُّقوط، فعنده ما يتوكَّأ عليه.
وهذا الصِّنف كم سيقضي من وقت في قطع أشواط الصِّراط؟

الصِّنف السَّادس: يمرُّون على الصِّراط متعلقين
هذا الصِّنف يمشي مضَّطربًا على الصِّراط، يتمايل يمنة ويسرة فيسقط في النَّار، إنَّه لا يتمكن من المواصلة، فهو من النَّاس الذين لم يكن يعيش الطَّاعة، ولم يكن يعيش القرب من الله، ولم يكن يعمل الصَّالحات، فهو من الذين يسقطون، والعياذ باللَّه.
حمانا الله وجميع المؤمنين من السُّقوط من على الصِّراط.

نعود للمقطع من حديث رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «يا أيُّها النَّاس مَنْ حَسَّنَ مِنكُم في هذَا الشَّهرِ خُلُقَهُ كانَ لَهُ جواز عَلَى الصِّراطِ يَومَ تَزِلُّ فيهِ الأَقدامُ».
هنا فائدة حُسْنُ الخُلُق، بأيِّ مقدار تحسِّن خُلقك في هذا اليوم، فأنت في ذلك اليوم تستطيع أن تمشي على الصِّراط باقتدار وبنجاح.
إذن، أَكْثِر وخاصَّة في شهر رمضان من تحسين الخُلق؛ حتى تضمن سلامة الحركة على الصِّراط يوم القيامة، وثبات قدمك على الصِّراط، وألَّا تزل يوم القيامة.
«كانَ لَهُ جواز عَلَى الصِّراطِ يَومَ تَزِلُّ فيهِ الأَقدامُ»

المقطع الرَّابع: «ومَنْ كَفَّ فيهِ شَرَّهُ كَفَّ اللّهُ عَنْهُ غَضَبَهُ يَومَ يَلقاهُ»
هذه نقطة مهمَّة جدًّا، وهي: إنَّ كفَّ الشَّر مطلوب في كلِّ وقت، وإنَّ إيصال الشَّر إلى النَّاس من أخطر المعاصي والذُّنوب، وكذلك إيذاء النَّاس، وإيصال الإزعاج والتَّعب لهم، فعقوبة ذلك شديدة عند الله سبحانه.
فمطلوب أن يكفَّ الإنسان أذاه عن أيِّ إنسان قريب أو بعيد، ككفِّ الأذى عن زوجته، وكفِّ الأذى عن أهله، وعن أولاده، وعن أقاربه، وعن جيرانه، وعن أيِّ إنسان.
ما هي ثمرة كفِّ الأذى عن النَّاس في شهر رمضان؟
إنَّ شهر رمضان له خصوصيَّة، فكفُّ الأذى في كلِّ وقت له عطاء وله ثواب عند الله، وله جزاء كبير عند الله، لكن في شهر رمضان كفُّ الأذى له خصوصيَّة.
«ومَنْ كَفَّ فيهِ شَرَّهُ كَفَّ اللّهُ عَنْهُ غَضَبَهُ يَومَ يَلقاهُ»
غضب الله شديد لا تطيقه السَّماوات والأرض، ولكنَّك يمكنك أنْ تكفُّ غضب الله بكفِّك الأذى عن النَّاس، بأيِّ مقدار أنت تكفُّ أذاك عن النَّاس، فأنت تكفُّ غضب الله يوم القيامة.
إنَّ غضب الله شديد يوم القيامة، صحيح أنَّ رحمته واسعة، لكنَّ غضبه شديد، فأنت بكفِّك الأذى عن النَّاس في الدُّنيا وخاصَّة في شهر رمضان تكفُّ غضب الله يوم القيامة.

«كَفَّ فيهِ شَرَّهُ»
الشَّر بكلِّ أشكاله، وبكلِّ أنواعه.
الشَّر أنواع كثيرة، فقد يكون الشَّر بالكلمة، وقد يكون الشَّر بالفعل، وقد يكون الشَّر بالممارسة.

وهذا الشَّر يأكل الحسنات.
قد يمارس الإنسان الطَّاعات، ولكن هذه الطَّاعات يأكلها الشَّر، وتأكلها المعاصي، وتأكلها الذُّنوب، فهذا الإنسان لديه رصيد من الطَّاعات لكنَّه يُحرق.
•«…، الْحَسَد يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ، …». (الكليني: الكافي، 8/69)
•قال النَّبيُّ (صلَّى اللّه عليه وآله) لأصحابه: «أتَدْرُونَ مَنِ المفلس؟
قَالُوا: المُفلس فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ وَلَا مَالَ وَلَا مَتَاعَ لَهُ.
قَالَ (صلَّى اللّه عليه وآله): إنَّ المفلس مِنْ أُمَّتِي مَن أتى يوم القِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وأكلَ مَالَ هَذَا، وهَتكَ دمَ هَذَا، وضَربَ هَذَا فيعطى هذا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاه فَطُرِحَت عَلَيْهِ، ثمَّ يُطرَح فِي النَّارِ»
. (التويسركاني: لئالي الأخبار5/87)

المفلس هو الذي يعمل الطَّاعات، وعنده رصيد كبير من الطَّاعات، ومن الصَّلوات، ومن الصِّيام، ومن الحجِّ، ومن العمرة، ومن تلاوة القرآن، ومن الأذكار، ومن الدُّعاء، ومن الزِّيارة، فهو لديه أعمال كبيرة.
لكنَّه يظلم هذا، ويغتاب هذا، وينمُّ على هذا.
فيأتي أصحاب الحقوق يوم القيامة ويطالبون بحقوقهم فيؤخذ من حسناته وتُضاف إلى حسناتهم، ويستمر أصحاب الحقوق يطالبون، فإذا انتهت حسناته، فيؤخذ من سيِّئاتهم وتُضاف إليه.
هذا هو المفلس، فيخرج مفلسًا لا يوجد شيئ عنده.
إذن، من كفَّ شرَّه في شهر رمضان كفَّ الله عنه غضبه يوم القيامة.

ونتابع الحديث إن شاء الله تعالى.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى