حديث الجمعةشهر جمادى الثانية

حديث الجمعة150:رحيل آية الله العظمى الشيخ محمد فاضل اللنكراني – العطلة الصيفية(3) – ماذا بعد تمرير قانون التعطل؟

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



نعزي الإمام الحجة عجل الله فرجه، ومراجع الدين العظام والحوزات العلمية والأمة جمعاء برحيل آية الله العظمى الشيخ محمد فاضل اللنكراني.
الفقيد أحد أعمدة المرجعية، وعلم من أعلام الفقه، قضى حياة حافلة بالعلم والعمل والعطاء والجهاد من أجل الدين، وخدمة الشريعة، فالمصاب بفقده جلل، والخطب فادح، تغمده الله بفيض رحمته وحشره في صحبة الأولياء والصالحين.
وما أحوج الأمة في هذه الظروف الصعبة إلى علماء عاملين مجاهدين في مواجهة تحديات الكفر والفساد والانحراف، وفي مواجهة عوامل التيه والضياع والضلال.
مطلوب من جماهير الأمة المسلمة أن تعمق ارتباطها بمرجعياتها الدينية وبقياداتها الروحية، وإنّ أيّ فتور في هذا الارتباط له نتائجه الخطيرة على انتماء الأمة وهويتها وعلى جميع مكوّناتها.
من هنا يسعى أعداء الإسلام دائما لزعزعة العلاقة بين الأمة وقياداتها الدينية، وبمقدار ما تكون الأمة واعية وبصيرة ومخلصه تستطيع أن تفشل مخططات الأعداء والمتآمرين على الإسلام.


متابعة لحديث الأسبوع الماضي “كيف نعدّ برنامجا صيفيا ناجحا؟”
تناولنا في الأسبوع الماضي مجموعة أسس يجب أن تتوفر في البرنامج الصيفي ليكون برنامجا ناجحا…

انطلاقا من هذه الأسس يمكن أن نحدد العناوين العامة ( الفقرات العامة) للبرنامج الصيفي الناجح الذي يضعه الفرد لنفسه:


1. اعتماد برنامج خاص للإعداد الروحي والأخلاقي، وهنا تنتظم مجموعة فقرات كالصلاة والدعاء، والذكر، والتلاوة، ومفردات روحية و عبادية أخرى، وممارسات تهذيبية وتربوية، هذه الفقرات والمفردات والممارسات تساهم بشكل كبير في بناء الإنسان روحياً وأخلاقياً.


2. اعتماد برنامج خاص للإعداد الثقافي، بكل امتداداته العقيدية والفقهية والتاريخية والاجتماعية والسياسية، إلى آخر المساحات التي تتسع لها ثقافة الدين.


3. ممارسات اجتماعية من خلالها تتجذر العلاقات، وتتعمق الأواصر، وتتحرك الخدمات، وتزدهر أعمال البر والخير.


4. فعاليات إسلامية هادفة تدفع بالطاقات الفكرية والنفسية والعلمية في اتجاه خدمة الإسلام، وقضايا الأمة، ومصلحة المجتمع.


5. تنمية المواهب والهوايات بطريقة سليمة، فهذه المواهب والهوايات تحتضن في داخلها إبداعات كبيرة لو أحسنّا توظيفها واستثمارها بشكل نظيف، وإلا تحولت إلى أدوات هدم وعبث وفساد.


6. ممارسة ترويحية مشروعة، فهي – كما ذكرنا في فقرة سابقة – تشكّل حاجة تحمي الإنسان من ضغوطات العمل الجاد، وتعث في داخله الحيوية والنشاط، وبشرط أن تخضع هذه الممارسات الترويحية إلى الضوابط الشرعية والأخلاقية، وأن لا تتحول إلى شكل من أشكال الإدمان الذي يلغي كلّ الاهتمامات الأخرى الأساسية في حياة الإنسان.


7. الانتساب إلى دورات صيفية موّجهة إسلامياً، وقادرة على استيعاب الطاقات والقدرات بما تحمله من برامج هادفة وجادة، وبما تملك من وسائل متطورة، وأساليب متجدّدة، فبمقدار ما نشترطه في هذه الدورات من إشراف ملتزم، وإدارة نظيفة، فإننا نؤكد على أهمية التطوير والتجديد في الوسائل  والأساليب، وإلا أصبحت هذه الدورات عاجزة عن اجتذاب أبناء هذا الجيل.


8. من فقرات البرنامج الصيفي ( السفر إلى خار البلاد) وغالبا ما تتجه الأسر الملتزمة إلى “زيارة العتبات المقدسة” مما يعطي لهذا السفر طابعه الديني والروحي، لو لا أن بعض الممارسات والسلوكيات الفاقدة للضوابط الشرعية والأخلاقية أخذت تنتشر في هذه السفرات مما صادر الكثير من عطاءاتها العبادية والروحية، مما يستدعي أن يتصدى العلماء والمعنيون لتلك الممارسات والسلوكيات حماية لهذه السفرات الدينية من العبث والتخريب والانحراف، ثم أن الإسلام لا يمنع من السفرات الاستجمامية المشروعة إلى غير الأماكن المقدسة بشرط أن لا تتحول إلى ظاهرة تصادر توجّه المؤمنين إلى العتبات المقدّسة.


ماذا بعد تمرير قانون التعطل؟
لقد مرّر مجلس النواب التأمين ضد التعطل رغم ما يحمل من إشكالات أثارت الكثير من الجدل والاختلاف والتجاذب والتقاذف، والكثير من الكلمات والتصريحات والبيانات.
والسؤال المطروح هنا:


• ماذا بعد تمرير هذا القانون؟
– هل نبقى نتقاذف الاتهامات؟
– هل نبقى نتجادل  حول الإشكالات؟
– هل نبقى نتجاذب الخلافات والصراعات؟
– هل نبقى نتبارى في حرب الفتاوى والبيانات والتصريحات؟
– هل من مصلحة الشعب ذلك؟
– هل من مصلحة العمال والموظفين ذلك؟
– هل من مصلحة العاطلين والمتعطلين ذلك؟


القانون قد مرّر… فما هو المطلوب الآن؟
1. لا يناقش احد في ضرورة أن يصدر قانون عادل يحمي العاطلين والمتعطلين ويوفّر لهم تأمينا معيشيا مجزيا، وإنّ غياب هذا القانون يشكل ظلما وإجحافا في حق هذه الفئة المحرومة من أبناء الشعب، وأن أي ّ تعطيل لهذا القانون فيه اضرارا فاحش لا تتحمله ظروف هؤلاء العاطلين والمتعطلين في ظل هذا الوضع المعيشي الضاغط، وفي ظل هذا الارتفاع المجنون في الأسعار.


2. إنّ القانون الذي مرّره مجلس النواب رغم أنه يحمل هدفا مشروعا، ومطلبا شعبيا وهو حماية العاطلين والمتعطلين إلا أنّه وقع في مجموعة إشكالات أنتجت ردود فعل رافضة، مما يفوّت على القانون هدفه المشروع.
ومن أبرز الإشكالات والتي أنتجت غضبا واسعا وسخطا كبيرا وجدلاً حادا، المادة التي قررّت “استقطاع نسبة من رواتب العمال والموظفين”، وكان الصحيح أنْ تتحمل الدولة مسؤولية هذا التأمين وهي القادرة من خلال مصادر الدخل والثروة المتوفرة لا أن تثقل كاهل الناس بفرض نسبة إلزامية، وأنا لا أظن أنّ العمال والموظفين سوف يبخلون على إخوانهم من المحرومين.
ولكن من خلال مساهمات اختيارية طوعية انطلاقا من مبدأ التكافل الاجتماعي المؤكد عليه في الإسلام، ومن خلال التكاليف المالية الواجبة، والصدقات المندوبة.
ثم إن الناس لا زالوا يعيشون عقدة الشك تجاه ” التطبيقات الرسمية” نتيجة تاريخ طويل من التجاوزات  والإجحافات وممارسات التمييز، وأشكال الفساد المالي والإداري، فالناس في حاجة إلى أن تزرع في داخلهم روح الثقة من خلال سياسة رسمية عادلة ومن خلال تطبيقات نظيفة، ومن خلال قوانين منصفة، وعندها لن يتحفظ الناس ولن يرفضوا، ولن يمانعوا.


3. المطلوب الآن وبعد أن مرّر القانون أن تتوحد كلّ الجهود للحصول على قانون تعطل خال من الإشكالات والمؤاخذات والنزاعات، وهنا يأتي دور النواب، فإذا كان عذرهم في تمرير القانون أن لا خيار لهم في المراسيم فالآن يملكون الخيار في أن يتحركوا وأن يصححوا مستخدمين كلّ الأدوات الممكنة لديهم.
وهنا يأتي أيضا دور القوى الدينية والّسياسية أن تمارس ضغطها في هذا الاتجاه معتمدة الوسائل المؤهلة لذلك.
وهنا يأتي ثالثا دور الجماهير بما يتوفّر لديها من وسائل مشروعة ومؤثرة.


4. هناك من يحاول أن يوظّف هذه المسالة في اتجاه تأجيج الخلافات  والصراعات، وتقاذف الاتهامات، وهذا توظيف سيء يجب أن يتصدى له كلّ الواعين والمخلصين، هل سنتمكن من إصلاح هذا القانون وغيره من القوانين حينما ننشغل بخلافاتنا وصراعاتنا وتجاذباتنا و تقاذفاتنا، إنها الفرصة المناسبة للحكومة أن تصرّ على مواقفها ما دامت قوانا مشتته، ومواقفنا متناقضة، وإراداتنا متصارعة، وجهودنا مبعثرة.
يبدوا أنّ بعض الناس قد فرغوا من مواجهة الإشكالات مع السلطة، ولم يبق أمامهم إلاّ أن يتوجهوا إلى السّاحة ليحركوا خلافا هنا، وصراعا هناك، ويسقطوا رمزا دينيا تارة، ورمزا سياسيا أخرى، ويفتشوا عن الأخطاء والعثرات، ويا ليتهم يمارسون نقدا موضوعيا نزيها، ومحاسبة علمية هادفة، وإنما هي شهوة التهريج والشتائم وما أقبحها من شهوة فاحشة، ورغبة منكرة.


5. تحاول الصحافة أن تحرّك حرب الفتاوى والتصريحات والبيانات، فما تكاد تبرز قضية للدين فيها رأي وفتوى إلا وتسابقت الصحافة معبرة عن حرصها الشديد في البحث عن رأي الدين ورأي فقهاء الدين، فتحرك على صفحاتها حرب الفتاوى والتصريحات والبيانات، فتوى تحلّل، فتوى تحرّم، تصريح يدافع وتصريح يمانع، بيان يؤيد، وبيان يعارض.
هل تنطلق الصحافة من حرصٍ على بيان أحكام الدين، وأراء فقهاء الشريعة، وكم أغلقت الصحافة أبوابها وأعمدتها وصفحاتها أمام الكثير الكثير من الكتابات التي تحمل رأي الدين، ومفاهيم الدين، وقيم الدين، إلا أن القضية حينما تحمل طابعا مثيراً صحفياً وإعلامياً هنا تنفتح الأبواب والأعمدة والصفحات بل وتلاحقك المهاتفات والكلمات والتوسلات.
إذا كان هذا الإصرار بدافع إيصال الفتاوى إلى المكلفين، فالمكلفون الملتزمون يعلمون جيدا الطرق الشرعية المعتمدة لمعرفة الفتاوى والأحكام، وليس من هذه الطرق الصحافة ووسائل الإعلام المحكومة للكثير من الإغراض والحسابات والاعتبارات.
لا نريد ان نلغي دور الصحافة والإعلام في إيصال الأفكار والآراء والمواقف، ولكن أن تتحول الفتاوى الدينية مادة للإثارات الصحافية، والمزايدات الإعلامية فهذا مرفوض تماما، وربّما يفرض الخطاب الديني أو الموقف الديني نفسه على الصحافة وعلى الإعلام، هذا أمر طبيعي، والمسألة هنا ليست توظيفا صحفيا للخطاب الديني، وليس توظيفا إعلاميا للموقف الديني، إنما الخطاب هو الذي وظف الصحافة، وإنّما الموقف هو الذي وظّف الإعلام.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى