قضايا الساحةقضايا محلية

ربيع الثقافة والإساءة للأخلاق وقيم الدين

ربيع الثقافة والإساءة للأخلاق وقيم الدين
استنفرت الصحافة – وبشكل غير مسبوق – أقلامها دفاعا عن الثقافة والفن والإبداع، وتداعت عشرات الجمعيات ورافعة صوتها بالاستنكار والشجب والتنديد ضد المحاولات الهادفة إلى خنق مناخ الحريات والإبداع.
واستنفرت هذه الأقلام والجمعيات كل ما في قاموسها من كلمات في مواجهة الأصوات التي ارتفعت مستنكرة لقطات فاضحة في مسرحية (مجنون ليلى) ضمن فعاليات الثقافة.
قالوا عن المعارضين: أنهم أعداء الثقافة والفن والإبداع، وقالوا عنهم: أنهم أغبياء، ومتخلفون، وظلاميون، ورجعيون، وقالوا: لا وصاية على الفن والإبداع، وقال أحدهم: أن عقله وقف مشدودا ومذهولا حينما سمع عن تشكيل (لجنة نيابية) للتحقيق حول (ربيع الثقافة) وقال آخر: أن خبر تشكيل (اللجنة) شكل بالنسبة له صدمة لا مثيل لها على الإطلاق، وقال ثالث: أن فرض السلطة على الثقافة يعد كارثة، وقال رابع: يجب التصدي لهذه المحاولات(المعارضة للفن والإبداع) من أجل لا تصبح الحرية مغارة من التخلف، وأن لايكون على شاكلة طالبان أفغانستان، وقال خامس: الإبداع له قوانينه الخاصة لا يفهمها من هو في خارج الإطار الثقافي والإبداعي، وطمئن سادس شعب البحرين بأن التيار الذي يحارب الفن سوف لن يجد له موضع قدم في البحرين، وجاءت ثامنة لتتساءل عن(الضوابط الشرعية) للحفلات، والرقصات، والإغنيات، وطالبت تاسعة بنواب المجلس بأن يناقشوا قضايا الغلاء والبطالة بدلا من أن يشغلوا بالتصدي للفن والرقص  والغناء ، وقالوا وقالوا وقالوا، ولا زال الاستنفار مستمرا.


ما نقوله هنا:
• أولا: ليس من يقف ضد الفن النظيف، والإبداع الراقي، والثقافة البناءة، فاتهام المعارضين بأنهم أعداء الفن والإبداع والثقافة لمجرد أنهم قالوا: لا، لفعالية من فعاليات الفن والثقافة تحمل مشاهد مبتذلة وهابطة، كلام فيه تزوير وتشويه لا يليق بمن يدعي أنه من دعاة الثقافة والفن والإبداع.


• ثانيا: الفن إذا تحول أداة للعبث بالقيم والأخلاق، والإبداع إذا تحول إلى وسيلة من وسائل الإساءة إلى الدين، والثقافة أذا تحولت إلى قوة هدم وتدمير وفساد، فهو فن هابط، وهو إبداع زائف، وهي ثقافة منحرفة، فالحديث ليس عن الفن والإبداع والثقافة، الحديث عن الشكل، عن الوسائل، عن الأهداف.


• ثالثا: ماذا حدث في مسرحية(مجنون ليلى) وهو واحدة من فعاليات مهرجان ربيع الثقافة؟ الحديث يدور عن وجود(لقطات فاضحة جدا)تنافي الدين والقيم والأخلاق، الحديث ليس عن الدوافع والنوايا، الحديث عن ما وقع بالفعل، عن اللقطات والمشاهد التي رآها الحاضرون. فماذا حدث بالفعل؟
مشهد لرجل وامرأة، الرجل يعانق المرأة، ويحتضنها، يبدأ بنزع ملابسها، يطرحها أرضا، يضجع عليها، يتحرك بشكل مثير، ممثلا أسلوب وحركات الممارسة الجنسية، وماذا بعد؟
يقول صاحب النص المسرحي – حسب ما جاء عن بعض المتابعين – أن مجنون ليلى قد ظفر بليلا وواقعها، وطرحت المسألة – كما يقول النص – على الفقيه وهل أن هذا العمل يعتبر زنا محرما؟
أجاب الفقيه – حسب النص – لا ليس زنا، أنما الزنا أن تسلم المرأة نفسها إلى رجل لا تحبه، أما إذا كان بينهما حب فلا زنا.


السؤال المطروح هنا: هل أن هذه اللقطات تشكل عملا منافيا للدين والقيم والأخلاق أم لا؟
إذا كان الجواب: نعم، وهذا ما نعتقده فمسؤولية كل الغيورين أن يتصدوا لهذه الأعمال الفاضحة بما تحمله من انتهاكات صارخة لحرمة الدين والقيم، وإذا كان الجواب: لا ، كما يدعي أصحاب هذا اللون من الفن، فنقول لهم بأي معيار تحاسبون الأمور هل بمعيار الغرب في نظرته للقيم والأخلاق أم بمعيار ديننا وإسلامنا؟ معيارنا الإسلامي يعتبر – بلا إشكال – هذه الممارسات منافية للقيم والأخلاق.
هكذا يقدم مهرجان ثقافة الربيع نموذجا للفن الراقي، والإبداع المتطور، والثقافة الرائدة، هكذا يقدمون دروسا راقية لأبناء وبنات البحرين في فن ممارسة “الزنا الحلال”.


أرادوا أن يعلموا شبابنا وشاباتنا أن ممارسة الجنس إذا كان عن “حب” فهي ممارسة مشروعة ولا تعتبر زنا محرما، الزنا حينما ينعدم الحب، هذه فتوى فقهاء الفن، ولتسقط كل فتاوى فقهاء الدين الرجعيين الظلاميين، الذين يؤكدون على ضرورة”العقد الشرعي” العقد عند هواة الفن والإبداع هو “الحب” أما العقد – المتمثل في الألفاظ والكلمات-فهو من مخلفات (كهوف الظلام)، ومن بقايا(التراث العقيم).


مرحبا بمهرجان الثقافة، كم هو مدهش ومهول  في هذا البلد، بلد الدين والقيم والأخلاق أن تحدث هذه الانتهاكات، و الأسوء من ذلك أن يحدث استنفار دفاعا عن هذه الانتهاكات، وأن تتجرأ أقلام تتهم الغاضبين الغيورين على الدين والقيم بأنهم متخلفون، أغبياء، ظلاميون، أعداء للفن والإبداع والثقافة، محكومون لإيديولوجيات  رجعية متسربلة بأمية فاضحة.
• رابعا: قالوا لا وصاية على الثقافة والفن والإبداع، لا وصاية دينية، ولا وصاية أخلاقية، هذه الوصاية تقتل الفن، وتقتل الإبداع، وتقتل الثقافة، هل يعني هذا: أن الفن يجب أن لا تحكمه ضوابط، وأن الإبداع يجب أن لا تحكمه ثوابت، وأن الثقافة يجب أن لا تحكمها معايير، إذا كان كذلك، تحول الفن إلى عبث، وتحول الإبداع إلى تمرد، وتحول الثقافة إلى هذيان.
          هل مسموح للفن أن ينتهك القيم؟
          هل مسموح للإبداع أن يسئ إلى الأخلاق؟
          هل مسموح للثقافة أن تعبث بالمقدسات؟
إذا  كان من حق الفن والإبداع والثقافة كل ذلك فلماذا لا يكزن من حق الفن والإبداع والثقافة الإساءة إلى مقام الملك والسلطان والزعيم والأمير والرئيس؟ ولماذا لا يكون من حق الفن والإبداع والثقافة الإساءة إلى الثوابت الوطنية؟
إذا كان هذه خطوطا حمراء أمام الفن والإبداع والثقافة؟ فلماذا لا تكون قيم الدين وأخلاقه وثوابته خطوطا حمراء أمام الفن الإبداع والثقافة.
نعم، الوصاية بمعنى الهيمنة ومصادرة الحرية، في التعبير، وتكميم الأفواه، فهذا أمر مرفوض تماما ، ولكن الفارق كبير جدا بين حرية التعبير وحرية النقد والمحاسبة، وحرية الدفاع عن الحقوق وبين الانفلات والعبث والإساءة إلى المقدسات والمساس بالثوابت الدينية والوطنية.
• إننا نؤمن –  بلا إشكال –أن هذا البلد يعيش أزمات حادة، واحتقانات صعبة، ومطلوب من نواب الشعب أن يكون لهم أوليات في العمل والحراك في معالجة الحاجات والضرورات، وأن لا يسقطوا في مطبات الاستهلاك والانشغال بالهوامش هذا أمر نؤمن به كل الإيمان إلا أن الزعم بان العرض المسرحي الذي جاء ضمن فعاليات ربيع الثقافة قضية لا تستحق هذا المستوى من التصدي والتصعيد، هذا زعم نرفضه فالمساس بالقيم والأخلاق من أخطر القضايا، خاصة إذا التقت قضية المسرحية مع مفردات كثيرة تتحرك على أرض الواقع لتشكل مشروعا خطيرا يستهدف (الواقع الأخلاق) في هذا البلد، فمن قال أن لقمة العيش أهم من العرض والشرف والقيم والأخلاق؟ ومن قال أن مصادرة الحق السياسي أخطر من مصادرة الدين والمبادئ؟
وأخيرا نؤكد أن كل الرهانات لإفساد هذا البلد سوف تسقط، مادام شعبنا في البحرين يعتز كل الاعتزاز بدينه، وانتمائه،  وهويته،  وقيمه وأخلاقه، مما يدفعه إلى أن يكفر بكل فن لا يحمل احترما لثوابت الدين، وبكل إبداع لا يتعرف بالقيم والأخلاق، وبكل ثقافة تنشر الفساد والانحراف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى