حديث الجمعةشهر شعبان

حديث الجمعة 299: في رحاب الإمام المهديّ المنتظر (ع) [3] – العطلة الصيفية ومسؤوليَّة أولياء الأمور – ماذا عن أوضاع الساحة؟

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمدُ للهِ ربِّ العالمين وأفضل الصَّلوات على سيِّد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آله الهداة المعصومين… نتناول بعض عناوين:



في رحاب الإمام المهديّ المنتظر عليه السلام [3]:
لا زلنا مع الحديث المشهور «مَنْ مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتةً جاهلية»، وقد تناولنا في حديثنا السابق (الرؤية الأولى) في فهم الحديث ، وهي رؤية تتبنَّاها (المدرسة الإسلامية السنية)، وتقول هذه الرؤية أنّ كلمة (إمام) في هذا الحديث وأمثاله تعني (مَنْ يتصدَّى للسلطة والحكم من خليفة أو أمير أو سلطان أو حاكم، سواء بالبيعة أو القهر والغلبة، ما دام المسلمون قد انقادوا إليه وأجمعوا عليه).


ونتناول في هذا اللقاء:
الرؤية الثانية (القناعة الثانية)

وتتبنَّاها المدرسة الإسلامية الشيعية الاثنا عشرية…


ويمكن أنْ نوجز هذه الرؤية في النقاط التالية:
النقطة الأولى:

الإمامة في المنظور الشيعي الإمامي تمثِّل امتدادًا للنبوة ممَّا فرض أن تتوفَّر على مواصفات متميِّزة، وقد عالجها علماء الشيعة الامامية في كتبهم العقيديَّة.


النقطة الثانية:
الإمامة بعد النبيّ صلَّى الله عليه وآله تمثَّلت في (الأئمَّة الاثني عشر من أهل البيت) وللشيعة في ذلك أدلة وإثباتات كثيرة دوّنتها مصادرهم…
أقرأوا:
1- الغدير للشيخ الأميني.
2- المراجعات للسيّد عبد الحسين شرف الدين.
3- معالم المدرستين للسّيد مرتضى العسكري.
4- كتابنا (التشيّع نشوؤه مراحله مقوِّماته).


النقطة الثالثة:
في ضوء هذا الفهم تتَّجه الرؤية الثانية إلى تطبيق كلّ الأحاديث السابقة التي ورد فيها كلمة (إمام) وكلمات (طاعة وبيعة) على (الأئمَّة من أهل البيت).


في رواية – صحيحة الإسناد – عن الإمام الباقر عليه السَّلام قال:
«لمَّا نزلت هذه الآية ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾ (الإسراء/ 71)
قالوا: يا رسول الله ألستَ إمامَ النَّاسِ كلِّهم أجمعين؟
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وآله: أنا رسول الله إلى النَّاسِ أجمعين، ولكن سيكون بعدي أئمَّةٌ على النَّاسِ من الله من أهل بيتي».


النقطة الرابعة:
أكَّد حديث «مَنْ مات ولم يعرف إمام زمانه…» كما ذكرنا على:
– ضرورة أن يكون للنَّاس إمامٌ في كلِّ عصرٍ وزمان.
– وأنَّ مَنْ مات بلا إمامٍ مات ميتةً جاهلية «ميتة كفرٍ وضلال وشرك».
وحسب ما توصَّلنا إليه من أنَّ المصداق الحقيقي لهذا الحديث هم (الأئمَّة من أهل البيت).
فتكون النتيجة:
ضرورة وجود واحد مِن أئمَّةِ أهل البيت عليهم السَّلام في كلِّ عصرٍ وزمان.
وهذا ما يدعم صحة الاعتقاد ببقاء (الإمام المهديّ المنتظر) الثاني عشر من أئمَّة اهل البيت عليهم السَّلام، حيًّا إلى أنْ يأذن الله سبحانه له بالظهور «فيملأ الأرضَ قسطًا وعدلاً كما ملئت ظلمًا وجورًا».


ويؤكِّد هذا الاعتقاد حديث «لا تخلو الأرض من حُجَّة» أو «من إمام».
• عن الإمام أمير المؤمنين كما جاء في نهج البلاغة:
«اللهمَّ بلى! لا تخلو الأرضُ من قائمٍ لله بحجَّة…».


• عن الإمام الصادق عليه السلام قال:
«إنَّ الأرضَ لا تخلو إلَّا وفيها إمام».


• وعن الحسن بن أبي علاء قال: قلت لأبي عبد الله [الإمام الصَّادق]: تكون الأرض ليس فيها إمام؟ قال عليه السلام: «لا».


• وعن الإمام الباقر عليه السَّلام قال:
«واللهِ ما ترك الله أرضًا منذ قبض آدم عليه السَّلام إلَّا وفيها إمام يهتدى به إلى الله، وهو حجَّته على عباده ولا تبقى الأرضُ بغير إمام حجَّة لله على عباده».


وهذا (الإمام) أو (الحجَّة) أو (العالم) هو من عترة النبيّ صلَّى الله عليه وآله، وهذا ما صرَّحت به أحاديث كثيرة…
• قال الإمام الباقر عليه السَّلام في قوله عزَّ وجلَّ:
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ (النساء/ 59)
قال: «الأئمَّة مِن ولد عليّ وفاطمة عليهما السَّلام إلى أنْ تقوم السَّاعة».


وجاءت الأخبار الصحيحة المتواترة لتؤكِّد أنَّ آخر الأئمَّة والذي لا زال حيًّا هو (الإمام المهديّ من عترة النبيّ = الثاني عشر من أئمَّة أهل البيت عليهم السَّلام).


وهنا تُثار (إشكالية العمر الطويل) وسوف نتناولها في الحديث القادم إن شاء الله تعالى…



العطلة الصيفية ومسؤوليَّة أولياء الأمور:


تبدأ العطلةُ الصيفيةُ ويبدأ القلق لدى اولياء الأمور، كيف يتعاملون مع الفراغ الكبير الذي يواجهه أبنائهم وبناتهم؟
كان العام الدراسي بكلِّ أتعابه وإرهاقاته قد ملأ هذا الفراغ…


وهنا نؤكِّد لأولياء الأمور: ليس صحيحًا أن تكون العقدة لديهم – فقط – أنْ يُملأ الفراغ، ولكن أن يكون الهمُّ الأساس: كيف يملأ الفراغ بطريقةٍ صحيحة، وبطريقةٍ تحفظ لأبنائهم وبناتهم دينهم، وقيمهم، وأخلاقهم، ونظافتهم إلى جانب بناء مستواهم العلمي والثقافي…


وهذه المسؤوليَّة قائمة ومستمرة، ولا تبدأ ببدء العطلة الصيفية… لمَّا كانت العقدة لدى أولياء الأمور هي فقط (ملء الفراغ)، لم يجدوا أيام العام الدراسي أيَّ حاجةٍ للقلق على أوضاع أبنائهم وبناتهم، وهذه مسؤولية في غاية الخطورة، فمطلوبٌ من الأولياء أن يتحمَّلوا مسؤولياتهم الشرعيَّة في حماية الأبناء والبنات في مواجهة مشروعات مُدمِّرة تزحف إلى المواقع التعليمية والثقافية والإعلامية والاجتماعية، وعبر الإنترنيت والتلفاز وكلّ وسائل العصر الحديثة…


وفي ضوء هذه المسؤولية، لن تبدأ المشكلة لدى الآباء والأمهات ببدء العطلة الصيفية، نعم ربَّما يكون للعطلة الصيفية بعض إشكالاتها وبعض تعقيداتها ممَّا يفرض على الأولياء ضرورة التفكير الجادّ في توظيف أوقات أبنائهم وبناتهم سواء في داخل الأسر أو في خارجها..


أيّها الآباء والأمهات وفِّروا لأبنائكم وبناتكم في داخل البيوت (الوسائل المشروعة) التي تنمِّي ثقافتهم الإيمانية وتحصِّن سلوكهم وطباعهم وأخلاقهم…


إنَّ وجود (مكتبة خاصة بالأطفال) في كلِّ بيت مسألة مهمَّة جدًا، مع إتقان اختيار محتويات هذه المكتبة من كتب ومجلات وصوتيات وأجهزة تعليم وتربية…


كما أؤكِّد على ضرورة الاستفادة من (الدورات الدينيَّة) في المناطق، والتي يشرف عليها أشخاص متديِّنون موثوقون، يجب دعم هذه الدورات وإسنادها والتعاون معها…


فالحذر الحذر أيّها الآباء والأمهات من التفريط في رعاية أبنائكم وبناتكم دينيًا وروحيًا وأخلاقيًا وعلميًا وثقافيًا، خشية أنْ تكونوا من مصاديق هذا الحديث المروي رسول الله صلَّى الله عليه وآله حيث قال: «ويلٌ لأبناء آخر الزمان من أبائهم [وطبعًا من أمهاتهم أيضًا]، قالوا: يا رسول الله مِن آبائهم المشركين، قال صلَّى الله عليه وآله: من آبائهم المسلمين، لا يُعلِّمونهم الفرائض وإذا تعلَّم أبناؤهم منعوهم، ورضوا منهم بعَرضٍ يسيرٍ من الدّنيا، فأنا منهم بريئ وهم منِّي بُراء»…



ماذا عن أوضاع الساحة؟
هذه كلمة:


ترتفع هذه الأيام أصواتٌ تنادي بالويل والثبور حيث ثبت – كما تدِّعي هذه الأصوات – أنّ المساجد المهدَّمة قد بنيت على أراضٍ مغصوبة وإنَّها لجريمةٌ كبرى أنْ يُغتصبَ شبرٌ واحد، فقد جاء في الحديث عن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ غصب شبرًا من الأرضِ ظلمًا فإنَّه يُطوَقهُ يوم القيامة من سبع أرضين» ثمَّ أنَّ الصلاة في الأماكن المغصوبة لا تجوز؟


لن أدخل في جدل حول (دعوى) بناء المساجد المهدَّمة على أراضٍ مغصوبة، فهي دعوى كاذبة باطلة زائفة، والمسألة ليست مرتبطة بأسباب شرعية وقانونية، بقدر ما هو (استهداف مقصود) له دوافعه السِّياسية والطائفية…


فمساجدنا منذ وُجِدت لا تُبنى إلَّا على أراضٍ مباحة طاهرة، ولا أظن أنَّ مذهبًا إسلاميًا يتشدَّد في هذه المسألة كما يتشدَّد مذهبنا، ولسنا في حاجةٍ أنْ يُعلِّمنا هؤلاء – المتفيقهون – شروط الوقف، وأحكام الصَّلاة في الأراضي المغصوبة، فأحاديث النبيّ صلَّى الله عليه وآله، وأحاديث الأئمَّة من عترته عليهم سلام الله تمتلئ بها مصادرنا الحديثية، كما أنَّ فتاوى فقهائنا صريحة واضحة وضوح الشمس…


أقول : لست في حاجةٍ أنْ أقف مع هذه الدعوى العارية عن الصحة …
ما يهمّني هنا أن أتساءل – باستغرابٍ واندهاشٍ -:
هل أنَّ هؤلاء المُوَلوِلين المتباكين خوفًا مِن غضبِ الله تعالى لغصب شبر من الأرض، يعبِّرون عن غيرة صادقةٍ على أموال هذا الشعب؟


إذا كانوا صادقين، فأين غيرتُهم، وأين أصواتُهم المرتجفة من غضب الله، وقد سُرقت كُلُّ (البراري) وكلُّ (السواحلِ) وكلُّ (البحار)؟


هل قالوا كلمةً واحدةً ضدَّ هذه السرقات؟
أين حديث النبيّ صلَّى الله عليه وآله: «مَنْ أخذ شبرًا ظلمًا»؟
أم أنَّ سرقة مئات الآلاف من الأشبار لا توجب غضب الله؟
نقول لهؤلاء: جرِّبوا غيرتَكم الدينية والوطنية – ولو لمرة واحدة – واصرخوا في وجه (سرقة أراضي الشعب) وفي وجه (سرقة حقوق الشعب)، وفي وجه (سرقة أعراض الشعب)، وفي وجه (سرقة أمن الشعب) وفي وجه (سرقة أرواح الشعب)، وسرقة الحقوق والأعراض والأرواح والأمن والأمان أشدُّ جرمًا عند الله من سرقة شبرٍ من الأرض…


هذا إذا كانت المسألةُ مسألةَ دين وخشيةٍ من الله تعالى…
أمّا إذا كانت المسألةُ توظيفَ الدِّين في خدمةِ أغراض السِّياسة فما أسوءه من توظيف، ما أسوء أنْ توظَّف آيةٌ أو روايةٌ في تبرير ظلمٍ يمارسه السَّاسة…


مطلوبٌ من كلمة الدِّين أن تكون مناهضةً للظلم والفساد وكلّ أشكال العبث، وأن تكون ناصحةً للحكَّام والسلاطين لا أن تكونَ تابعة لأغراضِ السلطة والحكم…


وظيفة العلماء أن ينصحوا الأمراء، وأنْ يأمروهم بالعدل والإنصاف، ومجانبة الظلم والعدوان…


فإن فعلوا ذلك حازوا الفضلَ والمغفرة والرضوان وإلَّا حلَّتْ عليهم اللعنةُ وغضبُ اللهِ الواحدِ القهار.


• في الحديث: «ملعونٌ ملعونٌ عالمٌ يؤم سلطانًا جائرًا معينًا له على جوره».
• وفي حديث آخر: «الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدّنيا.. قيل: يا رسول الله وما دخولهم في الدنّيا؟ فقال صلَّى الله عليه وآله: اتباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على أديانكم».


وأمَّا الحاكم والسلطان، فإنْ استجابَ للكلمةِ الناصحةِ الصَّادقةِ، وعدل في رعيَّته، وأنصف شعبه، وملأ بلاده أمنًا وأمانًا، ورفاهًا وازدهارًا، ولم يُمايز بين النَّاس، وأعطاهم كلَّ حقوقهم السِّياسية والدينية والوطنية، ولم يتكبَّر عليهم، ولم يتجبَّر، وكان الأمينَ الصادقَ على الأنفسِ والأموالِ والأعراضِ، وكانَ الصائنَ للكرامات والحريات، والمقدَّرات والمقدَّسات، وكان الحاميَ للدِّينِ والقيمِ والشرفِ والأخلاق…


إذا فعَلَ الحاكم والسلطان ذلك كان (ظلَّ الله في أرضه) كما جاء في بعض الأحاديث، ودخل في كلِّ القلوب، واستراح، وأراح البلاد والعباد…


وإلَّا كان شرَّ حاكمٍ وسلطانٍ، وباء بغضب الواحد الديَّان، وأتعب نفسهُ، وأتعب شعبه، ووجب على كلِّ القادرين أنْ يمارسوا (تصحيح الأوضاع) وإلَّا كانوا شركاءَ في الظلم والعبث والفساد، وأن يعتمدوا كلَّ (الأساليب المشروعة) والتي يقرّها الدِّين والعقل والقانون… إنَّ شعبًا يصرُّ على المطالبة بحقوقه، وعلى الدفاع عن كرامته، لا يمكن أنْ تخذله إرادة السَّماء، هذه سنَّة الله في أرضه،
﴿إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ (محمد/ 7)
﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا﴾ (الفتح/ 23)
﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلًا﴾ (فاطر/ 43)


ورغم إصرار الأنظمة الحاكمة على معاندة هذه (السُنَّة الربانية) بمزيدٍ من قمع الشعوب، ومزيدٍ من البطش والفتك والإرهاب ومصادرة الحريات، إلَّا أنَّ وعدَ اللهِ لا يخلف إنْ عاجلًا أم آجلًا، وانتصار إراداتِ الشعوب عبر التاريخ خيرُ دليلٍ وبرهانٍ، وما حقَّقتهُ حَراكات وثورات ما سُمِّي بالربيع العربي شواهد صارخة لمن يعتبر من السَّاسة والحكَّام… فالخير كلّ الخير أن تتصالح الأنظمة مع شعوبها، وأنْ تستجيب لمطالبها العادلة والمشروعة، وأن لا تكلِّف الأوطانَ أبهضَ الأثمانِ من أزماتٍ ومواجهاتٍ، وأرواحٍ ودماء وسجونٍ ومعتقلات…


ما يحدث في هذا البلد من إصرار السّلطة على تصعيد الخيار الأمني، والقسوة في العنف، والاستمرار في الاعتقالات وقمع المسيرات السلمية، وحل الجمعيات أمور في غاية الخطورة وتنذر بمآلات في غاية الصعوبة…


والحمد لله ربِّ العالمين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى