حديث الجمعةشهر شوال

حديث الجمعة 504: الأعياد عبادة لا عصيان! – تثمين المواقف الفلسطينيَّة – كيف يعيش الأطفال فرحة العيد؟ – احتياجات المشروع السِّياسيِّ

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّدِ الأنبياءِ والمرسلين محمَّدٍ، وعلى آلِهِ الهُداةِ الميامين، وبعد:

الأعياد عبادة لا عصيان!

فقد عاش المسلمون (عيد الفطر السَّعيد)، وللعيد مضمونه الكبير الكبير.

هناك فهم منحرفٌ للعيد
الكثيرون يحوِّلون العيد إلى يومٍ تُمارس فيه كلُّ أشكالِ العبثِ واللَّهوِ المحرَّم، وبهذا يفقد هذا اليوم روحانيَّته، وقدسيَّته.

الكثيرون يحوِّلون العيد إلى يوم ينفلتون فيه من كلِّ (الالتزامات الشَّرعيَّة)!

ويسمحون لأنفسهم أنْ يتحلَّلوا من كلِّ الضَّوابط الدَّينيَّة.
وإذا سألتهم: لماذا هذا الانفلات، والتَّحلل في هذا اليوم العظيم؟

كان جوابهم: إنَّه يوم العيد، ويوم الأنسِ والفرح!

ويبدو في فهم هؤلاء: إنَّ الأنس والفرح لا يتحقَّق إلَّا من خلال ممارسة الفسق والفجور، والاستجابة لغوايات الشَّيطان!
وهكذا يتحوَّل هذا اليوم في نظر هؤلاء اللَّاهين والعابثين من (يومٍ لله) إلى (يومٍ للشَّيطان)!

مِن يوم للعبادةِ، والطَّاعةِ إلى يوم ٍللتَّمرُّد، والعصيان!
مِن يوم للشُّكرِ، والعُرفان إلى يوم للجحودِ والنُّكران!
وإذا نظرنا إلى (البرامج المعدَّة للأعياد) في بلداننا العربيَّة والإسلاميَّة نجد فيها الكثيرَ من (برامج اللَّهو، والطَّرب، والفسق، والمجون)!

فالملاهي والمراقص بكلِّ ما تحمله من عبث وانفلاتات تشكِّل مظاهر احتفاء بالعيد في الكثير من بلدان المسلمين.
أمَّا (برامج التِّلفاز)، فتزدحم بالكثير من مظاهر (اللَّهو الفاسق)!

وأمَّا (المسارح)، فتضجُّ بأشكال العبث بالأخلاق والقِيم.
لسنا ضدَّ (الفن النَّظيف الهادف)، وإنَّما ضدَّ العبث بالأخلاق، وضدَّ التَّجاوز على القِيم، وضدَّ الانفلات، والفساد، والانحدار.

نكرِّر القول بأنَّه: لا يجوز أنْ نحوِّل (الأعياد) إلى (أيَّام للشَّيطان)، وإنَّما هي (أيَّامٌ لله)، ولذلك يجب أنْ نزيِّن الأعياد بذِكْر الله تعالى.

في الحديث المروي عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلّم): “زَيّنُوا أعيادَكم بالتَّكبير” (ميزان الحكمة3/2198، محمَّد الريشهري).

فالأعيادُ أيَّام ذِكْر وعباده، وليست أيَّام غفله، ولهو.

ولماذا أكَّد الحديث النَّبويُّ على (التَّكبير) في أيَّام الأعياد؟
(التَّكبير) هو شِعارُ القُّوَّة، والعِزَّة.
فأُريد للأعياد أنْ تكون (محطَّاتٍ)؛ لإنتاج القُّوَّة، والعزَّة لدى المسلمين.
والسُّؤال الذي يُطرح – هنا ونحن نعيش (أيَّام عيد الفطر الأغرِّ) -: هل نعيش كعرب ومسلمين (مظاهر العزَّة، والقوَّة)؟

الجواب – وبكلِّ أسفٍ -: (لا)!
الخلافات والصِّراعاتُ تُمزِّقُنا.
والعصبيَّاتُ، والطَّائفيَّات تفرِّقُنا.
والعداواتُ، والمشاحناتُ تُدَّمِرُنا.
حفنةٌ من الصَّهاينةِ، شُذَّاذِ الآفاقِ ينتهكون حُرُمات المسلمين.

ويعبثون بواحدة من مُقدَّساتِ المسلمين، بأرضِ الإسراء والمعراج، بأولى القِبْلَتَين وثالث الحرمين.

القدس أصبحت عاصمةً للصَّهاينة!
فماذا صنع (أكثر من مليار مسلم)؟
نعم، أكثر من مليار مسلم لا يملكون إرادة التَّحدِّي، ولا يملكون إرادة القرار.

وهذا مصداق لقولِ نبيِّنا الأعظم (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): “يوشك أنْ تداعى عليكم الأمم من كلِّ أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها.

قال قلنا: يا رسول الله، أمن قلَّة بنا يومئذٍ؟

قال: أنتم يومئذٍ كثير، ولكن تكونون غثاء كغثاء السَّيل، ينتزع المهابة من قلوب عدوِّكم، ويجعل في قلوبكم الوهن.

قال قلنا: وما الوهن؟
قال: حبُّ الحياة، وكراهية الموت” (معجم أحاديث الإمام المهدي (عليه السَّلام)1/78، الشيخ علي الكوراني العاملي).

تثمين المواقف الفلسطينيَّة
وهنا يجب أنْ لا ننسى أنْ نثمِّنَ لأبناءِ الأرض المحتلَّة لأبناء فلسطين مواقف التَّحدِّي والصُّمود، ومواقف العزَّة والشُّموخ، ومواقف الكرامةِ والإباء.

ويجب أنْ لا ننسى أنْ نثمِّن لمسيراتِ العودةِ إصرارَها، وإباءَها، وتضحياتها، وشهداءها، وجَرْحَاها.

ويجب أنْ لا ننسى أنْ نثمِّن كلَّ المواقفِ المساندةِ والمؤيِّدةِ، والمناصرةِ، والمدافعةِ عن حقول الشَّعب الفلسطينيِّ المظلوم.

كيف يعيش الأطفال فرحة العيد؟

للأطفال فرحتهم الخاصَّة بالعيد ربَّما تختلف عن فرحة الكبار.

كيف يفرح الأطفالُ بالعيد؟

الأطفال يفهمون العيد (ملابس جديدة)، (مَرَحًا، ولعبًا)، (أَكْلًا، وشربًا).

وما يُميِّزُ فرحةَ الأطفال بالعيد (البراءةُ كلُّ البراءة)، و(الصِّدقُ كلُّ الصِّدق).
مِن حقِّ الأطفال أنْ يعيشوا العيد (مَرَحًا ولعبًا، وأَكْلًا وشربًا، ولبسًا وزينةً).

ولا يجوز أنْ نسلبَ الأطفالَ هذه الفرحةَ.
هناك مَنْ يسلبون الأطفالَ فرحتَهم بالعيد.
هناك أطفال بؤساء محرومون من فرحة العيد.
محرومون حتَّى مِن البسمةِ، لأنَّهم فَقدُوا أباءَهم، أو أمَّهاتِهم.
أو لأنَّ أباءَهم وأمَّهاتِهم قد غُيِّبُوا عنهم.

حرامٌ حرامٌ أن تُقتَلَ البسمةُ على شفاهِ الأطفالِ.
حرامٌ حرامٌ أنْ تموتَ الفَرحَةُ في قلوبِ الأطفالِ.
حرامٌ حرامٌ أنْ تبقى الدَّمعةُ في عُيُونِ الأطفالِ.
حرامٌ حرامٌ أنْ تبقى الآهةُ في صدور الأطفال.

صناعة فرحة العيد

كلُّ القادرين أنْ يصنعوا للأطفال عيدهُمْ، فرحَتهُم مطلوبٌ منهم أنْ يصنعوا ذلك.

أوَّلًا: دور الأنظمة الحاكمة
وعلى رأسِ هؤلاءِ القادرين (أنظمةُ الحُكْمِ).

مطلوبٌ من هذه الأنظمة:
أنْ تصنع البسمةَ فوق شفاه الأطفال.
أنْ تصنع الفرحةَ في قلوب الأطفالِ.
أنْ تمسح الدَّمعةَ في عيون الأطفالِ.
أنْ تصنع البهجة في صدور الأطفال.
لا يعني ذلك أنْ توفِّر الأنظمةُ للأطفال ملاعب، ومنتزهات – هذا مطلوبٌ جدًّا جدًّا -.

من أجل أنْ تصنع الأنظمة للأطفال فرحتهم بالعيد، وفرحتَهم بالملاعب، والمنتزهات، مطلوب: أوَّلًا: أنْ تنتزعَ من داخلِهم كلَّ أسباب الحزن، والأسى، والألم.

ثانيًا: أنْ تملأ حياتَهم بكلِّ أسباب الرَّاحة، والهدوءِ، والاطمئنان.

وإلَّا فما قيمة ملاعبَ ومنتزهات وقلوبُ الأطفالِ مثقلةٌ بالآلام، والأحزان، والآهات؟!

وصدورُ الأطفالِ تملؤها الحسرات؟!
وعيون الأطفالِ لا تفارقها الدُّموعُ والعبرات؟!

وهل يفرح الأطفال إلَّا في أوطانٍ يملأها الفرح.

فإذا استطاعتْ الأنظمةُ أنْ تصنعَ أوطانًا يملأها الفرح، فمن الطَّبيعيِّ:

أنْ يفرحَ الأطفالُ.
وأنْ يفرحَ الشُّبَّانُ.
وأنْ يفرحَ الرِّجالُ، والنِّساء.
وأنْ يفرحَ كلُّ مَنْ يسكنَ الأوطان.
ولا يفرحُ سُكَّان الأوطان إلَّا إذا عَمَرتْ الأوطان.

وإلَّا إذا ملئت بالأمن والأمان.
في الكلمة عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): “لا خير في الوطنِ إلَّا مع الأمنِ والسُّرور. (ميزان الحكمة4/3568، محمَّد الريشهري).
إذا صنعنا أوطانًا آمنة ًصنعنا (الاستقرار).

وإذا صنعنا الاستقرار صنعنا (الفرحة، والسُّرور).

وفي الكلمة عن أمير المؤمنين (عليه السلام): “شرُّ الأوطانِ ما لم يأمن فيه القطان” (ميزان الحكمة4/3568، محمَّد الريشهري).

إنَّها أنظمةٌ رشيدةٌ وصالحةٌ تلك التي تصنع (أوطانًا آمنةً)، (أوطانًا يملؤها الاستقرار)، (أوطانا يَسُودُها الحبُّ، والتَّسامح)، (أوطانًا شعوبُها متآلفة، متقاربة).

هكذا تعيش الأوطانُ فرحةَ الأعياد.

ثانيًا: دور الشُّعوب
وإذا كنَّا قد ذَكَرْنا مسؤوليَّة الأنظمة في أعطاء الأعياد مضمونها الأصيل، فهي كذلك مسؤوليَّة الشُّعوب، وبقدر ما تتآزر هاتان المسؤوليَّتان تنجح الأعياد في أداء وظائفها، وأهدافها الرَّبانيَّة.

ودائمًا الأوطان في حاجة إلى أنْ تتكاتف جهود الأنظمة، وجهود الشُّعوب؛ من أجل إنجاح كلِّ المشاريع التي تصبُّ في خدمة الأوطان.

احتياجات المشروع السِّياسيِّ

فأيُّ مشروع سياسيٍّ يحتاج:
أوَّلًا: إلى مبادرة حقيقيَّة وجادَّة من قبل النِّظام في أيِّ وطن.
وكذلك إلى (تهيئة مناخات).

ثانيًا: إلى تفاعلٍ صادقٍ ومخلص من قبل الشَّعب في هذا الوطن، أو ذاك.

والحديث عن (المناخات) حديث في غاية الأهمِّية، فالفارق كبير بين (مناخات محفِّزة) على الحضور في المشروع السِّياسيِّ، و(معوِّقات) تعقِّد هذا الحضور.

فمسؤوليَّة الأنظمة، ومسؤوليَّة الغَيَارى على الأوطان هو التَّآزر؛ من أجلِ إنتاج (المناخات الصَّالحة)؛ لنجاح المشاريع السِّياسيَّة.

إنَّ أيَّ محاوله لخلق (المثبِّطاتِ، والمكبِّلاتِ، والمعوِّقات) لا تصبُّ في صالح (الخَيَارات السِّياسيَّة النَّاجحة)، بل تكرِّس حالات العزوف والقطيعة، وتعقِّد (المسارات السِّياسية).

إنَّ المسألة ليست كلامًا يقال، أو خطابًا يُطرح، إنَّما هي الممارسة الفاعلة والقادرة على خَلْق (المناخات)، وصنع (المحفِّزات).

إنَّ صوغ (الحسِّ الشَّعبيِّ) المتفاعل مع (المشرعات السِّياسيَّة) في حاجة إلى (خطاب)، وإلى (ممارسات).

فالخطاب الرَّسميُّ أوَّلًا، وأيُّ خطاب آخر ثانيًا هو القادر على أنْ يصوغ (الحسَّ الشَّعبيَّ) المتفاعل مع (المشروع السِّياسيِّ، إذا كان خطابًا واقعيًا رشيدًا صادقًا، وقادرًا على إزالة المعوِّقات، وخَلْق المناخات الصَّالحة).

وإذا كان للخطاب هذا الدَّور الكبير، فالممارسات الصَّالحة والتي تحمل كلَّ الصِّدق، والإخلاص هي الأقدر على معاجلة (أزمات الأوطان)، وهي الأقدر على إنتاج (المناخات الصَّالحة)، وعلى إزالة كلِّ (المعوِّقات)، وإيجاد كلِّ (المحفِّزات).

فما أحوج الوطن في هذه المرحلة إلى درجاتٍ عاليةٍ من التَّآزر، والتَّعاون؛ من أجل إنهاء كلِّ الأزمات، ومن أجل بناء وطن المحبَّة والتَّسامح، ووطن التَّآلف والتَّآزر، ووطن الأمن والاستقرار، ووطن الخير والازدهار.

وما أحوج المرحلة إلى (الحكمة) كلِّ الحكمة في مواجهة كلِّ (التَّعقيدات)، وكلِّ (المعوِّقات)، وكلِّ (الأزمات).

وهنا نؤكِّد الحاجة العاجلة إلى معالجة أوضاع المعيشة، وعدم إضاقة إرهاقات تعقِّد أوضاع النَّاس الحياتيَّة، وتضاعف من معاناتهم.

إنَّ الهمَّ المعيشيَّ يشكِّل أكبر الهموم لدى المواطنين، فالسِّياسات النَّاجحة هي القادرة على أنْ تخفِّف من هذه الإرهاقات، وهذه المعاناة.

وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربِّ العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى