حديث الجمعةشهر صفر

حديث الجمعة 163: عاشوراء حركة وامتداد – الإعلام المضلل يواجه أهداف الحسين – لماذا هذا التعتيم وهذا التكتم؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين وأفضل الصلوات سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الهداة الميامين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته…
نتناول أكثر من عنوان…


عاشوراء حركة وامتداد:
إذا كانت عاشوراء الحسين عليه السلام  قد حدثت في أرض كربلاء وفي ظهيرة العاشر من المحرم سنة واحد وستين للهجرة ، فهل بقيت عاشوراء رهينة المكان والزمان ؟
بالتأكيد ( لا )، عاشوراء تجاوزت المكان والزمان، وكيف حدث ذلك؟
عاشوراء مضمون وهدف ورسالة وهي بهذا أكبر من المكان و الزمان، لو أردنا أن نقرأ عاشوراء في حدود الأرض والمقطع الزمني،  والنتائج الآنية، لفقدت النهضة الحسينية معناها الكبير الكبير.
نعم عاشوراء حركة وامتداد وهدف ورسالة، الحسين  عليه السلام   بدمه ، وأهل بيت الحسين  عليهم السلام بدمائهم ، وأصحاب الحسين عليهم السلام بدمائهم قد أنجزوا المرحلة الأولى في حركة عاشوراء.
وجاء دور الإمام زين العابدين علي بن الحسين السجاد عليه السلام ، وجاء دور زينب بنت أمير نين بطلة كربلاء  عليها السلام،  وجاء دور الأسرى من آل محمد عليهم السلام ليكملوا مشوار عاشوراء ، وليحملوا رسالة عاشوراء ، وأهداف عاشوراء.
أول أهداف الرحلة الثانية لثورة الإمام الحسين عليه السلام  هو ((التعريف بهوية الثورة ومواجهة الإعلام المضلل)) بعد معركة كربلاء ، أنطلق الإعلام  الأموي المضلل بقوة من أجل تشويه الثورة الحسينية ، وتشويه رجالات هذه الثورة، وأعتمد هذا الإعلام المضاد مجموعة من الوسائل والأدوات، ووظّف لذلك أعدادا كبيرة من العملاء والمستأجرين ممن باعوا ضمائرهم للحكام والسلطان، فلا غرابة أن يصدر أحد كبار البلاط الحاكم فتواه المشهورة ((الحسين خرج عن حده فقتل بسيف جده))، هذه الفتوى أعطى تبريرا شرعيا لسفك دم الحسين عليه السلام  استنادا إلى أحاديث مزوّرة مكذوبة نسبت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، هذه الأحاديث تقول : أن من خرج على خليفة المسلمين فقتلوه كائن من كان، حتى لو كان الخليفة يزيد بن معاوية الفاسق الفاجر المنتهك للحرمات المرتكب للموبقات، وحتى لو كان الخارج هو الإمام الحسين بن علي عليه السلام سبط رسول الله صلى الله عليه وآله.
هكذا تبّرر هذه الأحاديث الكاذبة والفتاوى المارقة ظلم الحكام والسلاطين ، وهكذا يوظف الدين المزّور في إضفاء الشريعة على أنظمة الجور والاستبداد، وكم لعب هذا الإعلام الرسمي في تضليل الجماهير ن وفي سرقة وعي الناس، فأصبحت نهضة الحسين المباركة – وفق هذا الإعلام – حركة تمرد ، ومحاولة خروج على الحاكم الشرعي ومصدر فتنة وانشقاق ، وأصبح الحسين وأنصاره عصابة متمردة خرجت على أمير المؤمنين يزيد بن معاوية.
وقد تصدى الإمام زين العابدين ، وتصدت زينب ابنة أمير المؤمنين ، وتصدى أسرى كربلاء، تصّدوا إلى هذا الإعلام المضلل وفضحوا أراجيفه وأكاذيبه  وتظليلاته وألاعيبه، وأوضحوا هوية الثورة ، وأهدافها ومنطلقاتها وتحدثوا عن رموزها وأبطالها ورجالاتها.
 
تحدثنـا كتب التاريخ:أن قافلة الأسرى من آل محمد صلى الله عليه وآله حينما وصلوا بهم إلى دمشق الشام، كانت الشوارع غاصة بالناس الذين خرجوا من كل حدب وصوب ابتهاجا بهذا النصر الكبير الذي حققه خليفة المسلمين على جماعة من الخوارج والمتمردين على السلطة، الأعناق مشرئبة، والعيون مشدودة، الجميع ينتظرون اللحظة لحظة ” الأسرى الخوارج” الذين ظفر بهم جيش الخلافة.
وصلة قافلة الأسرى من آل محمد صلى الله عليه وآله، فارتفعت أهازيج الفرح وتعالت الأصوات داعية إلى الخليفة المنتصر وتعالت الشتائم واللعنات ضد هؤلاء الخوارج المتمردين.. وضد هؤلاء العابثين بالأمن والاستقرار، هكذا يعمل الإعلام الرسمي لأنظم الحكم في  كل زمان وفي كل مكان، فالمعارضون والرافضون لسياسيات الأنظمة هم متمردون وعابثون وخارجون عن النظام، لا يحملون ولاء للوطن والأرض والحكم والحاكم.
عند باب دمشق جاء شيخ شامي وهو واحد من ضحايا التضليل الإعلامي الرسمي، دنا من قافلة الأسرى، ورفع يديه إلى السماء مبتهلا إلى الله قائلا ومخاطبا: أسرى آل محمد صلى الله عليه وآله: ((الحمد لله الذي قتلكم وأراح البلاد من رجالكم، وأمكن أمير المؤمنين يزيد منكم)).
قاتل الله الإعلام الخبيث الذي يحول الأباطيل حقائق، والحقائق أباطيل، حرب يزيد ضد الحسين حرب مقدسة، يزيد بن معاوية يمثل الشرعية، يمثل الحق، يمثل الدين، والحسين ين على خارج عن الشرعية، وعن الحق وعن الدين.
لقد سمعتم حينما شن مجرم هذا العصر صدام المقبور حربه الظالمة على إيران الإسلام أصطف إعلام الاستكبار وإعلام الأنظمة الحاكمة ليعتبر هذه الحرب حربا مقدسة ضد المجوس والمارقين الذين يهددون أمن المنطقة وسلام المنطقة وشعوب المنطقة.
تصدى الإمام السجاد (ع) ليزيل الغبش عن ذهن هذا الشيخ المأسور لتشويشات الإعلام الرسمي.
– سأل الإمام الشيخ الشامي: يا شيخ هل قرأت القرآن؟
– نعن وما أنتم والقرآن؟
هذا المسكين يحمل عن هؤلاء أنهم أعداء القرآن، وأعداء الإسلام، وأن يزيد هو حامل للقرآن وهو المدافع عن القرآن وكم في هذا العصر من نماذج وأمثلة لهذا التزييف الإعلامي، وكم في هذا العصر من ضحايا لهذا التزييف، فما أحوجنا إلى مواقف تكشف هذا الزيف وهذا الغبش.
أصر الإمام السجاد على طرح السؤال:
– هل قرأت القرآن؟
– نعم قرأت القرآن
– هل قرأت هذه الآية (قل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)؟
– نعم قد قرأت ذلك
– فنحن القربى يا شيخ
– هل قرأت هذه الآية (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ)
– نعم قرأت ذلك
– فنحن القربى يا شيخ
– هل قرأت ؟ هل قرأت؟
– صاح الشيخ: بالله عليك أنتم هم، أنتم هم؟
– إنا لنحن هم، وحق جدنا رسول الله إنا لنحن هم
انفجر الشيخ باكيا صارخا: أبناء رسول الله أسارى و توجه للإمام(ع) قائلا:
– هل لي من توبة؟
– نعم .. نعم .. إن تبت تاب الله عليك
– صرخ الشيخ: أنا تائب أنا تائب.


هنا تحرك جهاز المخابرات وجهاز القمع ليرفع تقريرا عاجلا إلى السلطة الحاكمة، والتي لا تستطيع أن ترى إنسانا يحمل ضميرا حيا، ويحمل روحا رافضة، وإنما تريد شعبا خانعا مغفلا مقهورا، وصدر الأمر الرسمي بإعدام هذا الشيخ وسقط رأسه ثمنا لموقفه الجريء.


لا زال الإعلام المضلل يواجه أهداف الحسين (ع):
هل توقف الإعلام المضلل المواجه لأهداف الحسين في مرحلة من التاريخ؟
لا.. لم يتوقف هذا الإعلام، بل واصلت أنظمة التضليل والتشويه والتزييف من أجل إخماد صوت الحسين، ومن أجل مواجهة أهداف الحسين.
في عصرنا الحاضر يمارس الإعلام الرسمي للأنظمة والحكومات أسوء أشكال التضليل والتزييف ولعل الإساءة المستمرة إلى الرموز الإيمانية المنتمية إلى خط الحسين هو شكل من أشكال التصدي والمواجهة والتضليل.
وهنا يعتمد الإعلام الرسمي أدوات الدين نفسها، ويعتمد الوجوه التي تتبرقع ببراقع الدين.
فلا غرابة أن نسمع أشخاصا يتمظهرون بمظهر الدين يمثلون أبواقا لأعلام الأنظمة السياسية، وواجهات لأهداف الحكومات المتسلطة.
صحيح أن هؤلاء الأشخاص مسكونون شحنات كبيرة من العقد الطائفية البغيضة وبزخم من الأحقاد المذهبية، وهذا ما يسهل للأنظمة الحاكمة مهمة التوظيف والعمالة ومهمة التزييف والتضليل ، وكلكم تعلمون هذه الحقيقة الواضحة، ولو شئت لسميت أشخاصا في هذا البلد مهمتهم تأجيج الفتن الطائفية، وإثارة الأحقاد المذهبية، فلن يهدأ لهؤلاء  بال، ولن يقر لهم قرار ولن تسكن نفسهم الموتورة، إلا أذا اشتعلت نار الفتنة لتحرق الأخضر واليابس، ولتهلك البلاد والعباد.
في كل يوم نسمع إساءات لطائفة كبيرة من أبناء هذا الوطن، وإساءات لرموها الدينية، و لمقدساتها، ولولا العقلاء في هذا الطائفة الغيورة على أمن هذا البلد واستقراره وعلى وحدة الصف لحدث ما حدث من العواقب الوخيمة.
لا نريد بهذا الكلام أن نمارس شحنا طائفيا، فنحن ضد الشحن الطائفي الذي يؤجج النفوس، ويثير العدوان، ويحرك الصراعات، وسوف نبقى الأوفياء لأمن هذا البلد واستقراره ووحدته، وإنما نريد أن ندق جرس الخطر فمالم تسكت الأصوات التي تعيش هوس الفتنة الطائفية وهوس التصريحات المؤججة وهوس الشهرة الموهومة، وهوس العناوين المزيفة، فإن العوائق وخيمة جدا.
هنا نحمل السلطة الحاكمة مسؤوليتها الكبيرة، فهي التي أعطت الضوء الأخضر لهؤلاء الموتورين أن يعبثوا كما يشاءون وأن يضربوا على أوتار الفتنة، وإن كانت المؤشرات تؤكد أن هذا النفر من مواقع مهمة في داخل السلطة، ولقد فضح ((تقرير البندر)) هذا المشروع الطائفي المدمر، ومع الأسف  لا زالت الحكومة مصرة على تجاهل هذا التقرير والذي أثار ضجته في الأوساط، وخلق رعبا حقيقيا لدى أبناء هذا الشعب.
طالبنا بكشف الأوراق حول هذا التقرير وعلى أعلى المستويات، إلا أن الموقف الرسمي لا زال يصر على تجاهل هذا الأمر، والتعتيم حوله، مما يؤكد لنا الشكوك الحقيقة لوجود متورطين كبار في هذا المخطط الرهيب، إذا كان الأمر على خلاف ذلك فافتحوا الملف بوضوح أمام الشعب، لتتضح الحقائق، وتنكشف الملابسات.


لماذا هذا التعتيم وهذا التكتم؟
رغم ارتفاع الأصوات المطالبة بكشف الأوراق ورغم المحاولات الجادة من نواب الوفاق في مساءلة بعض الرؤوس المتورطة في هذا المشروع، هذه المحاولات التي يعمل ((نواب السلطة)) جادين على إقبارها وإفشالها ومصادرتها، وهكذا تتشابك أذرع السلطة الإعلامية والسياسية والدينية في إخفاء الحقائق، وفي التعتيم على المخططات الخطيرة التي تستهدف طائفة كبيرة من أبناء هذا البلد، وتحت عناوين مكررة وممقوتة، فالاختراق الصفوي، والولاء للخارج، وحكومة الفقيه، والتآمر على أمن الوطن، و… و ….و…. .


إذا بقيت الأمور في هذا الاتجاه فالمستقبل ينذر بالخطر، ما نتمناه من كل قلوبنا أن تعيد السلطة النظر في كل الحسابات، وحينما نحمل السلطة العبء الأكبر من المسؤولية، لا يعني أن القوى السياسية والدينية والشعبية – من خارج دائرة السلطة – مبرءة من المسؤولية، إلا أن مسؤولية السلطة تبقى هي الأكبر والأخطر.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى