حديث الجمعةشهر شعبان

حديث الجمعة 372: تهيَّأوا لاستقبال الشهر الفضيل – الأزمة مستمرة والحلُّ غائب – حلِّ المجلس العلمائي

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياءِ والمرسلينَ محمَّدٍ وعلى آله الهداةِ المعصومين…


تهيَّأوا لاستقبال الشهر الفضيل:
أقرأوا – أيُّها الأحبَّة – خطبة النبي صلَّى الله عليه وآله التي خطبها في أواخر شعبان؛
مهيِّئًا لاستقبال الشهر الفضيل.
وقد اعتمد صلَّى الله عليه وآله في سبيل هذه التهيئة ثلاثة أساليب:


الأسلوب الأول: التذكير بأهمية الشهر الفضيل…
نقرأ هذا في عدة مقاطع:


(1) «أيُّها النَّاس إنَّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة».
فالشهر هو شهر الله تعالى.
وهذا الشهر هو محط البركة والرَّحمة والمغفرة، فلا بركة أغنى من بركة هذا الشهر، ولا رحمة أشمل من الرحمة فيه، ولا مغفرة أوسع من المغفرة في أيامه ولياليه.


(2) «شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات».
فلا شهر يملك ما يملكه شهر رمضان من الفضل والشرف، ولا أيام، ولا ليالي، ولا ساعات تحمله من الفضل والشرف والمكانة ما تحمله أيام وليالي وساعات هذا الشهر.


(3) «إنَّ أبواب الجنان في هذا الشهر مفتَّحة فسلوا ربَّكم أنْ لا يغلقها عليكم».
«والشياطين مغلولة، فاسألوا ربكم أن لا يسلطها عليكم»
في هذه الفَقرات يؤكِّد النبي صلَّى الله عليه وآله على بعض خصوصيات هذا الشهر:
– أبواب الجنان مفتَّحة.
– أبواب النيران مغلَّقة.
– الشياطين مغلولة.
وهذا تعبير عن فتح كلِّ الفرص من قبل الرَّب الرَّحيم أمام العبد، فحذارِ حذارِ من التفريط بهذه الفرص التي لا تعوَّض.
فمن فرَّط فيها فهو شقي كلّ الشقاء.


الأسلوب الثاني: التذكير بقيمة وثواب الأعمال في هذا الشهر:
• «أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب»


• «أيها الناس: من فطَّر منكم صائمًا مؤمنًا في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لما مضى من ذنوبه..
فقيل: يا رسول الله وليس كلنا يقدر على ذلك.
فقال صلَّى الله عليه وآله: اتقوا النار ولو بشقِّ تمرة، اتقوا الله ولو بشربة من ماء، فإنَّ الله تعالى يهب ذلك الأجر لمن عمل هذا اليسير إذا لم يقدر على أكثر منه».


• «أيُّها النَّاس: مَنْ حسَّن منكم في هذا الشهر خلقه كان له جواز على الصراط يوم تزل فيه الأقدام».


• «ومَنْ كفَّ فيه شرَّه كفَّ الله عنه غضبه يوم يلقاه».
• «ومَنْ أكرم فيه يتيمًا أكرمه الله يوم يلقاه».
• «ومَنْ وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومَنْ قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه».
• «ومَنْ تطوَّع بصلاة كتب الله له براءة من النار».
• «ومَنْ أدَّى فيه فرضًا كان له ثواب مَنْ أدَّى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور».


• «ومَنْ أكثر فيه من الصَّلاة عليَّ ثقَّل الله ميزانه يوم تخفُّ الموازين».
• «ومَنْ تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر مَنْ ختم القرآن في غيره من الشهور».


ولما أنهى النبي صلَّى الله عليه وآله قال أمير المؤمنين عليه السَّلام: «فقمت فقلت: يا رسول الله ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟
فقال صلَّى الله عليه آله: يا أبا الحسن أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عزَّ وجلَّ».
نتناول الأسلوب الثالث في اللِّقاء القادم إنْ شاء الله…


 


الأزمة مستمرة والحلُّ غائب:
رغم مناكفة وإصرار النظام على عدم الاعتراف بوجود أزمةٍ سياسيةٍ في هذا الوطن، فإنَّ الواقع يصرخ بأنَّ الأزمة تحاصر كلَّ الواقع في هذا البلد، فها هي منتجاتُ الأزمةِ السِّياسية تضغط على شعبنا وترهق كلَّ أوضاعه، فهو محكوم لواقع أمني خانق، مملوء بكلِّ أشكال المضايقات والملاحقات والمداهمات والاعتقالات والمحاكمات المسيَّسة، والأرقام المتزايدة من الضحايا والشهداء…


كما أنَّ الأوضاع الحقوقية متدهورة، وهكذا ما أكَّدته ولا زالت تؤكِّده منظمات حقوقية لها ثقلها في الواقع الدولي.


فالواقع الأمني السَّيئ، والواقع الحقوقي المتدهور ما هو إلَّا بعض منتجات أزمة سياسية تجذَّرت واستمرت، ولاحقت كلَّ أوضاع هذا الشعب.
المطلوب معالجة هذه الأزمة السِّياسية، وما لم تتم هذه المعالجة فإنَّ هذا الوطن لن يتعاف أبدًا، والمعالجة في حاجة إلى منطلقين أساسين:


المنطلق الأول: الاعتراف بوجود الأزمة السِّياسية، وهذا المنطلق يؤسِّس للمنطلق الآخر.


المنطلق الثاني: التفكير الجادّ في الحلِّ السِّياسي.
وحينما نقول: (التفكير الجادّ في الحل) لا نتحدَّث عن مناورات استهلاكية لكسب الوقت، وللدعاية الإعلامية، وللمخادعة والمراوغة، ولا نتحدَّث عن ترقيعات فاشلة، ولا عن مقايضات مفلسة، ولا مساومات رخيصة…
فما عادت هذه الرِّهاناتُ قادرة أنْ تقنع شعبًا يملك درجةً عالية من الرشدِ السِّياسي، والبصيرةِ الحقوقية، ويملك تجربةً نضاليةً طويلةً وغنيةً بعطاءاتها الكبيرة، والتي منحت الجماهير كلَّ القدرة على كشف خدعِ السِّياسية وألاعيبها ومساوماتِها وأكاذيبها وزيفها…
كما منحته مستوياتِ عالية من العزيمة والثبات والإصرار والتحدِّي والعنفوان والإرادة…


وكذلك ما عادت هذه الرِّهانات قادرة أنْ تقنع القوى السِّياسية التي تمثِّل إرادة هذا الشعب فهي الأخرى تحمل كلَّ البصيرة، وكلَّ الرشد، وكلَّ التجربة، وكلَّ الإرادة والإصرار، فلا خوف على قضايا الشعب حينما تكون قوى تملك أمانة المسؤولية، وصلابة الموقف، ورشد السِّياسة، وبصيرة الدِّين، وقبل هذا حينما تتحصَّن بالتقوى وخوف الله تعالى.
أمَّا القوى السِّياسية التي لا تملك الأمانة، والصلابة، والبصيرة، والتقوى، وخوف الله تعالى فمن الطبيعي أنْ تبيع قضايا هذا الشعب في سوق المزادات السِّياسية الرَّخيصة، وأنْ تداهن أنظمة الحكم من أجل مطامع الدُّنيا وأهواء النفس…


 


كلمة أخيرة:
وجاء قرارُ الاستئناف بتأييد حلِّ المجلس العلمائي.
 هكذا صدر هذا القرار السِّياسي بامتياز، والطائفي بامتياز.
كونه قرارًا سياسيًا بامتياز، فهو يأتي في سياق مواقف النظام الواضحة في مواجهة أيّ صوتٍ مدافع عن حقوق هذا الشعب.
ماذا كان خطابنا في المجلس العلمائي؟ إنَّه خطاب قال: لا للمنكر الثقافي، والمنكر الأخلاقي، والمنكر الاجتماعي، والمنكر السِّياسي.
وقال: لا للفساد بكلِّ أشكاله الثقافية، والأخلاقية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسِّياسية…
وقال لا للظلم، بكلِّ تنوعاته، وعلى رأسها الظلم السِّياسي…
قالوا: تحدَّثوا عن كلِّ فسادٍ إلَّا السّياسي…
وتحدَّثوا عن كلِّ ظلم إلَّا السِّياسي…
وإلَّا فأنتم مشروع سياسي…
قد يقال: لستم ممنوعين أنْ تقولوا الكلمة السِّياسية…
ولكن الممنوع أنْ تتوحدوا، أنْ يكون لكم مشروع، أنْ يكون لكم كيان…
لماذا لا يسمح لنا أنْ نُوحِّد الجهد والموقف…
وقد أمرنا الله سبحانه أن نتعاون على البر والتقوى…
وهكذا فعلنا…
أمَّا كونه قرارًا طائفيًا بامتياز، فهو يأتي في سياق سياسات كرَّست النهج الطائفي في مواقع متعدِّدة…
والشواهد على ذلك صارخة، وقد تحدَّثت عنها منظمات عالمية… ولا تحتاج إلى برهنة…
إنَّ النهج الطائفي نهجٌ مدمِّر لوحدة هذا الشعب، ومؤسِّس لصراعات خطيرة، وإنَّ أخطر ما تواجه الأوطان هو ما تمارسه الأنظمة من سياسات التمييز الطائفي، والاضطهاد المذهبي…
ولست – هنا في هذه الكلمة العاجلة – بصدد محاسبة الدعاوى الزائفة التي اتهمت المجلس العلمائي بأنَّه مشروع طائفي، واتهمته بأنَّه يمارس خطابًا متطرِّفًا، وخطابًا مؤجِّجًا للفتنة، وخطابًا يدعو للعنف…
هذا هو سجل المجلس العلمائي في كلِّ خطاباته، ومؤتمراته، وبرامجه، وفعَّاليات… نتحدَّى أنْ يعطونا مثالًا واحدًا يعبِّر عن طائفية، ومذهبية، وعنفٍ وتطرُّفٍ…
إلَّا أنْ تكون (وثيقة الوحدة والمحبَّة) و(وثيقة التسامح) وشعار (عاشوراء ووحدة الأمَّة) هي الأدلة على طائفية المجلس العلمائي، وعلى نهجه المصبوغ بالعنف والتطرُّف.
وأخيرًا أقول: إنَّ حلَّ المجلس العلمائي سوف يبقى عنوانًا صارخًا لظلمٍ لن يمحى من ذاكرة هذا الشعب.


وآخرُ دعوانا أن الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى