المفاهيم الإسلاميةمحاضرات إسلامية

علماء الدين ومسؤوليات المرحلة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الهداة الميامين ..
السلام عليكم ايها الاخوة والاخوات ورحمة الله وبركاته..


في اذهان الناس – هذه الايام- وبفعل المتغيرات السياسية الجديدة التي تشهدها هذه المرحلة التاريخية المتميزة..تساؤلات كبيرة، ولعل من اهم هذه التساؤلات التي تلح على الاذهان ما يتصل بدور العلماء ومسئولياتهم في هذه المرحلة.


هل تفرض المرحلةُ على علماء الدين مسؤوليات محددة؟
ماهي مسؤوليات هذه المرحلة ؟
هل يمارس العلماء مسؤوليات المرحلة؟
ما مدى تجاوب الأمة مع هذه المسؤوليات ؟
هذه التساؤلات تشكل هواجس ضاغطة في اذهان الناس.


لاشك أنّ المرحلة بمتغيراتها الكبيرة تفرض مسؤوليات محددة على علماء الدين..نحاول من خلال هذا الحديث معكم أيها الأحبة أن نعالج هذه المسؤوليات..فما هي هذه المسؤوليات؟


• المسؤولية الاولى: مسؤولية هذه اللقاءات مع الأمة


هذه اللقاءات تشكّل ضرورة من ضرورات المرحلة وذلك لعدة أسباب:


الأمة في حاجةٍ ملّحةٍ للتعرف على (الرؤية الاسلامية) في قضايا الساحة فإنسان هذا البلد يعتز بإنتمائه الاسلامي وبأصالته الدينية، فلايمكن أن يتعاطى مع قضايا المرحلة إلا وفق المنظور الشرعي خوفاً من الوقوع في المنزلقات الفكرية التي تبعد به عن مساراته الاصيلة، وتقوده إلى الارتباك والتخبط،، وربما تسقطه في دروب التيه والضلال.
هذ اللقاءات تؤكد (الحضور الفاعل) لعلماء الدين ورجال الفكر الاسلامي، وهذا الحضور مسؤولية شرعية، وظيفة رسالتية، لا تنطلق من رغبة جامحةٍ تبحث عن مواقع الشهرة، ومواطن الأضواء، وتطمع في المنافسة المحكومة لهوى النفس، في عصر المتجارة بالشعارات، والمساومة على المبادئ.. المسألة ليست كذلك وإنما هو التكليف الرباني والمسؤولية الاسلامية تفرض علينا أن نعيش هذا الحضور الدائم مع الأمة.
هذه اللقاءات تؤكد (الحضور الفاعل للأمة) وبمقدار ما تكون الامة حاضرة وبمقدار ما يكون هذا الحضور فاعلاً، تكون مساهمة الامة في إنجاح الدور العلمائي الهادف إلى صياغة الواقع الروحي والاخلاقي والثقافي والاجتماعي والسياسي بما يتوافق مع احكام الشريعة، ومفاهيم القرآن، وقيم الدين.
هذه اللقاءاتُ تعزز (روح الثقة) بين علماء الدين وجماهير الامة، وتقوى حالة التواصل، وكلما تعززت هذه الروح وتقوّت حالة التواصل، اعطى ذلك للمشروع العلمائي قدرة التحرك، وقدرة التأثير كما وأعطى للأمة قدرة الانفتاح على هذا المشروع، مما يوفر له الحماية في مواجهة كل المحاولات المناهضة، والهادفة إلى اجهاض المشروع.
هذه اللقاءات إنفتاح على هموم الناس الفكرية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية..
فهي لقاءات صريحة تعطي للناس حرية التعبير، وحرية السؤال، وحرية الحوار..ومن خلال هذه الاجواء المنفتحة الصريحة يستطيع الناس أن يتحدثوا عن كل الافكار التي تجول في اذهانهم، وعن كل الهموم التي تتحرك في داخلهم، وعن كل التساؤلات والاشكالات التي تقلقهم.


• المسؤولية الثانية:


من مسؤوليات العلماء في هذه المرحلة، أن يقدموا للامة((قراءة واضحة)) حول كل المتغيرات المتحركة في الساحة..


فكيف نقرأ المرحلة، وماهي الخصائص التي تميز المرحلة الراهنة ؟يمكن أن نتعرف على هذه الخصائص من خلال النقاط التالية:


وجود المشروع السياسي الجديد، هذا المشروع الذي يهدف إلى اعادة صياغة الواقع البحريني في جميع مكوناته السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، ووفق ما أكدته بنود (الميثاق الوطني).
المشروع السياسي الجديد انطلق بمبادرة من القيادة السياسية، رغبةً في الخروج بهذا البلد من مآزقه السياسية والأمنية والاقتصادية، حيث شهدت البحرين في السنوات الماضية تأزمات صعبة، ومخاضات خطيرة، واحتقانات شديدة، سببت الكثير من الاتعاب والعناءات والصعوبات القاسية، فالمشروع وُلدَ بعد مخاضات مضنية وصعبة، وكان أمامه مهمة شاقة جداً، تبدأ بإزالة كل التراكمات التي أنتجتها المرحلة السابقة.
المشروع إلتقى مع إرادة شعبية عامة، فقد تم الاستفتاء على (الميثاق الوطني) وحاز نسبة عالية من الموافقة، وفي ضوء هذه الموافقة الشعبية تمت المصادقة الاميرية ، وفي أعقابها شكلت لجنة تفعيل الميثاق.
وحتى يتوفر (المشروع السياسي) على المناخ الملائم للنجاح صدرت مجموعة مبادرات:
إطلاق سراح جميع جميع المعتقلين السياسين.
السماح بعودة جميع المبعدين.
إلغاء قانون أمن الدولة.
إلغاء محكمة أمن الدولة.
إعطاء نسبة لا بأس بها من حرية التعبير، وإن حدثت بعض التعثرات والتراجعات في بعض الاحيان.
5- المشروع يعتبر في بدايات الانطلاق ممايفرض التأني في محاسبته وتقويمه، إلا أنه هناك حاجات تشكل ضرورات ملّحة وعاجلة يجدر بالمشروع أن يتوفر على الاسراع في انجازها، ليطمئن الناس إلى مصداقيته وجديته، والمبادرات التي بدأت تتحر ك لمعالجة أزمات الوضع المعيشي – رغم البطء في بعضها – إلا أنها تبعث على الأمل والثقة.


• المسؤولية الثالثة:التعاطي الايجابي مع المرحلة


هناك من يدعون إلى رفض التعاطي مع المرحلة، ومع المشروع السياسي الجديد.
لانريد أن نتحدث عن دوافع هذا الاتجاه إلا أننا نرى ان السلبية المطلقة لها نتائجها الخطيرة الواضحة، وفيها حرمان للامة من منجزات هذه المرحلة، وتفريط بالفرص الملائمة للتحرك والعمل.
وهناك إتجاه آخر لازال يعيش التردد والشك والريبة، ممافرض عليه التباطؤ في التعاطي مع خطوات المشروع السياسي..


ما هو موقفنا ؟


لانحمل أي عقدة في التعاطي مع المرحلة ومشروعها السياسي..لسنا سلبيين، ولا مترددين..مسؤوليتنا أن نتعامل مع المرحلة، ومع مشروعها السياسي، ومع خطوات التغيير، بإيجابية ومرونة وشفافية، وانفتاح، حتى نستطيع أن نمارس الدور الفاعل والقادر على المساهمة في توجيه الحركة الاصلاحية، بما نملك من رؤى تنطلق من منظورنا الاسلامي، وتتناغم مع منظومتنا الروحية والاخلاقية، ومع معطياتنا الدينية.


وبمقدار ما تفرض المرحلة أن نكون ايجابيين ومنفتحين، فإنه يجب أن يكون هذا التعاطي واعياً وأن يكون هذا الانفتاح بصيرأً، وإلا كان حالة إنفعالية ساذجة، واستجابة مأسورة..إننا في حاجة إلى انفتاح فاعل، وتعاطٍ منتجٍ له تأثيراته في الواقع الجديد المتحرك.


وهذا يفرض أن نملك وعي المرحلة بكل مكوناتها الثقافية والاجتماعية والسياسية وأن نملك وعي الحركة الاصلاحية بكل مساراتها وآفاقها وطموحاتها، وأن نملك وعياً بكل الاتجاهات والقوى المتحركة في الساحة والتي تحاول أن تشارك في تفعيل المشروع وصياغة خطوات المرحلة.


• المسؤولية الرابعة: المشاركة السياسية..


يصر البعض على رفض أن يكون لعلماء الدين اي دور في الممارسة السياسية، وينطلق هؤلاء الرافضون من عدة مبررات:


المبرر الأول:
ليس من مهام الدين، التدخل في الشأن السياسي.. الوظيفة الاساس للدين هي صياغة الواقع الروحي للانسان في مساراته الفردية، وتهذيب السلوك الاخلاقي، وتحصين المحتوى الداخلي للفرد، وتطهير جميع غرائزه وشهواته


ما منظومة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسة، فهي متروكة لصياغات العقل البشري، ومنجزات التطور العلمي


وإذا تأسس هذا الفهم في تحديد مهمة الدين، فلايبقى أي مجال لتدخل علماء الدين في المسائل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. مناقشة هذا المبرر:
من الواضح أن هذا المبرر ينطلق من فهم خاطئ جداً للدين الحديث هنا عن الدين الاسلامي طبعاً.ولسنا في حاجة إلى جهد كبير لإثبات خطأ هذ الفهم، والذي يعبر عن إحدى دلالتين:


الدلالة الاولى: الجهل المفرط بأبسط مبتنيات هذا الدين، واوضح مكوناته، فقراءة عاجلة في أي مصدر من مصادر الفقه الاسلامي، تبرهن بكل وضوح خطأ وسذاجة هذا الفهم فالاسلام في تشريعاته ينتظم حركة الانسان في جميع مساراتها الفردية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وفي جميع مجالاتها الروحية والمادية..
(واتبغ فيما آناك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا)
(( اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا، واعمل لأخرتك كأنك تموت غداً ))


الدلالة الثانية: محاولة التشويه المتعمد لمفهوم الدين، كما هي مهمة الكثير من العلمانيين في مصادرة دور الدين وإقصائه عن مواقع الحضور الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، والسياسي، وبهدف الاستفراد بكل مواقع الحركة، وصياغتها وفق المنظور المناهض لتوجهات الدين.


المبرر الثاني:
وثاني المبررات التي ينطلق منها الرافضون لإعطاء علماء الدين حق التدخل في الشأن السياسي، هو كون العلماء لا يملكون (القدرة) على ممارسة العمل السياسي، ولا يحملون خبرة هذا الميدان واستعداداته الفكرية والعملية، حيث طبيعة تكونهم الذهني والثقافي والعلمي هو التعاطي مع المسائل الدينية، وقضايا الفقه والشريعة..


هذا الكلام فيه مغالطة واضحة.. فلا شك أن “العمل السياسي” يفترض التوفر على مؤهلات وقدرات سياسية، متى توفرت هذه المؤهلات والقدرات جاز لهذا الانسان أو ذاك أن يمارس الدور السياسي، لا فرق في ذلك بين عالم الدين أو غيره، ومتى غابت لم يجز لهما معاً تعاطي السياسة.


الساحة المعاصرة في عدة مناطق في العالم، تثبت وجود كفاءات علمائية متميزة في التعاطي السياسي تنظيراً أو ممارسة…الكثير من علماء الدين في هذا العصر، هم من الدارسين الاكاديمين بالاضافة إلى تخصصاتهم الدينية، فلماذا يسمح لكل الناس حتى ولو كانوا عاديين لا يحملون أي مؤهل علمي أن يمارسوا العمل السياسي، أما علماء الدين وإن توفروا على ارقى القدرات والمستويات، فهم غير مؤهلين للعمل السياسي..هل العقدة من مجرد الزي العلمائي، أم أن المسألة تنطلق من حسابات خاصة..!؟


المبرر الثالث:
وثالث هذه المبررات أن العمل السياسي بما يختضنه من الاعيب وأكاذيب ودجل ونفاق لا يتناسب والمكانة الروحية التي يتمتع بها علماء الدين..


هذا المبرر قد يبدو وجيهاً عند البعض لسببين: كون السياسية في واقعها الفعلي يطغى عليها الكذب والزيف والدجل، هذا أولاً، وثانياً وجود رغبة حقيقة عند الناس في الحفاظ على المكانة الروحية النقية لعلماء الدين.


إلا أن هذا لا يصح ان يكون مبررا لإقصاء علماء الدين عن مما رسة مسؤولياتهم السياسية في الاطر النظيفية، ووفق المعايير الشرعية..


إن السياسة في شكلها الزائف أمر مرفوض، لايصح الاعتراف به، ثم إن النظافة السياسية من العناوين الكبيرة التي ندعو إليها، ونطالب بممارستها ومن أهم الوسائل لأنتاج هذه النظافة أن يتصدى للعمل السياسي الناس الذين يحملون نظافة الفكر، ونظافة الضمير، ونظافة السلوك..قد يقال بأن الطموح ليس واقعيا..وإنما هو طرح مثالي…لا ادري ماذا يقصد هؤلاء بالواقعية؟


إذا كانوا يفهمون الواقعية بأنها التسليم لما يفرضه الواقع، وإن كان هذا الواقع خطأً فهو فهم مغلوط وفاسد..مسؤولية اصحاب المشاريع الاصلاحية أن يغيروا الواقع الفاسد وأن يعيدوا صياغته من جديد، نعم يفترض ان يكون التغيير بأدوات قادرة على التعاطي مع الواقع.. هذا هو فهمنا للواقعية .فإذا كانت مسؤولية حركات الاصلاح السياسي هو انقاذ الواقع السياسي من جميع صياغاته الفاسدة، فلا يجوز ابداً أن نعتبر فساد الواقع السياسي مبرراً لإقصاء الناس الاتقياء إن لم يكن العكس هو الصحيح، فإن فساد الواقع يشكل مبرراً لتصدي هذا النمط الصالح من الناس..


أما كون العمل السياسي يتنافى مع القداسة الروحانية، ففكرة صنعتها في ذهنيبة الأمة أسباب كثيرة، قد لا أجد مجالاً – هنا – للخوض فيها ومعالجتها، وما يهم التأكيد عليه، أن هذه الفكرة مغلوطة، بل مشبوهة، رّوج لها أعداء الاسلام لأهداف معروفة، وتسربت إلى وعي الامة في مرحلة التخلف والانحسار، وهيمنة القوى الاستعمارية على واقع المسلمين الثقافي والسياسي والعسكري.


• ما هي مجالات العمل السياسي لعلماء الدين ؟


يتجسد عمل العلماء السياسي في المجالات التالية:


المجال الأول: إنضاج الوعي السياسي..
ويتم ذلك من خلال:
   – الدروس.    – الخطب.    – المحاضرات.    – الندوات.    – الكتابات.
المجال الثاني: الرقابة السياسية.. يشكل علماء الدين شريحة من أهم شرائح المجتمع بما تملكه من مميزات علمية واجتماعية ودينية، واذا كان المجتمع بجمبع شرائحه معني بممارسة الرقابة على السلطة السياسية، فعلماء الدين – لا شك – يتصدرون هذه الشرائح الاجتماعية ويتحملون مسؤولية الرقابة بدرجة أشد واقوى..
وأهم الوسائل التي تعتمد في مجال الرقابة السياسية..
   – النصح والتوجيه    – مبدأ الشورى    – النقد والمحاسبة    – الضغط الشعبي باعتماد الوسائل السلمية    – التواصل الدائم مع السلطة السياسية    – تنشيط دور المؤسسات الاجتماعية في مجال الرقابة السياسية
المجال الثالث: المشاركة السياسية
يمكن -وبعد قراءة دقيقة للمصلحة الاسلامية- أن يتصدى عدد من علماء الدين المؤهلين للمشاركة السياسية، ولعل ابرز مجالات هذا التصدي السياسي: الدخول في انتخابات المجلس النيابي…والمسألة في حاجة إلى دراسة متأنية وواعية يقوم بها علماء يملكون كفاءات فقهية وثقافية وسياسيةلتحديد المصلحة وفق المتغيرات والمستجدات الراهنه، وحسب حاجات المرحلة.
• المسؤولية الخامسة: التأسيس لبرنامج المرحلة..


يتحمل علماء الدين مسؤلية خطيرة جداً في هذه المرحلة الانتقالية الصعبة، والتي من خلالها سوف يترسم كل من الواقع لهذا البلد المسلم، مما يفرض حضورا حقيقيا لعلماء الدين، ليساهموا في رسم خارطة الحاضر والمستقبل بمايحفظ للبحرين هويتها الاسلامية، ويحمي أصالتها الدينية، وموقعها الاحضاري المتميز..


وهذه المسؤولية تفرض على علماء الدين الشيعة والسنة أن يضعوا برنامجهم الاسلامي القادر على التعاطي مع ضرورات المرحلة، ويمكن أن نؤسس هنا لهذا البرنامج من خلال تحديد أهم الأسس التي يجب أن يتشكل منها برنامج المرحلة:


أسلمة التشريعات..
يؤكد البرنامج على ضرورة أسلمة جميع التشريعات، فيجب أن يكون الاسلام هو مصدر التشريع لكل القوانين في هذا البلد المسلم.
التأكيد على ضرورة التوازن بين حاجات الشعب الروحية وحاجاته المادية، فلا يجوز التفريط بأي قسم من هذه الحاجات، وفي ضوء هذه الضرورة يفترض في الشعب أن يختار ممثلية لمجلس النيابة على هذا الاساس..
شمولية البرنامج ممايميز البرنامج الاسلامي
الشمولية والاتساع، فمن التحجيم لهذا البرنامج أن نختصره في المسار الروحي فقط، أو في المسار الثقافي فقط، أو المسار السياسي فقط.
فما هي المفاصل الاساسية لهذا البرنامج:


المفصل التشريعي والقانوني.
المفصل الروحي والاخلاقي.
المفصل الفكري والثقافي.
المفصل الاجتماعي.
المفصل الاقتصادي.
المفصل السياسي.
المفصل التربوي والتعليمي.
المفصل الاعلامي.
مفاصل اخرى مفتوحة لإحتواء كل حاجات المجتمع وضروراته.


إشكالية تواجه برنامج الاسلاميين:
قد يقال بأن هذا البرنامج الاسلامي في شموليته لا يمكن تطبيقه، وهذا يعني تعطيل للبرنامج لأن الاسلاميين لايقبلون بالتجزءة..ونجيب عن هذه الاشكالية بمايلي:


صحيح أن اقتطاع أي مفصل يؤدي إلى خلخة في بنية البرنامج وفي توازنه إلا اننا لا نرفض ترحيك بعض المفاصل اذا شكلت الظروف الموضوعية عوائق في تحريك بقية المفاصل…إلا إذا كان هذا التحريك يؤدي إلى بتر يشوّه الصورة، ويسئ إلى التطبيق، مثال ذلك:
لو ارادت التجربة الاسلامية أن تعتمد حكم الاسلام في (قطع يد السارق) في مجتمع غائبة فيه تشريعات الاسلام المتمثلة في توفير الضمانات المعيشية، وفي حماية المواطن من اسباب الفقر والحرمان وفي توفير فرص العمل، وفي كفالة العاطلين، وفي سد الحاجات الضرورية للمواطنين. في مجتمع من هذا النوع سوف يأتي لتطبيق هذا الحكم بتراً وتشويهاً وإساءة لاحكام الاسلام.


مثال آخر: لوكان المجتمع معبأ بكل وسائل الفساد الاخلاقي، وبكل أساليب الاثارة والفتنة والفسوق والمجون، وبكل المشاريع التي تدمر القيم والاخلاق، وتصادر المناعة الروحية، وتروج لأسباب الذعارة والبغاء..أليس إساءة واضحة للاسلام أن ندعو في مثل هذا المجتمع الذي لا تحكمه برامج الاسلام إلى تطبيق حكم الشريعة برجم أو جلد الزناة..


• المسؤولية السادسة: خطاب الوحدة..


خطاب الوحدة هو أحد مسؤوليات المرحلة، وأحد ضرورات المشروع الإسلامي (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) وبمقدار ما يكون هذا الخطاب قادراً على التعاطي مع قناعات الأمة، يحقق دوره الفاعل في نجاح المشروع الإسلامي، وحماية منجزات المرحلة، وهنا تتأكد مسؤولية علماء الدين في تأصيل خطاب الوحدة وصياغة مضمونه الإسلامي المرتكز على البر والتقوى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) فأي صيغة للتقارب لا تتأسس على “البر والتقوى” بكل ما للبر والتقوى من امتدادات واسعة، ودلالات كبيرة، فهي صيغة مرفوضة.


الاسلام يتناغم مع كل خطابات الوحدة، ما دامت لم تتأسس على “الاثم والعدوان” وما دامت لم تتحول الى عصبيات منغلقة، وطائفيات منغلقة، ومذهبيات منغلقة، ومؤسسات منغقلة، وتجمعات منغلقة.. وفي سياق التأسيس لخطاب الوحدة، ندعو علماء الدين من السنة والشيعة أن يجتمعوا لصياغة هذا الخطاب بما يتناسب مع حاجات المرحلة، وضرورات المشروع الاصلاحي الذي تشهده هذه البلاد.


• المسؤولية السابعة: التصدي لمواجهة المشرعات المناهضة للاسلام ..


من مسؤوليات علماء الدين في هذا المرحلة التصدي لمواجهة كل المشروعات المناهضة للاسلام، ولكل المشروعات التي تحاول أن تصادر هوية الأمة الايمانية والروحية والثقافية والسياسية..


حماية الواقع الايماني والروحي والاخلاقي ضرورة من ضرورات المرحلة، فمن أساسيات النهوض السياسي أن يترسخ هذا الواقع، وألاّ تحوّل هذا النهوض إلى مصادرة واستلاب وضياع وافساد.


والتصورات من المسؤوليات الكبيرة لعلماء الدين في هذه المرحلة التي تشهد الواناً متعددة من الطروحات الثقافية والاجتماعية والسياسية، وفي زحمة هذه الطروحات تتأكد الضرورة لاستجلاء رأي الدين، وهنا يتحمل العلماء ورجال الفكر مسؤولياتهم في تحصين وعي الامة، وحماية ذهنية الأمة من تأثيرات الفكر المضاد.


ومن حق كل القوى الثقافية والاجتماعية والسياسية ان تساهم في انجاح المشروع الاصلاحي الراهن، ولايحق لأي فصيل أن يحتكر المشروع لمصلحته، ولكن أن تسوّق هذه القوى مفاهيم وافكار تتناقض مع دين البلد وقيمه واخلاقيته، فذلك أمر مرفوض بقوة ودعاوى التعددية وحرية الرأي لاتبرر المس بهوية البلد واصالته وثوابته الاسلامية…اذا استطاعت تلك القوى أن تحترم هذه المكونات، وأن تحافظ على سلامتها، وأن تدافع عنها، فلها الحق ان تطرح برامجها الوطنية، وأن تشارك بقوة في العملية الاصلاحية، وأن توظف كل قدراتها الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في خدمة هذا الوطن، وحماية منجزات المرحلة.


 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى