حديث الجمعةشهر شوال

حديث الجمعة 404: الكسل العباديّ – لا نريدُ لهذا الوطن أنْ يبقى مأزوماً

بسم الله الرحمن الرحيم ..
الحمد للهِ ربَّ العالمين وأفضلُ الصلواتِ على سيّد الأنبياء والمرسلين محمدٍ وعلى آلِهِ الهداةِ الميامين وبعد:


الكسل العباديّ:


لماذا يُصابُ الكثيرونَ بالكسلِ في عباداتِهم، في صلاتِهم، في دعائِهم، في تلاواتهم … ؟


أهمُ الأسبابِ في إنتاجِ هذا الكسلِ العابديّ هو
 “ارتكاب المعاصي والذنوب”


 جاء في الحديث: » كيف يجدُ لذةَ العبادةِ مَنْ لا يصومُ عن الهوى «


 وتقدّم قولُ أمير المؤمنين عليه السلام: » ما جفَّتْ الدموعُ إلاّ لقسوةِ القلوبِ، وما قَسَتْ القلوبُ إلاّ لكثرةِ الذنوب «


 وورد في حديث عن المعصومين عليهم السلام:
» مَنْ أكلَ الحرامَ اسوَدَّ قلبُهُ، وضعفتْ نفسُهُ، وقلَّتْ عبادتُهُ …«


فالإنسانُ الملوّث بالذنوبِ يُصابُ بكسلٍ عباديّ، فلا يُقبل قلبُهُ على العبادةِ، ولا تنشط أعضاؤه ..


تحدثَ القرآنُ عن أصنافٍ من المُصلّين هذه بعضُها:
(1) المُصلّونَ الخاشعون:
• ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (٢) ﴾ (المؤمنون)
(2) المُصلّونَ الكُسالى:
• ﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَىٰ ﴾ (النساء:142)
• ﴿ وَلا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى ﴾ (التوبة:54)
(3) المُصلّونَ السّاهُون:
• ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (٧) ﴾ (الماعون)
– الويل:  شدة العذاب
– ﴿ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ : 
لا يُبالون بصَلاتهم، ولايهتمون بها، فقد يهملونها كليةً حتى يخرج وقتُها، وقد يستخفون بها فيؤدونها بكشل غير صحيح، أو يُؤخرونها إلى آخر الوقت .. فالصّلاة لا تحمل قيمةً لديهم، وإذا مارسوها مارسوها شكلاً مفّرغاً عن المضمون ..
– ﴿ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ﴾:
أعمالهم غير صالحةٍ لله تعالى وقد ذّمت الروايات الرّياء بشدةّ:
 عن رسول الله صلىّ الله عليه وآلِهِ وسلمّ:
» إنّ المرائِي يُدعى يومَ القيامةِ بأربعةِ أسماء: يا كافر! يا فجر! يا غادر! يا خاسر! حبط عملُك، وبطل أجرُك، فلا خلاصَ لكَ، فالتمس أجركَ ممّن كنت تعملُ له  «


 وعنه صلىّ الله عليه وآلِهِ وسلمّ:
» سيأتي على النّاسِ زمانٌ تخبث فيه سرائرهم، وتحسنُ فيه علانيّتهُم طمعاً في الدّنيا، لا يريدون به ما عند ربِّهم، يكونُ دينُهم رياءً لا يخالطهم خوف، يعمهّمُ الله بعقابٍ، فيدعونه دعاء الغريقَ فلا يُسّتَجاب لهم «
– ﴿ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ :  
لا يُقدّمون أيَّ عَوْنٍ وخدمةٍ للنّاسِ، وبعبارةٍ أخرى لا ينفعونَ الأخرين، ولايُفكروّنَ إلاّ في مصالحهم الذّاتية ..
 قال الإمام الصادق عليه السلام:
» أيُّما مؤمن منَعَ مؤمناً شيئاً ممّا يحتاج إليه، وهو يقدُرُ عليه من عندِهِ أو مِن عند غيرِه، أقامهُ الله عزّ وجلّ يوم القيامة مُسودّاً وجهَهُ، مزرقّةً عيناه، مغلولةً يداه إلى عنقه، ويقال له: هذا الخائن الذّي خان الله ورسوله، ثمَّ يؤمر به إلى النّار «
في منظورِ الدينِ الحقّ أنّ التفريط في قضايا الناس ، وفي الدّفاعِ عنها هو خيانةٌ للهِ ولرسولِهِ، وهو جنايةٌ كبرى يستحقُّ فاعِلُهَا أقسى العقوباتِ يوم الحسابِ، فالدّينُ ليس مجردَ صلاةٍ، ودعاءٍ، وصيامٍ، وحّجٍ، وعمرةٍ إذا لم يتحول حركةً في الحياة، تصنعُ الخيرَ، وتزرعُ العدلَ، وتنشر المحبّة، وتحملُ معاناةَ البؤساءِ والمحرومين، وتدافعُ عن قضايا المضطهدين ..


هذا لا يعني أنْ يُفرّطَ الإنسانُ  في عبادتِهِ، بلْ يجب أنْ تتزاوجَ العباداتُ مع كلِّ مساراتِ الحياةِ ليكون الإنسانُ المؤمنُ عابداً في محرابِ الصلاةِ ، وعابداً في كلِّ مواقعِ الحياةِ الإجتماعيةِ والإقتصاديةِ والسياسيةِ والثقافيةِ وجميع هذه المواقع لا تحمل قيمةً في منظور الديّن إذا انفصلتْ عن توجيهاتِ العبادةِ، كما أنَّ العبادةَ لا تحمل قيمةً في منظور الديّن إذا انفصلتْ عن حركةِ الحياة.


فالعبادةُ الحقّةُ هي التي تُنشّطُ كلَّ حركاتِ الحياةِ وهي التي تُحصّنُّ هذه الحركاتِ، فلا قيمة لعبادةٍ لا تُنشّطُ حركاتِ الحياةِ، ولا قيمةَ لحراكاتٍ لا تُحصّنُها عبادةٌ ..


وهل أنّ هذا الكلامَ يعني اننّا ندعو إلى ” تدين السّياسة وتسيس الديّن” ؟
لن أدخلَ في جَدليّةِ “الديّن والسّياسيةَ” فهي جدلية إمتدَّ عمرُها طويلاً، ولن أدخلَ في جدلية “أسلمة وعلمنة السّياسةِ” وفي جدلية “الدَّولة الدّينيةُ والدوّلةُ المدنية” وفي جديلة “الخطابُ الدّيني والخطابُ السّياسي” فهذه جدلياتٌ في حاجةٍ إلى معالجاتٍ متخصّصةٍ، وليس موقعها هذه المنابر ..


ولكن ما أردتُ تأكيدَه أنّ السّياسةَ متى تصادمتّ مع قيم الدّين ومبادئِهِ وتشريعاتِهِ ومسلمّاتِهِ فهي سياسةٌ مرفوضةٌ إسلامياً، فلا يمكن أن يُطالبَ الإنسان المسلم بالتزام ما يتنافى قطعاً مع إسلامِهِ ودينِهِ ..


وكذلك فإنّ الدّين الذّي لا يقاربُ حياة الإنسانِ وهمومَهُ، وقضاياهُ، ومشاكلهُ فليس هو دين الله القيمّ على كلِّ دنيا الإنسان وعلى كل أوضاعِهِ ..
للحديث تتمة إن شاء الله تعالى ..


لا نريدُ لهذا الوطن أنْ يبقى مأزوماً:


قبل أنْ أقاربَ هذا العنوانَ أودُّ أنْ أُمَهِدَّ ببعض كلمات ..
ما أتمناهُ على كلِّ مَنْ يسمعُ حديثي أو يقرأهُ أنْ لا يستعجل الفهمَ، فربّما أوقعهُ هذا الإستعجالُ في “التباسـاتٍ” خاطئةٍ ..
كما اتمنى على مَنْ فهم الحديثَ جيداً، واخلتف مَعهُ أن يحترم الرأي الأخر، وله كلُّ الحقِّ أنْ يناقشَ، ويحاسبَ، وينتقدَ، ويرفضَ ..
ولكن ليس مِن حقّه أنْ يمارسَ قذفاً، وسبّاً، وإتهاماً، وإساءةً، هكذا أدبّنا اسلامُنا ودينُنا وقرآنُنا حتى مع  الذيّن نختلف معهم عقيدياً ودينياً!
 ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ  ﴾ (العنكبوت:46)
إننيّ لا أضيقُ بأيّ نقدٍ أو محاسبةٍ، فلا أدّعي لنفسي العصمةَ، فربّما أصبتُ، وربّما أخطأتُ، فإنّ أصبتُ فبتوفيقِهِ تعالى وتسديده وإنْ أخطأتُ فبسوء فهم وتقديري ..


وأؤكّد هنا أننّي فيما أطرحُ أُحاولُ أنْ اعتمد منطلقين:
 المنطلق الأول:  القناعة الشرعية ..
 المنطلق الثاني:  الرؤية الموضوعية ..
وليس بالضرورة أننيّ أصيبُ في هذين المنطلقين، فالحاجةُ ماسةٌُ لي ولغيري أنْ يستشيرَ ويسترشدَ من يثق بدينِهِ وببصيرتِهِ، خاصة في القضايا التي تمثلُ شأناً عاماً لكلّ النّاسِ، وليست شأناً خاصاً.


أيهّا الأحبّةُ: 


 ما أحوَجَ المرحلةَ بكلّ تحدّياتِها الصعبة ومنزلقاتِها الخطيرة إلى أنْ تتقاربَ الرؤى لمعالجةِ الأوضاعِ المأزومةِ، بعيداً عن الإنفعالاتِ، والتجاذباتِ، والصراعاتِ ..
قد لا تتوحّدُ القناعاتُ، ولكنَّ المطلوبَ أنْ لا تتصادم، وأنْ لا تتحارب، لأن التحديات لا تسمح بهذه التجاذباتِ المدمرّة والمربكة ..
وأكررُ أنَّ اختلاف الرؤى أمر مشروعٌ، مادام هذا الإختلافُ محكوماً لعقلٍ ورشدٍ وتقوى ..


وليس إلى غبشٍ، وطيشٍ، ونزقٍ، وعصبيةٍ، وهوى ..
علمّنا اسلامُنا أن نقول “الأحسنَ” حينما نجادل مَنْ يختلفُ معنا عقيدياً أو ثقافياً أو سياسياً
﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ (النحل:125)
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ (الإسراء:53)
بعد هذه الكلماتِ العاجلةِ أعودُ لمقاربة العنوان المطروح
” لا نريدُ لهذا الوطنِ أنْ يبقى مأزوماً “


وهنا أطرحُ سؤالاً:
مِن أينَ يبدأ الحلُّ لإنقاذِ الوطنِ من أزماتِهِ؟
هلْ يبدأُ الحلُّ أمنياً؟
هلْ يبدأُ حقوقياً؟
هلْ يبدأُ سياسياً؟
وقبل الإجابة عن هذا السؤالِ نوكّد على:
أنَّ الأمنَ ضرورةٌ للأوطانِ ..


وأنّ الحقوقَ أساسُ التعايش في داخل الأوطانِ وأنّ السّياسةَ الصّالحة هي عنوانُ الخلاصِ للأوطان …


وحينما نتحدّثُ عن امنِ الأوطانِ نتحدث عن أمنِ الناس كلِّ الناسِ، أمنِ الأرواح والأعراضِ والأموالِ، أمنٍ يتناغم مع منطومةٍ حقوقيةٍ عادلةٍ، ومع مساراتٍ سياسيةٍ صالحة .. 


وحينما نتحدثُ عن مسارٍ حقوقي نتحدّث عن تشريعاتٍ توفّر الحريةَ والكرامةَ وتحترم الإنسان نتحدّث عن تشريعاتٍ أقرّتها المواثيقُ الدولية وكلُّ الدساتير والقوانين العادِلة ..


وحينما نتحدث عن مسارٍ سياسيّ نتحدّث عن مشروعاتٍ ناجحةٍ قادرةٍ على إنقاذِ الأوطانِ من الأزماتِ والتوتراتِ والإحتقاناتِ، وتعبّر عن إراداتِ الشعوب وخياراتِها ..


وللإجابة عن السؤالِ المطروحِ: من أينَ يبدأ الحلّ؟ هنا ثلاثةُ أتجاهات:


الإتجاهُ الأولُ:
يُؤكّد أنّ الحلَّ يجبُ أنْ يبدأ أمنياً بالمبرّرِ أنّ ترسيمَ الحقوق، وتحريكَ المشروع السّياسي في حاجةٍ إلى بيئةٍ أمنيةٍ مستقرةٍ .. وتتبنّى هذا الإتجاه – في الغالب – أنظمة الحكم، وضمن المعاييرِ الأمنيةِ التي تهندسُها هذه الأنظمة..


الإتجاهُ الثاني:
يُؤكّد أنّ الحلَّ يجبُ أنْ يبدأ حقوقياً، فمن خلال التأسيسِ الحقوقيّ العادلِ يترسّخُ الأمن وينجح المشروع السّياسي .. ويبتنّى هذا الإتجاه – في الغالب – ناشطون حقوقيون ..


الإتجاه الثالث:
يُؤكّد أنّ الحلَّ يجبُ أنْ يبدأ سياسياً، فغيابُ المشروعِ السّياسيّ الصَّالحِ يُربكُ الأوضاعَ الحقوقية، ويدفعُ نحو التأزماتِ الأمنية .. وهذا الإتجاه يتبنّاه – في الغالب – ناشطونَ سياسيون .. وهو إتجاه له صدقيةٌ واقعيةٌ، فلا يُحصنُّ أمنَ الأوطانِ، ولا يسيّجُ حقوقَ الشعوب إلاّ المشروعات السّياسية الحقيقية التي تعبّرُ عن إراداتِ الشعوب، وعن خياراتِها الصالحة ..
وهذا لا يلغي ضرور أنْ تتزاوجَ المساراتُ السياسيةُ والأمنيةُ والحقوقيةُ لإنتاجِ الحلولِ الحقيقيةِ القادرةِ على إنقاذ الأوطانِ من ازمتِها المزمنةِ، ومن أوضاعِها المحتقنة ..


ولا بدَّ من الفتاهم في البحث عن الحلولِ لإزماتِ الأوطان والتفاهم لا يعني لفاءاتٍ شكليةً استهلاكيةً، هناك شروطٌ موضوعي، وهناك مناخات سليمة يجب أنْ تتوفّر .. ربّما تتجهُ بعضُ القناعات إلى أنّ حديثَ الحوارِ والتفاهم “حديث وَهْمٍ وخرافة”، ويُمثلُّ ضعفاً وانكساراً، فإدمانُ الكلامِ فيه هو استهلاكٌ لمشاعرِ النّاس، وتخديرٌ لإراداتِهم، وإضاعةٌ للوقتِ بلا جَدْوى، وإعطاءُ الفرصةِ لمشروعاتِ الهيمنةِ أنْ تستحكم ..


ما الذي أعطى لهذه القناعاتِ بعضَ مبّرراتها؟
لعلَّ الكثيرَ من سياساتِ التعاطي مع إراداتِ الشعوب، وخياراتِها، ورغباتِها الجادّةِ في البحثِ عن الحلول هو الذي وفرَّ الفرصةَ لتحرك هذه القناعاتِ الرافضة ..


وهذا يفرضُ على الأنظمةِ أنْ تعيدَ إنتاجِ الصّياغاتِ والمناخات السَّليمة في التعاطي مع إراداتِ الشعوبِ وخياراتِها، وكلمّا كانتْ المساراتُ جادّةً وصادقةً في إتجاهِ المشروعاتِ السّياسيةِ الصّالحةِ فهي القادرة على معالجةِ كلِّ الإشكالاتِ، وتجاوز كلِّ المعوّقات، وتغيير كلِّ القناعاتِ الرافضة ..
وفي الختام اؤكّد أنّ مطالبَ الشعبِ العادلةَ لا يجود المساومةُ عليها وأنّ حقوقَهُ المشروعةَ لا يجوز التنازلُ عنها ..
وأنّ خياراتِهِ السّلميةَ لا يجوزُ التفريطُ فيها ..
وأنّ وحدةَ مكوّناتِهِ لا يجوز العبثُ بها ..


وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.


فيديو


https://www.youtube.com/watch?v=JfRX2Y8vPEA

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى